السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنقل لكم مانقلته صحيفة الأهرام المصرية
عن اللقاء الذي تشرف به عمرو موسى بعد سقوط الطاغية
بزيارة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (حفظه الله تعالى )
رسالة العراق: مسعود الحناوي
لم يكن أكثر المراقبين تفاؤلا يتوقعون هذا النجاح النوعي الذي حققه عمرو موسي الأمين العام لجامعة الدول العربية في العراق, ولم يكن أكثر الناس تشاؤما يتصورون هذه الصورة الكئيبة التي وجدت عليها العاصمة بغداد, التي تظهر وكأنها سجن كبير بالنهار.. الدبابات والمدرعات والآليات العسكرية تكسو شوارعها.. والمناطيد والطائرات المروحية تغطي سماءها.. فإذا عم الليل بدت وكأنها مدينة للأشباح.. جميع محلاتها مغلقة.. وميادينها مظلمة.. وشوارعها خالية.. ويغلفها صمت مخيف!!
بيد أن الصورة لم تكن كذلك عند وصولنا إلي النجف الأشرف قاصدين مقر آية الله العظمي علي السيستاني..
فبجوار مسجد الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه كان المقر داخل أحد الأزقة الضيقة التي عبرناها حتي وصلنا إلي منزل متواضع.. استقبلنا علي بابه شاب بابتسامة واسعة وأحضان وقبلات وكأنه يعرفنا منذ سنين عدة.. علمت فيما بعد أنه محمد نجل آية الله السيستاني.
على باب المنزل خلع عمرو موسي وجميع أعضاء الوفد المرافق له أحذيتهم ـ كما تم إرشادنا ـ وقادنا محمد بمودة إلي داخل المنزل يتصدر مدخله بعض المقاعد الخشبية البسيطة, قبل أن يصحبنا إلي إحدي الحجرات الملحقة حيث المرجع الشيعي الأعلي آية الله السيستاني ينتظرنا وتشع من وجهه علامات التقي والورع ومن عينيه شعاع النور.. وبحرارة ووقار أخذ يدي بين كفيه وهو يرحب بنا ويدعونا للجلوس.. ولكن الحجرة كانت خالية تماما من المقاعد.. بل لا يوجد بداخلها أي أثاث اللهم إلا منضدة صغيرة بأرفف قليلة وضع بداخلها عدد من الأوراق والملفات بينما كانت الأرض تفترش بسجاد عادي.. وجلس آية الله العظمي علي السيستاني علي الأرض في أحد الأركان وبجواره جلس عمرو موسي أرضا مع بعض أعضاء الوفد.. بينما جلست مع زميلي في وكالة أنباء الشرق الأوسط وجريدة الأخبار في الجهة المقابلة.
تحرك مبارك
كل الدلائل والمؤشرات كانت تظهر أننا أمام شخصية غير عادية, واقتطع عمرو موسي بلباقته المعهودة ومرونته لحظات الصمت القصيرة التي سادت فور جلوسنا وهو يوجه حديثه لآية الله العظمي السيستاني قائلا: لقد دعونا لاجتماع يقضي علي أسباب الفرقة ويترك الماضي وينظر إلي المستقبل في العراق الذي ينتابنا جميعا القلق بشأنه.. والعالم العربي مستعد لمساعدة المسيرة العراقية الجديدة وأنا بصفتي أمينا عاما لجامعة الدول العربية كلي حماس من منطلق الخير والنوايا الطيبة. ويسعدني مباركتكم.
ومن جانبه أوضح المرجع الشيعي الأعلي آية الله السيستاني أن تفاصيل الأمور يتركها للقوي السياسية بكل مكوناتهم, لكنه أكد ضرورة المقاومة السلمية للاحتلال حتي يتم الوصول إلي الاستقلال التام, كما أكد اعتزاز أبناء الشعب العراقي بعروبتهم, وقال: أنا لا أعتبر نفسي إلا خادما لهذا الشعب, كما بارك التحرك الذي يقوم به عمرو موسي باسم جميع العرب ووصفه بأنه مأجور ومشكور, متمنيا له التوفيق التام والخير وجمع الشمل.
نسألك الدعاء
كان واضحا من رفض آية الله السيستاني دخول أية كاميرات إعلامية لتسجيل هذه الصورة النادرة لذلك الاجتماع المهم أنه شديد التحفظ مع الصحفيين والإعلام, لذلك لم يرد علي سؤال زميلي الخاص بإمكان إصدار بيان يعلن فيه تأييده لمسعي موسي عقد مؤتمر للوفاق الوطني, لكنه استقبل كلماتي إليه بمودة ورضا وأنا أقول له: إننا جئنا من القاهرة وقطعنا كل هذه المسافة من بغداد إلي النجف كي نقابلك ونحصل علي مباركتك لتحركنا وكل ما نرجوه منك هو أن تذكرنا في دعائك مادامت أهداف تحرك الجامعة تتفق مع توجهاتك وأهدافك.
أحاسيس رائعة
ودعنا آية الله العظمي علي السيستاني بحضن دافئ بين يديه ـ وليس فقط بالأيدي كما حدث عند الاستقبال ـ وهو يدعو لنا بالتوفيق في حياتنا ومهمتنا.
وخرجنا جميعا من منزله في حالة نشوة وسعادة بعد هذا اللقاء المبارك, وعند مخرج الحارة أو الزقاق الذي دخلنا فيه كان مئات الصحفيين ومراسلي وكالات الأنباء ينتظرون خروج عمرو موسي بعد اللقاء الذي طمأنهم وأخبرهم بنتيجة هذا الاجتماع الطيب.
وبعدها قرر موسي ونحن معه التحرك إلي ضريح الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه, حيث صلي ركعتي شكر للمولي عز وجل في الصحن الحيدري للضريح وقرأ الفاتحة وسط جموع المصلين, وغادر إلي القاعدة العسكرية العراقية في طريق عودته مرة أخري إلي العاصمة بغداد, ونحن نشعر براحة نفسية وسعادة واطمئنان لم نكن نحسها منذ أن وطئت أقدامنا أرض العراق.
وعلي متن نفس الطائرة المروحية التي أقلتنا للنجف عدنا إلي بغداد ولا أدري لماذا لم نشعر هذه المرة بنفس الرهبة والقلق الذي تملكنا في طريق الذهاب, برغم أن القناصة الأربعة اتخذوا نفس مواقعهم وقاموا بنفس تحركاتهم من نوافذ الطائرتين, وبرغم أن الطيارين سلكا نفس الطريق الذي جئنا منه هل كان الطيار أكثر هدوءا وتمكنا, أم أن السكينة والطمأنينة تسللت إلي نفوسنا وقلوبنا بعد زيارة مرقد الإمام علي كرم الله وجهه ومنزل آية الله العظمي السيستاني!!.