5- صـ 549 : الجزء الاول : المحلى بالآثار » كتاب البيوع » مسألة من باع سلعة بثمن مسمى
من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن امرأته , ومن طريق يونس بن أبي إسحاق عن أمه العالية بنت أيفع بن شرحبيل , ثم اتفقا عنها قالت: ((دخلنا على عائشة أم المؤمنين , وأم ولد لزيد بن أرقم فقالت أم ولد زيد بن أرقم : إني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسيئة إلى العطاء واشتريته بستمائة ؟ فقالت عائشة : أبلغي زيدا أنك قد أبطلت جهادك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب , بئسما اشتريت وبئسما شريت ؟ قالت : أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالي ؟ قالت" فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف" )) .
6 – و أستدل بهذه الحديث السيد سابق في تحريم بيع العينة ، وفي هذه الرواية إضافة إلى أن العملية لم تقتصر على ربا العينة بل أيضا ربا النسيئة ، يقول السيد سابق في كتابه المشهور – فقه السنة - : المجلد الثالث : صـ 287 :
(( بيع العينة نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه ربا ، وإن كان في صورة بيع وشراء ذلك أن الإنسان المحتاج إلى نقود يشتري سلعة بثمن معين إلى أجل ثم يبيعها ممن اشتراها منه بثمن حال أقل فيكون الفرق هو فائدة المبلغ الذي أخذه عاجلاً ، وهذه البيع حرام و يقع باطلاً . روى ان عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا ضن الناس بالدينار و الدرهم و تبايعوا بالعِينة واتبعوا أذناب البقرو تركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم بلاء فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم " ، أخرجه أحمد و ابو داود و الطبراني و ابن قطان و صححه ، وقال الحافظ ابن حجر : رجاله ثقات ، و قالت العالية بنت أيفع بن شرحبيل : " دخلت أنا وأم ولد زيد بن أرقم وامرأته على عائشة رضي الله عنها فقالت أم ولد زيد بن أرقم: إني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسيئة ثم اشتريته بستمائة درهم نقداً فقالت لها: بئس ما شريت, وبئس ما اشتريت - إلا أن يتوب. أخرجه مالك و الدارقطني . )) انتهى .
و الآن نستعرض سند الرواية و رواتها:
1- سند الرواية : رواية غندر عن شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته العالية بنت أيفع بن شرحبيل .
1- غندر :
قال الذهبي فِي " تذكرة الحفاظ " (ج3/ص961-964) :
- غندر الحافظ المتقن المجود أبو عبد الله مُحمد بن جعفر الهذلِي، مولاهم، أبو عبد الله البصري، المعروف بـ: غندر، صاحب الكرابيس، وكان ربيبَ شُعْبَةَ بْنِ الحجَّاجِ أَبِي بسطام الواسطي ، أمير المؤمنين فِي الحديث .
- قال الإمام أحْمَد بن حنبل: سَمِعْت غُندرًا يقول: لزمت شعبة عشرين سنةً لَم أكتب من أحدٍ غـيره شيئًا ، وكنت إذا كتبت عنه عرضته عليه .
قال أحمد: أحسبه من بلادته كان يفعل هذا !
- سُئل ابنُ مَعِينٍ عن غندر فقال: كان من أصح الناس كتابًا، وأراد بعضُهم أن يخطئه فلم يقدر عليه - كأنَّه يريد بذلك ثبته - ألقى إلينا ذات يوم جرابا من جرب الطيالسة وأحاديث ابن عيينة .
فقال: اجهدوا أن تخرجوا فيه خطأ .
فما وجدنا فيه شيئا، وكان يصوم منذ خمسين سنة يوما ويوما لا .
- وقال علي بن المديني: هو أحب إلَيَّ من عبد الرحمن فِي شعبة .
وقال أيضًا: قال عبد الرحمن بن مهدي: كنا نستفيد من كتب غندر فِي حياة شعبة .
- وقال أبو حاتم الرازي، عن مُحمد بن أبان البلخي: قال عبد الرحمن بن مهدي: غندر فِي شعبة أثبتُ منِّي!!
وقال أحمد من منصور المروزي، عن سلمة بن سليمان: قال عبدالله بن المبارك: إذا اختلف الناس فِي حديث شعبة فكتاب غندر حكم بينهم .
-وقال ابن أبي حاتم: سألت أبِي عن غندر؟
فقال: كان صدوقًا وكان مؤديًا، وفِي حديث شعبة ثقةً .
-وذكره أبو حاتم ابن حِبَّانَ فِي كتاب " الثقات "، وقال: كان من خيار عباد الله على غفلةٍ فيه !!
-وقال أبو قلابة الرقاشي، عن عبيد الله بن محمد العيشي: حدثنا بكر بن كلثوم السلمي، - قال أبو قلابة: وهو جدي أبو أمي - قال: قدم علينا ابن جُريج البصرة فاجتمع النَّاس عليه، فحدَّث عن الحسن البصري بِحديثٍ فأنكره النَّاس عليه، فقال: ما تنكرون عليَّ فيه، لزمت عطاء عشرين سنةً رُبَّما حدَّثني عنه الرجل بالشَّيء الَّذي لَم أسمعه منه.
و غندر من رجال مسلم : كتاب البداية والنهاية، الجزء 5، صفحة 127 .
2- شعبة :
-سفيان الثوري : شعبة أمير المؤمنين في الحديث
-قال الشافعي لولا شعبة لما عرف الحديث بالعراق قال أبو بكر البكراوي ما رأيت أحدا أعبد لله من شعبة لقد عبد الله حتى جف جلده على عظمه واسود
-وقال حمزة بن زياد الطوسي سمعت شعبة وكان ألثغ قد يبس جلده من العبادة يقول لو حدثتكم عن ثقة ما حدثتكم عن ثلاثة .
-قال عمر بن هارون كان شعبة يصوم الدهر
-وقال أبو قطن ما رأيت شعبة قد ركع الا ظننت أنه نسي ولا سجد الا قلت نسي
- قال يحيى القطان كان شعبة رقيقا يعطي السائل ما أمكنه قال أبو قطن وكانت ثيابه لونها كالتراب وكان كثير الصلاة
-قال الحاكم في ترجمة شعبة رأى أنس بن مالك وعمرو بن سلمة وسمع من أربع مائة من التابعين
وقد مر بنا قول ابن ابي حاتم : وقال ابن أبي حاتم: سألت أبِي عن غندر؟
فقال: كان صدوقًا وكان مؤديًا، وفِي حديث شعبة ثقةً وهذه الرواية عن طريق شعبة و هذه زيادة في الوثاقة كما يعلم .
3- أبي إسحاق السبيعي :
أبو إسحاق السبيعي إمام ثقة مشهور متفق على ثقته وعدالته وإتقانه وعلى الاحتجاج بحديثه ولم يطعن في عدالته وثقته وأمانته أحد .
وهذا مجمع عليه بين أهل السنة كما سيأتي مزيد بيان لذلك .
وإنما تكلم في أبي إسحاق من ناحيتين:
الناحية الأولى: التدليس .
وهذه الناحية سيكون الكلام عنها في الأوجه التالية .
الناحية الثانية: اختلاط أبي إسحاق السبيعي .
وإنما ذكرت هذه الناحية إتماماً للفائدة ولكيلا يأتي متحذلق فيعل رواية أبي إسحاق بهذه العلة الواهية .
وخلاصة الجواب على هذه الناحية هو ما قاله الحافظ الذهبي في الميزان(3/270) :
عمرو بن عبد الله أبو إسحاق السبيعي من أئمة التابعين بالكوفة وأثباتهم إلا أنه شاخ ونسى ولم يختلط وقد سمع منه سفيان بن عيينة وقد تغير قليلا وقال أبو حاتم ثقة يشبه الزهري في الكثرة .
وقال الذهبي-أيضاً- في كتاب المغني في الضعفاء(2/486) : (عمرو بن عبد الله أبو إسحاق السبيعي ثقة نبيل شاخ ونسي لم يضعفه أحد وسمع منه ابن عيينة وقد تغير شيئاً) .
وقال الحافظ العلائي في كتاب المختلطين(ص/94) ولم يعتبر أحد من الأئمة ما ذكر من اختلاط أبي إسحاق احتجوا به مطلقا وذلك يدل على أنه لم يختلط في شيء من حديثه كما تقدم في عبد الملك بن عمير فهو أيضا من القسم الأول)
والقسم الأول عند العلائي هو : (من لم يوجب ذلك له ضعفا أصلا ولم يحط من مرتبته إما لقصر مدة الاختلاط وقلته كسفيان بن عيينة وإسحاق بن إبراهيم بن راهويه وهما من أئمة الإسلام المتفق عليهم وإما لأنه لم يرو شيئا حال اختلاطه فسلم حديثه من الوهم كجرير بن حازم وعفان بن مسلم ونحوهما) .
الوجه الثاني: أبو إسحاق مكثر من التدليس ولكن ما هو التدليس الذي أكثر منه أبو إسحاق ؟
التدليس يطلق عند المتقدمين على حالتين :
الحالة الأولى: رواية الراوي عمن عاصره ولم يلقه ، أو لقيه ولم يسمع منه بصيغة تحتمل السماع كَـ"عن" وَ "قال" ونحوهما .
وبعض العلماء يسميه إرسالاً وبعضهم يسميه : "المرسل الخفي" .
الحالة الثانية: رواية الراوي عمن سمع منه ما لم يسمعه منه موهماً أنه سمع منه بصيغة تحتمل السماع كَـ"عن" وَ "قال" ونحوهما .
فالحالة الأولى-وهي الإرسال- أكثر منها أبو إسحاق فروى عن عدد من الصحابة وكثير من التابعيين ممن عاصرهم أو لقيهم ولم يسمع منهم .
والحالة الثانية فلم يكن أبو إسحاق مكثراً منها .
ولم أجد أحداً من علماء الحديث المتقدمين وصف أبا إسحاق بالإكثار من التدليس بالمعنى الثاني .
بل وجدت خلاف ذلك :
قال يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ(2/637) :
(وحديث سفيان وأبي إسحاق والأعمش ما لم يعلم أنه مدلس يقوم مقام الحجة) .
وهذا من الإمام يعقوب الفسوي دليل على أن أبا إسحاق لم يكن مكثراً من التدليس
بدلالة قول الإمام علي بن المديني لما سأله يعقوب بن شيبة عن الرجل يدلس أيكون حجة فيما لم يقل حدثنا ؟ قال الإمام علي بن المديني: "إذا كان الغالب عليه التدليس فلا ، حتى يقول حدثنا )
الكفاية للخطيب البغدادي : ص400
وانظر ما قاله ابن حزم في الإحكام(1/131-132) .
قال الأعمش: كان أصحاب ابن مسعود إذا رأوا أبا إسحاق قالوا: هذا عمرو القارئ الذي لا يلتفت.
قال مغيرة: كنتُ إذا رأيتُ أبا إسحاق ذكرت به الضرب الأول.
قال جرير بن عبد الحميد: كان يقال: من جالس أبا إسحاق فقد جالس عليّا - رضي الله عنه -.
قال شعبة عن أبي إسحاق قال: شهدت عند شريح في وصية فأجاز شهادتي وحدي.
قيل لشعبة: أَسَمِعَ أبو إسحاق من مجاهد؟ قال: وما كان يسمع به؟ هو أحسن حديثًا من مجاهد ومن الحسن وابن سيرين.
وقال علي بن المديني: حفظ العلم على الأمة ستة: فلأهل الكوفة أبو إسحاق والأعمش ولأهل البصرة قتادة ويحيى بن أبي كثير ولأهل المدينة الزهري. ولأهل مكة عمرو بن دينار.
قال أحمد بن حنبل ويحيى بن معين: أبو إسحاق ثقة.
قال النسائي: ثقة.
قال العجلي: كوفي تابعي ثقة.
قال أبو حاتم: ثقة وهو أحفظ من أبي إسحاق الشيباني ويُشبه الزهري في كثرة الرواية في الرجال.
قال أحمد بن عبدة: سمعت أبا داود الطيالسي يقول: وجدنا الحديث عند أربعة: الزهري، وقتادة، وأبو إسحاق والأعمش وكان قتادة أعلمهم بالاختلاف والزهري أعلمهم بالإسناد وأبو إسحاق أعلمهم بحديث علي وابن مسعود، وكان عند الأعمش من كل هذا.
قال الذهبي: الهمداني الكوفي الحافظ شيخ الكوفة وعالمها ومحدثها، وقال: وكان - رحمه الله - من العلماء العاملين ومن جلة التابعين، وقال: وكان طلابة للعلم كبير القدر. المراجع:
- سير أعلام النبلاء.
- تهذيب التهذيب.
4- العالية بنت أيفع بن شرحبيل :
- قال العظيم آبادي تعليقاً على الحديث في سنن الدارقطني (3 / 52):
وقال ابن الجوزي: قالوا: العالية امرأة مجهولة لا يحتج بها ولا يقبل خبرها. قلنا: بل هي امرأة معروفة جليلة القدر، ذكرها ابن سعد في "الطبقات"، فقال: العالية بنت أيفع بن شرحبيل امرأة أبي إسحاق السبيعي سمعت من عائشة.
و ذكرها ابن حبان في الثقات :
(4886)العالية بنت أيفع والدة يونس بن أبى إسحاق تروى عن عائشة روى عنها ابنها يونس بن أبى إسحاق السبيعي
-و ترجم لها ابن سعد في الطبقات الكبرى :
العالية بنت أيفع بن شراحيل امرأة أبي إسحاق السبيعي دخلت على عائشة وسألتها وسمعت منها أخبرنا يحيى بن عباد حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أمه العالية بنت أيفع بن شراحيل أنها حجت مع أم محبة فدخلتا على عائشة رضى الله تعالى عنها أم المؤمنين فسلمتا عليها وسألتاها وسمعتا منها قالت ورأيت على عائشة درعا موردا وخمارا جيشانيا فلما أردن الخروج قالت لهن حرام على امرأة منكن أن تصغي لزوجها