ما الذي سيحدث في العراق، لو أنّ خللا ً ما، حدث في نظام الكون فعاد حزب البعث "لا سمح الله" إلى السلطة؟
لا يحتاج المرء حتى إلى قليل من التفكير، ليخرج بنتيجة مفادها: إنَّ العراق سيشهد ـ في حال عودة هذا الحزب إلى السطة ـ اندلاق نهر ٍ من الدم يمتدّ من زاخو حتى أبي الخصيب.. وأن المقابر الجماعية ستكون أكثر اتساعا من بساتين الجنوب وغابات الشمال.. وسيعود العراق من جديد: ثكنة عسكرية على شكل وطن!!
الإنتفاضة الجماهيرية لم تنجح باسقاط النظام الديكتاتوري... ومع ذلك فقد كان انتقامه من جماهير الانتفاضة، بالغ الوحشية والقسوة، فقتل مئات الاف المواطنين... فكيف سيكون حجم وقسوة انتقامه من الشعب الذي وقف موقف المتفرج المتشفي والشامت المبتهج بردم مستنقع هذا الحزب على رغم أن المجارف كانت أجنبية ولأصحابها أجندة كولونيالية؟ إنّ النزعة الإنتقامية الدموية والشوفينية والعدوانية هي السمات الأكثر وضوحا لهذا الحزب، وحروبه الداخلية والخارجية تقف دليلا على ذلك.
قد يحتجّ قائل فيزعم أن إعدام صدام حسين من شأنه إفساح المجال أمام ولادة قياداتٍ جديدة ٍوطنية ِ المنحى وإنسانية التوجّه... والردّ على هذا الزعم، هو: إن الحزب لم يكن وليدَ صدام حسين بقدر ما كان صدام حسين وليد الحزب وإفرازا من إفرازاته، وبالتالي، فإن المستنقع الحزبي أو الأيديولوجي الذي أنتج بالأمس القريب جرثومة صدام حسين، سينتج جرثومة صدامية آخرى في حال توفـّر المناخ السلطوي المناسب.
فبالقدر الذي كان فيه الفوهرر أدولف هتلر، الأداة التنفيذية لتطبيق فلسفة فريدريك ولهلم نيتشة التي ارتكز عليها الحزب النازي، كان صدام حسين الأداة التنفيذية لتطبيق أفكار ميشيل عفلق التي ارتكز عليها حزب البعث في تجربتيه السلطويتين في العراق.
يقول ميشيل عفلق في كتابه "في سبيل البعث": (على الأمة العربية أن تغالب نفسها بعد تلك الغفوة الطويلة والإسترخاء والحياة اللينة، عليها أن تخوض المحن والويلات صقلا ً للإرادة) فحياة الاستقرار والرفاه في رأي ميشيل عفلق، هي من العناصر التي يجب عدم الركون إليها... فالحروب والمحن والويلات وفق هذا المنطق، هي ضرورات وطنية وقومية بغية "صقل الإرادة "حتى لو كانت ستؤدي إلى إزهاق أرواح ملايين المواطنين الأبرياء... ويقول الياس فرح: (إن المسألة في الحرب هي ليست مسألة استرجاع أرض قبل أن تكون مسألة إرادة.. فالمهم هو أن توجد معركة وأن توجد حروب لمعرفة قدرتنا، وقد استطاع الرفيق صدام حسين النهوض بالأمة بعد فترة طويلة من الخمول)... أي: إن صدام حسين قد نجح في تطبيق نظرية الحزب... وبمعنى ً آخر: إن المحن والحروب والويلات هي من بين مقومات الفكر العفلقي.
ليس صحيحا الاعتقاد بأن إعدام صدام قد أدى إلى اقتلاع أنياب الحزب وتدجين وحشيته ونزعته الدموية ـ وبالتالي لا ثمة خشية من عودته... فالنزعة الدموية والإنتقامية هي من بين أهم ميزات الحزب، الأمر الذي يوجب على الشعب العراقي وقواه الوطنية عدم السماح لهذا الحزب بالعودة أيا ً كانت شعاراته البراقة وتباكيه على حال الشعب العراقي بعد تنظيف الوطن من الوحل الديكتاتوري ـ وهو حال أفضل ألف مرة مما كان عليه العراق في ظل نظام جمهورية الأمن والمخابرات والمقابر الجماعية والحروب العدوانية.
صحيح أنّ الحاضر العراقي ليس بمستوى الطموح.. لكنه أفضل بما لا يُقاس من الأمس القريب حين كان العراقيون تحت رحى الديكتاتورية... والمؤكد أنّ الغد العراقي سيكون بهيا ً حين تـُسـتأصل أشواك المحاصصة الطائفية والقومية من البستان العراقي، ويُقضى على الفساد المالي والإداري وعلى بقايا وحوش الإرهاب المتحالفة مع بقايا ذئاب الغابة العفلقية.
لقد لـُدِغ الشعب العراقي مرتين من جحر البعث عامَيْ 1963و 1968م فنجا منهما مهيض الجناح... لكن اللدغة الثالثة ستكون مميتة حتما في حال حدوثها ـ لا سمح الله والشعب بذلك!!
إسم "العودة "الذي انتقاه الحزب مسمّى ً جديدا له، يعني أنه لن يكف ّ عن التآمر بغية عودته إلى السلطة، فعسى أن يتمّ غلق الثغرات التي تسلل منها "الرفاق" إلى بعض المواقع الحساسة خلال فترة حكومة السيد إياد علاوي!!