مع الاسف عقولكم تقبل بان يكونوا الانبياء كذابين و القرآن الكريم يبين لكم ان ابراهيم عليه السلام حاجج الكفار و قال لهم هذا كبيركم الذي فعل هذا فأسالوه
وتفضل هذا الشرح الكافي
قوله تعالى: «و تالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين» معطوف على قوله: «بل ربكم» إلخ أي قال لأكيدن أصنامكم «إلخ» و الكيد التدبير الخفي على الشيء بما يسوؤه، و في قوله: «بعد أن تولوا مدبرين» دلالة على أنهم كانوا يخرجون من البلد أو من بيت الأصنام أحيانا لعيد كان لهم أو نحوه فيبقى الجو خاليا.
و سياق القصة و طبع هذا الكلام يستدعي أن يكون قوله: «و تالله لأكيدن أصنامكم بمعنى تصميمه العزم على أن يكيد أصنامهم فكثيرا ما يعبر عن تصميم العزم بالقول يقال: لأفعلن كذا لقول قلته أي لعزم صممته.
و من البعيد أن يكون مخاطبا به القوم و هم أمة وثنية كبيرة ذات قوة و شوكة و حمية و عصبية و لم يكن فيهم يومئذ - و هو أول دعوة إبراهيم - موحد غيره فلم يكن من الحزم أن يخبر القوم بقصده أصنامهم بالسوء و خاصة بالتصريح على أن ذلك منه بالكيد يوم تخلو البلدة أو بيت الأصنام من الناس كمن يفشي سرا لمن يريد أن يكتمه منه اللهم إلا أن يكون مخاطبا به بعض القوم ممن لا يتعداهم القول و أما إعلان السر لعامتهم فلا قطعا.
قوله تعالى: «فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون» قال الراغب الجذ كسر الشيء و تفتيته و يقال لحجارة الذهب المكسورة و لفتات الذهب جذاذا و منه قوله تعالى: «فجعلهم جذاذا» انتهى فالمعنى فجعل الأصنام قطعا مكسورة إلا صنما كبيرا من بينهم.
و قوله: «لعلهم إليه يرجعون» ظاهر السياق أن هذا الترجي لبيان ما كان يمثله فعله أي كان فعله هذا حيث كسر الجميع إلا واحدا كبيرا لهم فعل من يريد بذلك أن يرى القوم ما وقع على أصنامهم من الجذ و يجدوا كبيرهم سالما بينهم فيرجعوا إليه و يتهموه في أمرهم كمن يقتل قوما و يترك واحدا منهم ليتهم في أمرهم.
و على هذا فالضمير في قوله: «إليه» راجع إلى «كبيرا لهم» و يؤيد هذا المعنى أيضا قول إبراهيم الآتي: «بل فعله كبيرهم هذا» في جواب قولهم: «أ أنت فعلت هذا بالهتنا».
و الجمهور من المفسرين على أن ضمير «إليه» لإبراهيم (عليه السلام) و المعنى فكسر الأصنام و أبقى كبيرهم لعل الناس يرجعون إلى إبراهيم فيحاجهم و يبكتهم و يبين بطلان ألوهية أصنامهم، و ذهب بعضهم إلى أن الضمير لله سبحانه و المعنى فكسرهم و أبقاه لعل الناس يرجعون إلى الله بالعبادة لما رأوا حال الأصنام و تنبهوا من كسرها أنها ليست بآلهة كما كانوا يزعمون.
و غير خفي أن لازم القولين كون قوله: «إلا كبيرا لهم» مستدركا و إن تكلف بعضهم في دفع ذلك بما لا يغني عن شيء، و كان المانع لهم من إرجاع الضمير إلى «كبيرا» عدم استقامة الترجي على هذا التقدير لكنك عرفت أن ذلك لبيان ما يمثله فعله (عليه السلام) لمن يشهد صورة الواقعة لا لبيان ترج جدي من إبراهيم (عليه السلام).
قوله تعالى: «قالوا من فعل هذا بالهتنا إنه لمن الظالمين» استفهام بداعي التأسف و تحقيق الأمر للحصول على الفاعل المرتكب للظلم و يؤيد ذلك قوله تلوا: «قالوا سمعنا فتى يذكرهم» إلخ فقول بعضهم: إن «من موصولة» ليس بسديد.
و قوله: «إنه لمن الظالمين» قضاء منهم بكونه ظالما يجب أن يساس على ظلمه إذ قد ظلم الآلهة بالتعدي إلى حقهم و هو التعظيم و ظلم الناس بالتعدي إلى حقهم و هو احترام آلهتهم و تقديس مقدساتهم و ظلم نفسه بالتعدي إلى ما ليس له بحق و ارتكاب ما لم يكن له أن يرتكبه.
قوله تعالى: «قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم» المراد بالذكر - على ما يستفاد من المقام - الذكر بالسوء أي سمعنا فتى يذكر الآلهة بالسوء فإن يكن فهو الذي فعل هذا بهم إذ لا يتجرى لارتكاب مثل هذا الجرم إلا مثل ذاك المتجري.
و قوله: «يقال له إبراهيم» برفع إبراهيم و هو خبر لمبتدإ محذوف و التقدير هو إبراهيم كذا ذكره الزمخشري.
قوله تعالى: «قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون» المراد بإتيانه على أعين الناس إحضاره في مجمع من الناس و مرآهم و هو حيث كسرت الأصنام كما يظهر من قول إبراهيم (عليه السلام): «بل فعله كبيرهم هذا» بالإشارة إلى كبير الأصنام.
و كأن المراد بشهادتهم أن يشهدوا عليه بأنه كان يذكرهم بالسوء فيكون ذلك ذريعة إلى أخذ الإقرار منه بالجذ و الكسر، و أما ما قيل: إن المراد شهادتهم عقاب إبراهيم على ما فعل فبعيد.
قوله تعالى: «قالوا ء أنت فعلت هذا بالهتنا يا إبراهيم» الاستفهام - كما قيل - للتقرير بالفاعل فإن أصل الفعل مفروغ عنه معلوم الوقوع و في قولهم «بالهتنا» تلويح إلى أنهم ما كانوا يعدونه من عبدة الأصنام.
قوله تعالى: «قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون» ما أخبر (عليه السلام) به بقوله: «بل فعله كبيرهم هذا» دعوى بداعي إلزام الخصم و فرض و تقدير قصد به إبطال ألوهيتها كما سيصرح به في قوله «أ فتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا و لا يضركم» إلخ.
و ليس بخبر جدي البتة، و هذا كثير الورود في المخاصمات و المناظرات فالمعنى قال: بل شاهد الحال و هو صيرورة الجميع جذاذا و بقاء كبيرهم سالما يشهد أن قد فعله كبيرهم هذا و هو تمهيد لقوله: «فاسألوهم» إلخ.
و قوله: «فاسألوهم إن كانوا ينطقون» أمر بأن يسألوا الأصنام عن حقيقة الحال و أن الذي فعل بهم هذا من هو؟ فيخبروهم به إن كانوا ينطقون فقوله: «إن كانوا ينطقون» شرط جزاؤه محذوف يدل عليه قوله فاسألوهم».
فتحصل أن الآية على ظاهرها من غير تكلف إضمار أو تقديم و تأخير أو محذور تعقيد، و أن صدرها المتضمن لدعوى استناد الفعل إلى كبيرهم إلزام للخصم و توطئة و تمهيد لذيلها و هو أمرهم بسؤال الأصنام إن نطقوا لينتهي إلى اعتراف القوم بأنهم لا ينطقون.
و ربما قيل: إن قوله: «إن كانوا ينطقون» قيد لقوله: «بل فعله كبيرهم» و التقدير: بل إن كانوا ينطقون فعله كبيرهم، و إذ كان نطقهم محالا فالفعل منه كذلك و قوله: «فاسألوا» جملة معترضة.
و ربما قيل: إن فاعل قوله: «فعله» محذوف و التقدير بل فعله من فعله ثم ابتدأ فقيل: كبيرهم هذا فاسألوهم إلخ و ربما قيل: غير ذلك و هي وجوه غير خالية من التكلف لا يخلو الكلام معها من التعقيد المنزه عنه كلامه تعالى.
قوله تعالى: «فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون» تفريع على قوله: «فاسألوهم إن كانوا ينطقون» فإنهم لما سمعوا منه ذلك و هم يرون أن الأصنام جمادات لا شعور لها و لا نطق تمت عند ذلك عليهم الحجة فقضى كل منهم على نفسه أنه هو الظالم دون إبراهيم فقوله: «فرجعوا إلى أنفسهم» استعارة بالكناية عن تنبههم و تفكرهم في أنفسهم، و قوله: «فقالوا إنكم أنتم الظالمون» أي قال كل لنفسه مخاطبا لها: إنك أنت الظالم حيث تعبد جمادا لا ينطق.
و قيل: المعنى فرجع بعضهم إلى بعض و قال بعضهم لبعض إنكم أنتم الظالمون و أنت خبير بأن ذلك لا يناسب المقام و هو مقام تمام الحجة على الجميع و اشتراكهم في الظلم و لو بني على قول بعضهم لبعض في مقام هذا شأنه لكان الأنسب أن يقال: إنا نحن الظالمون كما في نظائره قال تعالى: «فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين:» القلم: 31،