بسم الله الرحمن الرحيم
[وصلى الله وسلم على محمد وآله الطاهرين]
قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت..) أَُعتُرِض على الاستدلال بها من وجهين :-
أحدهما : أن المنصوص عليه في الآية إرادة الإذهاب لا الإذهاب بنفسه ولا يلزم من وقوع الإرادة وقوع المراد؛ لأن الله تعالى قد يريد شيئاً ولا يقع كما يريد الطاعات من العصاة ولا تقع.
الثاني: أن الآية واقعةٌ في سياق ذكر الزوجات فالمقام يقتضي أن المراد بها هنا الزوجات.
[الجواب عن أن المنصوص عليه في الآية إرادة الإذهاب لا الإذهاب نفسه ولا يلزم من وقوع الإرادة وقوع المراد]
والجواب عن الأول:
أن نقول:- قولك لا يلزم من وقوع الإرادة وقوع المراد مُسَلَّمٌ إذا تعلقت إرادة الله بأفعال المخلوقين لأنه تعالى أرادها منهم باختيارهم ولم يردها منهم مطلقاً، وأما ما أراده الله من أفعاله فهو واقع لا محالة عند الإرادة.
فإن قلت :من أين علمت أنَّ إذهاب الرجس هذا أو التطهير فعله تعالى؟
قلت: من قوله تعالى: (ليذهب عنكم الرجس)،(ويطهركم) فأسند الفعلين إلى نفسه تعالى فهما فعله قطعاً.
فإن قلت:يحتمل التجوز في الإسناد.
قلت: خلاف الظاهر والعدول عن الظاهر بلا قرينة تحريف وتبديل.
فإن قلت: إذا كان فعله لظاهر الإسناد وقد أرادها بصريح الآية فلم قلت قد وقعا قطعاً؟
قلت:لأنه تعالى إذا أراد شيئا من أفعاله ولم يقع كان عجزاً أو بدأ وهما محالان على الله تعالى، ولقوله تعالىإنما أمره إذا أراد
شيئاً أن يقول له كن فيكون).
وأيضا هو نظير قوله تعالى(يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم)، (يريد الله أن يخفف عنكم)، (يريد الله بكم اليسر) فكل هذه قد أرادها وهي واقعة لأنها فعله. بخلاف ما أراده، وهو موقوف على اختيار العباد مثل قوله تعالىوالله يريد أن يتوب عليكم) فقد أراد الله التوبة عليهم ولا يلزم وقوعها لتوقفها على اختيارهم (وهو فعل التوبة منهم).
فإن قلت: إذا كان إذهاب الرجس والتطهير فعله لزم ارتفاع التكليف.
قلت: ليس فعله عين فعل الواجبات، وعين ترك المحرمات حتى يلزم ما ذكرت بل معنى الآية العصمة في حق الأنبياء كذلك هنا [أي تطهير أهل البيت].
فإن قلت: لم ذكر الإرادة دون الإذهاب؟
قلت: ليدل [على] أن إذهاب الرجس واقع على أكمل الوجوه وأتمّها من حيث أنه حصر إرادته لهم في إذهاب الرجس والتطهير ونزّل سائر المرادات من جميع النعم والمصالح منـزلة غير المراد مع عظمها وجلالتها وظهورها، لأن إذهاب الرجس هو أكبر النعم من حيث تعلقها بالدين بخلاف غيرها من النعم.
فإن قلت: فعلام دلت الآية؟
قلت: على العصمة من وجوه:
الوجه الأول: أنه قصر الإرادة على الإذهاب للرجس.
الوجه الثاني: أنه أثبت إذهاب الرجس أولاً ومن لازمه ثبوت التطهير ولم يكتف به حتى صرح بإثبات التطهير.
الوجه الثالث: أنه لم يكتف بإثبات التطهير حتى أكده بقوله (تطهيرا).
الوجه الرابع: أنه أتى باللام في قوله: (ليذهب) المؤكدة لإرادة الإذهاب، وأصله: إنما يريد الله ليذهب فزيدت اللام لتأكيد تعلق الإرادة بالإذهاب كما زيدت لتأكيد الإضافة في قولهم: (لا أبا لك).
الوجه الخامس : أنه قرنهم في الحكم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم المعصوم قطعاً ولم يثبت لهم وحدهم إشارة إلى أن حكمهم حكمه صلى الله عليه وآله وسلم .
الوجه السادس: أنه قرن الحكم عليهم بالتطهير بالنداء الذي يشعر بكون المنادى في أعلا مراتب التعظيم.
فإن قلت: إن ظاهر الآية إذهاب الرجس الذي هو النجاسات الحقيقية والتطهير منها.
قلت: لو حمل عليه لما كان للآية معنى إذ هم كغيرهم فيها، وأيضاً هو إخبار فيلزم أن يكون متعلقه على ما هو عليه وهو هنا مختلف قطعاً فيلزم أن يكون كذباً وهو محال على الله تعالى، فوجب أن يحمل على الأرجاس المجازية التي هي رجس المعاصي.
فإن قلت: من أين تعلم إذهاب كل رجس حتى يثبت العصمة؟
قلت: من الصيغة لأنها من صيغ العموم أعني لفظ (الرجس) لأنه اسم جنس معرف باللام وهو من صيغ العموم كما حقق في الأصول وهي متعلق الإذهاب لفظا ومتعلق التطهير تقديراً على أنه قد ذكر إمام أهل اللغة (أحمد بن يحي بن فارس) في كتابه مجمل اللغة ما لفظه: (وقال في القاموس: التطهير التنـزيه عن الإثم وعن كل قبيح ، وقال في القاموس: التطهر الكف عن الإثم فيعم إذهاب كل المعاصي عنهم وصغائرها وكبائرها الخطأ منها والنسيان، سواء تعلقت بالأفعال أو بالأقوال أو بالاعتقاد، فيكون كل ما قالوه حقاً وكذا ما اعتقدوه أو فعلوه وكل حق يجب إتباعه، وهو معنى حجية القول ومعنى العصمة أيضا.
[الجواب عن أن المراد بالآية الزوجات]
وأما الجواب عن الثاني فنقول:
اعلم أن لفظ البيت له معنيان:
أحدهما البيت السكنى، والثاني بيت النسب، وإذا أضيف إليه [لفظ] أهل صار مجملاً يحتاج إلى البيان إن كان مشتركا، وإن كان حقيقة في بيت السكنى مجازاً في بيت النسب، حمل على المعنى الحقيقي إلا بصارفة تصرفه عنه إلى المجاز، وهذا الأحاديث المتواترة القطعية تصلح معينا للمراد على الأول وصارفا إلى المعنى المجازي على الثاني.
فإن قيل: تعارض الأخبار دلالة السياق على المراد.
قلت: دلالة السياق ظنية ودلالة الإخبار قطعية والظن يضمحل عند القطع، على أن الآية كلام مستقل مفيد لا يحتاج إلى ما قبله ولا إلى ما بعده.
فإن قيل: يؤدي إلى أن لا يتلائم طرفا الكلام وهي خلاف البلاغة التي هي وجه إعجاز القرآن.
قلت: غير مسلم بل الملائمة حاصلة ووجهها أن التعلق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثابت لأهل بيته وزوجاته، وأيضا قد أمرهن بأوامر قبل الآية وبعدها، فحثهن على القيام بتلك الأوامر، بأن ذكر أهل البيت المطهرين ليحرصن على القيام بما أُمرن به لأن أهل البيت المذكورين لم يستحقوا التطهير وإذهاب الرجس إلا لقيامهم بما أمروا به.
وهذان وجهان ظاهران لمن له أدنى معرفة بدقائق علم المعاني ، على أنه لو كان فيه شيء من التنافر ما وردت به الأخبار متواترة.
فإن قلت: تحُمل الآية على أن المراد بها أهل بيت النسب بدلالة الأخبار وأهل البيت السكنى لقرينة المقام، وأيضا هو مشترك يحمل على معنييه مطلقا فكيف مع قرينة إرادة الجميع.
قلت وبالله التوفيق: لا يورد هذا السؤال إلا ذو غفلة أو من أعمى التعصب والتقليد قلبه وعقله، كيف وقد دل الحديث على تخصيص علي وفاطمة والحسن والحسين، وأخرج غيرهم من الموجودين في ذلك الوقت من وجوه:
الأول: أنه دعاهم دون غيرهم، ولو شاركهم غيرهم في كونه من أهل البيت عليهم السلام لدعاه.
الثاني: اشتماله عليهم بالكساء دون غيرهم ليكون بياناً بالفعل مع القول.
الثالث: أنه قال اللهم إن هؤلاء أهل بيتي مؤكداً للحكم بأن.
الرابع: تعريف المسند إليه باسم الإشارة الذي يفيد تمييزه أكمل تمييز كما يعرفه علماء المعاني.
الخامس: أنه أتى بالجملة مكررة للتأكيد ليرفع توهم دخول الغير كما هو شأن التأكيد اللفظي عند أهل اللغة.
السادس: دفعه لأم سلمة رضي الله عنها، بأن قال لها مكانك أنت إلى خير وفي بعض الأخبار: (لست من أهل البيت أنت من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم)، وفي بعضها أنت ممن أنت منه دل بإخراجها على خروج جميع الزوجات، وأيضا علل إخراجها بأنها من الزوجات .
فإن قلت:إن في بعض الأخبار عن أم سلمة قالت : يا رسول الله ألست من أهل البيت، قال بلى فادخلي في الكساء فدخلت.
قلت الجواب عنه من وجوه ثلاثة :
الأول : أن روايات دفعها أكثر وأصح فكانت أولى وأرجح.
الثاني : أنه لم يشر إليها معهم بقوله هؤلاء أهل بيتي ولم يدعها وأيضاً قالت فدخلت بعدما قضا دعائه لابن عمه وابنيه وفاطمة فعرفت أن دخولها كان على جهة التبرك فقط.
الثالث :أنه ما أدخلها إلا على وجه الإيناس وتجنباً للإيحاش بدليل أنه ما أدخلها إلا بعد أن سألته ,ثم أن في الروايات الآخرة مثل رواية أبي الحمراء وغيره أنه كان يأتي إلى باب علي وفاطمة ثمانية أشهر أو تسعة أشهر ويتلو الآية ولم يكن في البيت أم سلمة ولا غيرها وهكذا ما قاله في حق واثلة بن الأسقع فظهر أنه لم يرد إلا الإيناس .
السابع : أنه لو أريد غيرهم في الآية معهم لما دعاهم وحدهم ولما أشار إليهم وحدهم بل يكون ذلك الفعل والحكم بأنهم أهل البيت وحدهم خيانة في التبليغ وحاشا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك فيقطع حينئذٍ مع هذه الوجوه بخروج غيرهم عن أن يكون من أهل البيت سواءً كن الزوجات أو سائر الأقارب ،كبني العم ونحوهم كما يقتضيه بيانه وإيضاحه صلى الله عليه وآله وسلم للمقصود من الآية.
[
الدليل على إدخال ذريتهم في جملة أهل البيت :
ولنا على إدخال ذريتهم في جملة أهل البيت إيضاحاً لما تقدم أدلةٌ:
الدليل الأول: قوله صلى الله عليه وآله وسلم ((المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة)) أخرجه ابن أبي شيبه وأحمد وابن ماجه عن علي، وأخرجه أبو داود أيضاً عن علي وقد نظر إلى الحسن ابنه وقال: ((إن هذا سيد)) كما سماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يشهر في الخلق يملأ الأرض عدلاً. وأخرج الترمذي وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يلي رجل من أهل البيت يواطي اسمه اسمي))، وأخرج أبو داود والحاكم وابن ماجة والطبراني عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :- ((المهدي من عترتي من ولد فاطمة)) فدلت هذه الأخبار على أن اللاحقين يكونون من أهل البيت كالسابقين .
والأحاديث في المهدي وكونه من أهل البيت متواترة.
الدليل الثاني: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ((النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي من الأرض ذهب أهل الأرض)) أخرجه أحمد بن حنبل عن علي عليه السلام وعمار، وأخرج معناه الطبراني والحاكم وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
فلو كان أهل البيت هم الأربعة فقط لكان قد ذهب أهل الأرض.
الدليل الثالث: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ((إني تارك فيكم .....)) الحديث إلى قوله ((لن يفترفا حتى يردا علىّ الحوض ))وهذا الحديث متواتر كما سيأتي، فلو كانوا هم الأربعة فقط لكانوا بموتهم قد فارقوا الكتاب قطعاً يعني في الدنيا وقد أخبرنا بأن مدة اجتماع الكتاب و أهل بيته في دار التكليف إلى آخر الدهر.
الدليل الرابع: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ((كل ولد آم فإن عصبتهم لأبيهم ماخلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم)) أخرجه الطبراني والدار قطني وأبو نعيم في معرفة الصحابة وابن السمان وأبو صالح المؤذن في أربعينيته كلهم عن عمر بن الخطاب من طرق إليه وأخرجه أيضاً الطبراني وأبو يعلى والخطيب عن فاطمة الزهراء رضي الله عنها.
قال السمهودي: في بعض طرقه ورجاله موثوقون إلا شريك، وشريك استشهد به البخاري وروى له مسلم في المتابعات وأخرجه ابن عساكر عن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((أن لكل بني أبٍ عصبة ينتمون إليها إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وعصبتهم وهم عترتي)).
قلت : فبين فيه عترته بقوله ((وهم عترتي )) وإذا كانوا أولاده
وهو أبوهم وعصبتهم فهم عترته وأهل بيته.
الدليل الخامس: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين علي عليه السلام ((أنت أخي وأبو ولدي تقاتل على سنتي)) أخرجه أحمد وأبو يعلي عن حديث علي عليه السلام.
وأخرجه أحمد أيضاً من حديث زيد بن حارثة وأخرجه الدار قطني بمعناه من حديث عامر بن واثلة وعامربن ضمرة.
الدليل السادس : قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد سئل أي أهل بيتك أحب إليك؟ قال: ((الحسن والحسين )) وكان يقول لفاطمة ((ادعي لي ابنيَّ)) فيشمهما ويضمهما، أخرجه الترمذي عن أنس، وعن أسامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للحسن والحسين ((هذان ابناي وأبناء ابنتي اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما)) أخرجه الترمذي، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم مشيراً إلى الحسن ((إن ابني هذا سيد)) أخرجه أحمد بن حنبل والبخاري وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي والطبراني عن أبي بكرة وابن عساكر عن أبي سعيد والطبراني في الكبير والبيهقي والخطيب وابن عساكر والضياء في المختارة عن جابر، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم مشيراً إلى الحسين ((إن ابني هذا يقتل بأرض العراق)) أخرجه البغوي وابن السكن وابن منـدة وابن عساكر عن أنس بن الحرث.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم ((إني سميت بني هؤلاء تسمية هارون بنيه شَبرَّ وشَبِير)) أخرجه أحمد والدار قطني في الأفراد والطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك على الصحيحين، والبيهقي وابن عساكر عن علي عليه السلام والطبراني في الكبير أيضاً والبغوي عن سلمان.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم وقد ارتحله حسن أو حسين وهو في إحدى صلوات العشاء بعد أن أنكر الناس عليه طول السجدة وقالوا: ظننا أنه قد حدث أمرٌ وأنه يوحَى إليك.
قال ((كل ذلك لم يكن ولكن ارتحلني ابني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته)) أخرجه النسائي عن عبد الله بن شداد، وعن بريدة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجاء الحسن والحسين يمشيان ويعثران فنـزل عن المنبر فحملهما ووضعهما في يده ثم قال: ((صدق الله }إنما أموالكم وأولادكم فتنة{ نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي)) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي.
قلت : فحكم عليهما في هذه الأحاديث أنهما ابناه وولداه وأنه هو أبوهما وعصبتهما فيكون أولاد أولادهما أولاده وعصبته وذريته.
فإن قلت : إنما أراد أنهما ابناه مجاز للعلم بأنهما أولاد ابنته .
قلت : الأصل في الإطلاق الحقيقة فيكونان ابنيه حقيقة شرعية وذريته حقيقة شرعية لغوية كما نص عليه فكلما ثبت للأولاد من الصلب من آبائهم ثبث لهما منه صلى الله عليه وآله وسلم.
الدليل السابع: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ((إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه وجعل ذريتي في صلب علي )) أخرجه الإمام المرشد بالله عن جابر، وأخرجه الطبراني في الكبير وابن عدي عنه وأخرجه الخطيب والحاكم أبو الخير عن ابن عباس وأخرجه صاحب كنوز المطالب عن العباس مرفوعاً بلفظ ((أنه لم يكن نبي إلا ذريته الباقية من بعده في صلبه وإن ذريتي من بعدي في صلبِ هذا)) .
فإن قلت :- هذا يقتضي بدخول أولاد علي من غير فاطمة.
قلت :- لا، لأن قوله صلى الله عليه وآله وسلم ((في صلب علي)) يشعر بظرفية صلب علي لذريته ولا يلزم أن لا يوجد [في] الظرف سوى المظروف كما يقول أولادي في الدار فيجوز أن يكون في الدار غيرهم فهو مطلق لا عام وقد بين أن المظروف هم أولاد فاطمة كما تقدم وإن سُلم عمومه فمخصوص بما تقدم من (أن كل بنى أنثى فعصبتهم لأبيهم...) الحديث فعم ولم يخص غير ولد فاطمة.
فإن قلت: فهل يدخل العلويون في أهل البيت لظاهر حديث الكساء لشموله أمير المؤمنين علي عليه السلام كما شمل السبطين عليهما السلام .
قلت: لا، لأن المراد بأهل البيت هم ذريته وعترته وليسوا إلا أولاد فاطمة دون غيرهم، وأيضاً ذرية السبطين مقطوع بدخولهم بما تقدم، وغيرهم لا قطع بدخولهم، فيكفي في إخراجهم أدنى دليل.
الدليل على خروج العلويين من دون أولاد فاطمة من أهل البيت:
ولنا على خروجهم أدلة :
الدليل منها: ما تقدم من حديث ((كل بني أنثى فعصبتهم لأبيهم)) فحكم بأنهم أي العلويين لا ينسبون إليه بل إلى أمير المؤمنين فقط .
فإن قلت: إذا انتسبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بواسطته كما نسب أولاد السبطين إليه صلى الله عليه وآله وسلم بواسطتهما.
قلت: انتساب أمير المؤمنين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انتساب الأخوَّة والأهلية فأولاده أولاد أخ، وانتساب السبطين إليه صلى الله عليه وآله وسلم انتساب البنوة والأهلية والذرية والولدية كما بيناه فأولادهما أولاد أولاد، وفرق بين أولاد الأخ والذرية.
الدليل الثاني: ما جاء في }قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى{ أنها لما نزلت قالوا: يا رسول الله من قرابتك الذين أمرنا الله بمودتهم؟ قال: (علي وفاطمة وولدهما) أخرجه أحمد بن حنبل والثعلبي في تفسيره عن ابن عباس وسيأتي بطرقه مستوفي فلو كان غير أولاد فاطمة منهم في وجوب محبتهم وإتباعهم لما ذكرهم وحدهم في مقام البيان.
الدليل الثالث: ماجاء في وصية أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه أوصى لأولاده من فاطمة وخصهم بشيءٍ من الوصية وقال : ((تكريماً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم))، فلو كان كل أولاده ذرية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما كان لاختصاصهم بالذكر فائدة وسيأتي في كتاب الوقف من رواية أمالي الإمام أحمد بن عيسى مسنداً .
الدليل الرابع : قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (أن فاطمة أحصنت فرجها فحرمها الله وذريتها على النار)) أخرجه النسائي والطبراني في الكبير وأبو يعلي وابن عدي في الكامل والحاكم في المستدرك على الصحيحين، وابن عساكر عن ابن مسعود وأخرجه تمام وابن عساكر عن زر بن حبيش مرسلاً وصححه الدار قطني عن زر مرسلاً وأخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ ((إن الله غير معذبكِ ولا ولدكِ)) مخاطباً لفاطمة.
وأخرج الإمام علي بن موسى الرضى في صحيفته عن آبائه عـن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله فطم فاطمة وولدها ومن أحبهم من النار فلذلك سميت فاطمة)).
وأخرجه الحافظ الدمشقي عن علي عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أتدرين لِمَ سمُيت فاطمة) قال علي عليه السلام يا رسول الله لما سميت فاطمة قال: (لأن الله فطمها وذريتها عن النار يوم القيامة) وفي مناقب العلامة محمد بن سليمان الكوفي رحمه الله ثنا أحمد بن عبدان قال ثنا سهل بن سفير قال ثنا موسى بن عبد ربه قال: سمعت سهل بن سعد الساعدي يقول: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: يا رسول الله لما سميت فاطمة فاطمة؟ قال: ((لأن الله فطمها وذريتها عن النار)).
وأخرج أبو سعد والمُلاَّ في سيرته عن عمران بن الحصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((سألت ربي أن لا يدخل أحداً من أهل بيتي النار فأعطاني ذلك)).
قلت: وهذا معنى العصمة لأنهم لا يحرمون على النار قطعاً إلاّ وهم معصومون.
فإن قلت: كيف جعلت معنى هذا الحديث العصمة؟
قلت: لأن إخباره صلى الله عليه وآله وسلم بأنهم لا يدخلون النار إخبار بالعصمة وأنهم لايخرجون عن الحق مجاز من إطلاق السبب الذي هو عـدم دخولهم النار على السبب الذي هو عدم ارتكاب المعاصي.
فإن قلت: ما القرينة على هذا المجاز ؟
قلت: القرينة قطعية وهي آيات الوعيد.
فإن قلت: هل قرينة أُخرى؟
قلت: نعم وهي أنه جعل الحكم ذيلا لقوله: (إن فاطمة أحصنت فرجها) قرينة تنبه أيضاً على أنها لم تحرم على النار إلا لعصمتها فكذا ذريتها.
وتنبه أيضاً على أن طهارة الماء موجبة لطهارة ما تفرع منه وإن كانت الطهارة الأولى من السفاح والثانية من المعاصي القباح فالمناسبة ظاهرة.
فإن قلت: من أين دل على ما ذكرت من خروج العلويين عن العترة؟
قلت: من حيث أن حديث الكساء يدل على العصمة وهذا يدل عليها كذلك فهو كالمبين لمن أُريد بحديث الكساء من الذرية فلو دخل العلويون لم يكن لاختصاص ولد فاطمة فائدة فتأمل.
فإن قلت: بعد هذا يدل هذا الحديث وآية التطهير على العصمة لكل فرد منهم؟
قلت: دلاّ على ثبوت العصمة ولا يمكن إثباتها لكل فـرد لأن المعلوم خلافه فيحكم بها للجماعة لئلا تبطل فائدة الإخبار من الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالآية والأحاديث.
الدليل على حديث زيد بن أرقم
فإن قلت: إن دل حديث الكساء على أن الأربعة وذريتهم هم أهل البيت عليهم السلام فقط فقد جاء ما عارضه وهو حديث زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إني تارك فيكم) وساق حديث الثقلين حتى قال: قلت: يا رسول الله ومن أهل بيتك؟ قال: آل علي وآل جعفر وآل العباس وآل عقيل، وروي هذا التفسير موقوفاً على زيد بن أرقم.
قلت: لنا في الجواب عن هذا الحديث وجوه:
الوجه الأول: أن حديث الكساء وحديث الثقلين جاءا متواترين ولم تثبت هذه الزيادة إلا بهذه الطريق الواحدة فهي شاذة منكرة.
الوجه الثاني : أن في رجال إسناده من لا يرتضى عنهم فمنهم أحمد بن بشار مجهول، ومنهم أبو عوانة وضاح بن عبد الله الوسطي البزار
قال أحمد وأبوحاتم : إذا حدث من حفظه وَهِمَ ويغلط كثيراً وضعفه ابن المديني عن قتادة، ومنهم الأعمش سليمان بن مهران قالوا فيه: مدلس تدليس التسوية، قال العراقي وابن حجر: ذلك قادح في العدالة.
الوجه الثالث: أنا لو سلمنا صحته وسلامته عن كل قادح فهو آحادي ظني، وأحاديث الكساء متواترة قطعية، والظني يبطل إذا قابله قاطع.
وفي هذا البحث كفاية لأهل البصيرة، وإزالة لكل شك وحيرة فتأمل بعين الإنصاف، وانظر بفكر صحيح وذهن صافٍ تبلغ الحق والتحقيق.
آية التطهير
التعديل الأخير تم بواسطة نصير محمد وال محمد ; 05-09-2009 الساعة 01:43 PM.