توضح لنا الايات صورة من صور تنعت بني اسرائيل في تعاملهم مع نبيهم موسى ، ومخالفتهم الصريحة لاوامره رغم تحذيره اياهم "ولا ترتدوا على ادباركم فتنقلبوا خاسرين" مغبة الوقوع في الضياع والتخبط في المسارات المتحيرة والمنكوسة. ثانيا ترسم لنا الايات دور النخبة الواعية والكوادر الرسالية في الدفع باتجاه الامتثال لتعاليم النبي رغم تفشي وانتشار حالة التخاذل والانتكاس "قال رجلان من الذين يخافون.." يقول السيد الطباطبائي "ظاهر السياق أن المراد بالمخافة مخافة الله سبحانه وأن هناك رجالا كانوا يخافون الله أن يعصوا أمره وأمر نبيه، ومنهم هذان الرجلان اللذان قالا، ما قالا وأنهما كانا يختصان من بين أولئك الذين يخافون بأن الله أنعم عليهما،" وهو دور مطلوب من كل الكوادر الرسالية خصوصا في زمن الانتكاس والهزيمة وغلبة الجهل
الالتجاء الى الله وبث الشكوى اليه يقول السيد الشيرازي "قَالَ موسى معتذراً لله عن مخالفة قومه مخاطباً لله سبحانه ﴿ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي ﴾ هارون فإنّ نفسي هي التي تطيع أوامرك وكذلك أخي هو الذي يطيعني ويسمعني إذا أمرته بشيء أما هؤلاء فليسوا كذلك أما يوشع ومن كان على شاكلته فلعلهم لم يكونوا حاضرين إذ ذاك عند هذا الحوار ﴿ فَافْرُقْ ﴾، أي أفصِل اللهم ﴿ بَيْنَنَا ﴾ أنا والأخ ﴿ وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴾ الذين لا يطيعون الأوامر والمراد بالفرق عدم إجراء حكم واحد عليهم في الدنيا والآخرة فإنهما قد باينا قومهما بالإطاعة حين عصى أولئك" . فالالتجاء ضرورة تفرضها طبيعة الايمان بالله، وكثرة البلاياء والخطوب التي تقف امام المد الرسالي
فالايات صريحة في تبيين تبعات عصيان الاوامر الالهية المثمثلة في تعاليم وهدي الانبياء والمرسلين، وكانها تحدرنا من الوقوع في فخ العصيان وعواقبة المتمثلة في الضلال والانحراف. على ان هذا التية وان ارتسم في قصة بني اسرائيل بضياع المقصد والجهة التي ارادو، ارتسمت ملامحة في الامة الاسلامية في الضلال عن الهدى والتنكب عن الصراط المستقيم عندما اصروا على مخالفة امر المصطفى في التمسك بولاية علي والاتمام بامامته وجحد حقة في الولاية والوصاية، فتاهوا في اهدافهم وافكارهم وعقائدهم وسلوكهم حتى عاد الاسلام غريبا كما بدا.
فظهرت مخالفتهم الصريحة لاوامر المصطفى في العديد من المواطن، مثل غزوة احد والتي كان لها من الاثر ما كان، وصلح الحديبية، وتنفيد جيش اسامة، واحضار الكتاب، وحفظ اعترته ، مما كان له الاثر في الضياع والضلال والانكسار والانتكاس والخيبة. وهي سنة الهية تجري في هذه الامة كما جرت في غيرها
"يقول في نهج البلاغة حول هذا المعنى: أيها الناس لولم تتخاذلوا عن نصر الحق ولم تهنوا عن توهين الباطل لم يطمع فيكم من ليس مثلكم، ولم يقومن قوى عليكم لكنكم تهتم متاه بنى اسرائيل، ولعمرى ليضعفن لكم التيه من بعدى أضعافا، خلفتم الحق وراء ظهوركم، وقطعتم الادنى ووصلتم الا بعد"
من هنا يجب على الامة ان ارادت طوق النجاة التمسك بهدي المصطفى والعمل بسنته واتباع اوامره في التمسك بالكتاب والعترة، والتوبة عن التفريط فيهما "فحسبنا كتاب الله" ليست سنوى نمط من انماط التحدي والمخالفة لهدي المصطفى وسنته عاقبتها التيه والضلال ما بقي الكتاب والعترة حتى صار تية المسلمين اضعاف تية بني اسرائيل ممتدا على طول القرون السالفة 14 عشر قرنا.