يؤكد جزائريون تحولوا إلى (التشيع) في السنوات الأخيرة أن المذهب يزداد انتشارا بشكل سري في قطاعات واسعة من المجتمع الجزائري (السني بأغلبه)، بعد أن نقله إليهم مدرسون وموظفون قدموا للعمل من العراق وسوريا ولبنان، وأشاد هؤلاء بالحكومة الجزائرية التي لا تحارب دعوتهم بأي صورة من الصور، وذلك فيما يرى باحثون أن انتشار التشيع بشكل متفاوت في بعض بلدان شمال أفريقيا (تونس، الجزائر المغرب) يعود لـ"الخواء الروحي وافتقار الخطاب الديني السائد إلى العقلانية". وإذا كان الحضور الشيعي في المغرب يبدوواضحا من خلال وجود ثلاث جمعيات شيعية ثقافية معترف بها على الأقل وهي "الغدير" و"البصائر" و"التواصل"، إلا أنه وبحسب مراقبين لا يزال ذلك الحضور محتشما في أكبر البلدان المغاربية الجزائر ويمكن ملاحظته في بعض الولايات والمدن مثل الجزائر العاصمة، باتنة، سطيف، تيارت، سيدي بلعباس.
ويؤكد الباحث الجزائري فريد مسعودي أن الكوابح أمام انتشار المذهب الشيعي في الجزائر تعد ذاتية بالدرجة الأولى لأن وسائل الدعاية المتبعة تعتمد على الانتشار السري، بسبب عوائق موضوعية تتعلق بمدى قابلية المحيط لهذا النوع من الفكر، بمعنى أنه قد لا يتطور إلى درجة الظاهرة الاجتماعية.
ويضيف مسعودي: "ولعل أهم ما يقف دون تطوره في الفترة الحالية هي الصرامة التنظيمية التي تتميز بها الحركات الإسلامية العاملة في الساحة والتي لا تتردد في نقد الخطاب الشيعي الغنوصي وبعده الخرافي، والعامل الثاني الذي أصبح يمثل كابحا في وجه الاستقطاب التنظيمي لهذا المحفل السري هوالظاهرة الإيرانية السياسية التي كانت تمثل محل جذب واستقطاب ولم تعد كذلك بل بالعكس في ظل الموازنات الدولية الأخيرة والدور الإيراني المشبوه في الساحة العراقية جعل القراءات التي تنطلق من هذه التجربة تعود إلى الوراء وتراجع حساباتها".
غير أن المشرف العام على شبكة "شيعة الجزائر" يذكر في حديثه لـ"العربية.نت" أن الاستبصار (التشيع) في الجزائر "مستمر بحمد الله والاستبصار أكثر من منتشر بل منفجر في كامل أرجاء التراب الجزائري متنقلا عبر كل الطبقات الاجتماعية فسابقا كان يدور بين الشبان والآن ببركة صاحب العصر والزمان (عليه السلام) دخلت بيوت بكاملها في التشيع وسمعت أن أكبر متشيع عمره 69 سنة (أطال الله عمره الشريف)".
ولا يملك المشرف على شبكة "شيعة الجزائر" والذي يسمي نفسه (محمد العامري) أي إحصائيات أوأرقام على مدى انتشار التشيع بين الجزائريين، "ليس هناك إحصائيات حديثة وحتى إن كانت هناك إحصائيات تبقى سرا ولا تسلم لأيا كان لأسباب يطول شرحها".
ويشير العامري (30 عاما) إلى أن وجود جاليات شيعية من العراق وسوريا ولبنان في الجزائر ساعد على انتشار المذهب بين أهل البلاد، "إخوتنا العراقيون والسوريون واللبنانيون عندما كانوا في الجزائر كاساتذة ومدرسين لعبوا دورا في الدعوة وكانوا من الممهدين لقبول فكرة الولاء لمحمد وآله صلوات الله عليهم وعندما اندلعت الثورة الإسلامية الإيرانية المباركة وجد خط الإمام الخميني (قدس الله سره) أرضية خصبة لنشاطه في أرض الثورة والرفض".
وأوضح العامري لـ"العربية.نت" عدم وجود أي ممانعة من حيث المبدأ من قبل السلطات الجزائرية لانتشار التشيع، "المادة 61 من الدستور الجزائري تنص على الحرية الفردية لكافة الشعب في اختيار معتقداتهم التي يختارونها والحمد لله لا نعاني من أي مشاكل مع النظام حاليا وكما أن الشيعة لم يعتدوا على أي مادة من الدستور أو رمز من رموز الدولة. وإن كانت هناك بعض التحفظات عبر تصرفات بعض من يعتبرون أنفسهم فوق القانون فهم بالنسبة لنا لا يمثلون شيئا بل هم يزيدون من انتشار التشيع دون أن يشعروا بذلك لأن المظلوم منتصر عاجلا أو آجلا".
وعن أسباب تحوله للمذهب الشيعي، يقول العامرية: "ترعرعت وتربيت في محيط وحي يسمى معقل الشيعة في العاصمة ، وساهم ذلك المحيط بكل قوة ومتانة لكي أجد ضالتي من حيث المادة والمصادر والتوجيه والاستفادة من إخوتي المتشيعين ومنهم من هم أقاربي وأهلي".
ويردف قائلا: "أولى الصعوبات التي واجهتها كانت في الجامعة عندما سقطت طالبا في أيدي أساتذة كان التعصب هو عنوانهم والتفكير المحدود هو رمزهم والتخلف الفكري هو شعارهم فظلمت كثير إلى درجة أنهم كانوا يرفضون تصحيح أوراق الامتحانات التي كنت أجريها بحجة أنني دائما أخرج عن الموضوع وأعتمد على مصادر غير مقبولة وغير موثوقة وبحثى الشخصي هو عبارة عن تمرد على برنامجهم المسطر لنا (أو المفروض علينا) من قبل وزارة التربية والتعليم العالي".
ومن بين الأساتذة الذين درّسوني الدكتور خالدي أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة بزريعة حيث تعلمت من الدراسة لديه أن الأستاذ يمكن أن يفيدك بمعلومة لكن قد يعجز عن إفادتك بفكرة وهذا لا يعني أن كل الأساتذة الذين درست عنهم على شكل الأستاذ خالدي فقد درست كذلك عند الأستاذ الدكتور جربال دحوا فقد أعجبت بتفكيره وشخصيته وموضوعيته في البحث والتحليل فكنت أكن له كل الود والاحترام رغم أني اختلف معه جذريا في الأفكار ومقومات الشخصية فكان أستاذا علمانيا لا يؤمن بأن الدين هو الحل لخلاص البشرية أما أنا فإسلامي هو عقيدتي".
أما وداد وهي من سكان العاصمة، وقد تشيعت في رمضان 2003، فتعزو سبب تركها المذهب المالكي الذي يدين به معظم الجزائريين إلى العنف الذي عانت منه البلاد لسنوات عديدة على يد "جماعات سلفية" متطرفة والمجازر التي ارتكبت بحق "الأبرياء".
وتذكر في قصتها على موقع "شيعة الجزائر" أنها كانت تعيش "اضطراب ديني بسبب ما شاهدت في الجزائر وعمل السلفية فتركت الدين لفترة ليس كفرا بل انقطاع العبادات ثم التقيت بطريق الصدفة بشاب شيعي عراقي قبل رمضان بأسبوع لا أعرف لماذا سألته هل هو شيعي أم سني كأنه شئ دفعني إلى هذا السؤال".
وتتابع قائلة: "وأخذ ذلك الشاب يحدثني عن الشيعة وعن أهل البيت عليهم السلام وعن إمامة أهل البيت وأنهم سفن النجاة والهدى وأنهم مظلومون، فدخل حب أهل البيت عليهم السلام في قلبي وبهم عرفت الإسلام وأهميته وقوى إيماني أكثر عندما رأيت الإمام الرضا عليه السلام بالمنام فوضع يده الشريفة على كتفي وقال لي عليه السلام لا تخاف الله معك فازداد حبي بأهل البيت رغم معارضة الأهل واستهزائهم بي وبصلاتي ويلقبونني بسخرية بنت شيعية لكنني فخورة بهذا اللقب".
وفيما إذا كانت الأخبار التي تترددها بعض وسائل الإعلام عن ارتكاب ميلشيات شيعية مجازر بحق السنة في العراق قد أثرت على صورة الشيعة عند الجزائريين، يقول المشرف العام على "شبكة شيعة الجزائر" محمد العامري لـ"العربية.نت": "نحن شعب واعي ونتعلم التجارب ونستفيد من خلال المحن والشدائد فالأحداث التي مرت بها الجزائر عبر عقود أعطتنا فهما أن وسائل الإعلام دائما مع الظالم وأساليبها كلها في خدمة الصهيونية العالمية ومواجهة أهل الحق بكل السبل ولا سيما الصحافة العربية التي يفتقد محلليها وصحفييها إلى الموضوعية في نقل الأخبار وناهيك عن الثقافة الإسلامية والعلوم التي تحتاج لها هذه المهنة".
ويتابع العامري نقده لوسائل الإعلام العربية، "كل الجزائريين يعلمون أن الشيعة هم ضحايا المجازر والتقتيل وانتهاك الحرمات فكم من سيارة انفجرت وقتلت العزل من الأبرياء والمستضعفين وكم من مسجد هدم وأحرق فوق رؤوس المصلين الشيعة من الشيوخ والأطفال مما يجعلنا نشعر بالحقد الطائفي الذي ينبع من محللي الفضائيات العربية، وحتى من قاتلوا الأمريكان من أتباع السيد الصدر يسمون (قتلى) وأما من يفجر نفسه لقتل الأبرياء فيدعون بالاستشهاد يين".
وفي معرض الرد على سؤال لأحد أعضاء شبكة شيعة الجزائر فيما إذا كان المذهب منتشرا بين الأمازيغ، تجيب جزائرية من أصل بربري بوجود أمازيغ اعتنقوا التشيع، "يوجد ولله الحمد أمازيغ شيعة بالجزائر حتى الآن وذلك بفضل الله تعالى وبركة أهل البيت عليهم السلام منهم من يعرف ذلك ويستخدم التقية في تعامله مع من حوله لأن المتشيع بالجزائر يعتبر مرتدا عن دين الله تعالى وحشاه ذلك, ويحارب بشتى الطرق وأسهلها القتل من قبل (الوهابية) الذين يذبّحون الأبرياء باسم الإسلام.
وتوضح تلك الفتاة التي أطلقت على نفسها اسم"الجيرواس" أن الأمازيغ بالأصل كانوا شيعة "وكانوا من الأوائل الذين فتحوا بيوتهم وصدورهم للفاطميين وحاربوا معهم جنبا لجنب وكانوا بالصفوف الأولى لا يخافون في ولاء أهل البيت عليهم السلام لومة لائم".
وتذكر "الجيرواس" عدة أمثلة للتأكيد على أمازيغ كانوا يعتنقون المذهب الشيعي، وذلك على حسب قولها:- بعض مناطق الأمازيغ لا يأكلون لحم الأرنب وهم لا يعلمون لماذا ؟!-واللحم محرم عندنا نحن الشيعة-- في عاشوراء يتوقف الأمازيغ عن العمل ويقولون إن العمل في مثل هذا اليوم يجلب النحس وأن ما اكتسبته خلال ذلك اليوم لا بركة فيه.- يذبحون في عاشوراء دجاجا أو طيرا، فالمهم هو إسالة الدم في ذلك اليوم معتبرين أن هذا أمر مباركا دون أن يعلموا أن هذه الدماء رمز للتذكرة بدماء الحسين عليه السلام وأصحابه الذين استشهدوا في كربلاء- عند الأمازيغ لا تجد أحدا اسمه ابوبكر أو عمر أو عائشة الخ.. لكنّك كثيرا ما تجد اسم سيدعلي, وسيد احمد وكلمة سيد لا تجدها في اسماء أخرى عدا اسم علي واسم احمد الذي هو في حد ذاته محمد.- إذا ذكر الأمازيغ اسم فاطمة سلام قالوا * للا فاطمة * أي السيد فاطمة، وإذا ذكروا عائشة لم يدرجو لقب (للا)
ومن أسباب التشيع عند بعض الجزائريين كما يذكر الباحث فريد مسعودي في إحدى تحقيقاته التي نشرها على موقع "الشهاب"، هو زواج المتعة حيث اكتشف من خلال جلسته مع الشباب الشيعي الجزائري أنه "مدمن" على زواج المتعة فهو يسافر إلى سوريا ومنها إلى جنوب لبنان كلما سمحت له الظروف بذلك، "وأذكر أنه يتحسر دوما ويتأفف حد الأسى كلما عرج على وصف الجمال (اللبناني) الأخاذ، حسب وصفه، ولا أعتقد أنني مضطر بعد هذا للقول أن هذا الهيام الغرائزي "الذي يرى فيه حسين سنة حميدة يؤجر فاعلها" هو سبب تعلق هذا الشخص بهذا المذهب".
ويتابع مسعودي قائلا: "من خلال حسين(اسم الشاب الجزائري) عرفت أن المذهب الآن يشهد ارفع مراحل نموه ( فالإخوة) في قناة المنار (التابعة لحزب الله اللبناني) يبدعون في استقطاب المتعطشين (للجنس المأجور) وحينما سألته عن عدد إخوانه أطلعني أنه لا يمكن حصرهم ببساطة لأنهم كثر وهم حاليا منتشرون عبر كل ولايات الجمهورية أما أهمهم فلقد أكد لي أنه المدعو"محمود" الذي يحظى باحترام كبير في كل الحوزات العلمية في العراق ولبنان وحتى في قم".
أما تاجر الألبسة النسوية فيذكر لفريد مسعودي أن من أحد أسباب تشيعه هم أمانة التجار الشيعة الذين تعامل معهم في سوريا ولبنان، وقد صب جام غضبه - والكلام لمسعودي على "السنة" الحمقى والمتخلفين ذهنيا الذين يسرقون دوما من محل سمير عند أول فرصة ولا يعرفون للعهد معنى مستشهدا ببعض من مواقفه مع التجار الشيعة في دمشق الذين كانوا يعطونه سلعهم دون السؤال عن ثمنها إلى غاية عودته من الجزائر وبيعها.