في خطوة رائعة تنسجم تماماً مع روح الأمة العراقية المؤسسة على احترام العقائد والأديان و التمازج الإستثنائي بين أعضاء الجسد العراقي الذي نريد له أن يكون واحداً، اذا أشتكى منه عضوٌ تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمّى، قررت المرجعيات المسيحية إلغاء الإحتفال باليوم الثالث من أعياد ميلاد السيد المسيح (عليه السلام) لمصادفته يوم العاشر من محرم، ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام).
الى جانب هذا غطّت قناة آشور الفضائية الناطقة باسم المسيحيين العراقيين الشعائر الحسينية في مدينة كربلاء وقدمت برنامجاً خاصّاً عن استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام).
أي تحليل أو تفسير أو محاولة لمعرفة بواعث هذه الخطوة المعبرّة لن يكون مجدياً، دون الإلمام بتاريخ الترابط والتلاحم بين ابناء الأمة العراقية منذ سومر حتى يومنا هذا. لذلك فات على الكثيرين مغزى إلغاء مسيحيي العراق الإحتفال بأفراحهم بولادة المخلّص يسوع المسيح لإبداء تعاطفهم مع شيعة آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في هذا اليوم الحزين.
ومن بين اولئك الذين لم يستطيعوا فهم ذلك كان السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني الذي يبدو أنه فهم خطوة أهلنا المسيحيين فهماً خاطئاً فأدعى أن مسيحيي العراق لم يكونوا قادرين على الذهاب الى كنائسهم للإحتفال بأعياد الميلاد.
نحن العراقيين نفهم لماذا ذهب السيد بعيداً دون أن يتعلم الدرس، فهوَ وبقية القادة السياسيين اللبنانيين دائمي التباهي بالنموذج اللبناني "المتسامح" والمتعدد الطوائف لم يشهدوا يوماً من الأيام، عبر تاريخ بلدهم، عملاً تضامنياً رائعاً كالذي قدّمة مسيحيو العراق، ولا نعتقد أن لبنان أو غير لبنان عاش يوماً مجيداً للتضامن كيوم 27 كانون أول 2009، ولذلك فمن الطبيعي ان لايفهم السيد نصر الله ما حدث في العراق في هذا اليوم على وجه التحديد، ولن يفهمه على الإطلاق.
ولكن هذا هو العراق. وربما لذلك تأتيه السكاكين من كل جانب وتتداعى عليه الأمم بينما هو يشهد ولادة جديدة يرسمها ابناؤه وبناته في لحظات عابرة لحدود الأديان والطوائف والمعتقدات والإنتماءات.
وقد لايعجب هذا الكثيرين ومنهم"أخواننا" في التشيّع من رعايا الوليّ الفقيه في ايران الذين طعنوا العراق بشيعته وسنته، بمسلميه ومسيحييه وصابئته المندائيين وأيزيدييه، حين وجهوا حرسهم الثوري لإحتلال حقل الفكة النفطي. وذلك لايعجب الخوارج التكفيريين الذين قاموا بتفجير عبوات ناسفة ضد المواكب الحسينية السائرة الى كربلاء الحسين.
فياللمفارقة! مسيحيو العراق يتضامنون من مسلميه بينما يهاجم مسلمون من بلدان أخرى مسلمي العراق.
ما قدمّه أهلنا المسيحيون اليوم على طبق المحبة واحترام مشاعر الآخر يقول أن الوطن مازال بخير وأن شمس الوحدة الوطنية العراقية تجدل أولى ظفائرها على أيدي الشرفاء، مسلمين ومسيحيين وصابئة مندائيين وأيزيديين وشبك، وأن طيفاً كبيراً منهم بات يعرف أن الدين لله والعراق لهم جميعاً ولن يسمحوا لأحد أن يقاسمهم إياه، فهو لهم وحدهم.
كاتب -سعيد الشديدي