جلاء لحقيقة زيارة قبر النبي وآله وردا على افتراءات الشرك وعبادة القبور التي يطلقها أعداء مذهب أهل البيت
هذه مجمل قول الشيعة الإمامية مما اتفق عليها رؤساء المذهب في زيارة القبور
(1)
الشيخ الطوسي
متوفى 460 هجري
تهذيب الأحكام - الشيخ الطوسي - ج 6 - ص 5 - 6
باب زيارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله
1 - روى محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان وابن أبي عمير عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال: إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخلها ثم تأتي قبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) فتسلم على رسول الله ( صلى الله عليه وآله )، ثم تقوم عند الأسطوانة المقدمة من جانب القبر الأيمن عند رأس القبر وأنت مستقبل القبلة ومنكبك الأيسر إلى جانب القبر ومنكبك الأيمن مما يلي المنبر، فإنه موضع رأس رسول الله ( صلى الله عليه وآله )، وتقول: ( اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، واشهد أنك رسول الله، وانك محمد ابن عبد الله، واشهد انك قد بلغت رسالات ربك، ونصحت لامتك، وجاهدت في سبيل الله، وعبدت الله حتى اتاك اليقين بالحكمة والموعظة الحسنة، وأديت الذي عليك من الحق، وانك قد رأفت بالمؤمنين وغلظت على الكافرين، فبلغ الله بك أفضل شرف محل المكرمين، الحمد لله الذي استنقذنا بك من الشرك والضلالة، اللهم فاجعل صلاتك وصلاة ملائكتك المقربين وعبادك الصالحين وأنبيائك المرسلين وأهل السماوات والأرضين ومن سبح لك يا رب العالمين من الأولين والآخرين على محمد عبدك ورسولك ونبيك وأمينك ونجيبك وحبيبك وخاصتك وصفيك وصفوتك وخيرتك من خلقك، اللهم اعطه الدرجة وآته الوسيلة من الجنة وابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون اللهم انك قلت: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) واني اتيتك مستغفرا تائبا من ذنوبي، واني أتوجه بك إلى الله عز وجل لربي وربك ليغفر لي ذنوبي ) وان كانت لك حاجة فاجعل قبر النبي صلى الله عليه وآله خلف كتفيك فاستقبل القبلة وارفع يديك وسل حاجتك فإنها أحرى ان تقضى إن شاء الله.
تهذيب الأحكام - الشيخ الطوسي - ج 6 - ص 25
باب زيارته ( أمير المؤمنين عليه السلام )
1 - محمد بن أحمد بن داود عن أحمد بن محمد بن سعيد قال: أخبرنا أحمد بن الحسين بن عبد الملك الأودي قال: حدثنا ذبيان بن حكيم قال: حدثني يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال: إذا أردت زيارة قبر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فتوضأ واغتسل وامش على هنيئتك وقل: ( الحمد لله الذي أكرمني بمعرفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن فرض طاعته رحمة منه وتطولا منه علي بالايمان، الحمد لله الذي سيرني في بلاده وحملني على دوابه وطوى لي البعيد ودفع عني المكروه حتى أدخلني حرم أخي رسوله ( صلى الله عليه وآله ) فأرانيه في عافية، الحمد لله الذي جعلني من زوار قبر وصي رسوله، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، اشهد ان لا إله الا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله جاء بالحق من عنده، واشهد ان عليا عبد الله وأخو رسوله ( عليه السلام ) ثم تدنو من القبر وتقول: (السلام من الله والتسليم على محمد امين الله على رسالته وعزائم امره ومعدن الوحي والتنزيل الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل والمهيمن على ذلك كله والشاهد على الخلق السراج المنير والسلام عليه ورحمة الله وبركاته... (الحديث)
(2)
الشيخ المظفر
متوفى 1411 هجري
عقائد الإمامية - الشيخ محمد رضا المظفر - ص 101
ومما امتازت به الإمامية العناية بزيارة القبور "قبور النبي والأئمة عليهم الصلاة والسلام" وتشييدها وإقامة العمارات الضخمة عليها، ولأجلها يضحون بكل غال ورخيص عن إيمان وطيب نفس.
ومرد كل ذلك إلى وصايا الأئمة، وحثهم شيعتهم على الزيارة، وترغيبهم فيما لها من الثواب الجزيل عند الله تعالى، باعتبار أنها من أفضل الطاعات والقربات بعد العبادات الواجبة، وباعتبار أن هاتيك القبور من خير المواقع لاستجابة الدعاء الانقطاع إلى الله تعالى.
وجعلوها أيضا من تمام الوفاء بعهود الأئمة، (إذ أن لكل إمام عهدا في عنق أوليائه وشيعته، وأن من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقا بما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاؤهم يوم القيامة ).
وفي زيارة القبور من الفوائد الدينية والاجتماعية ما تستحق العناية من أئمتنا، فإنها في الوقت الذي تزيد من رابطة الولاء والمحبة بين الأئمة وأوليائهم، وتجدد في النفوس ذكر مآثرهم وأخلاقهم وجهادهم في سبيل الحق - تجمع في مواسمها أشتات
المسلمين المتفرقين على صعيد واحد، ليتعارفوا ويتآلفوا، ثم تطبع في قلوبهم روح الانقياد إلى الله تعالى والانقطاع إليه وطاعة أوامره، وتلقنهم في مضامين عبارات الزيارات البليغة الواردة عن آل البيت حقيقة التوحيد والاعتراف بقدسية الإسلام
والرسالة المحمدية، وما يجب على المسلم من الخلق العالي الرصين والخضوع إلى مدبر الكائنات وشكر آلائه ونعمه، فهي من هذه الجهة تقوم بنفس وظيفة الأدعية المأثورة التي تقدم الكلام عليها، بل بعضها يشتمل على أبلغ الأدعية وأسماها كزيارة
( أمين الله ) وهي الزيارة المروية عن الإمام " زين العابدين " عليه السلام حينما زار قبر جده " أمير المؤمنين " عليه السلام
كما تفهم هذه الزيارات المأثورة مواقف الأئمة عليهم السلام وتضحياتهم في سبيل نصرة الحق وإعلاء كلمة الدين وتجردهم لطاعة الله تعالى، وقد وردت بأسلوب عربي جزل، وفصاحة عالية، وعبارات سهلة يفهمها الخاصة والعامة، وهي محتوية على أسمى معاني التوحيد ودقائقه والدعاء والابتهال إليه تعالى. فهي بحق من أرقى الأدب الديني بعد القرآن الكريم ونهج البلاغة والأدعية المأثورة عنهم، إذ أودعت فيها خلاصة معارف الأئمة عليهم السلام فيما يتعلق بهذه الشئون الدينية والتهذيبية.
ثم إن في آداب أداء الزيارة أيضا من التعليم والارشاد ما يؤكد من تحقيق تلك المعاني الدينية السامية، من نحو رفع معنوية المسلم وتنمية روح العطف على الفقير، وحمله على حسن العشرة والسلوك والتحبب إلى مخالطة الناس.
فإن من آدابها ما ينبغي أن يصنع قبل البدء بالدخول في ( المرقد المطهر ) وزيارته. ومنها ما ينبغي أن يصنع في أثناء الزيارة وفيما بعد الزيارة. ونحن هنا نعرض بعض هذه الآداب للتنبيه على مقاصدها التي قلناها:
1 - من آدابها أن يغتسل الزائر قبل الشروع بالزيارة ويتطهر، وفائدة ذلك فيما نفهمه واضحة، وهي أن ينظف الانسان بدنه من الأوساخ ليقيه من كثير من الأمراض والأدواء، ولئلا يتأفف من روائحه الناس وأن يطهر نفسه من الرذائل.
وقد ورد في المأثور أن يدعو الزائر بعد الانتهاء من الغسل لغرض تنبيهه على تلكم الأهداف العالية فيقول: ( اللهم اجعل لي نورا وطهورا وحرزا كافيا من كل داء وسقم ومن كل آفة وعاهة، وطهر به قلبي وجوارحي وعظامي ولحمي ودمي وشعري وبشري ومخي وعظمي وما أقلت الأرض مني، واجعل لي شاهدا يوم حاجتي وفقري وفاقتي ).
2 - أن يلبس أحسن وأنظف ما عنده من الثياب، فإن في الأناقة في الملبس في المواسم العامة ما يحبب الناس بعضهم إلى بعض ويقرب بينهم ويزيد في عزة النفوس والشعور بأهمية الموسم الذي يشترك فيه.
ومما ينبغي أن نلفت النظر إليه في هذا التعليم أنه لم يفرض فيه أن يلبس الزائر أحسن الثياب على العموم، بل يلبس أحسن ما يتمكن عليه. إذ ليس كل أحد يستطيع ذلك وفيه تضييق على الضعفاء لا تستدعيه الشفقة فقد جمع هذا الأدب بين ما ينبغي من الأناقة وبين رعاية الفقير وضعيف الحال.
3 - أن يتطيب ما وسعه الطيب. وفائدته كفائدة أدب لبس أحسن الثياب.
4 - أن يتصدق على الفقراء بما يعن له أن يتصدق به. ومن المعلوم فائدة التصديق في مثل هذه المواسم، فإن في معاونة المعوزين وتنمية روح العطف عليهم.
5 - أن يمشي على سكينة ووقار غاضا من بصره. وواضح ما في هذا من توقير للحرم والزيارة وتعظيم للمزور وتوجه إلى الله تعالى وانقطاع إليه، مع ما في ذلك من اجتناب مزاحمة الناس ومضايقتهم في المرور وعدم إساءة بعضهم إلى بعض.
6 - أن يكبر بقول: " الله أكبر " ويكرر ذلك ما شاء. وقد تحدد في بعض الزيارات إلى أن تبلغ المائة. وفي ذلك فائدة إشعار النفس بعظمة الله وأنه لا شئ أكبر منه. وأن الزيارة ليست إلا لعبادة الله وتعظيمه وتقديسه في إحياء شعائر الله وتأييد دينه.
7 - وبعد الفراغ من الزيارة للنبي أو الإمام يصلي ركعتين على الأقل، تطوعا وعبادة لله تعالى ليشكره على توفيقه إياه، ويهدي ثواب الصلاة إلى المزور.
وفي الدعاء المأثور الذي يدعو به الزائر بعد هذه الصلاة ما يفهم الزائر، إن صلاته وعمله إنما هو لله وحده وإنه لا يعبد سواه، وليست الزيارة إلا نوع التقرب إليه تعالى زلفى، إذ يقول: " اللهم لك صليت ولك ركعت ولك سجدت وحدك لا شريك لك، لأنه لا تكون الصلاة والركوع والسجود إلا لك، لأنك أنت الله لا إله إلا أنت. اللهم صل على محمد وآل محمد، وتقبل مني زيارتي وأعطني سؤلي بمحمد وآله الطاهرين ".
وفي هذا النوع من الأدب ما يوضح لمن يريد أن يفهم الحقيقة عن مقاصد الأئمة وشيعتهم تبعا لهم في زيارة القبور، وما يلقم المتجاهلين حجرا حينما يزعمون أنها عندهم من نوع عبادة القبور والتقرب إليها والشرك بالله.
وأغلب الظن إن غرض أمثال هؤلاء هو التزهيد فيما يجلب لجماعة الإمامية من الفوائد الاجتماعية الدينية في مواسم الزيارات، إذ أصبحت شوكة في أعين أعداء آل بيت محمد، وإلا فما نظنهم يجهلون حقيقة مقاصد آل البيت فيها. حاشا أولئك الذين أخلصوا لله نياتهم وتجردوا له في عباداتهم، وبذلوا مهجهم في نصرة دينه أن يدعو الناس إلى الشرك في عبادة الله.
8 - ومن آداب الزيارة ( أن يلزم للزائر حسن الصحبة لمن يصحبه وقلة الكلام إلا بخير، وكثرة ذكر الله، والخشوع وكثرة الصلاة والصلاة على محمد وآل محمد، وأن يغض من بصره، وأن يعدو إلى أهل الحاجة من إخوانه إذا رأى منقطعا، والمواساة لهم، والورع عما نهى عنه وعن الخصومة وكثرة الإيمان والجدال الذي فيه الإيمان ).
ثم أنه ليست حقيقة الزيارة إلا السلام على النبي أو الإمام باعتبار أنهم "أحياء عند ربهم يرزقون"، فهم يسمعون الكلام ويردون الجواب: ويكفي أن يقول فيها مثلا: ( السلام عليك يا رسول الله ) غير أن الأولى أن يقرأ فيها المأثور الوارد من
الزيارات عن آل البيت، لما فيها - كما ذكرنا - من المقاصد العالية والفوائد الدينية، مع بلاغتها وفصاحتها، ومع ما فيها من الأدعية العالية التي يتجه بها الانسان إلى الله تعالى وحده.
المتشيع صائب عبد الحميد
الزيارة والتوسل - صائب عبد الحميد - ص 85 - 92
الفصل الرابع آداب الزيارة ورد الشبهات المثارة حولها
آداب الزيارة كغيرها من الأعمال التي يتقرب بها إلى الله تعالى، لابد أن تكون للزيارة سنن وآداب، ينبغي التزامها، والعمل بمقتضاها والحذر من مجاوزتها وإغفالها لما قد يجره ذلك عن خروج من السنن أحيانا، ومجاوزة للآداب أحيانا أخرى.
وقد تقدم في ( زيارة القبور وفضيلتها ) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى أن يقول الزائر هجرا، أي أن يأتي بالكلام الذي لا يستقيم مع روح الدين الاسلامي ومقاصده. ولما كانت زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبور الأولياء الصالحين مما عمل به المسلمون منذ الصدر الأول، واستمروا عليه، فقد وجد الأئمة عليهم السلام وسائر الفقهاء لزاما تعليم الناس فقه الزيارة وسننها وآدابها، حفاظا على صورة الدين الحنيف، وعلى صورة هذه الشعيرة من شعائره، فورد عنهم في هذا أثر كثير، يؤكد بالمرتبة الأولى إجماعهم على أنها من سنن هذا الدين، وأنها من الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى.. ونكتفي هنا بإيراد نماذج منتخبة، تحقق الغرضين معا، شرعية الزيارة، ثم سننها وآدابها.
1 - في حديث حسن الاسناد عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخلها أو حين تدخلها، ثم تأتي قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم تقوم فتسلم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم تقوم عند الأسطوانة المقدمة من جانب القبر الأيمن عند رأس القبر، وأنت مستقبل القبلة، ومنكبك الأيسر إلى جانب القبر، ومنكبك الأيمن مما يلي القبر، فإنه موضع رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأشهد أنك رسول الله، وأشهد أنك محمد بن عبد الله، وأشهد أنك قد بلغت رسالات ربك ونصحت لامتك وجاهدت في سبيل الله وعبدت الله مخلصا حتى أتاك اليقين، بالحكمة والموعظة الحسنة، وأديت الذي عليك من الحق، وأنك قد رؤفت بالمؤمنين، وغلظت على الكافرين، فبلغ الله بك أفضل شرف محل المكرمين. الحمد لله الذي استنقذنا بك من الشرك والضلالة، اللهم فاجعل صلواتك وصلوات ملائكتك المقربين وعبادك الصالحين وأنبيائك المرسلين وأهل السماوات والأرضين ومن سبح لك يا رب العالمين من الأولين والآخرين على محمد عبدك ورسولك ونبيك وأمينك ونجيبك وحبيبك وصفيك وخاصتك وصفوتك وخيرتك من خلقك، اللهم أعطه الدرجة والوسيلة من الجنة وابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون. اللهم إنك قلت: ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ) وإني أتيت نبيك مستغفرا تائبا من ذنوبي، يا رسول الله إني أتوجه بك إلى الله ربي وربك ليغفر ذنوبي. قال: وإذا كان لك حاجة فاجعل قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلف كتفيك واستقبل القبلة وارفع يديك واسأل حاجتك، فإنها أحرى أن تقضى إن شاء الله. وفي الحديث ما هو صريح بالتوسل والاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم. أما استدبار القبر الشريف أثناء الدعاء فقد ورد مثله في أحاديث أخر، كما ورد أيضا استقباله في الدعاء، مما يدل على جواز الامرين، وليس في أيهما مخالفة لأدب الزيارة أو أدب الدعاء.
2 - من حديث الإمام موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جده الباقر عليهم السلام، قال: كان أبي علي بن الحسين عليهما السلام يقف على قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيسلم عليه، ويشهد له بالبلاغ، ويدعو بما حضره، ثم يسند ظهره إلى المروة الخضراء الدقيقة العرض مما يلي القبر، ويلتزق بالقبر، ويسند ظهره إلى القبر ويستقبل القبلة، فيقول: اللهم إليك ألجأت أمري، وإلى قبر محمد عبدك ورسولك أسندت ظهري، والقبلة التي رضيت لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم استقبلت... في دعاء طويل.
3 - عن محمد بن مسعود، قال: رأيت أبا عبد الله عليه السلام انتهى إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوضع يده عليه، وقال: أسأل الله الذي اجتباك واختارك وهداك وهدى بك أن يصلي عليك، ثم قال: ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ).
4 - عن الإمام الصادق عليه السلام: إذا فرغت من الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأت المنبر وامسحه بيدك، وخذ برمانتيه، وهما السفلاوان، وامسح عينيك ووجهك به، فإنه يقال إنه شفاء العين. وثم عنده فاحمد الله وأثن عليه، وسل حاجتك، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة، ومنبري على ترعة من ترع الجنة، ثم تأتي مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فتصلي فيه ما بدا لك، فإذا دخلت المسجد فصل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإذا خرجت فاصنع مثل ذلك، وأكثر من الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وهو صريح بجواز التبرك بمنبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
5 - نص زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ( الفقه على المذاهب الأربعة ). وردت عن أعلام المذاهب الأربعة نصوص عديدة في زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، اختار منها صاحب كتاب ( الفقه على المذاهب الأربعة ) نصا موجزا نسبيا، يتلوه الزائر عند قبر المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وهو: السلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته، أشهد أنك رسول الله، فقد بلغت الرسالة وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في أمر الله حتى قبض الله روحك حميدا محمودا، فجزاك عن صغيرنا وكبيرنا خير الجزاء، وصلى عليك أفضل الصلاة وأزكاها، وأتم التحية وأنماها، اللهم اجعل نبينا يوم القيامة أقرب النبيين إليك، واسقنا من كأسه، وارزقنا من شفاعته، واجعلنا من رفقائه يوم القيامة، اللهم لا تجعل هذا آخر العهد بقبر نبينا عليه السلام، وارزقنا العود إليه يا ذا الجلال والاكرام.
وفي الفقرة الأخيرة ما يدل على استحبابهم القصد لزيارته صلى الله عليه وآله وسلم، غير مقرون بقصد آخر اللهم لا تجعل هذا آخر العهد بقبر نبينا عليه السلام، وارزقنا العود إليه.
في زيارة أمير المؤمنين عليه السلام
عن أبي عبد الله عليه السلام: إذا أردت زيارة قبر أمير المؤمنين عليه السلام فتوضأ واغتسل وامش على هنيئتك، وقل: الحمد لله الذي أكرمني بمعرفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن فرض طاعته، رحمة منه وتطولا علي بالايمان.. الحمد لله الذي سيرني في بلاده، وحملني على دوابه، وطوى لي البعيد ودفع عني المكروه حتى أدخلني حرم أخي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم... الحمد لله الذي جعلني من زوار قبر وصي رسول الله، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله جاء بالحق من عنده، وأشهد أن عليا عبد الله وأخو رسوله. ثم تدنو من القبر وتقول: السلام من الله والتسليم على محمد أمين الله... ثم ذكر تسليما يعدد فيه خلال وخصال النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحميدة، ثم التسليم على أمير المؤمنين بنحو ذلك ويكثر من الصلوات عليهما وعلى آلهما، في ذكر طويل.
غير أن هناك نصا آخر مختصرا جامعا لزيارته عليه السلام روي عن الامامين الصادق والكاظم عليهما السلام، جاء فيه: تقول عند قبر أمير المؤمنين عليه السلام: السلام عليك يا ولي الله، أنت أول مظلوم، وأول من غصب حقه، صبرت واحتسبت حتى أتاك اليقين.. وأشهد أنك قد لقيت الله وأنت شهيد.. عذب الله قاتلك بأنواع العذاب وجدد عليه العذاب.. جئتك عارفا بحقك، مستبصرا بشأنك، معاديا لأعدائك ومن ظلمك، ألقى على ذلك ربي إن شاء الله، يا ولي الله إن لي ذنوبا كثيرة فاشفع لي إلى ربك عز وجل، فإن لك عند الله مقاما محمودا، وأن لك عند الله جاها وشفاعة، وقال تعالى: ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ).
فالاغتسال قبل الدخول، ثم الدخول بوقار واحترام وتواضع، والوقوف أولا عن بعد وأداء السلام اللائق بعد تقديم الحمد لله تعالى والثناء عليه بما هو أهله، ثم الدنو من القبر، وتجديد السلام بأليق الألفاظ وأجمعها لخصاله، ثم الاستشفاع به إلى الله تعالى على هذا النحو المذكور، وما يدور في مضمونه، تلك هي صورة الزيارة التي نقرأها في تراث أهل البيت عليهم السلام، مع ما ورد من جواز مس القبر تبركا به.
ثم يحسن بعد ذلك أداء الوداع لصاحب القبر المزور قبل الخروج، كما يودع لو كان حيا، وفيه من حسن الأدب ما لا يخفى، ومما يقال فيه بعد تجديد السلام والعهد بالولاء: اللهم إني أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد، ولا تجعله آخر العهد من زيارته، فإن جعلته فاحشرني مع هؤلاء الميامين الأئمة...