بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا الدرس الرابع من المسائل المنتخبة وبه نختم الكلام في مسائل التقليد المذكورة في هذا الكتاب
( مسألة 16 ) : الأعلم هو: الأقدر على استنباط الأحكام ، وذلك بأن يكون أكثر احاطة بالمدارك وبتطبيقاتها من غيره بحيث يوجب صرف الريبة الحاصلة من العلم بالمخالفة إلى فتوى غيره.
تعريف الأعلم هو صاحب القدرة بالقواعد التي من خلالها يتم استخراج الحكم الفقهي فاذا كان اثنان من العلماء احدهما أقدر من غيره في استخراج الاحكام الشرعية من القواعد الاصولية ونحوها يتعين تقليده ـ الأعلم ـ ولا تكون هناك ريبة او مخاوف من الفتاوى الصادره عنه لانه أعلم من غيره
( مسألة 17 ) : يجب الرجوع في تعيين الأعلم إلى الثقة من أهل الخبرة والاستنباط المطّلع ـ ولو إجمالاً ـ على مستويات من هم في اطراف شبهة الأعلمية في الاُمور الدخيلة فيها ، ولا يجوز الرجوع إلى من لا خبرة له بذلك.
حينما نريد معرفة المجتهد الاعلم علينا الرجوع في ذلك الى الثقة من اهل الاختصاص في هذا الجانب واقصد باهل الاختصاص من لديه معرفة ولو اجمالية بكيفية الاستنباط ولديه معرفة في المجتهدين وايهم اعلم من غيره
( مسألة 18 ) : اذا تعدد المجتهد الجامع للشرائط ففيه صورتان:
1 ـ ان لا يعلم المكلف الاختلاف بينهم في الفتوى في المسائل التي تكون في معرض ابتلائه ، ففي هذه الصورة يجوز له تقليد ايهم شاء وان علم ان بعضهم أعلم من البعض الآخر.
2 ـ ان يعلم ـ ولو اجمالاً ـ الاختلاف بينهم في المسائل التي تكون في معرض ابتلائه ، وهنا عدة صور:
( الأولى ) : ان يثبت لديه ان احدهم المعين أعلم من الباقين ، وفي هذه الحالة يجب عليه تقليده.
( الثانية ) : ان يثبت لديه ان اثنين ـ مثلاً ـ منهم أعلم من الباقين مع تساوي الاثنين في العلم ، وحكم هذه الصورة ما تقدم في المسألة (14) في صورة تساوي المجتهدين المتوفى والحي.
( الثالثة ) : ان يثبت لديه ان احدهم أعلم من الباقين ولكن يتعذر عليه تعيينه بشخصه ، بان كان مردداً بين اثنين منهم ـ مثلاً ـ وفي هذه الحالة يلزمه رعاية الاحتياط بين قوليهما في موارد اختلافهما في الأحكام الالزامية ، سواء أكان الاختلاف في مسألة واحدة ـ كما اذا افتى احدهما بوجوب الظهر والآخر بوجوب الجمعة ، ولو مع احتمال الوجوب التخييري ـ أم في مسألتين كما اذا افتى أحدهما بالجواز في مسألة ، والآخر بالوجوب فيها وانعكس الأمر في مسألة أُخرى ، وأما اذا لم يكن كذلك فالظاهر عدم وجوب الاحتياط ، كما اذا لم يعلم الاختلاف بينهما على هذا النحو الا في مسألة واحدة ، أو علم به في أزيد مع كون المفتي بالوجوب مثلاً في الجميع واحداً.
هذا كله مع امكان الاحتياط ، واما مع عدم امكانه ـ سواء أكان ذلك من جهة دوران الأمر بين المحذورين ، كما اذا أفتى احدهما بوجوب عمل والآخر بحرمته ، أم من جهة عدم اتساع الوقت للعمل بالقولين ـ فاللازم ان يعمل على وفق فتوى من يكون احتمال أعلميته أقوى من الآخر ، ومع تساويه في حق كليهما ، يتخير في العمل على وفق فتوى من شاء منهما.
اذا كان أكثر من مكلف جامعا للشرائط فيعرف المكلف حكمه الشرعي من خلال نقطتين
1- اذا لم يكن بينهم اختلاف في الفتوى خصوصا في المسائل التي يكون المكلف معرّضا لها كثيرا حينها يتخير في تقليد أيهم شاء.
2- أن يعلم الاختلاف بينهم في المسائل التي يكون معرّضا لها كثيرا فهنا توجد ثلاث صور:ـ
الأولى : اذا ثبت لديه ان أحد المجتهدين المختلف في اعلميتهم أعلم من غيره حينها عليه تقليده.
الثانية : أن يعلم ان أثنين فقط من مجموع المجتهدين أعلم من الباقي ففي هذه المسألة يكون حكمه كما تقدم في المسألة رقم14 .
الثالثة : أن يعلم ان في مجموع المجتهدين يوجد مجتهد أعلم من البقية ولكن لا يعلم كيف يشخصه لانه قد يكون مرددا بين اثنين مثلا وفي هذه الحالة عليه الاحتياط بين اقوالهما في الاختلاف في المسائل التي تكون الزامية بحق المكلف سواء كان الاختلاف في مسألة واحدة مثلا: اذا افتى احد المجتهدين بوجوب صلاة الظهر والاخر بوجوب صلاة الجمعة فانه يحتاط في مثل هذه المسألة , هذا اذا كان الاختلاف في مسألة واحدة اما اذا كان الاختلاف في مسألتين كما اذا افتى احد المجتهدين بالجواز في مسألة والاخر بالوجوب وانعكس الامر في مسألة اخرة فافتى احدهم بالوجوب فس مسألة اخرى وافتى الاخر بالجواز فانه يحتاط ايضا
واما اذا لم يكن الحال كذلك فلا وجوب للاحتياط عليه مثلا اذا لم يعلم الاختلاف بين المجتهدين الا في مسألة واحدة او كان هناك اختلاف في اكثر من مسألة ولكن المجتهد القائل بالوجوب واحد فقط أي انه باقي المجتهدين لا قول لهم في هذه المسألة او انهم لا يخالفوه او أي نحو اخر المهم يكون هذا المجتهد القائل بالوجوب واحد
هذه كله مع امكانية العمل بالاحتياط اما اذا لم يمكنه العمل بالاحتياط كأن يكون الاحتياط يستلزم ان يدور الامر ببين محذورين مثلا اذا افتى احدهم بوجوب عمل وافتى الاخر بحرمة عمل , او لا يوجد وقت كافي للعمل بالقولين فانه في مثل هذه المسألة يعمل وفق فتوى من يكون احتمال اعلميته اقوى من الاخر واذا لم يكن احتمال الاعلمية في احدهما اقوى من الاخر تخيّر بينهما
( مسألة 19 ) : اذا لم يكن للأعلم فتوى في مسألة خاصة ، أو لم يمكن للمقلد استعلامها حين الابتلاء جاز له الرجوع فيها إلى غيره مع رعاية الأعلم فالأعلم ـ على التفصيل المتقدم ـ بمعنى انه اذا لم يعلم الاختلاف في تلك الفتوى بين مجتهدين آخرين ـ وكان أحدهما أعلم من الآخر ـ جاز له الرجوع إلى ايهما شاء ، واذا علم الاختلاف بينهما لم يجز الرجوع إلى غير الأعلم .
اذا لم يكن للمجتهد الذي قلده المكلف رأي في مسألة معينة او كان له رأي ولكن لم يمكن للمكلف الرجوع اليه فيها جاز له الرجع الى غيره من المجتهدين مع رعاية الاعلم فالاعلم كما تقدم وذلك بشرط عدم عمله بالاختلاف بينهم في الفتوى وكان احد المجتهدين اعلم من الاخر جاز له الرجوع الى ايهما شاء واما اذا كان اختلاف بينهم في الفتوى فلا يحق له الرجوع الا الى الاعلم
( مسألة 20 ) : يثبت الاجتهاد ، أو الأعلمية باحد أمور: (1) العلم الوجداني ، أو الاطمينان الحاصل من المناشئ العقلائية ـ كالاختبار ونحوه ـ وانما يتحقق الاختبار فيما اذا كان المقلد قادراً على تشخيص ذلك. (2) شهادة عادلين بها ـ والعدالة هي الاستقامة العملية في جادة الشريعة المقدسة الناشئة غالباً عن خوف راسخ في النفس ، وينافيها ترك واجب أو فعل حرام من دون مؤَمِّن ـ ويعتبر في شهادة العدلين ان يكونا من أهل الخبرة ، وان لا يعارضها شهادة مثلها بالخلاف ، ولا يبعد ثبوتهما بشهادة من يثق به من أهل الخبرة وان كان واحداً ، ومع التعارض يؤخذ بقول من كان منهما أكثر خبرة بحدٍ يوجب صرف الريبة الحاصلة من العلم بالمخالفة إلى قول غيره.
الاجتهاد يثبت باحد هذه الامور
1- العلم الوجداني : وهو ان يعلم او يطمئن ـ والاطمئنان صادر من دليل عقلائي أي ان العقلاء تحكم به ـ كالاختبار ونحوه ويتحقق الاختبار اذا كان المكلف قادرا على الاختبار.
2- شهادة عادلين : والعدالة هي الاستقامة العملية في جادة الشريعة المقدسة الناشئة غالباً عن خوف راسخ في النفس ويشترط في العدلين ان يكونا من اهل الخبرة أي لهم علم ومعرفة في تشخيص أي المجتهدين اعلم من الاخر , وان لا تكون هناك شهادة اخرى تعارض شهادتهما بالخلاف بل حتى بشهادة الثقة من اهل الخبرة حتى وان كان واحدا واذا تعارض الثقتان اخذ المكلف بقول من يكون اكثر خبرة من الاخر.
( مسألة 21 ) : الاحتياط المذكور في هذه الرسالة قسمان: واجب ومستحب ، ونعبر عن الاحتياط الواجب بـ(الأحوط وجوباً ، أو لزوماً ، أو وجوبه مبني على الاحتياط ، أو مبني على الاحتياط اللزومي أو الوجوبي ونحو ذلك) وفي حكمه ما اذا قلنا (يشكل كذا... أو هو مشكل ، أو محل اشكال) ، ونعبر عن الاحتياط المستحب بـ(الأحوط استحباباً) أو (الأحوط الأولى).
كلمة الاحتياط المذكورة في هذه الرسالة يكون على قسمين
القسم الأول : الواجب وهو الذي يعبر عنه بالاحوط وجوبا او يعبر عنه بـ لزوما أو بـ وجوبه مبني على الاحتياط أو بـ مبنى على الاحتياط اللزومي أو الوجوبي ونحوها وهذه العبارات اذا وجدت في فتوى معينة فانه يجب العمل بها احتياطا وكذلك اذا وجدت عبارة (يشكل كذا , وهو مشكل , محل اشكال , ...) ونحوها فانها ايضا من ضمن الاحتياط الوجوبي
القسم الثاني : الاستحبابي : وهو الاحتياط المستحب ويعبر عنه بكلمة الاحوط استحبابا او الاحوط الاولى
( مسألة 22 ) : لا يجب العمل بالاحتياط المستحب ، وأما الاحتياط الواجب فلابُدّ في موارده من العمل بالاحتياط ، أو الرجوع إلى الغير ، مع رعاية الأعلم فالأعلم ، على التفصيل المتقدم.
لا يجب على المكلف ان يعمل في الاحتياط الاستحبابي واما في الاحتياط الوجوبي فانه يتعين عليه العمل بالاحتياط واذا لم يمكن له ذلك عليه الرجوع في مسألة الاحتياط الى غيره من المجتهدين مع مراعاة الاعلم فالاعلم