بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين واللعن اعدائهم اجمعين الى يوم الدين .
من الواضح أن على المصلي أن يضع المواضع السبعة حال السجود على الأرض ، و المواضع السبعة هي :
1. الجبهة .
2. الكفان .
3. الركبتان .
4. إبهامي الرجلين .
لكن الجبهة تنفرد في فقه الشيعة الإمامية بأحكام خاصة مستقاة من الأحاديث النبوية الشريفة ، و مأخوذة عن السنة النبوية المباركة المذكورة في الكتب المعتبرة لدى أهل السنة و المؤيدة من قبل أئمة أهل البيت ( عليهم السَّلام ) .
أما الحكم الخاص بالجبهة حال السجود فهو و ضعها على الأرض مباشرة دون حائل بينها و بين الأرض أو ما يصح السجود عليه ، فالواجب وضع الجبهة على الأرض .
و الأرض هو التراب أو الحصى و الصخر أو غيرها مما يشمله اسم الأرض [1] ، كالنبات غير المأكول و الملبوس [2] ، و لأن السجاد ليس من هذا القبيل فلا يجوز السجود عليه عندهم .
أما دليل ذلك فهو قول الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) : " و جُعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً " [3] ، أي أن ما يسجد عليه هو الأرض ، أما الطهور فالمقصود منه التيمم .
هذا و إن الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) كان يسجد على الأرض و لا يتقي الأرض حال السجود بل كان يسجد عليها مباشرة من دون حائل ، و في ما يلي نذكر بعض أقوال الصحابة حول كيفية سجود النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) :
1. تقول عائشة و هي تتحدث عن صلاة رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) و سجوده : " و ما رأيته يتقي على الأرض بشيء " [4] تعني في السجود .
2. و يقول أنس بن مالك : " أن رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) صلَّى على حصير " [5] .
3. ويقول وائل : " رأيت رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) يضع أنفه على الأرض إذا سجد ، مع جبهته " [6] .
4. و قال أبو سعيد : " صلى رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) على حصير " [7] .
5. و عن أبو سعيد الخدري : أنه دخل على رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) فوجده يصلي على حصير يسجد عليه [8] .
6. و عن عائشة : " أن النبي ( صلَّى الله عليه و آله )كان يصلي على الخمرة [9] " [10] .
7. و عن أم سلمة : " أن رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) كان يصلي على الخمرة " [11] .
8. و عن ميمونة زوج النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) : " كان رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) يصلي على الخمرة " [12] .
9. و قال ابن عمر : " كان النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) يصلي على الخمرة " [13] .
ثم إن سيرة المسلمين في عصر الرسول ( صلى الله عليه وآله ) كانت السجود على أرض المسجد بصورة مباشرة ، و قد كانت أرض المسجد آنذاك مفروشة بالحصى ، و فيما يلي نشير إلى بعض الشواهد التاريخية الدالة على وجوب وضع الجبهة على الأرض حال السجود :
1. يقول جابر بن عبد الله الأنصاري : " كنتُ أصلي مع رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) الظهر فآخذُ قبضةً من حصى في كفّي لِتَبْرُد حتى أسجد عليه من شدة الحر " [14] .
2. تجنّب أحد الصحابة عن تتريب جبهته عند السجود فقال له النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) : " ترّب و جهك " [15] .
3. كان أحد الصحابة يسجد على كَوْرِ عمامته فأزاح النبي ( صلَّى الله عليه و آله )بيده عمامته عن جبهته [16] .
من خلال ما تقدم يمكن استخلاص النقاط التالية :
1. أن سيرة النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) كانت السجود على الأرض ـ التراب ـ أو ما ينبُت منه كالحصير ، و كان ( صلَّى الله عليه و آله ) يَحُثُّ الآخرين عليه ، كما أن سيرة المسلمين في عهد الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) كانت السجود على أرض المسجد المفروشة بالحصى ، و كان المسلمون يحرصون على السجود على حصى المسجد رغم شدة حرارتها مما يؤكد ضرورة السجود على الأرض .
2. أن الأصل هو السجود على التراب و الحصى بحكم أنها من الأرض ، و السجود على الحصير و الخمرة أبلغ به النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) فيما بعد عن طريق الوحي .
3. على هذا فان الشيعة تلتزم السجود على الأرض و ما نبت منها غير المأكول و الملبوس ، لوجود الروايات الصريحة التي تجوز السجود على الحُصُر و ما شابه مما يصنع من النباتات و الأعشاب غير المأكولة .
4. إن ما يلتزم به الشيعة من السجود على الأرض هو مطابق لفعل النبي الأكرم ( صلَّى الله عليه و آله ) ، و لا يمكن التشكيك في صحته ، و لا نقاش في صحته ، أما السجود على السجاد و الموكيت و ما شابه فهو غير جائز لكون السجاد شيئاً آخر غير الأرض .
أما أدلة عدم جواز السجود على غير الأرض و النبات غير المأكول و الملبوس من أحاديث أهل البيت ( عليهم السَّلام ) فكثيرة نشير إلى نماذج منها كما يلي :
1. قال الإمام الباقر ( عليه السَّلام ) في جواب من سأله عن السجود على الزفت ـ يعني القير ـ : " لا و لا على الثوب الكرسف [17] ، و لا على الصوف ، و لا على شيء من الحيوان ، و لا على الطعام ، و لا على شيء من ثمار الأرض ، و لا على شيء من الرياش [18] " [19] .
2. و سئل الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) عن الصلاة على البساط و الشعر و الطنافس [20] ، فقال : " لا تسجد عليه ، و إن قمت عليه و سجدت على الأرض فلا بأس ، و إن بسطت عليه الحصير و سجدت على الحصير فلا بأس " [21] .
3. قال الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : " دعا أبي بالخمرة فأبطأت عليه ، فأخذ كفّاً من حصى فجعله على البساط ثم سجد " [22] .
4. و عن الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) : " كان أبي يصلي على الخمرة يجعلها على الطنفسة [23] و يسجد عليها ، فإذا لم تكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد عليها " [24] .
_____________________________
[1] و بهذا التقسيم تخرج أنواع الجلود و السجاد من أن تشملها اسم الأرض .
[2] المراد من المأكول هو الفواكه ، كما أن المراد من الملبوس هو الثياب المصنوعة من القطن و الكتان وغيرها .
[3] صحيح البخاري : 1 / 91 ، كتاب التيمم ، حديث : 2 ، و : 1 / 209 ، طبعة بيروت ، و صحيح مسلم : 1 / 371 ، طبعة بيروت .
و في صحيح مسلم عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) : " جعلت لنا الأرض كلها مسجداً ، و جعلت تربتها لنا طهوراً " صحيح مسلم : 1 / 371 .
و في وسائل الشيعة : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " جعلت لي الأرض مسجداً و ترابها طهوراً ، أينما أدركتني الصلاة صلّيت" ، وسائل الشيعة ( تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ) : 3 / 423 ، للشيخ محمد بن الحسن بن علي ، المعروف بالحُر العاملي ، المولود سنة : 1033 هجرية بجبل عامل لبنان ، و المتوفى سنة : 1104 هجرية بمشهد الإمام الرضا ( عليه السَّلام ) و المدفون بها ، طبعة : مؤسسة آل البيت ، سنة : 1409 هجرية ، قم / إيران .
[4] مسند أحمد بن حنبل : 6 / 58 ، طبعة بيروت .
[5] صحيح البخاري : 1 / 231 ، طبعة بيروت .
[6] مسند أحمد بن حنبل : 3 / 179 ، طبعة بيروت .
[7] سنن أبن ماجه : 1 / 328 ، طبعة بيروت .
[8] صحيح مسلم : 1 / 458 ، طبعة بيروت .
[9] الخُمْرَة : حصيرة أو سجادة صغيرة تنسج من سعف النخل و ترمل بالخيوط ، و قيل حصيرة أصغر من المصلّى ، و قيل الحصير الصغير الذي يُسجد عليه ،و إنما سميت خمرة لأنها تستر الوجه من الأرض ، أو لأن خيوطها مستورة بسعفها ، و هي مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده من حصيرة أو نسيجة خوص و نحوه من النبات ، للمزيد من المعلومات حول الخُمرة يراجع : ابن منظور ، لسان العرب : 4 / 258 ، و الفيروز آبادي ، القاموس المحيط : 495 ، و الزبيدي : تاج العروس : 3 / 188 ، مادة خمر .
[24] الكافي : 3 / 332 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .