العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية المنتدى العقائدي منتدى العقائد والتواجد الشيعي

منتدى العقائد والتواجد الشيعي المنتدى متخصص لعرض عقائد الشيعة والتواجد الشيعي في العالم

 
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next

الصورة الرمزية *سماء العشق*
*سماء العشق*
عضو نشط
رقم العضوية : 19658
الإنتساب : Jun 2008
المشاركات : 179
بمعدل : 0.03 يوميا

*سماء العشق* غير متصل

 عرض البوم صور *سماء العشق*

  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : منتدى العقائد والتواجد الشيعي
افتراضي الحكم الإقطاعي لمتاولة جبل عامل في العهد العثماني
قديم بتاريخ : 08-04-2010 الساعة : 10:00 PM


الحكم الإقطاعي لمتاولة جبل عامل في العهد العثماني
1219 – 1282هـ / 1804-1865م

بقلم : د. أسامة محمد أبو نحل
أستاذ التاريخ الحديث المساعد
بكلية الآداب والعلوم الإنسانية
جامعة الأزهر – غزة

ملخص
تتحدث هذه الدراسة عن "الحكم الإقطاعي لمتاولة جبل عامل في العهد العثماني من 1219 – 1282هـ/ 1804 – 1865م". والمتاولة هم أتباع المذهب الشيعي في منطقة جنوب لبنان.
وعلى الرغم من المراجع الكثيرة التي تناولت التاريخ السياسي والإقطاعي لبلاد الشام خلال الحقبة العثمانية، إلاَّ أن هناك العديد من القضايا المهمة التي لم يتوقف عندها المؤرخون خاصة تاريخ الشيعة أو من
أُطلق عليهم اسم "المتاولة" في منطقة جبل عامل، سواء أكان هؤلاء المؤرخون لبنانيين أم غير لبنانيين، ويكاد يكون هذا الإهمال متعمداً حيث تجاهلوا وما زالوا يتجاهلون الاقتراب من التأريخ لتلك المنطقة المهمة
والحيوية من العالم الإسلامي.
وقد حاولت بهذا العمل المتواضع إعادة الاعتبار لهؤلاء القوم متجرداً من الانتماءات المذهبية أو السياسية لتعمّ الفائدة، وتزداد اللُحمة الإسلامية، وتقريب الفجوة بين مذهبي الإسلام الرئيسيين: السُنّة
والشيعة.

مقدمـة
على الرغم من الكتب الكثيرة التي تناولت التاريخ السياسي والإقطاعي لبلاد الشام خلال الحقبة العثمانية، إلاَّ أن هناك العديد من القضايا المهمة التي لم يتوقف عندها المؤرخون خاصة تاريخ الشيعة أو ما أُطلق
عليهم اسم "المتاولة" في منطقة جبل عامل، سواء أكان هؤلاء المؤرخون لبنانيين أم غير لبنانيين. ويكاد يكون هذا الإهمال متعمداً – كما سيرد بيان ذلك في ثنايا البحث.
ويبدو أن مؤرخي الشيعة في لبنان خاصة في القرن الماضي قد بدأوا يعون افتقار المكتبة التاريخية للمراجع الخاصة بتاريخ جبل عامل، وشرعوا في إعادة كتابة تاريخهم من جديد برؤية تاريخية جديدة لا تخلوا
أحياناً من التعصب الموضوعي، وصب نقمتهم على المؤرخين اللبنانيين المغايرين لهم في المذهب أو الدين لتجاهلهم تأريخ أحداث منطقتهم.
أهمية البحث:
إن الكتابة في تاريخ الشيعة أو متاولة جبل عامل صعبة جداً، نظراً لقلة المراجع التاريخية التي يمكن للباحث الاعتماد عليها، لذا فإن المهمة تزداد صعوبة عندما يلملم الباحث معلوماته من الشذرات القليلة
الموجودة في المراجع الأساسية التي تناولت تاريخ لبنان الحديث بوجه عام، وأهمها مؤلفات الأمير حيدر أحمد الشهابي المهمة الذي لم تخلُ مؤلفاته من التعصب لأسرته الحاكمة في جبل لبنان (الأسرة الشهابية)، وما
وجّهته تلك الأسرة من اضطهاد للطائفة الشيعية في منطقة جبل عامل.
وتنبع أهمية الكتابة في تاريخ المتاولة في جبل عامل من القصور المتعمد كثيراً أو غير المتعمد أحياناً قليلة من المؤرخين السُنّة المعاصرين الذين تجاهلوا وما زالوا يتجاهلون الاقتراب من التأريخ لتلك المنطقة
المهمة والحيوية من العالم الإسلامي، والتي كان لها دور بارز في تاريخنا المعاصر في ضرب فنون المقاومة المستميتة والتي أدت إلى نجاح أهلها الفائق في دحر الاحتلال الإسرائيلي عن جنوب لبنان في 25 آيار (
مايو) 2000م، لذلك تشجعت في محاولةٍ متواضعة لكشف تاريخ تلك المنطقة خلال العهد العثماني، ومما شجعني ودفعني لهذه الخطوة أيضاً، أنه خلال إعدادي لدرجتي الماجستير والدكتوراه، وجدت أن هؤلاء القوم قد
نالهم الكثير من الظلم والجور والضيم من جانب ولاة الدولة العثمانية. فهذه إذن محاولة متواضعة أرجو أن تتكرر من بقية الباحثين لإعادة الاعتبار لهؤلاء القوم بصرف النظر عن الانتماء المذهبي أو السياسي،
فكتابة التاريخ يشترط فيها التجرد من الانتماءات.
كما أن الباحث تواجهه عدة صعوبات في كتابة تاريخ جبل عامل منها: قلة الكتابات عن هذه المنطقة – كما أسلفنا القول – إلاَّ ما ندر من بضع وريقات مفككة الأجزاء، وخطها سيء، وترتيبها مشوّه،
قرضت الأرضة بعض أوراقها.ويعزو بعض الباحثين السبب في إتلاف هذه المؤلفات لسياسة الضغط التي اتبعها العثمانيون وولاتهم تجاه العلماء والكتبة والمؤلفين من أبناء الشيعة، لاختلاف المذهب الديني، فاضطر
بعضهم لإخفاء كتبه وأوراقه في زوايا البيوت وبين ألواح الصناديق، وربما اضطروا إلى تمزيقها أو حرقها، عندما تدهم بلادهم الحروب والفتن. كما جرى في عهد أحمد باشا الجزار([i]). ناهيك عن
إحجام العامليين عن التأليف كثيراً في مجال التاريخ لعدم رضاهم عن واقع الحكم الذي يعيشون في ظلاله، فاكتفوا في التأليف التاريخي ناحية السير والرجال([ii]).
منهج البحث:
اعتمد هذا البحث أساساً على المنهج الوصفي التحليلي، مع عدم إهمال المنهج التاريخي وسرد أحداثه لبيان أهم الأحداث في تاريخ جبل عامل، إذ لا قيمة فعلية أو عملية لتحليل أحداث تاريخية لا يعلم عنها
القارىء شيئاً دون سردها، وإن حاولت – قدر الإمكان – أن يكون مجملاً.
وفيما يخص مراجع البحث، فقد كان جلّ الاعتماد على مؤلفات الأمير حيدر أحمد الشهابي إضافة إلى مؤلفات المؤرخين العامليين مثل تاريخ جبل عامل لمحمد جابر آل الصفا، وفصول من تاريخ الشيعة في لبنان
للشيخ على الزين، وما كتبه بعض المؤرخين العامليين في مجلة العرفان مثل جبل عامل في قرن لحسن حيدر الركيني، وجبل عامل في قرنين للشيخ على سبيتي، وقد بذل الباحث جهداً مضنياً في الحصول على الكثير من
هذه المراجع.
إن ما ورد في هذا البحث ما هو إلا محاولة متواضعة للكشف عن تاريخ جبل عامل في العهد العثماني، وأرجو من بقية الباحثين كشف المزيد عن تاريخ تلك المنطقة لتعمّ الفائدة وتزداد اللُحمة الإسلامية وتقريب
الفجوة بين مذهبي الإسلام الرئيسيين: السنّة والشيعة.
ــــــــــــــــــــــ
i)) آل الصفا، محمد جابر: تاريخ جبل عامل، ط 2، ص 99 – 100.
) مكي، محمد كاظم: الحركات الفكرية والأدبية في جبل عامل، ص 80. ii)

لمحة جغرافية تاريخية عن جبل عامل قبل عام 1219هـ/1804م:
جبل عامل، تلك البقعة الصغيرة من أرض لبنان، وتسمى في يومنا هذا بجنوب لبنان. ويُنسب بعض المؤرخين جبل عامل أو عاملة إلى قبيلة عاملة القحطانية التي استقرت في الشام بعد سيل العرم، ونزلت
بالقرب من دمشق الذي دُعى باسم جبل عامل، نسبة إلى قبيلتهم(1).
وتكاد تتفق جميع الآراء على أن أصل سكان جبل عامل يمانية(2). ويؤكد لامنس Lammens(3) أن المتاولة في بلاد الشام وإن انتموا للمذهب الشيعي الإمامي الأثنى عشري، لكنهم في الأصل
من عناصر سورية بحتة. أو بمعنى آخر أنهم لم يختلطوا بعناصر أخرى أجنبية.
وعُرفت منطقة جبل عامل خلال العهد العثماني باسم "بلاد بشارة"(4)، ثم "بلاد المتاولة"(5) بعد أن أطلق هذا اللقب على أصحاب المذهب الشيعي فيها.
وينقسم جبل عامل كله إلى ثمان نواحٍ، أو مقاطعات، كل منها تلحق بها قرى يحكمها حاكم واحد. وتقع أربع نواحٍ منها في القسم الجنوبي، وهي جبل هونين أو ناحية هونين ومركزها بنت جبيل، وجبل تبنين أو
ناحية تبنين ومركزها تبنين، وساحل قانا ومركزه قانا، وساحل معركه ومركزها صور، والأخيرتان في ساحل صور. وأربع منها في القسم الشمالي منه، وهي ناحية الشقيف ومركزها النبطية، وناحية الشومر
ومركزها قاعدة أنصار، وناحية التفاح ومركزها جبع، ومقاطعة جزين ومركزها جزين(6).
وإجمالي مساحة جبل عامل ثلاثة آلاف كيلومتر، ويدين سكانه بالإسلام على مذهب الشيعة الإمامية (الاثناعشرية)، بينهم عدد قليل من المسلمين السُنّة في الثغور، وعدد من المسيحيين في الداخل(7).
انقسم المتاولة أو العامليون في جبل عامل إلى ثلاث مجموعات كبيرة، فهناك بنو صعب في مقاطعة الشقيف، وبنو منكر في مقاطعة الشومر والتفاح، وبنو على الصغير في بلاد بشارة، وقد تمتعوا بحكم ذاتي
تحت قيادة شيوخهم، وخضوعهم للباب العالي لا يعدو أكثر من تخفيف الضريبة السنوية المفروضة عليهم من المال الأميري(8).
بعد أن أخضع العثمانيون سوريا لنفوذهم عام 922هـ/1516م، قسمّوها إلى إيالات (ولايات)، يحكم كل منها وزير (والٍ) لا تتجاوز سلطته مدن الساحل وبعض المدن الداخلية، بينما بقي الحكم داخل
البلاد إقطاعياً(9).
وقد تم تقسيم الاقطاعات(10) في الولايات السورية إلى خطط صغيرة يديرها أمير أو مقدم أو شيخ من أبناء الأسر العريقة أو المتنفّذة(11)، يلتزم بدفع الضرائب المترتبة عليها لخزانة الدولة
العثمانية، التي لا تتدخل في شؤون الإقطاعات ولا يهمها إلاَّ قبض الضريبة المفروضة عليها وفقاً لنظام التلزيم المعمول به يومذاك(12)، أو ما يسمى بنظام الالتزام أو الضمان. فهذه الأسر كانت تتحكم في
مساحات شاسعة من الأرض يعمل فيها الفلاحون نظير جزء من المحصول، بينما الجزء الآخر لم يكن خراجاً ولا مالاً أميرياً، وإنما هو مال الإقطاعي الذي أصبح حقاً له بناء على الالتزام الذي دفعه(13).
وكانت العصبيات الإقطاعية في بلاد الشام وخاصة في لبنان موجودة قبل استيلاء العثمانيين عليها، وكانت في الغالب ذات طابع طائفي(14). وهذا الصنف من الإقطاع كان في لبنان أرسخ جذوراً
وأقوى من الإقطاع الحكومي(15).
عرف الشيعة في لبنان هذا النوع من الالتزام سواء في جبل عامل في الجنوب أو في القسم الشمالي من وادى البقاع وكذلك كسروان حول مدينتي بعلبك والهرمل في الشمال، مع اختلاف جذري بين المنطقتين،
فجبل عامل كان قادراً على تقديم أنموذج مستقر للزراعة المطيرة، فمجتمعه كان مستقراً وتسيطر عليه فئة من ملاّك الأراضي البارزين الذين مارسوا سلطتهم الإقطاعية بقوة على جميع المزارعين. على العكس من
البقاع الشمالي الذي اتسم بندرة الاستقرار والزراعة على اعتبار أنه أكثر مناطق لبنان جفافاً(16).
على أية حال، خضع جبل عامل، كغيره من الولايات السورية لنظام التلزيم، وتناوبت على حكمه أُسر إقطاعية عاملية عديدة، كانت تخضع مباشرة وبشكل هرمي إلى أمير مقاطعة جبل لبنان سواء كان من
الأسرة المعنية أم الشهابية، أو كانوا يخضعون لوالي دمشق أو لسنجق القدس أو عكا(17). وقد استمر الحكم الإقطاعي في جبل عامل من عام 922هـ - 1516م/1282هـ - 1865م، مع وجود فترة انقطاع
على أثر مجيء حملة إبراهيم باشا إلى سوريا عام 1247هـ/1831م(18).
وثمة اختلاف ميّز جبل عامل عن غيره من المقاطعات، فالحكم الإقطاعي فيه كان وقتذاك حكماً وطنياً محضاً، نمت في عهده الروح الوطنية، واشتدت روابط التضامن القوي، وساد الوفاق بين زعمائه وحال دون
تدخل رجال الدولة العثمانية في شؤونهم الداخلية(19). كما كان جبي الضرائب في جبل عامل مغايراً تماماً لما كان يحدث في المقاطعات والبلدان الأخرى، فحاكم الجبل لم يكن يجبي الضرائب مرتين أو ثلاثاً في
العام الواحد(20)، إنما مرة واحدة أو إن جاز لنا القول فجباية الضرائب من الأهالي كانت في جبل عامل تتم بنوعٍ من الرحمة وعدم الإثقال عليهم.
ويبدو أن العامليين عاشوا في عهد حكمهم الإقطاعي حتى في أوقات الحروب في عز ومنعة، فلم تفرض عليهم ضرائب ترهق كاهلهم، ولم يكن هناك حكام منهم تظلمهم وتنهب أموالهم، بل كان هؤلاء الحكام رفقاء
بهم وبعد هدوء الأحوال واستقرارها ينصرفون إلى زراعة أرضهم واستغلالها دون أن تفرض عليهم أعشار ورسوم أو احتكار. ويضاف إلى ما سبق أن الوفاق بين زعماء جبل عامل كان عاماً، والاتحاد بينهم
محكماً. وكان كل زعيم حر في مقاطعته يتصرف في شؤونها، ويحمي حدودها، ويحفظ كيانها، ولا توجد سلطة فوق سلطته، ولا رقيب على أعماله سوى سلطة العلماء، أما سلطة الدولة العثمانية عليهم، اسمية تتقاضي
منهم رسوم مقطوعة لا يحق لها التدخل في أمور بلادهم الداخلية(21) .
إن العلاقة بين الإقطاعية العاملية ارتبطت بالولاة العثمانيين في فلسطين ودمشق وصيدا بالودّ –أحياناً–، وفي أحايين أخرى بالخصام والنزاع والقتال، مما جعل النواحي السياسية والحربية والعلمية
هادئة مزدهرة في فترات الود، مضطربة متأزّمة في فترات النزاع والخصام(22).
وعندما أقرّ العثمانيون بنفوذ "الأسرة المعنية" في لبنان، لم يتجاوز حكم هذه الأسرة حدود إقليم الشوف، إلاَّ في أزمنة محدودة. وعلى هذا يمكننا القول أن أقدام المعنيين لم تطأ منطقة جبل عامل، لأن
سكانها تمكنوا من الاستقلال في حكم مقاطعاتهم، كما تدل الحوادث التي وقعت في قرى أنصار والنبطية ووادي الكفور(23).
وتعود قوة سكان جبل عامل لمناعة حصونهم وكثرة عددهم خاصة إذا أضفنا إلى قوتهم قوة حلفائهم الشيعة في مناطق البقاع وبعلبك والهرمل(24). وكان للصراع اليمني – القيسي دور مهم في
سياسة جبل عامل بعد أن تمكن "آل علي الصغير" الوائليين من حكم بلاد بشارة على حساب "آل شكر"(25). وكان المتاولة العامليون وآل علم الدين الدروز يمثلون الحزب اليمني بينما ترأس المعنيون ومن
بعدهم الشهابيون الحزب القيسي(26).
ورثت الأسرة الشهابية سنة 1109هـ/1697م، الحكم عن الأسرة المعنية، فانتزعوا مقاطعات جبل عامل من "آل علي الصغير" وجعلوا عليها محمود أبي هرموش الذي بقي ملتزماً لها حتى عزله عنها والى صيدا
وأعادها إلى آل علي الصغير سنة 1119هـ/1707م، غير أنه في العام التالي تمكن الأمير حيدر الشهابي من غزو جبل عامل والانتصار على التحالف المكوّن من جميع زعماء المنطقة في معركة النبطية(27).
وتوالت الحملات الشهابية على جبل عامل لإخضاعه في عهد الأمير ملحم حيدر الشهابي، وتمكن من تحقيق عددٍ من الانتصارات على العامليين في العامين 1144هـ/1731م، و1156هـ/1743م(28).
إن هجمات الشهابيين على جبل عامل لم يكن الهدف منها مجرد التوسع، بل التزاماً منهم بالعهود التي قطعوها لولاة دمشق وصيدا والتي توجب عليهم القتال لصالح هؤلاء الولاة دون منّة(29). غير أن
العامليين لم يقفوا إزاء تلك الهجمات مكتوفي الأيدي، بل استعدوا للأمر، واتحدوا فيما بينهم وعقدوا المعاهدات مع جيرانهم، كالتي أجروها مع الشيخ ظاهر العمر الزيداني حاكم عكا والجليل، فبعد أن قامت عدة معارك
بينه وبين المتاولة، اقتنع باستحالة ضمهم إليه بالقوة، كما شعروا هم بضرورة تحالفهم معه لعدة أسباب منها: قوته الذاتية وتحالفه مع علي بك الكبير شيخ البلد المملوكي في مصر واعتماده على القيصرية الروسية
في مناهضة ولاة الدولة العثمانية(30).
وكانت النتيجة المنطقية للتحالف العاملي – الفلسطيني، نجاح قوى هذا التحالف في إيقاع هزيمة مروعة بجيش الأمير يوسف الشهابي عام 1185هـ/1771م، عند النبطية، عندما شنّ الأمير المذكور حملة
على جبل عامل، وما ترتب عليها من سقوط مدينة صيدا عاصمة الولاية في يد ظاهر العمر(31).
على الرغم من هذا الانتصار المذهل الذي حققه التحالف المذكور، فإن العامليين تخلوا عن نجدة ظاهر العمر مرتين في عام 1189هـ/1775م(32)، بعد أن شعروا بعجزهم على مواجهة المستجدات السياسية
والعسكرية التي تتلخص في مقتل حليفهم علي بك الكبير سنة 1187هـ/1773م، وبوادر الصلح بين تركيا وروسيا وتوقيع معاهدة كوتشك قينارجه عام 1188هـ/1774م(33).
إن تخلي المتاولة عن حليفهم ظاهر العمر لم يكن تحدياً له أو نكثاً لعهدهم معه، بل كان حفاظاً على جبلهم من الخراب والضياع بعدما تغيّرت موازين القوى في المنطقة وشعروا أن إمارة ظاهر العمر قد أصبحت
على شفا هاوية من الانهيار والسقوط بعد تعرضها لعدة ضربات موجعة سواء من داخلها بسبب الصراع بين ظاهر وأولاده، أم بسبب الضغط العثماني المتزايد عليها لإعادة فلسطين خاصة والشام عامة إلى الحكم
المباشر للدولة العثمانية.
ومما يعزز هذا الرأي أن أبناء ظاهر العمر لجأوا بعد مقتله إلى العامليين في ضيافة الشيخ ناصيف النصار هرباً من وجه العثمانيين(34).
عيَّن العثمانيون، أحمد باشا الجزار، والياً على عكا وصيدا بعد مقتل ظاهر العمر مباشرة. وقد دار في خلد الوالي الجديد ذكرى تحالف المتاولة مع سلفه ظاهر العمر في صراعه ضد السلطان العثماني، مما
دعاه للانتقام منهم، غير أنه أجّل هذه المهمة لفترة من الزمن نظراً لانشغاله بالتعامل مع البدو والدروز، الأمر الذي اعتبره أكثر إلحاحاً في ذلك الوقت(35).
ويبدو أن المتاولة كانوا قد تغلّبوا على الرهبة والخوف من الجزار أواخر عام 1194هـ/1780م، وشرعوا في شن بعض الهجمات على الطرق الرئيسية في منطقة صيدا، مما جعل الجزار يصل إلى مرحلة
نفاذ صبره في أواخر عام 1195هـ/1781م(36). فقرر إرسال قائده سليم باشا إلى بلاد المتاولة بجيش قُدرَّ بثلاثة آلاف مقاتل، والتحم معهم في معركة شرسة بالقرب من "يارون" جنوب بلاد بشارة في
نفس العام، انتهت بمقتل الشيخ ناصيف النصار زعيم المتاولة مع عددٍ من أتباعه. كما تمكنت قوات الجزار من الاستيلاء على عدد كبير من القلاع الحصينة مثل هونين وتبنين إضافة إلى مدينة صور(37).
وشهد جبل عامل خلال حقبة الجزار عدداً من الانتفاضات، وشكل قادتها فرقة من الثوار تسمى الطياح (الطواح)، عملت على مهاجمة المراكز الخاصة بالجزار، إلاَّ أن رده عليهم كان قاسياً وعنيفاً، فشتت
شملهم(38).
ويعود السبب في عدم نجاح هذه الانتفاضات من جانب المتاولة لعدم تنظيمها من جهة، ولعدم وجود زعيم مثل مزايا الشيخ ناصيف النصار من جهة أخرى. فقد كانت هذه الانتفاضات تخلو تماماً من توجهٍ
ثوري أو أية غاية سياسية محددة، إضافة إلى أنها لم تتورع عن إيقاع الضرر بالأهالي أو برجال الجزار دون تفرقة بينهما(39).
يتضح مما سبق، أن علاقة المتاولة العامليين بالجزار مرّت في بعض الفترات بالهدوء والتعاون المشترك، غير أن تصادم المصالح بين الطرفين أدى إلى النفور ووقوع معركة يارون. كما أن انتفاضات
المتاولة المتكررة ضد حكم الجزار كلها فشلت لافتقارها للتنظيم وعدم وجود القائد الذي يتولاها(40).

توقيع : *سماء العشق*
سماء العشق
آسمان عشق
Sky of love
من مواضيع : *سماء العشق* 0 الساكت عن الحق شيطان اخرس
0 حل مشكلة تشغيل Realplayer في الفايرفوكس
0 اضافة Auto Copy لعمل نسخ ولصق في الفايرفوكس
0 5 نصائح لكي تكون مدوّناً محبوباً
0 كتاب " جناية البخاري -إنقاذ الدين من إمام المحدثين" للباحث السوري زكريا اوزون
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 04:57 PM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية