إن قلتم: إنَّ المقصود هو أنَّ علياً أحب من بعض الجهات فقط. قلنا: فماذا في ذلك مما يوجب هذا السخط من قبل السيدة عائشة، بحيث ترفع صوتها بنحو يوجب – في نظر أبيها أبي بكر – أن يضربها تأديباً؟ ولاحظ أنَّها قالت الجملة بالصوت المرتفع (الصراخ) بصورة مكررة، مرتين أو ثلاث مرات..! فدل ذلك أن أحبية عليٍّ عليه السلام تُلغي دعوى أحبية أبي بكر وعائشة، وهو ما يوجب تضايق عائشة، فترفع صوتها بهذا النحو في وجه رسول الله صلى الله عليه وآله. ولاحظ أيضاً أن النبي لم يقل لها: عليٌّ أحب من بعض الجهات فقط.. فدل ذلك على أن هذا التأويل غير صحيح، ولو صح، لكان النبي أولى بطرحه؛ لتهدئة غضب زوجته السيدة عائشة، وإخراج الحسد من قلبها.
وإن قلتم: فليكن عليٌّ هو الأحب، فهذا لا ينفي أن أبا بكر أفضل..!
قلنا لكم: ابن تيمية قال في منهاج سنته (7/376) ما نصه:
"وأيضا فالنبي صلى الله عليه وسلم محبته تابعة لمحبة الله، وأبو بكر أحبهم إلى الله تعالى، فهو أحبهم إلى رسوله . وإنما كان كذلك لأنه أتقاهم وأكرمهم . وأكرم الخلق على الله تعالى أتقاهم بالكتاب و السنة".
فقد أقرَّ ابن تيمية أن الأحب إلى رسول الله هو الأحب إلى الله، وأن الأحب إلى الله هو الأفضل من جميع جوانب العبودية.. ونحن نقول: قد اعترفت السيدة عائشة أنَّ علياً هو الأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فيثبت لعلي جميع ما ذكره ابن تيمية لأبي بكر، فيكون عليٌّ هو الأفضل..
وإن قلتُم: قد روي عن عائشة ما ينفي هذا القول، وذلك في سنن الترمذي، حيث جاء فيه:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ: أَيُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ قَالَتْ أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَتْ عُمَرُ قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَتْ ثُمَّ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ فَسَكَتَتْ.
أجبنا: هذه الرواية لا تصلح لمعارضة الرواية التي تعترف فيها السيدة عائشة بأن الإمام علياً أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، من أبيها ومنها؛ وذلك لأربعة أسباب:
السبب الأول: أن الأولى تتضمن تقرير النبي صلى الله عليه وآله لصحة ما نطقت به عائشة، فإنه لو كان ما دعاها إلى رفع صوتها في محضر النبي، أمراً غير صحيح، للزم تنبيهها، فلما أقرها النبي، دل ذلك على صحة ما أسست عليه سخطها وصراخها.
هذا في حين أن الرواية الثانية لا تتضمن تقرير النبي صلى الله عليه وآله، فقد قيلت في غير محضره.
السبب الثاني: أن الأُولى من قبيل الإقرار والاعتراف، وهذه من قبيل الدعوى، والإقرار مُقدَّم على الدعوى، بل الدعوى لا تقبل إلا بدليل.
السبب الثالث: أن الثانية رواها عن السيدة عائشة "عبد الله بن شقيق" ، وهو ناصبي، ومثله متهم في مثل هذه الرواية، فالأرجح أنها من وضع هذا المنافق.
السبب الرابع: أن الرواية الأولى مؤيدة برواية أخرى، وهي التالية:
المستدرك على الصحيحين (3/168) برقم (4735/333) :
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا العباس بن محمد الدوري ، ثنا شاذان الأسود بن عامر ، ثنا جعفر بن زياد الأحمر ، عن عبد الله بن عطاء ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال : كان أحب النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة، ومن الرجال علي .