( موسى بن جعفر بن محمد بن علي إبن الحسين بن علي أبو الحسن الهاشمي عليهم السلام كان يدعى العبد الصالح لأجل عبادته واجتهاده وقيامه بالليل وكان كريما حليما إذا بلغه عن رجل أنه يؤذيه بعث إليه بمال
عن الفضل بن الربيع عن أبيه أنه لما حبس المهدي موسى بن جعفر رأى المهدي في النوم علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يقول يا محمد فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم قال الربيع فأرسل إلي ليلا فراعني ذلك فجئته فإذا هو يقرأ هذه الآية
وكان أحسن الناس صوتا فقال علي بموسى بن جعفر فجئته به فعانقه وأجلسه إلى جانبه وقال يا أبا الحسن رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في النوم يقرأ علي كذا فتؤمنني أن تخرج علي أو على أحد من ولدي فقال والله لافعلت ذلك ولاهو من شأني قال صدقت يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار ورده إلى أهله إلى المدينة قال الربيع فأحكمت أمره ليلا فما أصبح إلا وهو في الطريق خوف العوائق
وعن شقيق بن إبراهيم البلخي قال خرجت حاجا في سنة تسع وأربعين ومائتين فنزلت القادسية فبينا أنا أنظر إلى الناس في زينتهم وكثرتهم فنظرت إلى فتى حسن الوجه شديد السمرة يعلو فوق ثيابه ثوب من صوف مشتمل بشملة في رجليه نعلان وقد جلس منفردا فقلت في نفسي هذاالفتى من الصوفية يريد أن يكون كلا على الناس في طريقهم والله لأمضين إليه ولأوبخنه فدنوت منه فلما رآني مقبلا قال يا شقيق اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ثم تركني ومضى فقلت في نفسي إن هذا لأمر عظيم قد تكلم على ما في نفسي ونطق بإسمي وما هذا إلا عبد صالح لألحقنه ولأسألنه أن يحالني فأسرعت في رجاء فلم ألحقه وغاب عن عيني فلما نزلنا واقصة
إذا به يصلي وأعضاؤه تضطرب ودموعه تجري فقلت هذا صاحبي أمضي إليه وأستحله فصبرت حتى جلس وأقبلت نحوه فلما رآني مقبلا قال يا شقيق إتل وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم إهتدى ثم تركني ومضى فقلت إن هذا الفتى لمن الأبدال وقد تكلم على سري مرتين فلما نزلنا رمالا إذا بالفتى قائم على البئر وبيده ركوة يريد أن يستقي ماء فسقطت الركوة من يده في البئر وأنا أنظر إليه فرئيت قد رمق السماء وسمعته يقول أنت ريي إذا ظمئت من الما ء وقوتي إذا أردت الطعاما اللهم سيدي مالي سواها فلا تعدمنيها قال شقيق فوالله لقد رأيت البئر قد إرتفع ماؤها فمد يده فأخذ الركوة وملأها ماء وتوضأ وصلى أربع ركعات ثم مال إلى كثيب رمل فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويحركه ويشرب فأقبلت إليه وسلمت عليه فرد علي السلام فقلت أطعمني من فضل ما أنعم الله به عليك فقال يا شقيق لم تزل نعمة الله علينا ظاهرة وباطنة فأحسن ظنك بربك ثم ناولني الركوة فشربت منها فإذا سويق وسكر فوالله ما شربت قط ألذ منه
ولا أطيب ريحا منه فشبعت ورويت فأقمت أياما لاأشتهي طعاما ولا شرابا ثم لم أره حتى دخلنا مكة فرأيته ليلة إلى جنب قبة الشراب في نصف الليل يصلي بخشوع وأنين وبكاء فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل فلما رأى الفجر جلس في مصلاه يسبح الله ثم قام فصلى الغداة وطاف بالبيت أسبوعا وخرج فتبعته فإذا له حاشية وموال وهو على خلاف ما رأيته في الطريق ودار به الناس من حوله يسلمون عليه فقلت لبعض من رأيته يقرب منه من هذا الفتى فقال هذا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فقلت قد عجبت أن تكون هذه العجائب إلا لمثل هذا السيد
وعن أحمد بن إسمعيل قال بعث موسى بن جعفر إلى الرشيد من الحبس رسالة كانت إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء حتىنفضي جميعا إلى يوم ليس له إنقضاء يخسر فيه المبطلون ولد موسى بن جعفر عليه السلام بالمدينة في سنة ثمان وعشرين وقيل تسع وعشرين ومائة وأقدمه المهدي بغداد ثم رده إلى المدينة فأقام بها إلى ايام الرشيد فقدم الرشيد المدينة فحمله معه وحبسه بغداد إلى أن توفي بها لخمس بقين من رجب في سنة ثلاث وثمانين ومائة )