الإمامة : بين النّص والشورى وحُكم الرّافضـــــة .ج
بتاريخ : 04-07-2010 الساعة : 12:44 AM
بسم الله الرّحمن الرّحيم والصلاة والسّلام على المصطفى الأمين وآله الأطهار المنتجبين ..
السلام عليكم ورحمته تعالى وبركاته ..
الإمامة / بين النّص والشورى ...
*** البحث في النّص عند الجمهور :
أنا في واقع الحال ورغم معرفتي المحدودة بالسيرة والتاريخ الإسلامي . أجزم بأنّ الرسول الأكرم – صلى الله عليه وآله وسلّم – لم يترك الأمّة همّلا بعده وبدون راع ودليل .. يراع شؤونها الدينيّة ، ويرشدها سبُل الرشاد ، وقد كان في حياته الشريفة ذاك ديدنه كلّما ترك المدينة المنورة في سفر أو غزوة ، إلاّ وجعل من يخلفه لإدارة شؤون العاصمة الإسلاميّة ولو بشكل مؤقت حتّى حين عودته الكريمة .. فما ظنك إذا كان السفر أبديّا ..؟ وبين الأطماع الآنيّة والمصالح الذاتيّة وما أوغل في قلوب البعض من حسد على بني هاشم فيما أتاهم الله من فضله .. ضاعت الأوّلويّة القطعيّة ، والنّصوص الجليّة لمن كان بالمؤمنين رؤوف رحيم فيمن أوصى لهم به هاديا من بعده ، واتخذوا بدلا عن ذلك مقولة المغيرة بن شعبة : وسّعوها في قريش ، لتتّسع ..؟ .
ولكن إذا ما عدنا إلى خلفيات الواقع التّاريخي في مسألة الشورى . ودرسناها بحيادية بعيدا عن الأهواء .. لوجدناها قد حسمت بعيدا عن كلا الأمرين : النّص أو الشورى ..
وذلك بما حدث في سقيفة بني ساعدة من أمور لم يرتضيها الجميع ممن حضر ، رغم قلّتهم، كما لم يكن فيها إتّفاق ولا شورى .. بل تطاير الشرّ فيها ، وكانت بيعتهم كما قال عمر : فلتة وقى الله شرّها .: فضلا عن من غاب عنها ورفضها كبني هاشم آل الرسول – صلى الله عليه وآله – ومن إنضمّ إليهم من المهاجرين والأنصار .. والأمويين كما يدلّ عليه موقف عميدهم أبا سفيان من بيعة أبا بكر، وما عرضه من دعم على الإمام عليّ "ع"حتّى يستردّ حقّه المغتصب ... هذا هو الواقع التاريخي الموثّق بعيدا عن التأويلات الباهتة و الرخيصة .. التي أرادوا بها الحفاظ على كرامة السلف من الماضين . كما حاولوا التنظير في مسألة الخلافة من واقع السقيفة . فتشبثوا بالشورى لكنهم لمّا إصطدموا بالواقع التّاريخي عادوا ليبحثوا على النّص .. وهكذا كانت ولا زالت هي المعضلة في أساس نظام الحكم في الإسلام ، والتي لم يُحسم فيها القول بين المسلمين .. مع أنّ مدرسة " السنّة والجماعة قد أسست لذلك قواعد وتشريعات تأخذ بصاحبها إلى سُبُل التيه والضياع .. فرأوا أحقيّة الخليفة فيمن يستخلف، حتّى وإن رفض أهل الحلّ والعقد [1] ...؟؟؟
كما أجازوا ذلك خوفا من الفتننة واضراب الأمّة .. [2] ...؟؟؟ لكن حينما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم – تلك المصلحة عند وفاته منعوه بدعوى ضلال ، إدّعاه عمر بن الخطاب : حسبكم كتاب .. إن رسول الله يهجر ..:؟؟ [3]
وهو الرحمة المهداة بلا شكّ .. أليس من تمام الرحمة وجمالها أن يُجنّبَ أمّته المحذور من الإختلاف بعده وهو المحب الحريص ": عزيز عليه ما عندتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم .."
ولكن ابن حزم أراد أن يتدارك المفسدة فقال ": وجدنا عقد الإمامة يصحّ بوجوه : أوّلها وأصحّها وأفضلها أن يعهد الإمام الميّت إلى إنسان يختاره إماما بعد موته ، سوى جعل ذلك في صحته أو عند وفاته ، كما فعل رسول الله "ص" بأبي بكر ، وفعل أبو بكر بعمر .. ؟ قال : وهذا هو الوجه الذي نختاره ، ونكره غيره ، لما في هذا الوجه من أتصال الإمامة ، وانتظام أمر الإسلام وأهله ..؟ [4] .
وهكذا حاول ابن حزم رتق تلك النظرية المتداعية ، عساه يخرج بأولياءه من مطبّات الجهالة وضلالة .. حين إدّعى كذبا وبهتانا بأن الرسول الأكرم – صلى الله عليه وآله وسلّم – قد أوصى الى أبي بكر ..؟ وما يُنتجه الباطل يكون باطلا ، حيث لم تتدارك تلك النظرية ثغرات الأدعياء ، ولا هي أنقذت الأمر الواقع . . فمن أراد أن يثبّتَ مثل هذا النص على أبي بكر بالخصوص ، فعليه أن ينفي حادثة السقيفة جملة وتفصيلا ، وما جاءت به صحاحهم من أحداث وأخبار .. وما كانت بيعة أبي بكر فلتة ، وقى الله شرّها .؟ . [5] .
كما ينفي ذلك ما إدّعوه بادي الأمر من عدم النص على إمامة أبي بكر بالإجماع ..[6] .. ثمّ عادوا من بعيد بدعوى لقطع دابر النزاع ، فقالوا : إنّ شرط الإمامة – النّسب القريشيّ ، فلا تنعقد الإمامة بدونه ..- وعللوا بما جاء من خبر عن النبي "ص" ": الإئمة من قريش .. وقدّموا قريش ، ولا تقدّموها .. :" وهذا في نظرهم يقطع شبهة كلّ منازع ، وقول كلّ مخالف .[7] حتّى قال بن خلدون في المقدمة : بصحة الخلافة للقريشيّ ولو كان عاجزا عن القيام بأمور المسلمين .. وهذا النصّ على الإمامة عند القوم ، مع ما أضافوا له ، لن يحقق لهم معناها الحقيقي الذي أمر به رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلّم – بعد أن حذّرهم بالإعتزاز بالنسب القريشي وحسب .. وانذر من ذلك بقوله ": هَلكت أمّتي على يدي غلمَةٍ من قريش ..:" [8] وقوله "ص" : شرّ قبائل العرب : بنو أميّة وبنو حذيفة ، وثقيف ..:" [9] وما جاء به الحاكم عن أبي برزة أنّ رسول الله "ص" قال : كان أبغض الأحياء عند رسول الله "ص" بنو أميّة ..[10] .
كيف إذن يُمكن لنا التوفيق بين هذه النصوص ..؟ ومن يرتضي من نفسه نسبة الرسول الأكرم "ص" بوضع أمّته على حافة الهاوية ، بعد أن أنقضهم منها أوّلا ..؟ وما ذنب الأمّة إذا إلتزمت بحكم النصّ ..؟ حتّى ذُبحَ أخيارها بسيوف البغي من قريش ..؟ بعد أن تقمّص الإمامة أشرارهم ، حتّى آلت بعدهم إلى الغلمةِ منهم ..؟ لذا لا يمكن بعد هذا أن نطمئن لهذه النظرية الجوفاء ، أو التسليم لمفهومها الشمولي . في حين أن الواقع يأمرنا بالتمسّك بالطائفة المعينة من قريش ، لا كلّ من إنتسب إليها ، وحسب نصوصٍ جليّة أعلنها الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وآله وسلّم- تؤكد هذه النظرية .. ومنها ..
": إنّ الله إصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريش من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم ..:" [11]
وساق إبن تيمية هذا الحديث الصحيح وأضاف قائلا : .. وفي السنن أن العباس إشتكى لرسول الله "ص" إحتقار بعض قريش لبني هاشم .. فقال له المصطفى – صلى الله عليه وآله - : والذي نفسي بيده لا يدخلون الجنّة ، حتى يحبوكم لله ولقرابتي ..:
وإذا كان بنو هاشم هم أفضل الخلائق ، فلا ريب أن أعمالهم أفضل الأعمال .. بل قريش لا يصحّ لها إيمان إلاّ بحبّهم وموالاتهم والتسليم لهم .. لا كما فعلوا وادعوا ، فقدّموا ما هو أدنى على الذي هو خير وأعلى منزلة ، بعد أن إحتجّوا بالشجرة ، وأضاعوا الثمرة .. وهكذا جوزا إمامة المفضول على الفاضل ، وأجازوا الصلاة وراء كلّ برّ وفاجر .. بعد أن طعنوا في ما إدعوا ، وعولوا على ظواهر الأحكام في ذلك ، وما نسبوا من حديث لرسول الله "ص" مثل قول : إسمعوا وأطيعوا وإن ولي عليكم عبدا حبشي .. [12] ..
وهذا ما خلُص إليه الدكتور محمود صبحي في دراسة نظرية الإمامة إذ قال : .. لم يقدّم أهل السنّة نظرية متماسكة في السياسة تحدد مفاهيم البيعة والشورة وأهل الحلّ والعقد ، فضلا على هوّة ساحقة تفصل بين النظر والتطبيق ، أو بين ما هو الشرعي وبين ما يجري في الواقع ... هو ما مكّن المعارض – القول بالنص – ممثّلا في حزب الشيعة ..:" [13]
وأمّا ما جاؤوا به من أحاديث مفترات في فضل أبي بكر، كي يشدّوا بها أركان سقيفتهم المتداعي .. لن تزيدهم إلاّ خبالا .. فتراها متهاوية ثائبة من أوّل إشعاع من نور البحث والتحقيق .. وهذا بعضها وأوثقها عندهم :
قول الحبيب المصطفى "ص" عند مرضه الذي توفي فيه : مروا أبا بكر فليصلّ بالنّاس ..:" وعلّق الشيخ أبو زهرة على ذلك بقوله : إتّخذ بعض الناس من هذا النص – إشارة إلى إمامة أبي بكر العامة للمسلمين ، وقال قائلهم : لقد رضيه "ص" لديننا ، فلا نرضاه لدنيانا ..:"
ولكن لزوم ما ليس بلازم ، لأنّ سياسة الدنيا غير شؤون العبادة ، فلا تكون الإشارة واضحة .. كما أن أهل السقيفة لم يحتجّوا بذلك .. فهم لم يعتقدوا التلازم بين إمامة الصلاة وإمرة المؤمنين ..:" [14]
وإن لم يرتضوا هذا ، فما يقولون في صلاة سالم مولى أبي حذيفة وهو يؤمّ المهاجرين الأوّلين وأصحاب رسول الله "ص" في مسجد قباء ، وفيهم أبي بكر وعمر وأبو سلمة وعامر بن ربيعة ..[15] وكذلك في عزوة ذات السلاسل كان يؤمّهم عمر بن العاص ، حتّى صلى بهم بعض الصلوات وهو جُنب ، وفيهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ..:" [16]
-- فهل يُستدلّ بهذا بأن سالم وابن العاص كان أفضل من أبي بكر ،وعمر ..؟ وأولى بالخلافة منهما ..؟
ولكن حتى ولو إفترضنا جدلا في صحّة هذا الحكم من صلاة أبي بكر .. إلاّ أنهّ لم يتأكّد ، حيث ثبت من طرقه الصحيحة ، وبروايته التامة أنه بعد أن افتتح أبا بكر الصلاة ، خرج رسول الله "ص" يتهادى بين رجلين – عليّ والفضل بن العباس – فصلى بهم إماما وتأخّر أبو بكر عن موضعه مؤتمّا بالنبي "ص" .. لكنهم طالوا بعد ذلك واستطالوا .. حتى جوزوا الصلاة بإمامين .. ولكن جاء إمامهم العسقلاني ليقطع عليهم شرعية الفرية حيث قال : تضافرت الروايات عن عائشة بالجزم بما يدلّ على أنّ النبيّ "ص" كان هو الإمام في تلك الصلاة ..[17]
مع العلم أن حديث الصلاة هذا لم يأتي إلاّ عن طريق عائشة .. تلك التي لا تُطيب لها نفسا في ذكر فضائل علي – عليه السلام - ..[18] لذا فقولها لن يكون حجة على مخالفيها .[19] .. كما أثبت جلّ أصحاب السيرة والتاريخ أنّ أبا بكر كان أيام مرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم مأمورا بالخروج في جيش أسامة ..؟ فكيف ينسجم هذا مع الأمر بتقديمه في الصلاة ..؟
والنص الثاني الذي إستدلوا به عن إمامة أبي بكر : قول رسول الله "ص" لامرأة سألته ، أرأيت إن جئت فلم أجدك .؟ - كأنها تريد الموت - . فقال "ص" ": فإن لم تجدين ، فآتي أبا بكر .:" [20]
وهذا الحديث وبنظرة واحدة في سنده تتبخر أمال معتقديه :
متّحد عند الشيخين في سلسلة واحدة ، فلم يرويه من الصحابة إلاّ جبير بن مطعم وهو من الطلقاء وهو صاحب أبي بكر تعلم منه أنساب وأخبار قريش ..[21] وكانت عائشة تُسمى له قبل أن يتزوجها النبي "ص" [22] .. وكان هواه مع بني أمية [23] ..
وأمّا الرجل الثاني في السند : محمّد بن جبير ، ممن اعتزلوا الإمام علي والحسن –عليهما السلام – ولكنه كان ممثلا لمعاوية في وفد المدينة ..[24]
والرجل الثالث : وهو سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمان بن عوف ، كان قاضيا لإحد ملوك بني أمية على المدينة ..[25]
وأمّا ولده إبراهيم بن سعد السند الرابع : فهو صاحب عود وغناء .. وعمل واليا على بيت المال ببغداد لهارون الرشيد ..[26] .. هذه رجالهم وتلك أسانيدهم .. وإنّ أهون البيوت لبيت العنكبوت ..
ولكنهم لن يُفلحوا حيث وجدوا .. كأنهم لم يعلموا بأن الصدق رأس الإيمان ، وزين الإنسان ، وعماد الإسلام .. وأنّ اًصدق القول ما طابق الحقّ .. وهو هذا :
لمّا حضر رسول الله "ص" قالت صفية أمّ المؤمنين : يا رسولn الله ، لكلّ إمرأة من نسائك أهل تلجأ إليهم ، وإنّك أجليت أهلي ، فإن حدثَ حدث ٌ فإلى من ..؟ قال "ص" : إلى عليّ بن أبي طالب . هذا الحديث رجاله رجال الصحيح ..[27]
وأمّا حديثهم والذي نختم به الجزء الأول من هذا البحث : يأبى الله والمؤمنون إلاّ أبا بكر ..:" فسأل أكان هذا قبل أن يهجر رسول الله "ص" أم بعد ..؟ أم قبل طلبه الدواة والكتف ، ومنع عمر ..؟ وإنّ كان ما تفترونه صحيح .. فما السرّ من بكاء ابن عباس ..؟ وما يوم الرزية ..؟ وهو من سادة بني هاشم الذين لم يبايعوا إلاّ بعد ستة أشهر ..؟ ولكن هذا حالهم وتلك أدلتهم .. قاتلهم الله أنّا يؤفكون ..
وحتّى نلتقي مع أدلّة الرافضة ، في النص على إمامة أمير المؤمنين – عليه السلام - . نستودعكم الله .
والسلام في البدء والختام ممن سيبقى على العهد مقيما
1] – الأحكام السلطانية – للفرّاء :10 ، والأحكام السلطانية – للبغوي – 25 و 26 ..
2] – الفصل ج4 ص 169 ، وتاريخ الأمم الإسلامية – للخضري – 1ص 196 .
3]– البخاري – باب قول البريض قوموا – ج7ص9 . صحيح مسلم في آخر كتاب الوصيّة ج5 ص75 ..
4] - الفصل ج 4 ص 169 .
5] – البخاري – كتاب الحدود –باب رجو الحبلى من الزنا / 6442 ، ومسند أحمد -1- 56 .. وسيرة بن هشام
6] – شرح المقاصد ج 5 ص 255 ، ومصادر أخرى ..
7] – الأحكام السلطانية للماوردي – 6 .
8] – البخاري – الفتن – باب – 3- 6649 ..
9] – إبن حجر الهيثمي ..
10] – تطهير الجنان واللسان 30 .
11] – صحيح مسلم – باب الفضائل /1.
12] – من ردّ إبن خلدون على أبي بكر الباقلاني في المقدمة ..
13] – الزيديّة 35 – 37 ..
14] – المذاهب الإسلامية – 37 ..
15] – صحيح البخاري : كتاب الأحكام / 6754 .
16] – سيرة بن هشام ج 4 ص 272 . البداية والنهاية لإبن كثير ج4 ص 312 ..
17] – فتح الباري بشرح صحيح البخاري – 2 – 123 ..
18] – فتح الباري بشرح صحيح البخاري – 2 –123 .. وعبد الرزاق في المصنّف ج 5 ص 429 ..
19] -- المعيار والموازنة 41 ..
20] – البخاري ومسلم في باب فضائل أبي بكر ..
21] – سيرة أعلام النبلاء -3-95 –رقم 18 – الإصابة 1 – 662 –رقم 1096 ..
22] -- إبن أبي الحديد في شرح النهج ج 14 ص 22 ..
23] – راجع ترجمته في : أفستعاب ، وأسد الغابة ، والإصابة ...
24] – فتح الباري بشرح صحيح البخاري 13 – 98 ..
25] – تاريخ بغداد 6 – 83 و الأغاني 15 – 329 ..
26 ]– تاريخ بغداد 6 – 81 و 86 ، والأعلام 1 – 40 ..
27] – أخرجه أحمد في مسند 6 – 300 و الطبراني في مجمع الزوائد 9 – 113 ..