|
عضو جديد
|
رقم العضوية : 52183
|
الإنتساب : Jul 2010
|
المشاركات : 60
|
بمعدل : 0.01 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى العقائدي
من هم الزيدية و منهجهم
بتاريخ : 11-07-2010 الساعة : 04:38 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله الطاهرين ورضي الله عن صحابته الراشدين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين آمين.
وبعد .. فإن كثيراً من المتسائلين عن الحقيقة ـ وللحقيقة وحدها ـ يريدون معرفة المذهب الزيدي وتردد في الأوساط العلمية في العصر الحاضر سؤال (من هم الزيدية؟).
وربما كان مبعث السؤال هو وجود الراغبين لمعرفة الحقيقة بعيداً عن التعصب المذهبي، وعن التراجم التي ربما كتبت لميول سياسية، وفي عصور معروفة بتهجم علمائها بعضهم على بعض، وكلٌ يدعو إلى المذهب الذي ينتمي إليه، وقد ظهر هذا حتى بين أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة، كلٌ يدعي الصحة والفضيلة والفلاح في اعتناق مذهب إمامه وفي تخطئة الآخرين في مسائل معروفة، وربما أدى هذا الخلاف عند أرباب المذاهب إلى تحقير من سواهم، فكانت الشافعية تعد الإمام محمد بن إدريس الشافعي ـ رحمه الله ـ أولى الأئمة بالاتباع وتنسب إليه المناقب الكثيرة، وكانت الحنفية تعد الإمام أبا حنيفة النعمان بن ثابت -رحمه الله- أولى الناس بالاتباع من غيره، وهكذا كان المالكية أصحاب الإمام عالم المدينة مالك بن أنس الأصبحي ـ رحمه الله ـ وكذلك الحنابلة أصحاب الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ.
وجميع الأئمة المذكورين لم يعرف عن أي منهم ادعاء بشيء من الأولوية له دون غيره في الاتباع والتقليد، بل جرت الالتزامات لذلك والفتاوى بعد موتهم، وما عرف عن -أربعتهم- الميل إلى عدم التزام عارفيهم لمذهبهم، كما صدر عن الإمام الشافعي -رضي الله عنه- مثلاً قوله في الحديث: ما صح عن رسول الله فهو مذهبي.
ولكن لوجود الاختلاف والصراع فيما بعد موت الأربعة -رضي الله عنهم- بين أصحاب كل منهم كثر الخلاف والنزاع حتى كان كل فريق يفتي بعدم جواز تقليد غير إمامه، وربما صدرت من المشاحنات ما هو أكثر حتى فرقوا ما بينهم بأنفسهم واتخذ كل طائفة مسجداً يؤمونه للصلاة لوحدهم، وكان ذلك التفريق فيما يرضي أعداء الإسلام فوسعوا الشقة حتى كان ذلك في الحرم المكي أمام الكعبة المشرفة فجعلوا لكل طائفة مقاماً يصلون فيه ولا يأتم بعضهم بإمام الآخرين، وأشياء كثيرة من هذه، كانت معلومة ومعروفة إلى أمد غير بعيد، وقد زالت، لكن المجافاة عند البعض -مع الأسف- باقية حتى عصرنا وهو الرابع عشر الهجري -العشرين الميلادي.
ولا داعي هنا للإيضاح بأكثر فإن ذلك مشهور ومعروف عند جميع العلماء والباحثين والمؤرخين سواء منهم المتعصبون والمنصفون، فقد نقل هذا الاختلاف بالإجماع وما تزال آثاره إلى اليوم، لكنها قلت الفرقة وتقاربت الشقة والحمد لله.
لهذا فقد كان المذهب الزيدي غير مرغوب فيه عند البعض كلما كان الحكم والسلطة في يد من يعارضه.
فصح لذلك أن يعتذر بعض الإخوان عن معرفة حقيقة المذهب الزيدي، وطالب الكثير منهم بنشر كتيب صغير عن (الزيدية) يتناوله الجميع من الباحثين والمؤرخين وبدون تطويل أو تعقيد.
ومع ما ذكر وجدت نفسي مضطراً لإجابة الرغبة ولنشر هذا الكتاب بعنوان السؤال وهو (من هم الزيدية؟).
ولا بد لنا أولاً من توضيح ما يأتي -زيادة على ما تقدم-:
وهو أن العذر للمتسائلين معروف ومقبول، ذلك لأن الذي درج عليه كثير من المسلمين لقلة أسفارهم وعدم احتكاكهم بالآخرين، وجمودهم على تقليد إمام معين لهم فهم لا يعرفون إلا مذهبهم، ولا يسألون عن غيرهم، وأيضاً فإن علماءهم لا يقرؤون عليهم خلاف غيرهم، ولا يكتبون ذلك في مؤلفاتهم، وإنما يكتبون عن إمامهم وعن رأيه واستنباطه وفقهه في المسائل الدينية والعقائدية وعن أدلته وعن حكمه في المسألة دون أي التفات لما عند غيرهم.
وعندما انفتح المسلمون بعضهم على البعض الآخر، وتيسرت أسباب المعرفة، وتذللت طرق المواصلات، ووقع التعرف من بعضهم على بعض أكثر وأكثر في أماكن الحج إلى بيت الله الحرام واجتماعاتهم وندواتهم العامة؛ عندما صار ما ذكر احتاجوا لمعرفة مؤلفات الآخرين وأقوالهم وآرائهم، وعند ذلك كثر سؤالهم عن الزيدية.
هذا هو ما كان الشأن عليه في العهود الماضية، وقد تغير ما هم عليه غالباً في العهد الحاضر الذي تميز بالانفتاح على التراث الإسلامي الذي أنعم الله سبحانه فيه بحفظ ما أنزله على خاتم المرسلين نبي الرحمة والرأفة.
نعـم، أما الزيدية .. فرغم أنهم على الحق وبيدهم البرهان على ذلك فإنهم كما عهدوه في القديم والحديث يقرؤون الكتاب الكريم والسنة النبوية، يقرؤون تفاسير القرآن الكريم المؤلفة عند غيرهم، ويقرؤون السنة النبوية في جميع مسانيد الحديث وأمهات الكتب المدونة في ذلك، ويطلبون الحديث ويبحثون عن صحته، ويقرؤون ذلك في مدارسهم العلمية، ويكتبون عن الخلافات والآراء عن جميع العلماء، ويؤلفون في ذلك، وقد يسر الله في هذه المدة طبع ونشر كتاب (البحر الزخار الجامع لمذهب علماء الأمصار) تأليف أحد كبار علماء الزيدية وهو الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى ـ رحمه الله تعالى ـ وننصح الجميع بمطالعته فإنه حشر فيه الأقوال والمذاهب وأدلة كل قائل والرد عليها أو الموافقة، وهكذا كان كل علماء الزيدية وما يزالون حتى اليوم فإنهم لا يفرضون حجتهم على أتباعهم ولا على غيرهم في المسائل العلمية الظنية، ولا يرون انتقاص أي المذاهب الأربعة أو غيرها مهما كانت المسألة ظنية.
كما أن من قواعدهم حُرّية البحث الديني في المسائل وأحكامها، ووجوب بذل الجهد من العلماء لاستنباط الحكم من المسألة بعد معرفة النص ومنطوقه ومفهومه، والبحث عن العام والمخصص، ومعرفة الدليل الذي عندهم والذي عند غيرهم والعمل في المسائل الدينية كلها بما هو الأصح والأرجح من الأقوال والذي قام عليه الدليل الصحيح، وسواء كانت المسألة في عبادة أو معاملة أصولية أو فروعية.
ومن قواعدهم تحريم التقليد على من بلغ درجة الاجتهاد من العلماء، وتجويز التقليد كضرورة ملجئة لغير المجتهد وهو الذي لم يبلغ بمعرفته درجةً تُمكّنه من الاجتهاد لنفسه في تنوير الحكم الشرعي في المسألة التي يزاولها ويريد العمل بها.
ثم إن مذهب الزيدية عدم الاعتراض على أي من المجتهدين في العمل بما أدى إليه اجتهاده في المسائل العلمية الفرعية؛ لأن ذلك هو المطلوب منه بالدليل من القرآن. قال تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ}[الحشر:5]، وسبب النزول معلوم وهو أن من الصحابة الكرام من اجتهد بقطع الأشجار المثمرة في بني قريظة لئلا ينتفع بها الكفار فتقوى بها شوكتهم في حربهم للمسلمين فقطع أشجاراً من النخيل، ومنهم من اجتهد فرأى المصلحة في حفظ الأشجار وسلامتها لينتفع بها المزارعون بعد انتهاء الحرب فلم يقطع شجرة واحدة.
وعند نهاية المعركة أنزل الله الآية المذكورة مطمئناً كل أولئك الذين قطعوا والذين لم يقطعوا بأن ذلك بإذن الله.
وقال تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}[الأنبياء:79] وذلك يفيد أن كلاً من سليمان وأبيه داود -عليهما السلام- قد أصابا في الحكم بشأن الحرث الذي نشبت فيه الغنم.
ومن السنة كثير كقول الرسول : ((من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر)) ولتقريره لقول معاذ رضي الله عنه: (أجتهد رأيي) في الحديث الطويل عندما بعثه إلى اليمن وهو مشهور.
والشرط في صحة الاجتهاد هو أن يصدر من عارف بعلوم الاجتهاد، وأن لا يخرق الإجماع في المسائل التي قد أجمعت الأمة عليها.
وذلك يلزم فيه التبحر في العلوم حتى يعرف نصوص الأدلة وطريقها، والعموم والخصوص، والناسخ والمنسوخ، والمنطوق والمفهوم، وغير ذلك من شروط الاجتهاد وعلومه.
لهذه الأدلة ولفعل الصحابة يقول الزيدية: إن كل مجتهد مصيب في العمل بما أدى إليه اجتهاده في المسائل الفرعية.
وإذا كان الزيدية وأئمتهم من آل رسول الله ومعهم أتباع الحق من غيرهم -أعني إذا كان الزيدية يرون هذا الرأي الذي أسلفناه في تقرير عمل المؤمن العالم فيما أدى إليه اجتهاده في المسائل الفرعية الظنية- فإنه لم يكن لهم أن ينظروا إلى من خالفهم وذهب إلى غير مذهبهم في المسائل العملية الظنية من علماء الأمة الإسلامية إلا بنظرة الأخوة في الله والدين ولا [شيء] غير ذلك.
وقد نشأت فترات أوجبت على المتحكمين أن يغمطوا الزيدية ويكتموا رأيهم ومذهبهم ويمنعوا أن يظهر في الفرق الإسلامية غير أتباع الأئمة الأربعة رضوان الله عليهم، ومن وجدوه لا ينتمي إلى أحد [الأئمة] الأربعة فإنه في نظر المتحكمين آن ذاك يعد مخالفاً للجماعة، أو خارجاً عن الطاعة، أو أنه ليس من أهل السنة والجماعة، وقد أرادوا بذلك الاستحواذ بالرأي، وعدم الجواز لأي أحد من العلماء مهما بلغت درجته وقدرته على الاجتهاد، وبالتالي حرّموا على أتباعهم الاجتهاد، وقرروا أنه يلزمه فقط التقليد لإمام من [الأئمة] الأربعة الذين هم: الإمام محمد [بن إدريس] الشافعي، والإمام النعمان بن ثابت أبو حنيفة، والإمام مالك بن أنس الأصبحي، والإمام أحمد بن حنبل رضوان الله عليهم.
والذي أحدث هذا التقسيم والتحديد للمذاهب الإسلامية هو بعض المتحكمين الحاقدين على أئمة آل رسول الله ومذهبهم الذي يسنده القرآن وحديث النبي الكريم .
وقد حدث هذا التجني أيام حكم الأمويين والعباسيين، والغرض من ذلك إرادة التغطية على مذهب آل رسول الله أو على مذهب الزيدية بصفة خاصة لأسباب سياسية، منها أن الزيدية يوجبون منع الظالم وزجره عن ظلمه ولو كان خليفة أو سلطاناً ثم الخروج عليه.
فخوف الأمويين من انتشار الدعاية لآل رسول الله ومن توليهم على الحكم منذ عهد معاوية بن أبي سفيان أوجب قيامهم ضد الإمام السبط أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب في عهد يزيد بن معاوية، وضد ثورة حفيده الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي ـ رضوان الله عليهم ـ في عهد هشام بن عبد الملك .
وهذا الخوف هو نفسه خوف العباسيين منذ أخمدوا ثورة الإمام إبراهيم [بن عبد الله] بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ” ومن بعده في عهد المنصور أبي الدوانيق العباسي وغيره.
نعـم اتفقت الدولتان الأموية والعباسية على محاربة الزيدية برغم أن الدولتين متناحرتان فيما بينهما.
واستوت مع ذلك أعمال الدولتين وسياستهما تجاه الفرقة الزيدية، وليس لهذا سبب، إلا أن حب الاستئثار بالحكم أوجب ذلك.
وقد اشتهر أن كلاً من حكام الأموية والعباسية لم يأل جهداً في الإيقاع بأئمة الزيدية وعلمائهم، وتفريقهم في الأمصار، ومعاداة كتبهم، وإحراق مؤلفاتهم، ومعاداة من يروي شيئاً من فتاويهم أو أدلتهم كما وقع مع عبد الله بن لهيعة المتوفى سنة 164ه بمصر بعد إحراق كتبه ومؤلفاته، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى هي تحديد اتباع المذاهب الأربعة لا غيرها وفرضها على جماهير المسلمين لصرف تفكير العلماء عن البحث في الأدلة، والغرض هو الجمود على التقليد وتحريم الاجتهاد عن أئمة الرواية والدراية، لعلمهم بأن ذلك يؤدي إلى المعرفة بأئمة الحق والعدل، ولذلك أنكروا على الزيدية مذهبهم واستنكروا اتباعهم، بل وشهروا السلاح في وجوههم.
ورغم ذلك، ورغم طول المدة في كتم الأموية وكتم العباسية، رغم كل ذلك فقد ظهر من بين الكتمين ما ملأ الخافقين من الأدلة النبوية.
أما الزيدية فقد بقيت قوية -باعتراف جماعة العلماء المحققين من سائر الأمة- في أمرها، صلبة في دينها، لا يخاف عالمهم في الله لومة لائم، يقول الحق في وجه كل ظالم حتى وإن أصلت عليه سيفه فأهرق دمه، أو صب عليه غضبه فابتلاه، كما وقع مع سعيد بن جبير وغيره.
منهج الزيدية في [أصول] الفقه
الزيدية ينتهجون في الفقه نهج القرآن الكريم والسنة النبوية عن طرقها الصحيحة، ويعملون في الحديث النبوي بالرواية الصحيحة، فكلها سواء عندهم ما هو عن طريق مؤلفاتهم أو مؤلفات غيرهم مهما جمعت شروط الصحة.
ويشترطون في الراوي وفي الرواية شروطاً معتبرة في مجموعها عند علماء السنة.
ويشترطون أن لا يصادم الحديث نصاً صريحاً في كتاب الله سبحانه، ويقرؤون في الحديث كتب كبار المؤلفين الذين جمعوا الأحاديث النبوية مثل (المنهاج الجلي) و(الروض النضير) و(أمالي أبي طالب) و(الأحكام) و(المنتخب) و(رسائل العدل والتوحيد) و(الأسانيد اليحيوية) للهادي و(أمالي المرشد بالله) و(شفاء الأوام) و(الكافي) و(التصفية) و(أمالي أحمد بن عيسى) و(شمس الأخبار) وصحاح البخاري، ومسلم، والترمذي، وأبو داود، وابن ماجة، والنسائي، والبيهقي، والمستدرك، وموطأ مالك، ومسند أحمد بن حنبل.
فالصحيح عند الزيدية ما اكتملت فيه شروط الصحة، من صحة طريقه، وسنده، وسلامة رجاله من الجرح، أي مما ينافي العدالة والضبط مع موافقته معنى وروحاً لما في كتاب الله لا سيما في علم العقائد (علم الكلام)، ولهم مؤلفات في مصطلح الحديث من ذلك كتاب (توضيح الأفكار شرح تنقيح الأنظار) و(نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر).
وهم مع ذلك حين يعملون بالحديث الصحيح في رواية الإمام زيد بن علي، والإمام الهادي يحيى بن الحسين، يقبلون الرواية الصحيحة في كتب الأسانيد الأخرى.
لذلك فإنه إذا صح لأحد أن ينسب إلى طائفة معينة شافعية أو مالكية أو غير ذلك فإن الأئمة أبا حنيفة وأحمد ومالكاً والشافعي كلهم تابعون لسنة رسول الله .
وإن الزيدية، وهم العدلية هم أتباع كتاب الله وسنة رسول الله من قبل قيام الإمام زيد وقبل أن يشتهروا بذلك.
وكلهم من رسول الله ملتمس غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم
وكل من طالع كتب الزيدية ومؤلفاتهم أو راجع علماءهم ومعلوماتهم، وجد صراحتهم وإنصافهم، ووجد أن الحق في جانبهم، ووجد أنهم مقتنعون بالحق ومعتنقون له، وأنهم من أخص الناس بالحق، وأنهم رضوا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، وبالقرآن إماماً وهادياً، يحلون حلاله ويحرمون حرامه.
وهم في اجتهداتهم غير منكرين في الفروع على أحد، ولا مكترثين لمخالفة من ذهب إلى خلاف مذهبهم من أتباع الأئمة الأربعة؛ لأنهم يعتبرون كل مجتهد مصيب في العمل بما أدى إليه اجتهاده في المسائل العملية الفرعية الظنية، ولا تكفير ولا تفسيق عندهم إلا بدليل قاطع.
مع العلم أن للزيدية آراءهم المخالفة لما عليه الشيعة الإمامية في كثير من مسائل الإمامة والمواريث وعقود الأنكحة، وفي بعض شرائط الوضوء والصلاة والحج والزكاة وغير ذلك مما يوافقون فيه آراء غيرهم من أهل السنة.
هذا هو شأنهم ومنهجهم في أصول الفقه.
أما في أصول الدين (علم الكلام) فهم من أئمة الكلام وهم من أرباب الحق فيه.
ولقد نشأت كما قلت أولاً فترات في التاريخ كان لأولي السلطة والدولة أن يعلنوا مخالفتهم للزيدية ويضللوا عليهم، وربما وجدوا من يعينهم على ذلك من أرباب الجهل، أو من العلماء المتعصبين معهم.
والنظريات الحقة التي تميزت بها الزيدية ومعهم علماء الصدر الأول من الصحابة وجمهور من العلماء التابعين في أصول الدين ربما يكون أهمُّها نظريتين نلخصهما فيما يأتي:
أولاً: العدل، والتوحيد: فصارت الزيدية تعرف بهذا الاسم (أهل العدل والتوحيد) وهي مجموعة يطلق عليها مسائل أصول الدين.
ومن أهم [ما في هاتين] النظريتين ما يجب أن نورد منه شيئاً في هذه الرسالة، كمثل من موجبات الخلاف والحق فيها مع واحد.
أولاً: حرية العمل، فالزيدية يقولون: إن الله سبحانه جعل الإنسان حراً في تصرفاته ولم يجبره عليها، ولم يسيره الله سبحانه إلى شيء منها، فهو فاعل مختار لما عمله؛ لأنه مخلوق في أحسن تقويم ومفروض عليه أن يعمل بعقله الذي يتميز له به الحسن وحسنه، والقبح وقبحه، وأنه إذا خالف التصرف الحكيم فيما أمره الله به وفيما نهاه عنه، فقد خالفه متبعاً لشيطانه الذي أقسم بغوايته، وجند جنده لإضلاله، وأجلب عليه بخيله ورجله.
وإن الحق هو ما أوضح الله في كتابه {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ}[فصلت:46].
ويتبع هذا أن الزيدية ما داموا يخضعون للحق في ذلك فهم لا يألون جهداً في:
1- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المخوف، وفي موالاة من أطاع الله ورسوله، ومعاداة من خالف أمر الله ورسوله.
2- تقديم ما وافق كتاب الله واشتراط موافقة الرواية في الحديث لما في كتاب الله تعالى عملاً بقوله : ((ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله…)) إلخ الحديث .
أما النظرية الثانية فهي في ما يقرره الزيدية وأئمتهم آل رسول الله من وجوب نصب إمام للدولة من أشرف قريش نسباً، وأعلاهم قدراً، جامعاً للشروط المقررة حسب الأدلة والأحاديث الواردة بذلك، ومن وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووجوب الخروج على الظلمة وأرباب الفسوق من الولاة.
ولعل في رأي بعض علماء المذاهب الأخرى عدم وجوب الخروج على السلطان ولو كان ظالماً، والتزام الصبر عليه وإن كان طاغياً، معتمدين أن إساءته إنما تخص نفسه، ورووا لذلك أدلة مطعونة لم تصح بمتنها ولا سندها ولا رواتها عن الزيدية.
إذاً فمع النظريتين هاتين لا يمكن أن يستقر بال السلطان الظالم ولا أن يرتاح له بال؛ لأنه لا يقدر أن ينفذ طلباته الاستعبادية ولا يحصل على ملذاته النفسية بدون معرفة حكمها من حلال أو حرام، ما دامت الزيدية وعلماء الزيدية ورجال الزيدية يوجبون نهيه عن ذلك والخروج عليه إذا لم يتب عنها.
أما بعض الفرق فإنه ربما كان لعلمائهم فتوى أن عمل السلطان الظالم إنما هو تسليط من الله، وأنه يجب عليهم الصبر والرجوع إلى الله بالدعاء فقط لإزالته بأمر سماوي، وأن الخروج عليه محرم إذا كان ذلك سيؤدي إلى سفك الدماء.
والذي يراه المنصف من العلماء المحققين هو أن رأي علماء بعض المذاهب في وجوب الصبر والرجوع إلى الله صواب، ولكن الرجوع إلى الله لا يمكن إلا بالرجوع إلى أوامره وأوامر رسوله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على قدر قوة المؤمنين .. باليد، أو باللسان، أو بالقلب، وأدلة ذلك ظاهرة شاهرة وليس هذا محل إيرادها.
هذا كله من الأسباب التي جعلت المذهب الزيدي معتمداً على الشريعة المطهرة بقوة إيمان في البلاد التي تحكمها الزيدية وغيرها.
إذا عرفت هذا وعرفت أن الزيدية هم أوفى المسلمين في المحافظة على التمسك بالنصوص القرآنية، والسنة النبوية وهم حريصون على العمل بالمبادئ الإسلامية، والتقاليد الدينية، والشريعة النبوية.
وهم من الذين عناهم الرسول بقوله: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يغلبهم من ناواهم حتى تقوم الساعة)).
وهم من الشيعة في حب الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وفي تفضيله والإيمان بسبقه إلى الإسلام وسابقته في الجهاد والاجتهاد.
وهم مع السنة يعترفون للخلفاء من الصحابة الراشدين رضوان الله عليهم بمزاياهم وسابقتهم في الصحبة الشريفة والجهاد في سبيل الله.
وإن يكن لهم من يكرهون فإنما يكرهون أعداء الله وأعداء رسول الله وهم:
أولاً: المنافقون على عهد رسول الله ويعرفونهم ببغض علي كرم الله وجهه، بدليل قوله [لعلي]: (([يا علي] لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)) رواه الأئمة من آل رسول الله ورواه الإمام مسلم وغيره.
ثانياً: أهل الردة بعد موت رسول الله والذين ماتوا على ردتهم فإنهم كفار ولو سبقت لهم صحبة.
ثالثاً: من وصفهم الرسول بالفئة الباغية التي تدعو عماراً رضي الله عنه إلى النار ويدعوهم إلى الجنة .
وكذلك من وصفهم بالناكثين، والمارقين.
وكل هؤلاء الذين لم يتوبوا من المارقين والناكثين لعهد رسول الله لا يطلق عليهم اسم الصحابة أصلاً؛ لأنهم عارضوا ما أنزل الله، فلا يعترف المنصفون لأحد منهم أن له عدالة أو صحبة لرسول الله .
وتعريف الصحابي عند الزيدية هو: من آمن بالله ورسوله، وطالت مجالسته لرسول الله ، ولازم شريعته ومات متبعاً له.
وتوضيح ذلك أن هؤلاء الخارجين عن الصحبة هم من عناهم قوله تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ}[التوبة:101]، وقوله تعالى في المتخلفين: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللَّهِ}[الفتح:15]، وقوله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}[المنافقون:1]، وقوله تعالى: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}[آل عمران:144].
فكيف يصح أن يقال أن كل الصحابة عدول مع هذا يا ترى؟
ولقد أحدث هؤلاء المنافقون ما أحدثوه وكانوا هم السبب في ظهور اختلاف الروايات عما كان عليه رسول الله .
وأعجب من هذا أن الاختلاف كثر حتى تناول ألفاظ الأذان للصلاة فلم يتفق على صفته، وقد كان يؤذن المؤذن على عهد رسول الله جهراً في كل يوم خمس مرات، وهذا الاختلاف وإن لم يكن على شيء من أصوله والحمد لله لكنه يعطي الدليل الواضح في وقوع الاختلاف في الرواية.
لذلك وجب العمل بأمر رسول الله بالعرض على القرآن، روى رزين العبدري في مقدمة جامعه عن معاذ بن جبل أن رسول الله قال: ((يا معاذ اعرض كل كلام على القرآن ولا تعرض القرآن على شيء من الكلام، واعرض جميع الأخلاق على الإسلام ولا تعرض الإسلام على شيء من الأخلاق)).
وقال العبدري: وقد روي أن رسول الله أمر أن يعرض ما جاء من الحديث على القرآن فما وافق من ذلك قُبل وما خالفه ترك، وقد تبين ذلك بحديث آخر، قال : ((وما لرسول الله أن يقول ما يخالف القرآن وبالقرآن هداه الله…))إلخ كلامه.
نعـم فالذي ذهبت إليه الزيدية في ذلك هو ما كان معمولاً به في عهد الراشدين، فقد كانوا ينبذون من شذ منهم وينأون عنه ويقاتلونه عند تفاقم أمره، ولذلك قامت حروب الردة وقامت حرب الجمل وحرب صفين وغيرها، وغني عن البيان أن الصحابة ما قاتلوا إلا من أبى شرف الصحبة وعمل ضد المؤمنين عملاً بقوله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}[الحجرات:9].
لما ذكرنا من الأدلة وغيرها يقول [علماء] المذهب الزيدي: الصحابة كلهم عدول إلا من أبى، ومن أبى ليس بصحابي إلا من تاب.
ومفهوم الصحابي هو المفهوم الذي كان يعمل به أئمة المذاهب الأربعة منهم الإمام الشافعي رضوان الله عليه.
ومفهوم من أبى الصحبة هو مفهوم حديث الحوض الذي رواه أئمة الحديث .
وعلى هذا فالصحابة الأسوة والتابعون القدوة هم الذين عملوا بكتاب الله وسنة رسول الله وليس هم الذين عملوا ضد الرسالة المحمدية.
ومع ذلك فلا يمكن حصر الفكر الإسلامي في المذاهب الأربعة، ولا يمكن تحريم النظر فيما هو الأصل والمرجع الأول، أعني كتاب الله وسنة رسول الله .
بل يحسن نبذ الجمود ولا سيما في هذا العصر، أعني عصر التقريب بين المذاهب، وقد وجدنا والحمد لله كثيراً من العلماء سارع في الاتجاه إلى الدليل وترك التقليد، كما فطن الكثيرون إلى نبذ الجمود الذي كان مراداً منهم، أي الجمود على مذهب إمام معين، أو بعبارة أخرى تحريم النظر والاجتهاد.
وعرفنا أن منهم من قد آثر الاجتهاد وعدم التقليد، مثل الإمام محمد عبده، وجمال الدين الأفغاني، والإمام حسن البنا، والسيد محمد رشيد، والسيد قطب، والأستاذ محمد عمارة، والأستاذ عبد الكريم عثمان، والأستاذ عفيف عبد الفتاح طبارة، والأستاذ محمد أبو زهرة، وغيرهم من علماء القرن العشرين الميلادي.
راجع إن شئت مؤلفاتهم تجد أن رجوعهم إلى مذهب الزيدية في جواز الاجتهاد للمجتهد يوحي أن الزيدية هم من العلماء العاملين مع صفوة السنة والشيعة المحبين وقادة الفكر الإسلامي في منهج الكتاب والسنة النبوية، وسننقل فيما بعد شيئاً مما قاله العلماء في الفرقة الزيدية خصوصاً والشيعة عموماً.
|
|
|
|
|