صحافة كردستان تدفع ثمن التصدي للفساد
مجلة لفين الكردية
حياة محرر مجلة مستقلة في كردستان المحافظة الكائنة في شمال العراق, تكاد تتحول إلى كابوس بالليل والنهار، حيث يقول الصحافيون إنهم يتعرضون لضغط متزايد لعدم الكتابة عن الفساد الحكومي.
هكذا يقول أحمد ميرا محرر مجلة لفين (الحركة) وهي مجلة نصف شهرية، وطنت نفسها لمهاجمة المسؤولين الفاسدين.
مثل هذه الكبرياء تجيء بثمن باهظ، فأحد مراسلي مجلة "لفين"، وهو سوران ماما حمه (23 سنة) قتل خارج بيته في كركوك في تموز (يوليو) الماضي، بعد وقت قصير من الكتابة حول علاقة الشرطة بحلقة دعارة، وصورته الآن تزين كل جدار وباب في مكتب المجلة.
يقول ميرا الذي يتلقى أيضا مثل هذه المكالمات، بشكل يومي تقريباً: تلقى سوران رسائل تهديد طوال ثلاثة أشهر قبل قتله، والآن يبقى ميرا في مكان آخر فور إصدار العدد في محاولة تجنب أن يصبح هدفاً في بيته.
وبينما يتم الترحيب والإشادة بكردستان الديمقراطية في أغلب الأحيان كنموذج لبقية العراق، فإن الحكومة – أو بتحديد أكثر الحزبين اللذين يديران كل نواحي الحياة في المنطقة شبه المستقلة – تتهم بشكل منتظم بممارسات مشبوهة.
مجلة لفين، التي توزع 25 ألف نسخة، والصحف الكردية المستقلة بما فيها هاولاتي، أوين، وروزنامة تقود المهمة، وكردستان أكثر من سائر مناطق العراق، تملك صحافة مستقلة نابضة بالحياة تسعى إلى تقديم وجبة إخبارية بديلة.
ويقول ميرا في مكتبه في السليمانية : إن دورنا هو إحداث تغيير سياسي في هذا المجتمع، وسوف نحاول التغيير قدر ما نستطيع، بما في ذلك الحزبان السياسيان الفاسدان اللذان يحتكران كل شيء، مشيراً إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يرأسه مسعود برازاني، رئيس الإقليم والاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه جلال طالباني، رئيس العراق.
ميرا يعتز جداً بنشر القصص عن المقر الرسمي للبرازاني الذي قالت المجلة إنه سري جدا، مثل مسجل الصندوق الأسود في الطائرة، وقصة أخرى بعنوان "الرجل المريض" عن صحة طالباني.
والقصة الأخيرة أدت إلى قضاء ميرا ثلاث عشرة ساعة في السجن، بتهمة كونه خائناً. وتقول الصحف الكردستانية المستقلة أنها تتعرض لضغط متزايد حتى لا تكتب مثل هذه القصص "غير الوطنية"، وقد طلب البرازاني في هذا الأسبوع من المحررين عدم الكتابة عن الفساد عموماً، بل إيراد تفاصيل محددة لحالات محددة، وأن يكون لديهم وثائق تدعم ادعاءاتهم، وفقاً لثلاثة محررين حضروا اللقاء.
ويقول كرم رحيم محرر هاولاتي، أكبر صحيفة مستقلة في كردستان: إننا سنواصل تغطية (كشف) قضايا الفساد والألعاب التي تلعبها الأحزاب السياسية في محاولة إسكاتنا. لقد أخبر رحيم الرئيس أنه لن يتوقف.
إن صحيفة هاولاتي (المواطن) التي تصل إلى أكثر من 50 ألف شخص في الأسبوع، قد تمت مقاضاتها 35 مرة حول قصص عن الفساد. ويقول رحيم: إننا نعمل للتأكد من ألا يصبح الفساد عادة بين مواطنينا، ونعمل لتحسين مجتمعنا حتى يصبح أكثر انفتاحاً وعصرية.
ويشعر المسؤولون الأمريكيون في العراق بالقلق من المحاولات الأخيرة لقمع الصحافة الكردية.
ويقول مسؤول أمريكي رفيع المستوى في بغداد: شهدت الأشهر الستة الأخيرة، عدداً من الأحداث التي تعرض فيها المراسلون للمضايقات، والاحتجاز والضغط عليهم حتى لا يكتبوا عن الفساد، ونحن في بعض الأحيان نتساءل عن التزام الحكومة الإقليمية بكردستان ديمقراطية فعلاً.
وتنفي الحكومة الافتراضات بأنها فاسدة أو غير ديمقراطية، ويفنّد مكتب الرئيس المزاعم بأنه يمارس الضغط على أي مرفق إعلامي.
ويقول فؤاد حسين رئيس طاقم موظفي الرئيس: ليس هنالك أي ضغط رسمي، فالرئيس أخبر المحررين أن من حقهم أن ينشروا حول الفساد، لكن حين يتهمون أحداً فإن عليهم أن يكون لديهم الدليل.
وأضاف في حديثه لـ "فاينانشال تايمز": عليهم ألا يحولوا الأسود إلى أبيض، إن هذا كان نصيحة وليس ضغطاً.
لكن جوديث فورنيك، وهي صحافية هولندية تدير المركز الإعلامي المستقل في السليمانية، الذي يدرب الصحافيين الأكراد تقول: إن الصحافة غير الحكومية "تخلط الأمور" بشكل مؤكد.
إن الإعلام المستقل ضروري في هذا البلد، لفتح العيون أكثر على ما يجري فعلاً، كما تقول نورينك، مع أنها تجد في بعض الأحيان، صعوبة في إقناع المراسلين بالفرق بين "حرية الصحافة" والخيال.
ويقول ميرا مستهجناً، إنه من جانبه لن يتردد: نعم، الأمر بطبيعة الحال صعب جداً، لكن علينا ألا ننحني للضغط من الحكومة