قاعدة في الجرح والتعديل ـ السُبكي ـ ص 38 ـ 46 ـ وهذه الرسالة مطبوعة ضمن كتاب بعنوان: أربع رسائل في علوم الحديث لعبد الفتاح أبو غدّة..
قال السبكي: " وهذا شيخنا الذهبي رحمه الله تعالى، من هذا القبيل، له علم وديانة، وعنده على أهل السنة تحامل مفرط،فلا يجوز أن يعتمد عليه.
ونقلت من خط الحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي رحمه الله ما نصه: الشيخ الحافظ شمس الدين الذهبي، لا أشكُّ في دينه ومنافرة التأويل،والغفلة عن التنزيه،حتى أثر ذلك في طبعه وانحرافاً شديدا عن التنزيه، وميلاً قوياً إلى أهل الاثبات.
فإذا ترجم واحداً منهم يطنب في وصفه بجميع ما قيل فيه من المحاسن، ويبالغ في وصفه، ويتغافل عن غلطاته،ويتأول له ما أمكن.
وإذا ذكر أحداً من الطرف الآخر كإمام الحرمين والغزالي ونحوهما لا يبالغ في وصفه،ويكثر من قول من طعن فيه، ويعيد ذلك ويبديه، ويعتقده ديناً وهو لا يشعر،ويعرض عن محاسنهم الطافحة فلا يستوعبها، وإذا ظفر لأحد منهم بغلطة ذكرها، وكذلك فعله في اهل عصرنا اذا لم يقدر على احد منهم بتصريح، يقول في ترجمته: والله يصلحه، ونحو ذلك. وسببه المخالفة في العقائد. انتهى.
والحال في حق شيخنا أزيد مما وصف، وهو شيخنا ومعلّمنا، غير أن الحق أحق أن يتبع، وقد وصل من الصعب المفرط الى حد يُسخر منه، وأنا أخشى عليه يوم القيامة من غالب علماء المسلمين وأئمتهم الذين حملوا لنا الشريعة النبوية، فإنّ غالبهم أشاعرة، وهو إذا وقع بأشعري لا يُبقى ولا يذر، والذي أعتقده أنهم خصماؤه يوم القيامة، عند من لعلّ أدناهم عنده أوجه منه، فالله المسئول أن يخفّف عنه، وأن يلهمهم العفو عنه، وأن يشفّعهم فيه.
والذي أدركنا عليه المشايخ النهي عن النظر في كلامه، وعدم اعتبار قوله، ولم يكن يستجري أن يُظهر كتبه التاريخية إلا لمن يغلب على ظنه أنه لا ينقل عنه ما يُعاب.
وأما قول العلائي: ( لا أشك في دينه وورعه وتحرّيه فيما يقول )، فقد كنت أعتقد ذلك، وأقول عند هذه الأشياء: إنه ربما اعتقدها ديناً، ومنها أمور أقطع بأنه يعرفها بأنها كذب، وأقطع بأنه لا يخلقها، وأقطع بانه يحب وضعها في كتبه لتنتشر، وأقطع بأنه يحب ان يعتقد سامعها بمدلولات الألفاظ، ومع اعتقاده أن هذا مما يوجد نصر العقيدة التي يعتقدها هو حقاً، ومع عدم ممارسته لعلوم الشريعة.
غير أني لما أكثرت بعد موته النظر في كلامه عند الاحتياج الى النظر فيه، توقفت في تحرّيه فيما يقول، ولا أزيد على هذا غير الإحالة على كلامه، فينظر كلامه من شاء، ثم يُبصر هل الرجل متحرٍّ عند غضبه أو غير متحر؟ وأعني بغضه وقت ترجمته لواحد من علماء المذاهب الثلاثة المشهورين من الحنفية والمالكية والشافعية، فإني اعتقد أن الرجل كان إذا مدّ القلم لترجمة أحدهم غضب غضباً مفرطاً، ثم قرطم الكلام ومزّقه، وفعل من التعصب ما لا يُخفى على ذي بصيرة.
ثم هو مع ذلك غير خبير بمدلولات الألفاظ كما ينبغي، فربما ذكر لفظة من الذم لو عقل معناها لما نطق بها، ودائماً أتعجب من ذكره الإمام فخر الدين الرازي في كتاب " الميزان " في العفاء ، وكذلك السيف الآمدي.
وأقول: يالله العجب ؟ ! هاان لا رواية لهما، ولا جرحهما احد، ولا سمع من احد انه ضعّفهما فيما ينقلانه من علومهما، فأي مدخل لهما في هذا الكتاب ؟ .
ثم إنا لم نسمع احداً يمسّي الامام فخر الدين بالفخر، بل إما الامام، وإما ابن الخطيب، وإذا تُرجم كان من المحمّدين، فجعله في حرف الفاء، وسماه: الفخر. ثم حلف في آخر الكتاب إنه لم يعتمد فيه هوى نفسه، فأي هوى نفس أعظم من هذا ؟فإما أن يكون ورّى في يمينه ، أو استثنى غير الرواة، فيقال له: فلم ذكرت غيرهم؟ وإما أن يكون اعتقد أن هذا ليس هوى نفس. وإذا وصل هذا الحد والعياذ بالله فهو مطبوع على قلبه ".
انتهت الترجمة
وهناك ترجمة صغيرة أُخرى، لكنّها في رسالة أُخرى...
قاعدة في المؤرخين ـ السُبكي ـ ص 66 ـ 67 ـ هذه الرسالة مطبوعة ضمن كتاب: أربع رسائل في علوم الحديث، تأليف أبو غدّة...
قال السُبكي: " وأما تاريخ شيخنا الذهبي غفر الله له، فإنه ـ على حسنه وجمعه ـ مشحون بالتعصب المفرط، لا واخذه الله، فلقد أكثر الوقيعة في أهل الدين، أعني الفقراء الذين هم صفوة الخلق، واستطال على كثير من أئمة الشافعية والحنفية، ومال فأفرط على الأشاعرة، ومدح فزاد في المجسّمة ".