قال ابن فورك في (( كتاب مشكل الحديث )) ( ص 52 - 53 ) : (( وأما قوله عليه السلام " وكلتا يديه يمين " فقد ذكر بعض مشايخنا في تأويل ذلك أنه كان يقول إن الله عز وجل هو الموصوف بيد الصفة لا بيد الجارحة ، وإنما تكون يد الجارحة يمينًا وشمالًا ، لأنهما يكونان لمتبعض ومتجزىء ذي أعضاء وأغيار . ولما لم يكن ما وصف الرب به يد جارحة ، بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله : " كلتا يديه يمين " ، أي ليست هي يد جارحة .
وقيل أيضًا في ذلك إن المراد أن الله عز وجل ، لما وصف باليدين ، ويدالجارحة تكون إحداهما يمينًا والأخرى يسارًا ، واليسرى تنقص أبدًا في الغالب عن اليمين في القوة والبطش ، عرفنا صلى الله عليه وسلم كمال صفة الله عز وجل ، وأنه لانقص فيها ، وأن ما وصف به من اليدين ليس كما يوصف به ذو الجوارح الذي تنقص مياسره عن ميامنه .
ويحتمل أيضًا أن يكون معنى ذلك أن آدم عليه السلام لما قيل له " خذ أيهما شئت " فقال : " أخذت يمين ربي وكلتا يديه يمين " ، إنما أراد به لسان الشكر والنعمة ، لا لسان الحكم والاعتراف بالملك ، فذكر الفضل والنعمة لأن جميع مابيديه عز وجل من مننه فضل وطول مبتدأ ، فمن منفوع ينفعه ، ومن مدفوع عنه يحرسه . فقصد قصد الشكر والتعظيم للمنة ، في أن ما اختاره هو الكل والجميع ، حطا مما وراءهوتصغيرًا لهم وتهجينًا .
وقال بعضهم : معنى قوله " كلتا يديه يمين " أراد بهوصف الله تعالى بغاية الجود والكرم والإحسان والتفضل . وذلك أن العرب تقول لمن هوكلك : " كلتا يديه يمين " ؛ وإذا نقص حظ الرجل وبخس نصيبه ، قيل : " جعل سهمه فيالشمال " ؛ وإذا لم يكن عنده اجتلاب منفعة ولا دفع مضرة ، قيل : " ليس فلان باليمين ولا بالشمال " . ولذلك قال الفرزدق : " كلتا يديه يمينٌ غيرلإ مخلفةٍ " )) انتهى