باء تجر وأخرى لا تجر..سجال المشهد العراقي والبائين حروف جر القانون..محسن الجابري
بتاريخ : 22-10-2010 الساعة : 02:16 AM
المعايير المزدوجة والكيل بمكيالين في القضية الواحدة من أبسط أساليب النفاق السياسيي وأوضحها، ولكن بساطتها ووضوحها لم تمنع دوماً من أن تكون أكثر الأساليب شيوعاً لدى النفاق السياسي في تعامله مع الخصم وفي إظهار نفسه أمام الجمهور، ولأن القضية واضحة بوضوح الشمس نجد إن ضحايا هذا النفاق يتعففون تارة من أن ينزلوا لمستوياته، وأخرى يجدون ألسنتهم ملجمة من أن تتحدث بكل الصورة خشية على مبادئ أهم وقيم أرفع ومصالح أكبر، وقد ابتلي الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) والأئمة (ع) كلهم بهذه الظاهرة وعانوا منها الأمرّين، والتاريخ يضرب لنا أمثلة كبرى حول ذلك، حتى أصبح مثالا دارجاً هو أن باء فلان تجر وباء فلان لا تجر، ولا يكمن وراء ذلك إلا معايير القوة والتعسف، وإلا لو كان الأمر أمر حق وباطل، لما رأينا استخدام هذه المعايير، فأمريكا مثلا حينما تتحدث عن حقوق الإنسان تتقن الحديث جداً ولربما يكون حديث متحدثيهم من الطلاقة ما يبهر المستمع، ولكن لو قلبت هذه الصفحة لوجدت صورة انتهاك حقوق الإنسان لدى حلفائها الأساسيين هي الصورة الأوضح في سلوكهم والصهاينة في هذا المجال وسلوكياتهم مثالاً بارزا لذلكً، ولكننا لا نسمع منهم ذلك الذي يبهر المستمعين والمشاهدين بل نرى كل ما يسوء ضمير المتابع والمحلل.
وفي ساحتنا العراقية يجري تطبيق هذه الأساليب بشكل مفضوح للغاية فمثلاً نتحدث كثيراً عن الوطنية، ويتم تداول هذا المصطلح بكثرة بطريقة أتعبت أعصاب الكثير ممن يستمعون إليها حتى ما عاد لها الطعم المطلوب، والسبب هو إن المتحدثين بهذا الشعار هم المخلصين وغير المخلصين لهذا الوطن، فاختلط على الناس حابلهم بوابل هؤلاء فما عادت ترى الصورة الحقيقية، وهذه هي مهمة النفاق السياسي الأولى فالأصل أن لا ترى الناس الصورة الحقيقية أما الصورة الوهمية، فالنفاق كفوء جداً في تقديمها مزوقة ومزينة ومحسنة أكثر من سكاير بغداد وسومر ومن بنزين حسين الشهرستاني!! فكله مكتوب عليه محسّن ولكن وحده هو الحصيف والمتابع من يرى الصورة بكامل إطارها.
وقد يخجل المرء من نفسه حينما يجد إنه كان مظللا فترة كبيرة بهذه الشعارات، فإما أن يحبط ويتهالك ويعمم أحكامه على الجميع وعندئذ هذا ما يحتاجه النفاق السياسي، لأنهم لا يبحثون عن الأحرار، وإنما يبحثون عن مجاميع (أتباع كل ناعق)، هؤلاء الأتباع الذين كانوا عبر التاريخ قد حققوا كل الالتواءات والانحناءات الشديدة الانحدار، فهم من كان وراء عجل موسى وهم من كانوا قد صنعوا فرعون قبل ذلك، وقبله هم من أشادوا نمرودية نمرود، وهم من اوجدوا كل ديكتاتور في الدنيا وهم من صنع صدام المجرم صنميته على أيديهم وفي مصنع غبائهم، فهؤلاء يتلقون ما يقال لهم، من دون عناء كبير في التفتيش عن الحقيقة.
وإما أن يقنع بغبائه ويتحول إلى بوق يردد ما يقال له دون أدنى تفكير، لأن التفكير متعب، ولأنه يوصل إلى نتائج لا يستسيغها المتأصلون في حالة اللامسؤولية.
ولو عدنا إلى ما يتجمع في أيدينا من ذاكرة قريبة في شان تشكيل الحكومة وأردنا ان نطبقها كمثال لنحكم على الأداءات العامة سنكتشف اننا أمام موزائيك متناقض بالمواقف لا يجمها جامع إلا لغة المعايير المزدوجة، وهنا نجد تزاحماً بين حروف جر القانون ولنراقب الأجواء. من الواضح إنه منذ نهاية الانتخابات كان المسعى الأمريكي ينصب على أن تضطلع دولة القانون والعراقية بمهام تقاسم السلطة، ودخل الفريقان (دولة القانون والعراقية) في محادثات مطولة طيلة أربعة أشهر تم تبادل الأوراق والمناصب والعروض والعروض المتبادلة، وكانت الإدارة الأمريكية فاعلة جداً في الدخول بين طرفي التفاوض لاقناعهم برئاسة المالكي حتى إن بايدن نقل عن أوباما نفسه بان المرشح الخاص به وبإدارته هو المالكي، والكل يعلم إن المالكي قدّم تنازلات كبيرة للعراقية ولكن مطلبهم منذ البداية كان هو عدم القبول بالمالكي رئيسا للوزراء ومطلب دولة القانون دائما كان هو الرئاسة للمالكي، في هذه الاُثناء كان الحديث عن تقاسم الفائزين وعزل الخاسرين، وعن الروح الوطنية وعزل الأجندات الأجنبية (وكأن أمريكا هي المحرّك للوطنية والأمريكيين من سكنة سوق الغزل ومريدي وسبع أبكار!! واحتمال في شارع النهر وسوق العوجة!! والله أعلم) ويا ليتهم اتفقوا وأنجزوا المهمة، ولكن حينما انفض الجمع بدأنا نسمع نغمة أخرى فالعراقية بعثيين وفيهم إرهابيين وأنهم اجندة اقليمية وما إلى ذلك، وبمعزل عن صحة هذا وذاك وعن عدمه كان السؤال الذي يتولّد تلقائياً: إن كان ما يقوله الأخوة الكرام حقيقيا، فهل هو علم جديد حصل بعد نهاية المفاوضات أم قبلها؟ فإن قالوا بأنهم لم يكونوا يعرفون ذلك فربما يعذرهم أكثر الناس جنونا في هذ البلد، فهذا معناه أن الجماعة لا يرون أي صورة مهما كانت كبيرة، فالإنسان حينما يكون بعثياً أو إرهابياً يحتاج إلى وقت طويل، فإذا كانت أربعة سنوات من الحكم وقبلها قريبين من الحكم ولم تروا هذه الصورة، فكيف ببقية القضايا، وإن قالوا بأنهم كانوا يعرفون ذلك فلماذا لا يقولون بأنهم يتحاورون مع البعثيين والارهابيين والاجندات الاقليمية؟ حقيقة لا أريد أن أحكم على العراقية ولا على دولة القانون فلي وجهة نظر خاصة بكليهما، ولكني أعتقد إن هذا السلوك كان متناقضاً ما بين خط البداية وخط النهاية، ومن هنا أذكّر الأخوة الكثيرين الذين أرسلوا لنا عشرات رسائل السباب والشتائم لأننا نذكر بعض اخبار العراقية أو لأن المجلس يحاور العراقية لأن تنشرون للبعثيين والارهابيين والمجلس الأعلى يحاور الارهابيين والبعثيين، هل وفّرتم قسماً من هذه الشتائم لمن كان يتفاوض طوال أكثر من اربعة أشهر من المفاوضات التي كادت تنتهي إلى حكومة كاملة النصاب!! هل خصصتم قسما من هذه الشتائم لمن قدّم التنازلات تلو التنازلات بغية زحزحة العراقية عن مواقفها؟ والله لا أرغب بشتم أحد ولكن الكيل بمكيالين وأمام من يعرف كيف تدار الأمور معيب جداً، ليس لأنه محاولة استغباء لنا، بل لأن المتكلم بذلك يكشف عن غبائه أمام أناس تحترم العقول ويؤسفها أن ترى البعض قد سلّم عقله لأبواق الآخرين!!.
أذن هل بقيت الباء تجر دوماً ام أن باء تجر وأخرى لا تجر؟! ولو طالعنا الأمر لجانب آخر من الصورة هي جانب التحالف الوطني وظروف تشكيله، فمنذ البداية كان المجلس الأعلى متحفظاً عليه وكان موقفه مبنياً على جملة خلفيات، ولكنه مضى مع التحالف وانسجم معه، ولكن ما إن أعلن التحالف عن وجوده حتى وجدنا دولة القانون تذهب لتحاور العراقية بدون أي اعتبار للتحالف بل صرح في وقتها الحاج المالكي بأن هذا التحالف عقيم النتائج، ولكن ما ان وصلت النتائج إلى درجة النهاية مع العراقية حتى وجدنا الهلع على مصير الشيعة وخشية تفرّقهم من الأجندات الاقليمية وضرورة وجود التحالف الوطني!! فهل يا ترى كان الأخوة قبل أن يتركوا التحالف ويعطون قواه ظهورهم لا يعرفون هذه الأمور وعرفوها بعد أن فشلت مفاوضاتها مع أصحاب الأجندات الأقليمية؟! أم إن غاية لا تخفى حتى على الجهال هي المطلوبة دوماً وأن البقية شعارات وفزاعات نجول بها هنا وهناك من أجل أن نحصل على الكرسي المبجل والمنصب المعظم؟!
وهنا أيضاً أذكر مجموعة كبيرة من الشتّامين والسبّابين أو المعاتبين سواء الأبرياء منهم أو الخبثاء أين كنتم طوال تلك الفترة؟! هل خصصتم سبابكم وشتائمكم لمن شقّ الصف أولا؟ أم أن باء تجر وأخرى لا تجر؟ وتعالوا لنرى الصورة من جهة ثالثة وهي صورة الوحدة الشيعية التي يتكلم بها البعض وقت الحاجة وفي عدم الحاجة يستبدلها بالحديث عن المشروع الطائفي، ولا أريد أن أذكر هنا امثلة فهي واضحة وضوح الشمس وهنا أيضاً بودي ان أهمس في آذان الأخوة من مجموعة السبّابين والشتّامين وأيضا من مجاميع الطيبين الذين ينظرون من بعيد ولا يعرفون التفاصيل التي يعرفها المتابعون هل إن باء تجر وأخرى لا تجر...
أنصفوا الحقيقة أيها الأكارم بل أنصفوا أنفسكم أيها الاخوة ولاحظوا المشهد برمته ولا تنصفونا ولكن أنصفوا شعبكم، فطوال أربعة سنين من الحكم مالذي كسبتم ومالذي تحقق؟
لو أبعدتم الشعارات عن أنفسكم وعقولكم وأنصتم جيداً للواقع كما هو لا كما تحبون وترغبون لوجدتم الامور تحمل الكثير مما لا يسر ومما لا يقبل.
أما قضايا الهلع على الشيعة والوحدة الشيعية والشعارات الوطنية والارهاب والبعثيين فمالكم كلما أثار في قلبكم أحدهم المخاوف سارعتم وكأنه لم يبق شراع واحد إلا ونقض؟
كل الأمر يتعلق بمنصب يلهث وراءه من يلهث وليولّي المواطن إلى ستين ألف جهنم أوقدوها بال220 مليار دولار التي استلموها صافية كحكومة سابقة للمحافظات العربية والآن قبضوا ما قبضوا فوقها بما يوصلها إلى قرابة ال300 مليار ألا تسألون أين ذهبت؟
وأين صرفت؟
ولماذا ظل العراقي يتقدم نحو المنحدر في خدماته وأمنه واقتصاده وعلاقاته السياسية والاجتماعية؟
هل سالتم كم هو عدد العاطلين الذين لا يجدون خبزة العيش؟ وتلومون من لا وجود له في حكومة القانونيين جدااااااااااااا، اما من بيدهم المال والسلطة والقدرة لا يلامون ولا يعاتبون؟
ما لكم كيف تحكمون؟
أما أحوال الشيعة فهي بخير ما دام هناك وعي، وما دام الإنسان حصّن نفسه ضد الاستغباء والاستحمار الذي يلعبه اللاهثون وراء المناصب على طريقة الجار الذي يجر مرة ويبنجر في مرة أخرى، والأصل هو المنصب يدورون حوله كيفما دار.
وأما البعث فأسئلوا أنفسكم من الذي أعاده للواجهة؟
ومن تعهد للأمريكيين والبريطانيين أن يعمل على ذلك؟
أسئلوا كم أرجع الدكتور علاوي وكم أرجع الدكتور الجعفري لا تستغربوا إن قلت بلهجة الواثق الذي يرى بأم عينه ويتكلم عن علم يقيني: إن ما أرجعه (دكتورا لندن) لا يعادل عشر معشار ما أرجعته الحكومة المعادية للبعث حتى الثمالة!! وأنا جاهز لأملأ مئات الصفحات بأسماء ومناصب الذين رجعوا بفضل مسبحة الحاج الكريم
أنا على يقين إن رعاة العملية السياسية لا يمكن ان يتناسوا كل الآلام التي خاضوها من أجلها وكل المعاناة التي تحملوها من أجلها، ولكني مطمئن تماماً أيضاً إن النفاق السياسي سيبقى يهرج ويطبل فما دامت لجنة التطبيل والتزمير موجودة فسيبقى ولكن بلا طائل فالصحيح هو الذي يصح دوما وما سواه فسيذهب مع الزبد وحينها ولات مناص!!