قوله ومن صحب النبي صلى الله عليه ( واله ) وسلم أو رآه من المسلمين فهو من اصحابه:
- يعني ان اسم صحبة النبي صلى الله عليه وسلم مستحق لمن صحبه أقل ما يطلق عليه اسم صحبة لغة وان كان العرف يخص ذلك ببعض الملازمة.
- ويطلق أيضا على من رآه رؤية ولو على بعد وهذا الذي ذكره البخاري هو الراجح الا انه هل يشترط في الرائي ان يكون بحيث يميز ماراه أو يكتفى بمجرد حصول الرؤية محل النظر وعمل من صنف في الصحابة يدل على الثاني فانهم ذكروا مثل محمد بن أبي بكر الصديق وانما ولد قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة اشهر وأيام كما ثبت في الصحيح ان أمه أسماء بنت عميس ولدته في حجة الوداع قبل ان يدخلوا مكة وذلك في اواخر ذي القعدة سنة عشر من الهجرة ومع ذلك فأحاديث هذا الضرب مراسيل والخلاف الجاري بين الجمهور وبين أبي إسحاق الاسفرايني ومن وافقه على رد المراسيل مطلقا حتى مراسيل الصحابة لا يجري في أحاديث هؤلاء لان احاديثهم لامن قبيل مراسيل كبار التابعين ولا من قبيل مراسيل الصحابة الذين سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم وهذا مما يلغز به فيقال صحابي حديثه مرسل لا يقبله من يقبل مراسيل الصحابة.
- ومنهم من بالغ فكان لا يعد في الصحابة الا من صحب الصحبة العرفية كما جاء عن عاصم الأحول قال رأى عبد الله بن سرجس رسول الله صلى الله عليه وسلم غير انه لم يكن له صحبة أخرجه أحمد هذا مع كون عاصم قد روى عن عبد الله بن سرجس هذا عدة أحاديث وهي عند مسلم وأصحاب السنن وأكثرها من رواية عاصم عنه ومن جملتها قوله ان النبي صلى الله عليه وسلم استغفر له فهذا رأي عاصم ان الصحابي من يكون صحب الصحبة العرفية وكذا روي عن سعيد بن المسيب انه كان لا يعد في الصحابة إلا من أقام مع النبي صلى الله عليه وسلم سنة فصاعدا أو غزا معه غزوة فصاعدا والعمل على خلاف هذا القول لأنهم اتفقوا على جمع جم في الصحابة لم يجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم الا في حجة الوداع ومن اشترط الصحبة العرفية اخرج من له رؤية أو من اجتمع به لكن فارقه عن قرب كما جاء عن أنس انه قيل له هل بقي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم غيرك قال لا مع انه كان في ذلك الوقت عدد كثير ممن لقيه من الاعراب.
- ومنهم من اشترط في ذلك ان يكون حين اجتماعه به بالغا وهو مردود أيضا لأنه يخرج مثل الحسن بن علي ونحوه من احداث الصحابة والذي جزم به البخاري هو قول أحمد والجمهور من المحدثين.
- وقول البخاري من المسلمين قيد يخرج به من صحبه أو من رآه من الكفار فاما من اسلم بعد موته منهم فان كان قوله من المسلمين حالا خرج من هذه صفته وهو المعتمد ويرد على التعريف من صحبه أو رآه مؤمنا به ثم ارتد بعد ذلك ولم يعد الى الإسلام فإنه ليس صحابيا اتفاقا فينبغي ان يزاد فيه ومات على ذلك وقد وقع في مسند أحمد حديث ربيعة بن أمية بن خلف الجمحي وهو ممن اسلم في الفتح وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وحدث عنه بعد موته ثم لحقه الخذلان فلحق في خلافة عمر بالروم وتنصر بسبب شيء اغضبه واخراج حديث مثل هذا مشكل ولعل من أخرجه لم يقف على قصة ارتداده والله اعلم. فلو ارتد ثم عاد الى الإسلام لكن لم يره ثانيا بعد عوده فالصحيح انه معدود في الصحابة لاطباق المحدثين على عد الأشعث بن قيس ونحوه ممن وقع له ذلك واخراجهم أحاديث في المسانيد.
- وهل يختص جميع ذلك ببني ادم أو يعم غيرهم من العقلاء محل النظر:
اما الجن فالراجح دخولهم لان النبي صلى الله عليه وسلم بعث إليهم قطعا وهم مكلمون فيهم العصاة والطائعون فمن عرف اسمه لا ينبغي التردد في ذكره في الصحابة وان كان بن الأثير عاب ذلك على أبي موسى فلم يستند في ذلك الى حجة. واما الملائكة فيتوقف عدهم فيهم على ثبوت بعثته إليهم فان فيه خلافا بين الاصوليين حتى نقل بعضهم الإجماع على ثبوته وعكس بعضهم وهذا كله فيمن رآه وهو في قيد الحياة الدنيوية.
- اما من رآه بعد موته وقبل دفنهفالراجح انه ليس بصحابي والا لعد من اتفق ان يرى جسده المكرم وهو في قبره المعظم ولو في هذه الإعصار وكذلك من كشف له عنه من الأولياء فراه كذلك على طريق الكرامة إذ حجة من اثبت الصحبة لمن رآه قبل دفنه انه مستمر الحياة وهذه الحياة ليست دنيوية وانما هي أخروية لا تتعلق بها احكام الدنيا فان الشهداء احياء ومع ذلك فان الاحكام المتعلقة بهم بعد القتل جارية على احكام غيرهم من الموتى والله اعلم.
- وكذلك المراد بهذه الرؤيةمن اتفقت له ممن تقدم شرحه وهو يقظان اما من رآه في المنام وان كان قد رآه حقا فذلك مما يرجع الى الأمور المعنوية لا الاحكام الدنيوية فلذلك لا يعد صحابيا ولا يجب عليه ان يعمل بما امره به في تلك الحالة والله اعلم.
- وقد وجدت ما جزم به البخاري من تعريف الصحابي في كلام شيخه علي بن المديني فقرات في المستخرج لأبي القاسم بن منده بسنده الى أحمد بن سيار الحافظ المروزي قال سمعت أحمد بن عتيك يقول قال علي بن المديني من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه ولو ساعة من نهار فهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقد بسطت هذه المسألة فيما جمعته من علوم الحديث وهذا القدر في هذا المكان كاف.