ليبيا : بنغازي تسقط في أيدي الثوار
العقيد منع حليب الأطفال عن زنتان الثائرة لتركيع أهلها
اتسعت السبت، رقعة الاحتجاجات في المدن الليبية، حيث شملت بنغازي ودرنة والبيضاء وأجدابيا والقبة وطبرق والزنتان وطرابلس وتاجورا وشحات وسدراتة والرجبان وإيفرن وجادو والقبة، وكشفت تقارير إعلامية مختلفة أن عدد القتلى في تزايد مستمر، حيث بلغ عددهم حسب منظمة `هيومن رايتس ووتش` 84 شهيدا سقطوا بالرصاص الحي للشرطة وفرق من الجيش الليبي، كما سيطرالمحتجون على مطار بنغازي وأحرقوا مبنى مقر إذاعتها المحلية.
ونقلت السي آن آن، مساء السبت، أن مروحيات تابعة للجيش الليبي ظلت تحلق طوال اليوم وتطلق الرصاص الحي على المتظاهرين في بنغازي، مما أدى إلى إصابة العشرات - حسب شهود عيان - بجروح خطيرة، وذكرت مصادر طبية ليبية أن المستشفيات في حالة شبه عاجزة عن استقبال المزيد من الجرحى والمصابين، هذا بالإضافة إلى نقص فادح في كميات الأدوية، خاصة أن المؤسسات الصحية الليبية معروف عنها ضعفها من ناحية الإمكانات والتأطير الطبي بسبب سياسة القذافي التي تسببت في تخلف كبير في قطاعات عدة، وإلى وقت قريب يضطر الليبيون مثلا إلى قلع أسنانهم المسوسة في تونس بمبالغ مكلفة.
بنغازي والبيضاء ودرنة في قبضة المحتجين
ذكرت العديد من المصادر عشية السبت، أنباء عن سقوط مدينة بنغازي، وهي ثاني أكبر المدن الليبية في أيدي المحتجين، حيث أكد شهود عيان أن المتظاهرين الذين قدر عددهم بأكثر من 10 آلاف، قاموا خلال اليومين الماضيين بإحراق مديرية الأمن ومراكز الشرطة ومقار اللجان الشعبية، كما أكد شهود عيان آخرون أن 40 شخصا على الأقل قتلتهم أجهزة أمن وعناصر مرتزقة ليلة الجمعة، كما وظف المساجينُ في القيام بأعمال مسيئة للثورة في ليبيا مقابل وعود منحهم مبالغ مالية معتبرة وامتيازات بعد انكسار الثورة، وذكر موقع الجزيرة أنه وحسب مصادر عليمة وقعت مدينة البيضاء في يد الشعب، بعد أن سيطر عليها المحتجون، وانضم إليهم بعض من الشرطة المحلية. كما ذكر شاهد عيان من طبرق، حسب ذات الموقع أن كتائب الدروع وقاعدة جمال عبد الناصر الجوية بالمدينة انضموا إلى مطالب الشعب والتنسيق مع المتظاهرين لمنع دخول قوات القذافي`، وذلك بتنسيق مع مدن درنة وشحات والبيضاء.
نجل القذافي يطارد كفأر في بنغازي
ذكرت صحيفة ليبية أن الساعدي نجل معمر القذافي حوصر من طرف جموع المتظاهرين في مدينة بنغازي، وأضافت أن هذا الأخير كان يقيم في فندق `أوزو` ونجح في الفرار منه، إلا أنه ما يزال مطاردا في مدينة بنغازي، من أجل إلقاء القبض عليه، وأفادت ذات الصحيفة أن فرقة عسكرية يقودها صهر القذافي ذهبت خصيصا إلى بنغازي لتخليص الساعدي والعودة به إلى طرابلس خشية أن يقع في أيدي المتظاهرين.
القذافي يمنع الدواء عن جرحى الاحتجاجات ويوقف الاتصالات
ذكر شهود عيان ، للشروق، أن الزعيم الليبي معمر القذافي أصدر أوامر للمستشفيات بعدم استقبال الجرحى من المتظاهرين، مما جعل الكثير منهم في حالة صحية حرجة، خاصة الذين تعرضوا إلى نزيف حاد بسبب جروح من الدرجة الثالثة، فيما نقلت منظمة العفو الدولية عن مصادر في مستشفى الجلاء ببنغازي أن معظم الضحايا مصابون بطلقات في الرأس والصدر والرقبة. من جهة ثانية أصدر القذافي تعليمات بقطع الأنترنيت ابتداء من فجر أمس وكذلك التشويش على الخطوط الهاتفية، وهو ماأكدته الشركة المتخصصة في مراقبة الأنترنيت بالولايات المتحدة الأمريكية.
مظاهرات مساندة للثورة الليبية في عواصم العالم
وسجلت بعض العواصم في العالم خروج الجاليات الليبية لمناصرة المحتجين والمطالبة بإسقاط القذافي، حيث خرج أبناء الجالية الليبيبة في لندن في مظاهرة أمام سفارتهم احتجاجا على ما وصف بالمجازر التي ارتكبها النظام في حق الشعب الليبي، كما شهدت مدينة مانشستر مساء السبت، مظاهرة حاشدة شارك فيها حوالي800 من أبناء الجالية الليبية في إطار حملة احتجاجات واسعة تقوم بها الجالية والمعارضة الليبية في جميع أنحاء بريطانيا. وناشد مهاجرون ليبيون في النرويج وسائل الإعلام العالمية تسليط الأضواء على ما وصفوه بانتهاكات، قالوا إن السلطات تمارسها في حق ليبيين عزل يطالبون سلميا بالتغيير. كما استنهضوا شباب ليبيا لافتكاك حقوقهم. أما في سويسرا، فقد خرج أبناء الجالية الليبية في مظاهرة أمام سفارتهم انضم، إليها أبناء الجالية العربية خاصة الجالية المغاربية للمطالبة بتنحي القذافي.
رجال الشرطة وقادة اللجان الثورية شكلوا فرقا لإبادة المتظاهرين
مرتزقة التشاد والكونغو وغانا يزرعون الرعب ببنغازي
ذكرت مصادر من داخل مدينة بنغازي بأن أفراد الشرطة أطلقوا الرصاص الحي في شارع عشرين، على مجموعة من الشباب، نظموا مسيرة سلمية جابت هذا الشارع وشوارع البركة وبستين ووصولا إلى محكمة جنوب بنغازي..
وقد قوبلت هذه المسيرة برد عنيف من رجال الشرطة وقادة اللجان الثورية الذين يمثلون العمود الفقري للنظام، بعدما تلقى هؤلاء في الأيام الأخيرة تعليمات بتشكيل فرق الموت والتصفية، وتم توزيع الأسلحة والهواتف النقالة عليهم وعلى المرتزقة الأفارقة الذين تم استعمالهم وتجنيدهم في عمليات القمع، وهم الأفارقة الذين تم التعرف على جنسياتهم من طرف سكان المدينة، الذين أكد العديد منهم للشروق السبت، بأنهم من التشاد والكونغو وغانا التي توجد منها جالية كبيرة بليبيا، يعملون في الأسواق وفي مدابغ الجلود ويتاجرون في العملة المحلية والأجنبية، وقد تم الزج بهم في مناطق قريبة من العاصمة طرابلس وبنغازي ومصراته.
كما وجهت لهم أوامر بالقضاء على أي محاولة للتمرد في مدينة بنغازي ومدينة البيضاء التي تبعد بحوالي 300 كلم عن العاصمة، أين يتجه سكانها في الغالب إلى بنغازي بغرض التسوق وقضاء حاجياتهم، وهو ما جعل اللجان الشعبية تعتقد بأن بنغازي وبعض المعارضين بها هم من وراء هذه الاحتجاجات التي خطط لها منذ انطلاق الأحداث بتونس، وتم التنسيق فيها مع مجموعات من الشباب المتأثر كثيرا بالجهوية التي مستهم من طرف من هم بالعاصمة، وقال محمد للشروق، وهو صحفي بهذه المدينة، بأن المرتزقة يغيرون ألوان القبعات التي يرتدونها في كل يوم، بعد ارتكابهم جرائمهم بالأسلحة البيضاء والخناجر التي تتم أمام أنظار أفراد الشرطة، فبعد اللون الأصفر جاء اللون الأخضر وهي طريقة لا تعطي الآمان للأشخاص والشباب الذين يمرون على كل شخص بشرته سوداء يكون واقفا أو جالسا في شوارع عمر بن العاص وجمال عبد الناصر.
كما توسعت مهام هؤلاء المرتزقة بدخول المنازل وقتل الشباب الذي شارك في الاحتجاجات، انطلاقا من عمل استخباراتي يتم بتنسيق أمني وشعبي واسع، وقال محمد بأن المدينة شيعت جنازة 20 شخصا بمقبرة الهواري، فيما لا يزال حوالي 10آخرين في حالة خطيرة يقبعون بمستشفى بنغازي التخصصي بسبب الضربات التي وجهت لهم بالأسلحة البيضاء، على صعيد آخر أكد لنا عدد من أفراد الجالية الجزائرية المتواجدة ببنغازي على أنهم منعوا من التجول ومغادرة الفنادق التي يقيمون بها، كما تم قطع المكالمات الخارجية من هواتفهم، فيما بقيت عمليات الاتصال الهاتفي مقتصرة على استقبال المكالمات فقط، وهو ما أثر في نفسيتهم، خاصة أن عائلاتهم هي التي كانت تتصل بهم.
الكاتب الصحفي الليبي المعارض مجاهد البوسيفي للشروق:
تعليمات لقناصة القذافي باستهداف القلب والرأس
أكد، السبت، المعارض الليبي مجاهد البوسيفي على أن مجازر رهيبة ترتكب في حق الشعب الليبي وأن جيش القذافي اغتنم الفرصة وسلط جبروته على المتظاهرين العزل في ظل التعتيم الإعلامي المفروض وإقدام الحكومة على قطع كل سبل الاتصال من أنترنت وحتى الهواتف، وناشد الإعلام العربي الوقوف في وجه هذه الدكتاتورية والهمجية وتسخير المنابر لكشف الحقيقة وتعرية نظام `ملك ملوك إفريقيا`.
وعن آخر الأخبار الواردة إليه من بنغازي وبعض المدن المنتفضة، قال أمس في اتصال للشروق من الدوحة `الوضع يتطور لأن الإيقاع سريع جدا وأغلب المدن الشرقية في أيدي المتظاهرين وفرضوا سلطتهم عليها والحكومة تحاول الآن العودة إلى هذه المدن. وأنا كصحفي أتصل منذ انفجار الوضع بعشرات الأشخاص بطريقة صعبة للغاية خاصة وأن الحكومة تراقب الهواتف. الغريب أن المسؤولين في الحكومة الليبية اختفوا ويرفضون الظهور للعلن أو تقديم تصريحات وهم من كانوا يحتلون الشاشات والفضائيات بالأمس القريب`.
وعن استعانة النظام الليبي بقوات أجنبية قال `هناك معلومات مؤكدة وأخرى لا تزال عن تدخل قوات أمنية من إفريقيا تتحدث إلا اللغة الفرنسية ولا تحسن العربية وقد تكون من عناصر `الحرس الأممي الأخضر`. أما فكرة الاستعانة بالقوات الإفريقية فهو أمر متوقع لأن ليبيا تعودت على خرجات القذافي لأزيد من أربعين سنة`.
ويتأسف الإعلامي المعارض والمستقر بالدوحة من الطريقة التي يعامل بها شعبه من طرف قناصة القذافي ويدعو كل المؤسسات المدنية والإعلامية العربية إلى تغطية ما يجري بالمدن الليبية على أرض الواقع لإماطة اللثام على الممارسات اللانسانية هناك. خاصة وأن قناصة القذافي يستهدفون الرأس والقلب بلا رحمة ورقم 84 الذي أعلنت عنه هيومن رايتس سيتصاعد في دقائق في ظل ما علمته عن الوضع من أشخاص في عين المكان`.
وعن أقرب سيناريو ستعرفه ليبيا ومدى تشابه الوضع مع ثورتي تونس ومصر قال `أريد أن أؤكد أن القذافي لا يملك جزءا من صبر مبارك أو بن علي وأنه أكثر جبنا منهما بكثير. وأجزم أنه لن يكون محظوظا مثلهما فلا الشعب سيرحمه مثل مبارك ولا ستستقبله أي دولة في العالم مثل بن علي..مصيره سيكون شنيعا لأن مساعدته ستكون عارا مجسدا في شخص القذافي`.
السياسي المعارض الليبي جمعة القماطي للشروق:
القذافي يدفع 30 ألف دولار يوميا لكل مرتزق إفريقي
كشف السياسي والكاتب المعارض الليبي، جمعة القماطي في تصريح للشروق، وحسب ما توفر له من أنباء عن مصادر ليبية، أن الرئيس الليبي معمر القذافي دفع أجرة فاقت الـ30 ألف دولار لكل مرتزق إفريقي، كأجرة يومية من أجل قتل أبناء شعبه.
وأضاف القماطي أن القناصة الأفارقة الذين استخدمهم القذافي، وحسب اعترافات من المرتزقة الذين تم إلقاء القبض عليهم من قبل الأهالي، فإن الرئيس المغضوب عليه من قبل شعبه، `دفع المبلغ من خزينة الشعب وطلب منهم أن يبيدوا الشباب المتظاهر، كما أعطاهم حتى تعليمات عن كيفية القتل بإصابة الأشخاص في الرأس والقلب`، مؤكدا أن هناك أنباء عن طلب القذافي من هؤلاء المرتزقة أن يبقوا في ليبيا في هذه الفترة من أجل ترويع المتظاهرين.
وعن مصدر هذه الميليشيات، فقد أوضح القماطي أن القذافي بنى شبكة علاقات قوية في العشرية الأخيرة مع الدول الإفريقية المجاورة، وصرف الملايير من أجل ذلك، وهو الآن يستغل ويوظف تلك العلاقات في إبادة شعبه.
وأكد المتحدث أن عدد الجرحى فاق الألف جريح، ومعظمهم الآن في الشارع بسبب عدم السماح لهم بالتنقل إلى المستشفيات، كما أنه وحسب ما وصله من داخل ليبيا فإن عدد قتلى همجية القذافي فاق الـ100شخص، مضيفا أن موقف الجيش لحد الآن جيد كونه وقف مع الشعب في وجه الميليشيات الأفارقة، كما أن عددا من كتائب الأمن انضمت إلى الثورة وزودت المواطنين بالسلاح للدفاع عن أنفسهم من المرتزقة الأفارقة، لأنه اعتبر ذلك ابتزازا له.
ونفى القماطي أن تكون أحزاب المعارضة هي من حركت الشارع الليبي، وأن ما قام به القذافي من جرائم خلال الـ42 سنة كاف لثورة ستؤدي لتنحيته، وأن الشعب الليبي لا ينتظر دعوة المعارضة إلى ذلك.
دعا الحقوقي فتحي الورفلي، سكرتير اللجنة الليبية للحقيقة والعدالة، الشعب الجزائري والجمعيات الاغاثية الجزائرية، إلى نجدة أشقائهم الليبيين خاصة بتزويدهم بأكياس الدم، لأن القذافي منعهم من الوصول إلى المستشفيات.
وقال الورفلي إن مستشفيات ليبيا قبل هذه الأحداث كانت تفتقد إلى كل شيء، سواء من ناحية التجهيزات أو الأخصائيين، لكن الآن تعاني أكثر وسط الظروف الحالية وارتفاع عدد الإصابات، وما زاد الطين بلة هو جريمة الرئيس الحالي الذي منع منعا باتا المصابين من الدخول إليها.
وناشد المتحدث كل من يستطيع المساعدة من الجزائر، التدخل إنسانيا لتقديم يد العون للمواطنين الأبرياء، مضيفا أن أي مساعدة تقدم لليبيين في هذا الظرف مهمة وقد تنقذ أرواحا كثيرة، وهو النداء ذاته الذي وجهه للهلال الأحمر الجزائري وكذا الصليب الأحمر الدولي من أجل إعطاء يد المساعدة للمصابين. وكشف الورفلي أن اللجنة الليبية للحقيقة والعدالة قدمت تقارير سوداء عن حكم القذافي وجرائمه في حق الشعب الليبي، لكل من المنظمات الحقوقية العالمية، وهيئة الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وكذا نداءات لجامعة الدول العربية، والاتحاد المغاربي من أجل التدخل العاجل لوقف الممارسات القمعية الوحشية التي يستخدمها القذافي ضد شعبه.
وأكد الورفلي أن نظام القذافي يحاصر مدينة زنتان وقطع عنها الكهرباء والماء، وكل المواد الغذائية، على رأسها حليب الأطفال، من أجل أن يرضخ أهلها لمطالب القذافي، والبشاعة ذاتها تشهدها مختلف المدن الليبية التي اندلعت فيها الثورة، مضيفا أن أكثر من 70 مصابا في حالة خطيرة ويحتاجون إلى عمليات جراحية سريعة، وهم الآن في الشارع وسط دمائهم.
وأشار المتحدث أن كل الاتصالات تم قطعها من قبل مرتزقة القذافي من أجل التعتيم إعلاميا على ثورة الشعب، وتحجيمها، وكذا التستر على جرائمه.
كما كشف سكرتير اللجنة الليبية للحقيقة والعدالة، عن بيانات تم إرسالها إلى الجهات الدولية المعنية بحقوق الإنسان يشكون فيها جرائم القذافي، على غرار اعتقالات السياسيين والإعلاميين وكذا المثقفين، وتدعو لإطلاق حرية التعبير ورفع القيود المفروضة على الأنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي مثل الفايسبوك والتوتير، ووقف حملة الترهيب التي تمارسها السلطات الليبية عبر وسائل الإعلام الرسمية وذلك بتحذير المواطنين من التعامل مع الأنترنت، وتندد بانتهاك السلطات الليبية بفعلتها هذه كل القوانين والإعلانات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان بما فيها القوانين الليبية، كما أكد أنه لجنته قد رفعت دعوة عاجلة لدى المقرر الخاص بالأمم المتحدة لحماية نشطاء حقوق الإنسان، ودعته فيها إلى ضرورة ضمان حماية والإفراج عن المعتقلين.
بهذه الأفكار حكم القذافي شعبه لمدة 42 سنة
مهزلة الكتاب الأخضر وأكذوبة حكم اللجان الشعبية
على مدار أربعة عقود، حكم العقيد معمر القذافي شعبه بأفكار غريبة، ضمّنها في كتابه الشهير `الكتاب الأخضر` الذي يصفه بأنه عصارة دراساته للحضارات الإنسانية عبر التاريخ...
وهو يعتبر بمثابة كتاب مقدس تستلهم منه الأجيال الأفكار والقيم في مسيرتها نحو التطور والازدهار، ويتكون الكتاب الأخضر من ثلاثة فصول؛ هي في نظر بعض الليبيين ثلاث معجزات شاهدة على عظمة القائد الملهم، ففي الفصل الأول يتحدث القذافي عن كل ما يتعلق بنظام الحكم، حيث أطلق عليه الركن السياسي، حيث يتناول فيه مشاكل السياسة والسلطة في المجتمع، وهو في هذا الفصل يلغي كل ما وصلت إليه الإنسانية في مجال نظام الحكم، فيطعن في الديمقراطية والحكم النيابي، ويعتبرها نتاجا للصراع حول الحكم. وفي هذا السياق يقول الكتاب الأبيض: `المجالس النيابية هي العمود الفقري للديمقراطية التقليدية الحديثة السائدة في العالم، والمجلس النيابي تمثيل خادع للشعب، والنظم النيابية حل تلفيقي لمشكل الديمقراطية`.
ويهاجم الكتاب الأخضر الأحزاب، ويقول إنها أداة الدكتاتورية الحديثة، بل هي آخر الديكتاتوريات حتى الآن، ويرفع القذافي شعارا عاليا بالقول: `من تحزب خان`، لذلك تمنع ليبيا قيام الأحزاب، تاركة المجال لما تصفه بحكم الشعب عبر اللجان الشعبية.
غير أن الواقع يقول إن حكم اللجان الشعبية هو نكتة كبيرة وكذبة تمكن من خلالها القذافي السيطرة على الشعب وخنق كل صوت رافض أو رأي معارض، بحجة أنه يتنافى مع رغبة الشعب، وتحول المشهد السياسي في ليبيا إلى ديكتاتورية من نوع خاص لا توجد في أي بلد آخر في العالم.
ويرفض الزعيم الليبي إعطاء الكلمة للشعب حتى عن طريق الاستفتاء، فقد جاء في الكتاب الأخضر: `أن الاستفتاء تدجيل على الديمقراطية، إن الذين يقولون نعم والذين يقولون لا لم يعبروا في الحقيقة عن إرادتهم، بل ألجموا بحكم الديمقراطية الحديثة`.
وبعد أن يهد الزعيم القذافي كل نظريات الحكم السائدة في العالم يأتي بوصفة سحرية يقول فيها: `إن الكتاب الأخضر يقدم الحل النهائي لمشكلة أداة الحكم، ويرسم الطريق أمام الشعوب لتعبر عصور الديكتاتورية إلى عصور الديمقراطية الحقيقية` ويضيف: `إن هذه النظرية الجديدة تقوم على أساس سلطة الشعب دون نيابة أو تمثيل`.
وهكذا، فإن القذافي يدعي أنه يعطي السلطة للشعب بشكل مباشر دون المرور على المجالس النيابية، وهي فكرة تتنافى مع المنطق، غير أن بعض الليبيين المستفيدين من النظام ادعوا تصديقها وراحوا ينجزون حولها الدراسات بل تم تأسيس ما يسمى بالمركز العالمي لدراسات الكتاب الأخضر.
وما زاد الأمر سوءا هو الهوس بأن كل شيء عظيم في ليبيا، فالقائد عظيم والجماهيرية عظمى، وكل مهرجان أو حفل أو اجتماع أو مؤتمر يحدث في ليبيا إلا ووُصف بالعظمة، وبات الإعلام الرسمي الليبي المغلوب على أمره غارقا في أكذوبة العظمة، لدرجة أصبح الأمر مدعاة للسخرية والتندر في العالم بأسره، والغريب أن هذه الخطاب لا زال هو السائد في الإعلام الليبي، رغم الثورة الشعبية التي انطلقت من بن غازي وتوسعت إلى المدن الليبية الأخرى عدا طرابلس، رفضا للقذافي ولكتابه الأخضر.
لقد حكم العقيد معمر القذافي شعبه طيلة 42 سنة بأفكار غريبة، لا يصدقها أقرب المقربين إليه، متسلحا في ذلك بأموال النفط التي يوزعها في كل المناسبات ـ العظيمة التي تدعو إليها القبائل المنتشرة في الصحراء الكبرى.
المصدر:
صوت الحرية