كتب الشيخ محمد حسين الاصفهاني المعروف باكمباني ـ وهو من أعلام واساتذة الحوزة العلمية في النجف ـ الى العارف الملكي رسالة يطلب منه برنامجا للسلوك مما تعلمه من استاذه الملا حسينقلي الهمداني،
وإليكم ترجمة نص الرسالة الجوابية للعارف الملكي
بسم الله الرحمن الرحيم
روحي فداك
بعد الإعراض عن مشقة المجاملات وعدم الوصول الى الواقعيات على ما تفضلتم به في رسالتكم، وطلبكم من هذا المفلس برنامجا يوصلكم الى ما تريدون، فأقول بلا تكلف حقيقة ما تعلمته للسير في هذه العوالم وتحدثت لك منذ البدء عن بعض نتائجه بالتفصيل، لرغبتي الجامعة في أن أكون مع باقي رفاقي على صبغة واحدة في جميع العوالم...........................
وابين لكم هنا أصل وأساس ما أعلم لزومه في هذا الطريق بلا ضيق علي في ذلك، وأشرح لكم الآن إجمال ما تعلمته مرة اخرى.
قالوا في الطريق المطلوب
لمعرفة النفس: إن النفس الإنسانية ما لم تعبر من عالمها المثالي فسوف لن تصل الى العالم العقلي. وما لم تصل النفس الى العالم العقلي فلا تحصل لها حقيقة المعرفة، ولن تصل الى المطلوب.
ولهذا من أجل الوصول الى هذا الهدف قال المرحوم المغفور له (جزاه الله عنا خير جزاء المعلمين): يجب على السالك أن يقلل من طعامه مقدارا أكثر من المتعارف، ويوفر وقتا أكبر للاستراحة لتضعف الصفة الحيوانية عنده وتقوى الجنبة الروحية، وقال في تعيين ميزان ذلك: أولا: على السالك أن لا يتناول أكثر من وجبتين في اليوم والليلة، وأن لا يأكل بين الوجبات.
وثانيا: يجب عليه عندما يريد أن يأكل أن يكون ذلك بعد ساعة من الجوع، وأن يأكل بمقدار لا يشبع معه.
هذا في قلة الطعام، وأما في كيفيته فيجب عليه إضافة إلى مراعاة الآداب المعروفة أن لا يتناول لحما كثيرا، بمعنى أن يترك أكله في وجبتي الليل والنهار، وأن يترك أكله أيضا في كل أسبوع يومين أو ثلاثة. وإن استطاع تركه نهائيا فليعمل. ........................
ويجب على السالك أيضا أن يمتنع عن أكل الكرزات (الفستق والجوز واللوز والحمص والبندق وبرز القرع) فإن نازعته نفسه جدا الى أكله فليستخير الله في ذلك. وإن استطاع صيام ثلاثة أيام من كل شهر فليفعل.........................................
.........................
وأما بالنسبة الى تقليل النوم فكان يقول: ينبغي للسالك أن ينام ست ساعات فقط في اليوم، وأن يهتم كثيرا بحفظ لسانه، وعليه باجتناب معاشرة أهل الغفلة، وهذا كاف في تقليل الجنبة الحيوانية عنده....................................
وأما ما يجب على السالك الإتيان به في سبيل تقوية الجانب الروحاني
فهو:.....................
أولا: أن يكون مغموما مهموما محزونا قلبه دائما بسبب عدم الوصول الى المطلوب.....................................
وثانيا: أن لا يترك الفكر والذكر ما استطاع الى ذلك سبيلا. وهذان هما جناحا السير في سماء المعرفة........................................... ..
وعمدة الوصايا في الذكر هي أذكار الصباح والليل، وأهمها ما ورد في الأخبار، وأهم التعقيبات هي الصلاة على محمد وآل محمد. وعمدة الذكر هو ما كان عند النوم على ما هو المأثور في الأخبار، لا سيما إذا كان متطهرا بحيث يغشاه النعاس وهو في حال الذكر.
وأما قيام الليل
فكان يوصي أن يكون قبل ساعة ونصف من طلوع الفجر في الصيف وثلاث ساعات قبل طلوع الفجر في الشتاء.
وكان يقول: لقد رأيت آثارا عظمية من سجدة الذكر اليونسية ـ أي ينبغي الاستمرار عليها ليلا ونهارا، وكلما اتي بها اكثر كان أثرها أعظم، وأقل القليل فيها هو تكرارها اربعمائة مرة، وقد جربت ذلك بنفسي أيضا، وادعى تجربة ذلك أيضا أشخاص آخرون.
ومما يزيد في تقوية الجانب الروحي عند السالك ايضا هو قراءة القرآن الكريم وإهداء ثوابها الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم..............
وكان يقول فيما ينبغي للمبتدىء التفكير فيه:
ليفكر في الموت الى الوقت الذي يشعر فيه من حاله أن الاستمرار في ذلك سينتهي به الى الحيرة، وإجمالا يجد في نفسه استعدادا، وحينئذ يلتفت الى عالم خياله ويفكر عدة أيام ليلا ونهارا ليفهم بأن كل ما يتخيله ويراه هو نفسه ولا يخرج عن حدود نفسه. فإذا تحول ذلك الى ملكه في نفسه فانه سيرى نفسه في عالم المثال، أي يفهم حقيقة عالم مثاله ويكون له هذا المعنى ملكة.
وكان يقول:
وعندئذ يجب على السالك تغيير تفكيره ويمحو جميع الصور والأوهام والتفكير في العدم. وإذا صار ذلك ملكة عند الإنسان فلا بد أن يتجلى له سلطان المعرفة، أي سيفوز يتجلي حقيقة نفسه بالنورانية وبلا صورة وحد بكامل البهاء. فإذا رآه وهو في حال الجذبة كان أفضل، وعندما يجد الرقي في العالم العالية فسيرى أثر كل سير حاضرا........................
ومن أجل ترتيب هذه العوالم يجب على الإنسان أولا أن يترقى من عوالم الطبيعة هذه الى عالم المثال، ثم الى عالم الأرواح والأنوار الحقيقية. ومن العجيب أن نرى التصريح بهذه المراتب في سجدة دعاء ليلة النصف من شعبان، والذي سيكون موافقا لوصول الرسالة، حيث يقول: (سجد لك سوادي وخيالي وبياضي) وعندما تفنى هذه الثلاثة بأجمعها سيحصل أصل المعرفة، حيث أن حقيقة السجدة هو عبارة عن الفناء، وعند الفناء عن النفس بمراتبها يحصل البقاء بالله
(رزقنا الله وجميع اخواننا بمحمد وآله الطاهرين).
ولم نحرم ـ والحمد الله ـ ببركة دعاء الاخوان من هذه العوالم إجمالا. وقد جعلت الدعاء لكم ولبعض الاخوة الآخرين وردي الليلي.
وحد إكمال التفكير في عالم المثال، والذي يكون بعده محو الصورة، هو: إما أن يلتفت بنفسه تلقائيا ويرى حقيقة الموضوع عيانا، أو يفكر الى الحد الذي يعبر من العلمية الى العيان، وحينئذ تمحى الأوهام بالتفكير في العدم الى أن يتجلى من جهة حقيقة نفسه)
انتهى.
قال العلامة الطباطبائي في توضيح بعض عبارات الرسالة جوابا على سؤال الشيخ حسن زادة الأملي: ما معنى قول الميرزا الملكي: (وهو حينئذ يلتفت الى عالم خياله)؟..
قال: ما لم يجد الإنسان العلم فجميعه في صقع نفسه، والجميع عالم مثال لعلمه هو. وكل ما تراه (أي ما تدركه) هو نفسك وليس هو أمرا خارجا عنك.
والمقصود من قول الملكي (يجب تغيير الفكر ومحو جميع الصور والأوهام والتفكير في العدم) هو أن جميع هذه هي مظاهر تجليات الحق تعالى، وعليك أن ترى الحق في هذه المظاهر، ولا تنظر لها على أنها وجودات مستقلة، وهو المراد من العدم. وبما أن وجود الظهور بلا مظهر والجلوة بلا مجلي لا معني لها، ولا يمكن لها أن تتحقق، فإذن الجميع يرى بها الحق. والعارف هو ما اكتشف أخيرا ما كان قد حصل عليه أولا. وجميع الناس يكتشفون في حالة إلا أن طريقة الاكتشاف مختلفة. ويكون حينئذ قد وصل الى عالم النور والبياض والعيان.
:::::::::::::::::::::::::::::::::
من كتاب مشكاة العارفين
::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
اسالكم الدعاء اللهم ببركة دعاء الاخوان ...اللهم صلي على محمد والة الاطهار وانظر الي يوم القيامة ..............