الصلاة و السلام على سيدنا و حبيب قلوبنا و شفيع ذنوبنا أبا القاسم محمد بن عبد الله و على آل بيته الطيبين الطاهرين و صحبه الأخيار المنتجبين و جميع الأنبياء و المرسلين و من تبع هداهم إلى يوم الدين و الحمد لله رب العالمين .
يتميز القادة بمميزات كثيرة منها الحزم و القوة في التعامل و الرأي الصائب لكن قل ما نرى قادة يتميزون بسماحة قلب و عفو على من أدخل إلى قلبهم أذى كبير جدا ً لا يمكن لقلب امرأة حتى أن يسامح عليه لكن مثل السيد نصرالله بورعه و تقواه إستطاع أن يسامح لأنه الكريم القادر و لأنه لا يحب ظلم حتى من أدخل إلى قلبه أكبر أسى و وجع قد يتحمله إنسان .
في ديننا الإسلامي يعد دفن الميت أحد أوجه إكرامه لكن ما حصل مع السيد هادي نصر الله نجل السيد حسن نصرالله لا يمكن أن يقبله أي إنسان مسلم مهما اختلفت معه عقديا ً و لا حتى أي شخص من منطلق إنساني بحت .
بدأت القصة عندما خطب السيد نصر الله خطابه المشهور : (( إننا في حزب الله لا نوفر أولادنا للمستقبل... نفخر بأولادنا عندما يذهبون إلى الخطوط الأمامية... ونرفع رؤوسنا عاليا
بأولادنا عندما يسقطون شهداء.. )) .
كان الرابع من نيسان من عام 1997م، حين عقد هادي قرانه على "بتول خاتون"، بعد اختياره وتشجيع والديه رغم صغر سنه الذي لا يسمح عادة بتحمل مسؤلية بناء بيت واسرة. وكانت بتول فخورة بخطيبها الذي يمثل نموذجاً للشاب الواعي، الذي من جهته كان يعمل على تهيئتها وجعلها فتاة قدوة لغيرها، وهي التي ارتبطت بشاب اول كلمة قالها لها :" ربما اقتل، او اسر، او اجرح؟"، فوافقت وهي مؤمنة بالخط الذي يلتزمان به..
وفي احد الايام، كان مدعواً الى الغداء في منزل عمه الشيخ علي "علي"، وبينما هو منهمك بمساعدة زوجة عمه في تحضير الطعام، بلغه نبا استشهاد الشهيد محمد الجوهري، صديقه وزميله في الجهاد، فبكاه بكاء شديداً وتأثر لأجله، واكتفى ذاك النهار بالبكاء والدموع..
وهكذا، كلما سقط شهيد، احس بشوق في نفسه يتخطى حدود الشوق، فتسافر احلامه الى حيث تهنأ نفسه، الى حيث وقف الحسين ع يَنْظرُ الليل وقد بدت نجومه نعوش اجساد اولاده واصحابه.. "هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا…"، فيمسك هادي جرح الليل، وقد اسرجه سائراً نحو كربلاء، وفي فؤاده تغلي حرارة تلبي النداء :
"لبيك يا حسين ع"…
…وفيما كانت اوراق الايام تقلب صفحة صفحة، بدأ هادي وبتول يهيئان بيتهما الزوجي.. كل شيء كان طبيعياً.. الى ان جاء ايلول، فتبدل كل شيء.. في المرة الاخيرة التي رآها فيها ودعها قبل ان يذهب الى الجنوب، موصياً اياها ان "تنتبه الى نفسها" … وعاد الى منزل والديه ليحزم امتعته..
حضر اغراضه بنفسه، وانتظر ان تعود والدته الى المنزل، وكان من عادته اذا لم تكن في البيت واراد ان يذهب الى الجنوب، ان يترك لها رسالة، الا انه هذه المرة انتظرها حتى عادت.. ودعها، وقف قرب الباب ينظر اليها، ولما وقع نظره على بصرها نكس رأسه.. ورحل.. رحل وهدوء غريب يلف تصرفاته، سكون وطمأنينة، استغرب لها الجميع، لكأنه كان يعرف ان الطريق التي سيسلكها نحو الجنوب، ستكون طريقا نحو الجنة.. نحو الخلود..
كان عصر نهار الجمعة، وايلول يلملم ما تبقي من ايام الصيف، والسنونوات الباحثة دوماً عن الدفء تهاجر نحو الشمس..
يقال ان لايلول سكوناً لا يعرفه أي شهر في السنة، رغم ما يحمله في طقسه من حر آب، الا ان لمحة الحزن لا تفارق سمائه… وتبقى الشمس فيه للرحيل في أي لحظة خلف لون رمادي يعانق لمسات سوداء..
لكن صوت القذائف والرصاص وتحليق الطائرات المروحية مزقت هذا السكون عصر ذاك اليوم في اقليم التفاح، اذ ان مواجهات عنيفة كانت تدور بين مجموعات من رجال المقاومة الاسلامية وقوة اسرائيلة متقدمة ضمن نطاق "جبل الرفيع" كانت متجهة نحو قرية عربصاليم لضرب اهداف مدنية..
في هذه الاثناء كانت المضادات الارضية التابعة للجيش الللبناني في عربصاليم، ادت الى استشهاد ستة من عناصر الجيش اللبناني وجرح سبعة.
في التفاصيل انه عند الساعة الخامسة والدقيقة الخامسة والاربعين، كمنت مجموعة "سيد شهداء المقاومة الاسلامية السيد عباس الموسوي" لقوة صهيونية متقدمة، كما قامت مجموعة الشهيدين "ربيع وهبي" و "حسن مريش" بعميلة التفاف وتطويق مكان الاشتباك.. ولدى استقدام العدو لتعزيزات اضافية عند الساعة السادسة والدقيقة الاربعين، قامت مجموعة الشهيد رضا ياسين بمهاجمتها. وقد اعترفت الاذاعة الاسرائيلية بمقتل اربعة من جنودها خلال هذه المواجهات.
كان هادي "ياسر" من المجموعة المساندة للقوة الاولى، ومعه قائد المجموعة "ذو الفقار" -وهو الاخ الوحيد الذي عاد حيا من مجموعة الشهيد السيد هادي-، هيثم مغنية (جلال)، علي كوثراني (كميل)، وكانوا جميعهم بانتظار اوامر التحرك من المجموعة الاولى.. نظر "هادي" الى "ذو الفقار" وصخب المعارك الدائرة بالقرب منهم يعلو اكثر فاكثر، واقترب منه سائلا اياه بعتي وحماس:
-هل المجموعة الاولى هي وحدها التي ستواجه؟ واين دورنا نحن…؟!
-نحن نؤدي تكليفنا، واذا احبنا الله، يكون نصيبنا التدخل..
ثم اردف ذو الفقار: هناك رائحة عطر قوية، من منكم وضع عطرا الان…؟
فلم يجبه احدا…فاقترب نحو هادي ليشمه:
-رائحة العطر تفوح منك يا هادي!
فارتسمت بسمة رضا على شفتي هادي وقد لمعت عيناه ببريق السعادة: والله انها رائحة الشهادة، وسارسل بطلبكم عما قريب…
وان هي الا لحظات حتى اعطيت الاوامر بالاشتباك مع قوة الدعم الصهيونية التي تدخلت لمساندة الجنود الذين وقعوا في الكمين، فاعطى "ذو الفقار" اوامره الى "هادي" و "علي" بالالتفاف على القوة ومهاجمتها من الجهة الاخرى، وكان بصر "ذو الفقار" يتابعهما حتى لمحهما يتشابكان وجها لوجه مع جنود العدو وعلى مسافة لا تتجاوز المتر الواحد، كان "هادي" متحمساً جداً للشهادة، وكأن روحه فارقت جسده شوقاً للقاء احبائه الشهداء الذين سبقوه الى حيث رضوان الله تعالى، فراح يطلق الرصاص من رشاشه متقدماً نحو الصهاينة وهو يصرخ "الله اكبر" ، فيجيبه "علي" : "يا ابا عبد الله"… لحظات وخفت الصوت تدريجيا، وقد وضع هادي يده على خاصرته اليسرى حيث اصيب بطلقة نارية، ثم اصيب بشظية اخرى في رقبته، فصرخ عاليا: "يـــا زهـــــراء " …. وهوى الى الارض.. فانغرست اصابعه بين التراب.. "وهذا يا جبل الرفيع، دمي.. فاجعل ترابك كفني..
واغمض عينيه، وعرجت روحه مسرعة نحو السماء، حيث النبي محمد ص ينتظره ليسقيه من كأسه الاوفى.. فترنم الافق بآهات صداها وجع القلب: "المجد لايلول الشهداء… المجد لايلول الشهداء" -مقطع من نشيد كان الشهيد يردده دائما-..ثم ما لبث ان لحق به علي، فيما كان "ذو الفقار" و "هيثم" يتابعان المواجهة بعد أن فقدا الاتصال بالمجموعة الاولى، وبدا الانسحاب تدريجيا لان ذخيرتهما بدات تنفذ.. وفي نهاية الاشتباك، سقط "هيثم" صريعاً على الأرض، فحمله "ذوالفقار" وتابع انسحابه، إلى أن اختبأ في مكان قريب من ساحة المعركة، وعمل على تصليح الجهاز الذي معه ليعاود التنسيق مع المجموعة الاولى، إلى أن عاد سالماً يحمل على اكتافه الشهيد "هيثم" فيما اسر الصهاينة جثتي الشهيدين "هادي" و"علي" واخذوهما إلى مستشفى مرجعيون ومن ثم إلى داخل اراضي فلسطين المحتلة .
هنا انتهت مأساة السيد نصر الله الأولى لتظهر الثانية مع الصور التي بثها التلفزيون الصهيوني لصور جثث الشهداء الثلاث في المستشغى و كان هناك رجل فظ القلب غليظ يفقد كل معاني الإنسانية يتعامل مع الجثث بحقد و تصرف معهم تصرفات غير لائقة متجاوز كل حرمات الموت , و ما زاد من الأسى ان يكون هذا الشخص من بلدك و من وطنك لكنه عميل للصهاينة .
و بعد أن تحرر الجنوب بفضل الله و بعزيمة رجال المقاومة استطاع القوة الأمنية من القبض على هذا العميل بمساعدة المقاومة الإسلامية لكن الأوامر كانت قد أعطيت بعدم التعرض لأي من العملاء و ترك السلطات اللبنانية هي من تتعامل معهم و هذه من شيم المقاومة التي ترفض قتل العزل .
و لكن بسب التعقيدات الطائفية تم الحكم على معظم العلاء الخونة بالسجن لسنة أو سنتين على الأكثر رغم أن أيدي هؤلاء ملطخة بدما الأبرياء من أهل الجنوب و لبنان .
و بعد حرب تموز تولى حزب الله الكشف عن الأضرار في المساكن للتعويض عن السكان و شاءت الصدف أن يكون بيت هذا العميل الجلف الذي تعامل بحقارة مع جثث الشهداء و مهنم السيد هادي نصر الله قد تعرض للتدمير من القصف الهمجي الصهيوني :
و هذه القصة من لسان أحد القياديين في التيار الوطني الحر :
السيّد نصرالله بعد حرب تموز لم يرضى الاّ بدفع الأموال لكافة المتضررين بمن فيهم لمن أساء للمقاومة وقال: "بعد مسح مهندسي التيار للأضرار في بعض المناطق الجنوبية، لم يضع حزب الله أيّ شرط على أيّ منزل متضررّ بمن فيهم وكلاء منازل اللبنانيين المتواجدين في اسرائيل أو المتعاملين معها، بالفعل تعاطى حزب الله بكلّ إيجابية مع وكلائهم باستثناء حالة واحدة". يتابع رفول حديثه: "من دون الدخول في التسميات أبلغنا الحزب انّهم لا يستطيعون دفع الأموال لأحد المنازل متمنين علينا مراجعة قيادة حزب الله في الجنوب. وبعد مراجعتنا لمسؤول حزب الله في الجنوب رفض الأخير البتّ في الموضوع قبل إستئذان سماحة السيّد نصرالله في الموضوع". ويضيف: "كان جواب حزب الله بعد مراجعة سماحة السيّد حسن نصرالله انهم يريدون دفع الأموال للشخص المذكور قبل ايّ آخر. وفيما بعد عرفنا انّ هذا الشخص تصرّف بصورة غير اخلاقية في المستشفى مع شهداء المقاومة سيما الشهيد هادي نصرالله".