الجمعة الخامسة والعشرون 10جمادي الثاني1419
الخطبة الاولى
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم، توكلت على الله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا اله الا هو الملك الحق المبين المدبر بلا وزير، ولا خلق من عباده يستشير الاول الاول غير مصروف، والباقي بعد فناء الخلق العظيم الربوبية نور السموات والارض وفاطرهما ومبتدعهما بغير عمد خلقهما وفتقهما فتقا فقامت السماوات بامره، واستقرت الارضون باوتادها فوق الماء ثم على ربنا في السماوات العلى الرحمن على العرش استوى له ما في السماوات وما في الارض وما بينهما وما تحت الثرى، فانا اشهد بانك انت الله لا رافع لما وضعت، ولا واضع لما رفعت، ولا معز لمن اذللت، ولا مذل لمن اعززت، ولا مانع لما اعطيت، ولا معطي لما منعت، وانت الله لا اله الا انت كنت اذ لم تكن سماء مبنية، ولا ارض مدحية، ولا شمس مضيئة، ولا ليل مظلم، ولا نهار مضيء، ولا بحر لجي، ولا جبل راس، ولا نجم سار، ولا قمر منير، ولا ريح ولا سحاب يسكب، ولا برق يلمع، ولا رعد يسبح، ولا روح تتنفس، ولا طائر يطير، ولا نار توقد، ولا ماء يضطرب كنت قبل كل شيء، وكونت كل شيء، وقدرت على كل شيء، وابتدعت كل شيء، واغنيت، وافقرت، وامت، واحييت، واضحكت، وابكيت، وعلى العرش استويت، فتباركت يا الله، وتعاليت انت الله الذي لا اله الا انت الخلاق المعين العليم امرك غالب وعلمك نافذ وكيدك غريب ووعدك صادق وقولك حق وحكمك عدل وكلامك هدى ووحيك نور ورحمتك واسعة وعفوك عظيم وفضلك كثير وعطاءك جزيل وحبلك متين وامكانك عتيد وجارك عزيز ووبأسك شديد ومكرك مكيد. فصل اللهم على محمد وال محمد خير خلقك الداعي الى حقك وعلى اله الطيبين الطاهرين الاخيار الاكرمين وعجل فرجهم واجعل فرجنا بفرجهم انك على كل شيء قدير وبالاجابة جدير.
اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
لا زلنا بين مناسبتين من المناسبات المنسوبة للزهراء (سلام الله عليها). كانت قبل ذلك وفاتها ويأتي بعد ايام ذكرى ولادتها (سلام الله عليها، فيحسن ان نستمر بالحديث عن بعض الشؤون التي ترتبط بها فلنفتح الحديث الان عما هو مبتلى به اجتماعيا وهو حرية المرأة. فهل للمراة حق الحرية كما تريد بعض المذاهب والمسالك الدنيوية التي تدعي الحرية والديمقراطية ومساواة الرجل مع المراة ؟ هل هذا صحيح، ام ليس لها الحرية في ذلك؟
وفكرة الحرية اساسا جعلها الدعاة لها مجملة، وغامضة لكي يرغب بها الناس، ويكون من المستطاع الدخول الى عقولهم وقلوبهم عن طريقها. ولكننا اذا اردنا الدقة في الفهم امكن تفسير الحرية بعدة تفسيرات، نذكر منها اربعة تفسيرات، اثنان منها تدعيها الدول الراسمالية التي تدعي الديمقراطية. واثنان منها تدعيها الدول الراديكالية او الثورية التي تدعي الخروج عن ربقة الاستعمار.
اما المعنيين الاولين فكما يلي:
المعنى الاول: الحرية من الافكار المسبقة المفروضة على الفرد والمجتمع من الخارج كاحكام العقل واحكام الدين. فلا حاجة حسب مدعاهم الى ان تحكمهم اية فكرة او نظام خارج قناعاتهم ومصالحهم الدنيوية من اي دين من الاديان ومن اي عقل من العقول. وهذا هو الذي اسّف بهم نحو الرذيلة والظلم والتسافل الاخلاقي والاجتماعي. فمثلا قلنا في بعض الخطب السابقة انه من الاكيد ان الزنا واللواط والسفور وشرب الخمر محرم في اديانهم كما هو محرم عندنا، وهي من الوصايا العشر التي يسير عليها اليهود والنصارى معا. مع انهم عاصون لكل تلك الاحكام ومهملون لكل تلك الوصايا.
المعنى الثاني: الحرية بمعنى تساوي فرص العمل الاقتصادي للمجتمع. وهذا موجود عندهم من الناحية النظرية فقط، والا فمن الواضح ان الاقوى والاذكى هو الذي يمكنه ان يستغل هذه الفرصة وهذه الحرية، ويدع ملايين الناس يدورون على لقمة عيشهم ومكان مسكنهم. اذن، تكون من الناحية العملية لا حرية موجودة الا للقلة المتننفذة والمسيطرة على المجتمع، ويكون الباقون كلهم مظلومون من هذه الناحية ولا يوجد تكافئ فرص حقيقي للجميع اطلاقا.
وهذا هو الحاصل في دولهم فعلا، وفي نظام شعوبهم حقيقة، ولذا نرى الاحتجاجات والمظاهرات واساليب الارهاب متفشية فيهم جدا. وذلك حينما يدافع المظلومون عن حقوقهم.
واما المعنيين الاخرين للحرية والتي تتبناه كشعار الدول الراديكالية الثورية، ولعل اكثر الدول فيما يسمى بالعالم الثالث هي كذلك اي تتبنى مثل هذا الشعار. وهذان المعنيان كما يلي:
المعنى الاول: الحرية من الاستعمار، حيث تكون الدولة الحديثة قد سيطرت على ارضها وشعبها واخرجت الحكم الاستعماري والقوة الاستعمارية من بلادها. وهذا الى هنا جيد جدا وقد احسنت به صنعا، كما قال تعالى: ((ما جعل للكاغرين على المؤمنين سبيلا)). الا انه من الناحية الواقعية والتطبيقية لم يكن الامر كذلك بكل تاكيد، فان عامة الدول الراديكالية تخضع بكل وضوح للسيطرة الاستعمارية وليس فيها حرية من الاستعمار حقيقة. فلو حملنا كلامها او شعارها على الصحة قلنا: انها حرية من الاستعمار بشكله القديم، ورضا وقناعة بالاستعمار بشكله الجديد. او نقول انه حرية من الاستعمار بشكله الصريح وقبول بالاستعمار بشكله المبطن والمكتوم. او نقول انه حرية من الاستعمار بمعنى الحكم المباشر من قبل المندوب السامي كما كانوا يعبرون. بحيث تعتبر اراضي الدولة الاخرى من جملة اراضي الدوله المستعمرة، كما كان مطبقا في اغلب دول افريقيا، وهو مطبق الان في كندا واستراليا وغيرهما.
فالمهم ان عددا كبيرا من الدول تحررت من الاستعمار المباشر، الا انها لم تتحرر من الاستعمار غير المباشر وهو اطاعة الدول الاستعمارية، وتطبيق مناهجها ومخططاتها واهدافها. اذن، فالحرية من الاستعمار عمليا غير موجودة في الدول الراديكالية.
المعنى الثاني: الحرية الداخلية، وهي حرية ابداء الراي وحرية الصحافة وانهم يدعون ان لكل شخص ان يتكلم بما يريد بدون حسيب او رقيب. وهذا هو الذي جعلته الدول الراسمالية من مفاخرها وادعت الدول الراديكالية السير على نفس الطريق ايضا.
الا انه من الواضح ان هذا غير مكفول حقيقة في الدول الراسمالية نفسها فضلا عن الدول الراديكالية وذلك لانه يواجه عدة نقاط ضعف:
النقطة الاولى: ما قلناه فيما سبق ان هذه الفكرة وان كانت موجودة شكليا، الا انها غير موجودة حقيقة لانها لاتشمل النظام الاساسي للدولة، او اسرارها او مسلماتها وكل من يخرج على ذلك يعاقب بالعقاب الاليم. وبالتالي لا حرية له.
النقطة الثانية: ان وسائل الاعلام كلها في الدول الراسمالية وغيرها عمليا هي بيد الدولة، ولا يمكن اخراجها من قبضتها وليس لكل احد ان يتكلم من خلالها ما يشاء حقيقة، الا اذا كان موافقا مع الخط العام للدولة لا محالة. اذن، فالحرية من هذه الجهة مفقودة.
النقطة الثالثة: اننا لو فرضنا انه وجدت فرصة محدودة لبعض الافراد والجماعات ان يبرزوا رايهم ويقولون كلمتهم، كما قد يحصل احيانا، اوضمن الصحف وضمن الاحتجاجات والمظاهرات، فانما هو مجرد راي لايسمع ولا ينفذ، بل يلقى الاذن الصماء لا محالة. كانهم يقولون ان لك ان تقول ما تشاء، الا لنا ان نترك قولك ايضا ونهمله ونحتقره فان الحرية موجودة للطرفين. ومن ثم لا يكون الاحتجاج والمناقشة مؤثرة قليلا ولا كثيرا.
اذن، فهذه الحريات غير مكفولة لا للرجل ولا للمراة، لا في الدول الراسمالية، ولا في الدول الراديكالية. او قل لا في الدول الغنية، ولا في الدول الفقيرة. واذا كانت هي غير مكفولة للرجل فهي بالنسبة الى المراة اسوء واردئ، لانها كانت ولا زالت الجانب الاضعف بطبيعة الحال في العالم كله.
فان اولئك الذين ينادون بالمساواة بين الجنسين في دولهم لم يكفلوا ذلك عمليا للمرأة فضلا عن غيرهم من الدول ولا زالت نسبة النساء عندهم كمذيعات مثلا او صحفيات او مدراء عامين او وزراء او رؤساء وزراء او ملكات او رئيسات جمهورية، لا زالت هي النسبة الاقل جدا في كل العالم ولم تحصل المساواة بكل تاكيد بين الرجل والمرأة، ولن تحصل انشاء الله تعالى ما دام العالم مليئا بالظلم والفساد ولم يمتليء قسطا وعدلا. بل الامر عندهم يمكن ان يتعدى ذلك اي عدم المساواة بين الرجل والمرأة حتى الى الاعمال البسيطة نسبيا كالموظفات والعاملات في الشركات والرياضيات والمعلمات وغير ذلك فانه لا زالت نسبتهن اقل وان كان المستوى الاول اوضح من هذه الجهة.
الان نأتي الى الرأي الديني اسلامي في ذلك. فاول خطوة اننا نقدم بعض الاطروحات، بعد الالتفات الى نقطة ضرورية وهي ان الدين لم يكفل حرية المرأة من جميع الجهات بطبيعة الحال بل ولا حرية الرجل من جميع الجهات بل اعتبره عصيانا وتسيبا ولا انسانية انه الانسان يكتسب حريته امام الله سبحانه وتعالى، ويؤدي ذلك الى فشل الفرد والمجتمع بل من المستطاع القول ان العقوبات الدنيوية الشديدة التي جاءت على بعض المجتمعات قبل الإسلام، كالطوفان والخسف والقذف وغيرها انما حصلت لان افراد المجتمع اتخذوا الحرية في اعمالهم حسب مشتهياتهم ورغباتهم ولم يطيعوا دينهم وعقلهم ومن ثم قيل الحرية هي التقيد بالنظام، وليس بكل نظام بل بالنظام التكاملي الحقيقي والانساني. ومن ثم يكون سلبا للحرية الشخصية بالمعنى المتسيب بطبيعة الحال. وانما الحرية الحقيقية هي الحرية من النفس الامار بالسوء ومن الشهوات والمظالم والتمحض بطاعة الله سبحانه، بخلاف المسالك الدنيوية في فهم الحرية من حيث انها اتباع للمصلحة الخاصة والرغبات وبالتالي اطاعة النفس الامارة بالسوء فيكون ذلك مصداقا وتطبيقا لقوله تعالى ((جعل الهه هواه واضله الله على علم)).
وانما الحرية الحقيقية هي الحرية من المئاثم والمظالم. وفي الرواية ان الامام الكاظم موسى بن جعفر (عليه السلام) كان يمر في بعض الطرقات اذ خرجت جارية من احد المنازل وكان منزلا فخما بهيا لتلقي القمامة في الطريق وكأنما في هذه القمامة ما يدل على انها مخلفات خمر ومجون والعياذ بالله، فسألها الامام (عليه السلام): من صاحب هذا البيت ؟ قالت: مولاي بشر (وهو الذي سمي ببشر الحافي بعد ذلك). قال لها: مولاك حـر ام عبد. قالت: حر. قال: نعم لو كان عبدا لما عصى مولاه. فدخلت الدار فقال لها بشر مولاها: اين كنت ؟ فذكرت له كلام الامام (عليه السلام) بدون ان تعرفه طبعا. فقال لها: صدق (سلام الله عليه) ثم خرج الى الطريق يركض ليلحق بالامام ثم انه تصدق بكل ماله واصبح من الزاهدين ولقب بشر الحافي لانه كان يسير بدون نعلين.
اذن فالمطلوب الحقيقي، هو ان يكون الانسان حرا من النفس الامارة بالسوء وعبدا لله عز وجل، لا العكس وهو ان يكون حرا من اطاعة الله تعالى والعياذ بالله وعبد لنفسهه وشهواته وهواه.
اذن فلا توجد في الدين لا على المستوى الشرعي ولاعلى المستوى الاخلاقي ولا على المستوى العقلي حرية دنيوية بهذا المعنى بل هي الفساد بعينه ولم تعطى لا للرجل ولا للمرأة وحديثنا اصلا عن المرأة، اذن فلم تعط المرأة الحرية الكاملة وانما اعطيت بعض الحرية فكما لم يعط الرجل الحرية الكاملة وانما اعطي بعضها فبالنسبة الى المرأة يمكن ان نطرح الاطروحات التالية:
الاطروحة الاولى : ان الاسلام كفل حرية المرأة اخرويا، ولم يكفلها من الناحية الدنيوية.
الاطروحة الثانية : ان الاسلام كفل حرية المرأة نسبيا الا انه لم يؤمن بتساوي الرجل والمرأة في ذلك، بل قال من اول الامر وبصراحة ((الرجال قوامون على النساء بما فضل الله)).
الاطروحة الثالثة : ان الاسلام كفل الحرية الاقتصادية للمرأة اي عمل المرأة بمقدار حرية الرجل الا انه من الناحية الاخلاقية ليست كذلك من حيث ان القيود الموضوعة على المرأة اكثر مما هي على الرجل من هذه الناحية.
ولا بد من النظر الان بالمقدار الذي يناسب الحال في هذه الاطروحات من حيث اسبابها اعني ادلتها الاسلامية ومن حيث نتائجها ومعلولاتها.
اما الاطروحة الاولى فقد كفل الاسلام اخرويا كما قال تعالى في هذه الاية اللطيفة وكل ايات القران لطيفة: ((ان المسلمين والمسلمات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات اعد الله لهم مغفرة واجرا عظيما)).
ثم يتعرض القرآن الكريم بعد ذلك مباشرة في الاية التي تليها بان الحرية المسحوبة عن الرجل ايضا هي مسحوبة عن المرأة وهي الحرية في العصيان والتمرد على الحق والعدل فانه ليس في مصلحتهما ذلك بكل تاكيد ولا يجوز لاي منهما ذلك بكل تاكيد، قال الله تعالى: ((وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة (اي الاختيار والحرية) من امرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا)). فالرجل والمرأة كما هما متساوون بالمغفرة والرضوان كذلك هما متساوون في تحمل مسؤولية العصيان. وقل هما سواء في الثواب والعقاب معا. وقال تعالى: ((ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد * فاستجاب لهم ربهم اني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى بعضكم من بعض * فالذين (يعني الذكر والانثى) هاجروا واخرجوا من ديارهم واوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لاكفرن عنهم سيئاتهم ولادخلنهم جنات تجري من تحتها الانهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب)). وقال تعالى: ((ومن يعمل من الصالحات من ذكر او انثى وهو مؤمن فاولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا)). وقال: (يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم)). وقال: ((يا ايها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا خير منهم ولا نساء من نساء عسى ان يكن خيرا منهن ولا تلمزوا انفسكم ولا تنبازوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتب فاولئك هم الظالمون)).
ومن الممكن القول ان سياق هذه الايات الكريمات هو اخروي اكثر منه دنيويا وخاصة حينما يقول ((القانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والصائمين والصائمات)) او يقول ((اني لا اضيع عمل عامل من ذكر وانثى)). اذن فالذكر والانثى متساوون من الناحية الاخروية جزما اي من ناحية قبول العمل وامكان التكامل والحصول على الثواب ونحو ذلك. واما من الناحية الدنيوية فهما غير متساويين من حيث ان المرأة ممنوعة عن كثير من الامور الميسورة للرجال شرعا كالتقليد والقضاء وامامة الجماعة للرجال ونصف الحصة في الارث ((للذكر مثل حظ الانثيين)) وذلك ثابت في الاولاد والبنات والاخوة والاخوات والجدة والجدات والزوج والزوجة وكذلك الشهادة بالهلال وكذلك في اصل الشهادة يكون الاثنين من النساء كواحد من الرجال.
هذا من حيث الاسباب ونتعرض الى النتائج في الخطبة التالية انشاء الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
اذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا *
صدق الله العلي العظيم
الجمعة الخامسة والعشرون 10 جمادي الثاني1419
الخطبة الثانية
اعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم، توكلت على الله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه محمد واله اجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الهي لو دعوت غيرك لاخلف رجائي، وانت ثقتي ورجائي ومولاي وخالقي وبارئي ومصوري. ناصيتي بيدك تحكم في كيف تشاء لا املك لنفسي ما ارجو ولا استطيع دفع ما احذر اصبحت مرتهنا بعملي، واصبح الامر بيد غيري. اللهم اني اصبحت اشهدك وكفى بك شهيدا واشهد ملائكتك وحملة عرشك وانبيائك ورسلك على ان اتولى من توليته واتبرء ممن تبرأت منه واومن بما انزلت على انبيائك ورسلك فافتح مسامع قلبي لذكرك حتى اتبع كتابك واصدق رسلك واومن بوعدك واوفي بعهدك فان امر القلب بيدك. اللهم اني اعوذ بك من القنوط من رحمتك، واليأس من رأفتك فاعذني من الشك والشرك والريب والنفاق والرياء والسمعة، واجعلني في جوارك الذي لا يرام، واحفظني من الشك الذي صاحبه تيهان. اللهم وكلما قصر عنه استغفاري من سوء لا يعلمه غيرك فعافني منه واغفره لي فانك كاشف الغم ومفرج الهم يا رحمن الدنيا والاخرة ورحيمهما فامنن علي بالرحمة التي رحمت بها ملائكتك ورسلك واوليائك من المؤمنين والمؤمنات. اللهم رب هذا اليوم وما انزلت فيه من بلاء او مصيبة او غم او هم فاصرفه عني وعن اهل بيتي وولدي واخواني ومعارفي ومن كان مني بسبيل من المؤمنين والمؤمنات. اللهم اني اصبحت على كلمة الاخلاص وفطرة الاسلام وملة ابراهيم ودين محمد صلواتك عليه واله. اللهم احفظني واحيني على ذلك وتوفني عليه وابعثني يوم تبعث الخلائق فيه واحعل اول يومي هذا صلاحا واوسطه فلاحا وآخره نجاحا برحمتك يا ارحم الراحمين.
اللهم صل على محمد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن المجتبى والحسين الشهيد بكربلاء وصل على الائمة التسعة بعد الحسين السجاد والباقر والصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والعسكري والحجة المهدي صاحب الزمان ائمتي وسادتي وقادتي بهم اتولى ومن اعدائهم اتبرأ في الدنيا والاخرة.
اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن الا وانتم مسلمون.
نعود الان الى الفروق الشرعية بين الرجل والمرأة وكون المرأة اكثر قيودا من الرجل فلماذا حصلت هذه الظاهرة بعد الالتفات الى ان الدين قد اعطى فرصة العمل للمرأة اعني العمل الاقتصادي والكسب او نقول العمل خارج المنزل كما اعطى هذه الفرصة للرجل، طبعا مع الالتزام بسائر الواجبات والكف عن سائر المحرمات والتي من اوضحها وجوب الحجاب وكذلك التقيد في الكلام طبقا لقوله تعالى ((ولا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض)). ومعنى العمل يشمل ضمن هذه القيود كثير من النشاطات والحقول بما فيها التعليم والطب والتجارة والصحافة والمزارعة والحدادة والبناء وغير ذلك.
ولا يخطر في بالكم ان لبس العباءة مناف مع العمل فانه ان كان منافيا مع بعض الاعمال كالزراعة والبناء فانه ليس منافيا مع كثير من الاعمال الاخرى كالتعليم والطب والتجارة وغيرها فانها تستطيع ان تقوم باعمالها ضمن حجابها وعبائتها، مضافا الى اننا نعرف وتعرفون ان المطلوب شرعا هو الحجاب وهو ستر ما يجب ستره من جسم المرأة واما اسلوب الحجاب ونوعيته اونوعية الساتر فلم يقل به الشارع الاسلامي المقدس بشيء.
اذن فيمكن ان يكون باي طريقة متيسرة وهذا هو الذي يسمى بالحجاب الشرعي اذا كان مضبوطا من ناحية وغير مثير غالبي ونوعي للغريزة كما لو كان جميلا جدا او ملونا او مشغولا باشكال التطريز، فهذا لا يجوز. فتلبس المرأة بما يسمى جبة بسيطة وربطة بسيطة ولكنها مضبوطة وتعمل.
ولكننا مع ذلك لا ننصح النساء اللابسات للعباءة ان يبدلن الى ذلك الزي لان العباءة على اي حال هي الاحوط استحبابا والانسب بالاتجاه الاخلاقي الا ان هذا لا ينبغي ان يؤدي الى القول بان الدين منع عن العمل المنافي للبس العباءة.
نعم من كان من الفقهاء من يوجب ولو بالاحتياط الوجوبي ستر الوجه للمرأة كأية الله الخوئي (قدس سره) وغيره لا تكون النتيجة عنده نفس النتيجة لوضوح ان ستر الوجه منافي مع العمل الا نادرا. ومعه يكون الدين كانه قد منع المرأة عن العمل غير ان هذا الاشكال يرتفع فيما اذا قلنا كما هو الصحيح بجواز كشف الوجه والكفين لها ويكون العمل ميسورا لها بهذه الطريقة.
ولكنا هنا ايضا نقول اننا لاننصح للملتزمات بستر الوجه بـ(البوشية) ونحوها ان يكشفن وجوههن لانه اولا: لان الستر اي ستر الوجه احوط استحبابا وثانيا: لان الكشف فيه مظنة الفتنة والاثارة الجنسية وخاصة اذا كانت المرأة حسناء نسبيا. واما اذا حصل الاطمئنان بوجود الاثارة حرم كشف الوجه عليها لا محالة.
اذن فينبغي ان ينحصر عمل المرأة مع حاجتها او اقتضاء المصلحة العامة لذلك او امر الولي العام العادل به ونحو ذلك وكل هذه الموارد كثيرة وحترمة شرعا واجتماعيا، واما بدون ذلك فالافضل للمرأة ان تتكفل بيتها واسرتها كما في الحكمة (جهاد المرأة حسن التبعل)).
واما ما يفعله النساء في هذا العصر سواء المحجبات نسبيا منهن او غير المحجبات من الاختلاط والتبرج والخلاعة والغناء والرقص والتبسط في الكلام مع الرجال الاجانب وكذلك الرضا والتجاوب مع الفرق الغنائية الواردة الينا من خارج الحدود فكله فساد وافساد وجناية على الفرد وعلى المجتمع ولا يؤدي الا الى غضب الله المنتج لبلاء الدنيا وبلاء الاخرة وانا لله وانا اليه راجعون.
نعود الان الى شرح السبب الممكن ادراكه وبيانه في فوارق الاحكام بين الرجال والنساء. ايضا بعد الالتفات الى ان مقتضى الادب الحقيقي اما الله سبحانه ترك السؤال عن اسباب الاحكام ووجوه الحكمة فيها وان مثل هذه الاسئلة تمثل جرأة على الله تعالى وسوء ادب امام عظمته واما الفرد المؤمن من رجل او امرأة اذا احرز بالحجة الشرعية حكمه الشرعي فعليه الطاعة والامتثال ليعود على نفسه وغيره بالخير والسعادة في الدنيا والاخرة وكما تقول الحكمة (ان الفرد يجب ان يكون تجاه طاعة الله تعالى، كالميت بين يدي الغسال) يقلبه كيف يشاء، ويكون الفرد على مستوى التسليم بالاحكام والقبول لها والرضا بها لا على مستوى التمرد عليها والمناقشة لها.
ومن هنا قلنا انه في منطق الدين طبق ولا تناقش، فان هذا النقاش انما يكون تجاه المخلوق ممكنا لا تجاه الخالق. وانما جاءت بامثال هذه النقاشات الاتجاهات الاستعمارية الظالمة الغاشمة التي تستهدف اضلال المسلمين وتشكيكهم في دينهم.
لاحظوا .. ان السياسة الغربية مهما اتجهت الى الدنيا، وهذا اكيد وصريح الا انها تشعر في داخل نفسها بشيء من العاطفة الدينية التي تفهمها وهي الديانة المسيحية ويدلنا على ذلك امران على الاقل:
الامر الاول: الحروب الصليبية، فانها كانت قائمة على اساس ديني بعنوان ان بيت المقدس قد اعتدى عليه المسلمون، واحتلوه فيجب في نظرهم تخليصه من يد المسلمين، واعادته الى السيطرة المسيحية اذن فالحروب الصليبية مبنية على اساس ديني سواء من قبل الجيش الصليبي المسيحي المهاجم وكذلك من قبل الجيش الاسلامي المدافع.
الامر الثاني: انهم اتفقوا في القرن الميلادي الثامن عشر وما بعده ان يسموا احزابهم باسماء ذات صفة دينية بالرغم من انها من الدين براء ولكنهم حرصوا على اي حال ولو على مجرد الاسم فكانت الاسماء هكذا الحزب الديمقراطي المسيحي الالماني، الحزب الديمقراطي المسيحي الفرنسي، الحزب الديمقراطي المسيحي الايطالي وهكذا. فانهم كان يمكنهم حذف لفظ المسيحي لكنهم تركوه، لماذا ؟ لانهم في باطن نفوسهم يشعرون بشيء من الاهمية لدينهم. ولا زالت هذه الاحزاب على ذلك وهي يمينية باصطلاحهم. ومعنى صفة الديمقراطية في قولهم الديمقراطي هو الاهتمام بالدنيا، ومعنى صفة المسيحية حينما يقولون المسيحية الاهتمام بالدين ولو اسميا.
وحسب فهمي، ان الاهتمام بالديمقراطية يختص بسياساتهم الداخلية لشعوبهم، والاهتمام بالمسيحية يختص بمخاصمة ومواجهة الشعوب المستعمرة غير المسيحية من شعوب مسلمة او بوذية او غير ذلك لردها عن دينها واخراجها عن مسؤوليتها وخاصة الاسلام وخاصة المذهب الجعفري الشيعي الاثنى عشري وولاية امير المؤمنين (عليه افصل الصلاة والسلام). وكانت من جملة ذلك ان بثوا التساؤل واشاعوه عن الحكم والاسباب للاحكام الشرعية وهم يعرفون ان اغلب الناس والعوام لا يستطيعون الجواب عليها فيكفي ان تبقى الشبهة في النفس للطعن بحكمة الله وقدرته ومن ثم تسبب الشبهات ارتداد الفرد والمجتمع عن دينه فنكون اسوأ حالا من شعوبهم بكل تاكيد. فانهم قد يتمسكون بدينهم ولو من الناحية الشكلية واما نحن فتكون النتيجة اننا براء من الدين واقعيا وشكليا حقيقة والعياذ بالله.
ويدعم هذه الفكرة، ما سمعته من الثقات انهم سموا الحرب الامريكية الاخيرة في العراق بحرب مريم العذراء، وهو اسم ديني مسيحي في نظرهم وان كانت مريم العذراء منه براء، ولكنهم لم يعلنوا ذلك وسموا تلك الحرب من الناحية السياسية الظاهرية بعاصفة الصحراء.
وانا اعتقد انه لم يكن المستهدف منها الجانب السياسي بمقدار ما كان الهدف منها ضرب الدين والمتدينين الموجودين في العراق، وقتل الكثير منهم، وتعجيزهم عن هداية الاخرين، والهائهم بمشاكلهم الشخصية من اسرة وطعام وشراب في ظل ما يعلمونهم ويعملونه ويستهدفونه من غلاء الاسواق وقطع الكهرباء وضرب المعامل وتهديم البيوت وغير ذلك كمضاعفات للحرب.
اذن فينبغي ان نكون على مستوى المسؤولية الحقيقية من عصيان هؤلاء الكفار وافشال اهدافهم الدنيئة والتمسك بديننا واهدافنا ومجتمعنا فانهم بالرغم من عظمتهم الظاهرية لا يستطيعون ان يقدموا للمجتمع والبشرية اي نفع او اي عدالة حتى لو ارادوا ذلك فانهم لا يملكون لا في دينهم ولا في دنياهم اي اهداف حقيقية واي اعمال عادلة سوى طمعهم بالسيطرة على الشعوب وسلب خيراتها وتجويعها وتمرير السياسات الظالمة عليها.
فالمهم، انهم لا يمكنهم ان يقدموا اي هدف حقيقي، او اي عمل عادل وانما الهدف الحقيقي عندنا في الاسلام وفي ولاية امير المؤمنين (عليه افضل الصلاة والسلام). يكفي ان نلتفت الى ان المسيحية اصلا او الدين المسيحي اصلا ليس فيه تعاليم شرعية، وليس فيه فقه اطلاقا لان المسيح نفسه (عليه افضل الصلاة والسلام) كان في عصره في تقية مكثفة من الدولة البيزنطية التي كانت ملحدة في حينه، وناصرة لليهود في حينه، فلم يستطيع ان يؤدي للناس والمجتمع اية تعاليم وتشريعات، والانجيل بشكله الموجود خال من ذلك تماما اي من التعاليم والتشريعات التي نسميها باللغة الاسلامية الفقه والتشريع، لاتوجد اطلاقا. وانما اقتصر على بعض البيانات الالهية المربوطة بعظمة الله ووصف ما يسمى بعالم الملكوت اوعالم الجبروت وذكر بعض النصائح الاخلاقية المبسطة لا اكثر.
في حين ان دين الاسلام جاء بما اصطلح عليه بعض المفكرين، بالاطروحة العادلة الكاملة فهو يكفل بتعاليمه كل مكان، وكل زمان وكل طبقة وكل مجتمع وكل ثقافة حتى كان ذلك من معجزات النبي (صلى الله عليه واله)، كما قلنا في بعض الخطب السابقة وحتى ان اهمية التعاليم الشرعية الفقهية وفروع الدين لا تقل اهمية عن اصول الدين بالرغم من اهمية اصول الدين وقدسيتها. فعلى المسلمين جميعا وعلى المؤمنين خصوصا من رجال ونساء ملاحظة دينهم الكافل لخيرهم وسعادتهم وكمالهم في الدنيا والاخرة والحذر من دسائس الاخرين ومخططاتهم ما اوتي الفرد الى ذلك سبيلا.
وعلى اي حال فهل من الانصاف ان يلتفتوا هم _اي الغربيون_ الى دينهم ولو قليلا ولا نلتفت الى ديننا ولو قليلا ! تلك اذن قسمة ضيزى كما تقول الاية الكريمة. وهم يشعرون بشيء من الاهمية لدينهم ولا نشعر بشيء باية اهمية لديننا ! هم اعطوا الرجال الحرية في التصرف ولا نعطي الرجال في ديننا الحرية في التصرف ! هم يقدسون رجال دينهم ويخضعون لهم ويطيعونهم في امور دينهم ونحن نحتقر رجال ديننا ونعصيهم ونبعدهم عن امورنا الشخصية والاجتماعية ! هل هذا خير ؟! مع ان اكثر رجال دينهم عصاة لدينهم يشربون الخمر وياكلون لحم الخنزير ويسرقون ويمكرون مع ان الصفة العامة للحوزة الاسلامية الشيعية طبعا ولرجال الدين عندنا هو الاخلاص وقول الحق والتفاني في سبيل الغير ونفع الاخرين دينيا ودنيويا فاي قياس بين رجال دينهم ورجال ديننا. فهم اجتمعوا على باطلهم وتفرقنا عن حقنا.
وخطابي هذا ليس لهذه الوجوه الطيبة اذ لولا شعوركم بالمسؤولية لما حضرتم الى صلاة الجمعة جزاكم الله خيرا وانما الخطاب الى عامة الناس وكل المجتمع وخاصة اولئك الذين يعتبرون الكلام اي كلام الشريعة وكلام الله ورسوله كانه ليس معهم وانهم غير مشمولين اصلا بتعاليم الدين والعياذ بالله فاذا قلت له شيئا قال لك: (تصير برأسي متشرع) ! كانه يسخر منك. وهؤلاء خسروا انفسهم في الدنيا والاخرة ذلك هو الخسران المبين. يكفي ان نلتفت انني دعوت عدة فئات للتوبة من هنا وهم السالكون والعشائر والسدنة. اما السالكون فقد تاب كثير منهم جزاهم الله خيرا اي التائبين جزاهم الله خيرا واما الذي لم يتب لا جزاه الله خيرا واذاقه حر الجحيم. واما العشائر والسدنة فلم نجد منهم اي اثر الى هذه اللحظة. وما ذلك الا لانهم يفضلون دنياهم على دينهم وهذا ليس سوء للحوزة اطلاقا وانما هو سوء لهم وضرر لانفسهم ومسؤولية لهم امام الله تعالى في الدنيا والاخرة وانما نصحناهم بما فيه خيرهم ورضاء ربهم عنهم كما يقول الشاعر:
على المرء ان يسعى بمقدار جهده وليس عليه ان يكون موفقا
وعلى اية حال لا زالت الفرصة موجود لهم الى الان بان يتوبوا الى الله سبحانه وتعالى وليس الى السيد محمد الصدر طبعا. وستبقى مفتوحة لهم باستمرار ما دام المرء في هذه الحياة وما دام النفس يصعد وينزل.
ولا زال الحديث عن المرأة موجودا ونعود اليه في الجمعة الاتية انشاء الله تعالى اذا بقيت الحياة.
بسم الله الرحمن الرحيم
انا انزلناه في ليلة القدر * وما ادراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من الف شهر * نتزل الملائكة والروح فيها باذن ربهم من كل امر * سلام هي حتى مطلع الفجر *
صدق الله العلي العظيم