بيان مهم حول الاحداث الجارية في الوطن العربي
فإن مما يُدمي القلب، ويجرح الضمير ما نشاهده ونسمعه من استغاثات شعبية، ومعاناة جماهيرية امتدت من مغرب البلاد العربية الى مشرقها، عبر مظاهرات عارمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين والأنبياء محمد واله الأطهار الأبرار. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وبعد:
فإن مما يُدمي القلب، ويجرح الضمير ما نشاهده ونسمعه من استغاثات شعبية، ومعاناة جماهيرية امتدت من مغرب البلاد العربية الى مشرقها، عبر مظاهرات عارمة، واعتصامات غاضبة، تعبّر عن مظلومية طويلة الأمد، أفصح عنها الكبتُ الطويل، وفجّرها الإهمالُ المتعمّد، وأبرزها التغييبُ المخطّط له.
إن ماتشهده الساحة العربية من طوفان جماهيري، لا يهدأ من دون تلبية المطالب المشروعة، واستعادة الحقوق المغصوبة، ومنح الحرية بعد الاضطهاد، وإشراك الشعوب في عملية الحكم، والتخطيط المخلص لمستقبل مشرق، من غير املاءات وتدخل خارجي.
أيها المسلمون الاعزّاء في كل مكان، لقد طلبت منّا أطراف مختلفة من الداخل والخارج مستوضحة موقفنا حيالَ ما يجري على الساحة برُمّتها، جرّاء انفراد كثير من الحكام بالسلطة، وفرض انظمة جائرة على الشعوب، وهدر المال العام، وإيثار المقرّبين بامتيازات لاحدود لها، وتفشي الرشوة والفساد. إلى غير ذلك. فصرنا ملزمين ببيان موقفنا انطلاقا من المسؤولية الشرعية. وذلك من خلال النقاط التالية:
1 _ إن إسكات أصوات المظلومين عن طريق خنق الأنفاس ظلامة ثانية، فعلى حكام الشعوب أن يوطّنوا انفسهم على استماع النقد، واحترام الحريات ومقابلة الرأي بالرأي، لا بالسلاح والاضطهاد.
2 _ إن تراكم الضغوط والحرمان وكبت الشعوب ينتج عنه انفجار لا يمكن تداركه، وإن ما حصل اليوم هو من هذا القبيل. وحينئذ لا يستطيع أحد الفرار من غضبة الحليم وقد غضب.
3 _ إن سمة عصرنا هذا التجددُ والتغير السريع. وإن احتكار السلطة مدة طويلة، والجمود على نمط معين من أساليب الحكم، من دون إجراء اصلاحات ملموسة تنعكس اثارها على حياة المواطن، نتيجته ما نراه اليوم من المطالبة بإسقاط الأنظمة، وإحداث تغييرات جذرية تصبّ في مصلحة الوطن والمواطن.
4 _ إن استخدام العنف يولّد العنف، ولذا دعت الشريعة السمحة الى سياسة التفاهم والمحبة والحوار، تفاديا لما يتمخض عن سياسة الانتقام الذي حرّمه الله تبارك وتعالى.
5 – على الحكام أن يعوا واجبهم تجاه الشعوب، ويعلموا أن وظيفتهم في نظر الدين خدمةُ الرعية، وتأمينُ مصالحها، وحمايتها. وأن الاسلام يرفض رفضا قاطعا ويحرّم تحوّل الحاكم الى سبعٍ ضارٍ ينهش أبدانَ رعيته، وأن الله له بالمرصاد. قال الله تعالى: (فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون).
6 _ كان الغرض من تأسيس الجيوش في العالم هو حفظ البلاد أرضا وشعبا وثروات. والذي يحصل اليوم هو عكس الغرض تماما. حيث اصبحت القوة العسكرية أداة قمع وقتل للمواطن، إذا كسر حاجز الصمت، ونادى: أنا مظلوم، أنا جائع، أنا مهمل، أريد عملا، لماذا هذا الفساد، لماذا الرشوة تعم البلاد. ومن حقه ذلك.
ولذا نشجب بشدة التعدّي على أرواح الرعية، وندعو الى احترام إرادتها وكرامتها.
7 _ إن خداع المواطنين سياسة حبلُها قصير، ومن شأنها زرعُ عدم الثقة في النفوس، وعدم الاطمئنان بالوعود البرّاقة، وان من لا يحرز ثقة شعبه مهزوم لا محالة. ولذا نأمر بالصدق والصراحة، وعدم الالتفاف على مطالب المظلومين.
8 _ إن الأحداث الاخيرة ما كانت تحدث لولا انعزالُ الحكام عن شعوبهم، وانشغالُهم باُمور ضيقة وشخصية، أو بارتباطات خارجية جعلتهم بعيدين عن هموم ومعاناة المواطن وتطلعاته، وتأمين مستلزمات حياته، فشعر بالغربة في وطنه، وبالوحشة في مجتمعه، وبالظلم بين أهله. وإن هذا عين الظلم. قال تعالى: (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).
9 _ إن الاستعانة بالأجانب من الكفار والمرتزِقة لقمع المواطنين العزّل من السلاح جريمة تأريخية لا تُغتفر، وستلعن الأجيال القادمة كل المجرمين بحق شعوبهم. قال تعالى: (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين).
10 _ ندعو جميع المتظاهرين والمعتصمين الى التوكل على الله والاستعانة به، حتى تحقيق مطالبهم العادلة والحقّة. علّها تجد آذانا صاغية واعية، قال تعالى: (ولا تيأسوا من روح الله).
11 _ ندعو الى الابتعاد عن الانتقام، وعدم مؤاخذة البريء بالسقيم فإنه مما حرّم الله. ونطلب من الجميع التحلي بالأسلوب الحضاري المشروع عند المطالبة بالحق، والانتصار للمظلومين، وإيصال صوتهم الى كل من يسمع. وذلك قطعا لدابر الحجج التي يتذرّع بها قاتلو الشعوب.
12 _ يجب حفظ الممتلكات العامة، وعدم المساس بها، لأنها ملك الشعب لا ملك الحاكم. والإضرار بها إضرار بمصلحة المواطن.
13 _ ندعو المظلومين والمضطهدين دينيا وسياسيا وعرقيا الى إقامة دعاوى قانونية ضد من اضطهدهم من الحكام والمفسدين وقتلة الشعوب، وسرّاق الثروة، والمرتشين، حتى تأخذ مجراها. فما ضاع حق وراءه مطالب.
14 _ نحذّر الحكومات أينما كانت من اللعب على حبل الطائفية، ونشر واشاعة ريحها النتنة، فلسنا من دعاتها ورعاتها. إن الذي تطلبه الشعوب الناهضة هو ابعاد الخونة والظالمين عن سدة الحكم، وتولّي ابناء البلد الاشراف المخلصين إدارة الشؤون العامة ورعاية المواطن وحقوقه وتحسين حالته المعيشية اسوة ببقية الشعوب.
15 _ ختاما نسأل اللهَ ونبتهل إليه، ونستعينه ونتوكل عليه، وندعوه بقلب مفجوع. أن يحفظ المسلمين في العالم كله، ويحقق الحياة الكريمة والحرية والكرامة لكل المطالبين بها، وأن يرفع الغمة عن هذه الأمة، ويبّدل بؤسها وشقاءها الى نعيم مقيم، وأمن واستقرار، فإنه خير مسؤول ونعم المجيب.
مكتب
سماحة اية الله العظمى المرجع الديني
الشيخ شمس الدين الواعظي(دام ظله)
النجف الاشرف
16 / ربيع الاول / 1432هجري