تفاصيل استيلاء صدام على السلطة العام 1979 (القسم الأول) + خفايا واسرار
بتاريخ : 20-05-2011 الساعة : 09:54 PM
تفاصيل استيلاء صدام على السلطة العام 1979 (القسم الأول) + خفايا واسرار
النخيل-على خلفية ما حدث في أربعينية وفاة الإمام الحسين نهاية العام 1977 التي أطلق عليها (أحداث خان النص) وهذا الصراع هو بالون اختبار حقيقي لصاحب النفوذ والقوة في قيادة الدولة العراقية، ما بين البكر المسن المعتدل أمام صدام الشاب المتشدد والمتعطش للسلطة .
أساس ظهور هذا الصراع الى العلن هو الخلاف على كيفية التعامل مع المتظاهرين الشيعة فكان صدام يميل إلى سحق أي تمرد بالقسوة المفرطة لتكون درسا رادعا لكل من يقف بوجه الثورة في حين أن الرئيس البكر يرى العكس ويميل الى استمالة الشيعة لأنه يعرف أن لهم ثقلا كبيرا في الساحة العراقية ومن الواجب التعامل معهم بالحسنى .
فضلا عن أسباب أخرى ولربما أهمها أن البكر كان مريضا وقيل أن مرضه خبيث وخطير وليس له علاج ابدا، وهو أمر جعله أكثر ليونة وفي سياق ذلك يقال إنه كان يرى رؤى دينية لربما بنتيجة تأنيب الضمير على التاريخ الاجرامي الطويل وإنه جدد ضريحا وبنى مسجدا في احدى قرى الحلة قريبا من المدحتية.
المهم كان الرئيس البكر يريد التسامح وعدم القسوة مع ما حدث من أحداث في يوم الأربعين من شهر صفر ضدّ متظاهرين شيعة من كربلاء والنجف احتفلوا بمناسبة دينية.
فيما وجرى رمي المسيرة السلمية بالرصاص من طائرات الهليكوبتر وهي في طريقها من كربلاء والنجف الى بغداد ومن بقي حيا تمكنت قوات الامن من اعتقاله جرى تقديمه الى محكمة خاصة.
وعيّن السيد عزت مصطفى العاني عضو مجلس قيادة الثورة في حينها رئيسا للمحكمة الخاصة التي نظرت في أمر ما حدث ،بالاشتراك مع حسن علي العامري وزير التجارة في حينها وفليح حسن الجاسم.
وكان الدكتور عزت مصطفى العاني والمحسوب على جناح الرئيس البكر هو الشخصية الثالثة في تسلسل هرم السلطة السياسي واتخذ قرارا برفض أحكام الاعدام المُعدة مسبقاً كذلك كان قرار فليح حسن الجاسم الذي اغتيل بعد مدة قصيرة .
وحسن علي العامري وحده وافق على أحكام الاعدام وسيكون دوره جليا في أحداث شهر تموز 1979 إذ كان هو صاحب المعلومة الشهيرة ( قصاصة الورق الصغيرة ) التي أطلقت شرارة المجزرة.
وعلى خلفية موقف اعضاء المحكمة جرى اتهام الدكتور عزت مصطفى بالتخاذل وحاول الدفاع عن نفسه بالاشارة الى ان ما فعلته القوة الجوية العراقية من دمار وقتل يكفي واستمر برفض التوقيع على احكام الاعدام وكان ذلك كافيا ليتم تجريده من كافة مناصبه الحزبية والرسمية وجرى تعيينه طبيبا في انحاء الرمادي وتوفي بعد ذلك بمدة قصيرة من دون معرفة الاسباب .
وهذا يدل على ان صدام تمكن من الضغط على احمد حسن البكر للتخلي عن الدكتور عزت مصطفى وتركه يواجه مصيره .
ومن المعلومات القليلة الانتشار ان عزت مصطفى العاني كان هو الرجل الذي يقف خلف نجاح الثورة البيضاء العام 1968 إذ كان يملك كلمة السر التي أوصلت البعث الى السلطة هو نفسه ضابط الارتباط مع المخابرات الاميركية وهي من الاسباب التي أدت الى الإسراع بموته.
وثيقة العمل القومي
خلاف احداث خان النص تعمق اكثر بسبب وثيقة العمل القومي المشترك في تشرين الثاني 1978 التي عقدت بين العراق وسوريا بعد سنوات طويلة من القطيعة . الرئيس البكر كان متحمسا جدا لها في حين كان نائبه صدام ينظر الى الامر بريبة وخشية لأنه رأى فيها سحب البساط من تحت اقدامه بهدوء. كان عليه أن يتحرك بسرعة وقبل فوات الاوان وفي الوقت نفسه كان مترددا وهل كان ينتظر شيئا ما ؟ .
ومن سير الاحداث ومن خبرته مع الرفاق كان صدام يعلم أن الرئيس البكر لن يغادر موقعه في قيادة الدولة والحزب الحاكم إلا بعد ولادة دولة الوحدة العربية المصغرة بين العراق وسورية التي يحكمها جناحان من حزب البعث العربي الاشتراكي تحت قيادة حافظ الاسد لاسيما بعد أن بدأت الكثير من الخطوات باتجاه التوحيد مثل فتح الحدود وحرية التنقل باستخدام الهوية الشخصية وحرية العمل ونقل رؤوس الأموال والاستثمار وغيرها وكان صدام يعتقد أن البكر يحاول استبعاده بل ويسرع العملية لتجاوزه وقطع طريق ما خطط له وكرس له حياته لتولي رئاسة الحكم .
وفهم صدام الرسالة وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير أن البكر لوّح في بداية شهر حزيران 1979 بأنّ نظيره السوري حافظ الأسد الأكفأ لقيادة دولة الوحدة إذ صرح لتلفزيون بغداد قائلا:إنني واثق من قدرات أخي الرئيس الأسد وما يتمتع به من حيوية وبُعد نظر في العمل على تدعيم وحدة القطرين العراق وسوريا بما يخدم الأمة العربية وحلمها المنشود ... في لمّ شملها ورص صفوفها) وفهم النائب الرسالة وأدرك أن لابد له من حسم أمره إذ ان نيات الرئيس البكر أصبحت واضحة. وعلى الفور بدأت سلسلة من الاحداث منها مقتل نجل الرئيس البكر (محمد) في حادث سير مفتعل مع زوجته وشقيقات زوجته على طريق بغداد- تكريت حيث اصطدمت سيارته المسرعة بشاحنة تحمل الطابوق ما أدى الى موت الراكبين وكان محمد من الاشخاص الذين يعادون صدام ويعلمون بتطلعاته .
ثم جرى اغتيال المرافق الشخصي للرئيس احمد حسن البكر بعد ذلك جرى اغتيال المرافق الاقدم للرئيس احمد حسن البكر.
الحوادث المأساوية المتلاحقة أفقدت البكر صلابته وجعلته في حزن دائم لاسيما بعد وفاة زوجته التي كان يحبها وقد ماتت بسبب قهرها على مقتل ابنها الذي كان مدير مكتب والده.
ومحمد البكر كان يعرف صدام حسين جيدا وصدام حسين يعرف محمد جيدا وكلاهما كان يخطط لاغتيال غريمه اللدود . الفرق أن صدام كانت له خبرة في عالم التخطيط والمؤامرات وكان يعمل في هدوء ونجح في ذلك نجاحا مبهرا.
صدام يرفض زيادة الرواتب
والرئيس البكر كان يتمتع بولاء الجيش له لأنه رجل خارج من رحم الجيش في حين كان وجود نائب لا يرضى بانصاف الحلول ودموي يثير قلق ضباط الجيش. إضافة الى ان النائب لم يكن له اي علاقة بالجيش بل ولم يخدم الخدمة العسكرية الالزامية.
لكن صدام تمكن من بناء جهاز المخابرات والاشراف عليه شخصيا وتوصل الى زرع الرعب في خصومه وخصوم من يقف في وجه (الثورة!) وكل حركات البكر وبقية الرفاق كانت مراقبة بشدة وجهاز المخابرات كان دولة داخل الدولة ومسؤول عن جميع الانتهاكات وتصفية المعارضين بما فيهم الحلفاء من كوادر الحزب الشيوعي العراقي.
مع ازدياد الواردات النفطية طلب البكر زيادة رواتب الضباط والجنود والموظفين والعمال الامر الذي قوبل برفض من النائب صدام كون الوقت غير مناسب وهو امر سنجد اسبابه لاحقا وفي 9 تموز 1979 وفي اجتماع لمجلس قيادة الثورة وبسبب الكآبة التي يعاني منها الرئيس البكر تحت ضغط إدراك حجم الاخطاء التي ارتكبها طلب الاستقالة من جميع مناصبه الحزبية بحجة انه مريض واعترض محيي عبد الحسين مشهدي على قرار الرئيس وهو سكرتيره الشخصي اضافة الى مناصب الاخرى وقال له: سيادة الرئيس ان صحتك بخير ولا داعي للاستقالة !
ورد عليه الرئيس البكر بقسوة : وهل انت تعرف حال صحتي اكثر مني !لكن البكر عدّ مداخلة محيي تدخلا في حياته الشخصية، وطلب إحالته الى التحقيق على امل ان يحصل على عقوبة حزبية لانه ناقش الرئيس وتقاليد الحزب الثوري لا تحب المناقشة مع القادة وانما تقوم على مبدأ ( نفذ ثم ناقش) وهو المبدأ الذي يسمح بظهور انتهاك الديمقراطية الداخلية وبالتالي يسمح بنشوء الديكتاتوريات وصدام استغل هذه الثغرة بشكل مثالي.
هذا وقال صدام حسين لكاتب سيرته الصحافي اللبناني فؤاد مطر لم يكن أحمد حسن البكر في وضع صحي ميؤوس منه لكنه كان لا يحتمل أن يأتي يوم يقرأ في أعين العراقيين وغيرهم تساؤلات عن وضعه من نوع: ماذا ينتظر لكي يرتاح؟ وهل يريد أن يكون مثل الجنرال فرانكو الذي اختار من يخلفه لكنه رفض حتى لحظة رحيله أن يتخلى عن الحكم؟ [كتاب: صدام حسين / السيرة الذاتية والحزبية ص(69 ـ 70 ).
تقرير بريطاني
من الارشيف الوطني البريطاني، نقرأ تقريرا يوضح اوضاع المرحلة.
وتقرير في 12 مايس 1977 يحمل الرقم nbr1 011 ملخصه : الاشاعات تملأ بغداد عن ( اعادة ترتيب البيت العراقي ) في ضوء المرض الخطير الذي اصاب رئيس مجلس قيادة الثورة الأمين العام لحزب البعث احمد حسن البكر منذ الخريف الماضي على الرغم من ان الخليفة المؤكد هو نائبه صدام الذي يدير منذ مدة طويلة شؤون الدولة و الحزب نيابة عن البكر و بمساعدة عدد من الموثوق بهم.
ووصف التقرير صدام بانه ( شجاع وذكي لكن لا يؤمَن جانبه ) ويفتقد الشعبية الحزبية ويحاول ان يقلد عبد الناصر لكنه لا يملك طلته وبلاغته وقربه من الناس على الرغم من الجهود التي تبذلها الصحافة العراقية الرسمية وحتى صحافة لبنان المقربة من البعث العراقي التي تمول من اموال النفط العراقي.
واشار الى ان تعديل تركيبة وعضوية عدد من المؤسسات الحزبية والحكومية والتشكيلات الاخيرة في قيادات الجيش والشرطة تشير كلها الى ترفيع انصار صدام والموالين له وابناء عشيرته بهدف السيطرة كاملة على شؤون الدولة برغم ان زميلي السفير السوفيتي لا يتوقع تغييرات في القيادة السنة الحالية لانه لا يزال في الاربعين من عمره.
واشار التقرير الى ان المشكلة الكبيرة قد تحدث إذا مات صدام أو قُتل أو اصبح عاجزاً عن الحكم عندها سيعود العراق الى الفراغ وسيعود العراقيون والبعثيون الى الاقتتال في ما بينهم كما ان الشيوعيين قد يعودون الى السطح من دون استبعاد ( ثورة شيعية ) للاستيلاء على جزء من السلطة او للحصول على حكم ذاتي في مناطقهم الغنية بالنفط حسب تحليل السفير البريطاني.
إختفاء أموال النفط العراقي
قبل شهور قلائل شاهدت بالصدفة حوارا مع وكيل وزارة النفط العراقية اواخر السبعينيات من القرن الماضي والذي قال بالنص : ( لا السيد وزير النفط تايه عبدالكريم ولا انا نعرف قيمة الصادرات النفطية) وعندما قيل له لماذا لا تعرف ؟ اجاب بصراحة شديدة : (الامر محصور بين اثنين صدام حسين وعدنان الحمداني )واكد بقوله (لا نعرف اين تذهب الاموال ).
هذا الامر يتطابق مع تقرير للسفير الانكليزي نحصل عليه من الارشيف الوطني البريطاني حول اموال النفط رداً على سؤال من الخارجية البريطانية ( ديفيد اون ) وزير الخارجية البريطاني الشاب في وزارة الزعيم العمالي (جميس كالاهان والجميع يعرف دوره في حرب تحرير الكويت .. وكيف سعى لاطلاق سراح الرهائن المحتجزين في العراق وحجم تقدير الرئيس صدام حسين له) حيث رغب السائل الى الاستفهام عما يفعله العراق بالفائض المتجمع من بيع النفط، لاسيما ان الموازنة العامة تقل بنحو 20 او 30 في المئة عن المردود النفطي.
واجاب السفير البريطاني في بغداد (جون غراهام) بتقرير حرر في 2 شباط /فبراير 1977 يحمل الرقم nbr4 011 ملخصه : إن جزءا من هذه الاموال تحول الى حسابات حزب البعث في العراق وعواصم عربية وبعض آخر الى موالين للحزب في بغداد وبعض لشراء ولاء عشائر. افاد السفير ان احداً لا يعلم حقيقة الاموال المجمعة لدى الحزب ومن يديرها علماً بان اشاعات تتحدث عن ان اموالاً تُنقل بحقائب مع اشخاص ثقة لتودع في حسابات في بيروت من ثم يتم تحويلها الى الخارج وفق سلسلة عمليات مصرفية معقدة يقودها احياناً بعض المصرفيين ورجال الاعمال اليهود المتحدرين من اصل عراقي والمقيمين في فرنسا وبريطانيا.
الحمداني والمؤامرة المزعومة
ان يكون الحمداني وصدام وحدهما من يعرف اسرار الحسابات السرية يجعل من السهل معرفة تعرض الحمداني (لحادث) يودي بحياته مثل سابقيه على الرغم من ان صدام يحاول تغطية الامر تحت تعبير هو المدلل ( مدلل الحزب) وبكل دم بارد يذرف النائب دموعه الساخنة ليختفي الوحيد الذي يشارك صدام اسرار الطريق الذي اختفى فيه مال الدولة .
ذهب عدنان الحمداني الى سوريا لينقل رسالة من صدام الى حافظ اسد قرأ الرئيس حافظ الرسالة جيدا ونظر الى عدنان الحمداني نظرة دهشة وسأله: (هل أنت مقتنع بأننا في دمشق شاركنا في هذه المؤامرة؟ ).
رد عدنان الحمداني : (لا علم لي .. هي رسالة عليّ توصيلها لك).
سكت الرئيس حافظ اسد برهة من الزمن وقال: (اخشى عليك رفيق عدنان)
ثم اردف قائلا : ( ابق بضعة أيام في دمشق وسترى العجب في العراق).
ضحك عدنان . وقال للرئيس حافظ : ( لديّ عمل اقوم به .. انا رئيس وزراء العراق القادم، وعليّ العودة الى بغداد فورا) .
ولم يستمع لنصحية الرئيس السوري.
غياب البكر عن القصر الجمهوري ....
يوما 10 و 11 تموز كانا محل استفهام في دائرة المحيطين بالرئيس احمد حسن البكر قيل إنه اعتزل الحكم ورافق ذلك شائعات في الشارع العراقي المولع بالسياسة وقيل إن صدام حسين استدعى الامين العام المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي ( منيف الرزاز) وأبلغه ان الرئيس البكر (زعلان) وهو معتكف في بيته ويبدو انه قرر الاستقالة واختار يوم 14 تموز لكي يعلنها في ذكرى سقوط نظام الحكم الملكي البائد واضاف الى انه (صدام) قرر الاستقالة ايضا لانه لا يستطيع ملء الفراغ في ظل غياب البكر وهو يحتاج الى دعم الرئيس البكر ودعمه شخصيا وبخلاف ذلك يترتب على قيادة الحزب ان تختار ما ترى انه مناسب لقيادتها.
وفي نفس الوقت دخلت الاجهزة الامنية مرحلة الانذار القصوى وعقد الامين العام المساعد ( منيف الرزاز) اجتماعا في منزله حاول فيه تقريب وجهات النظر، غاب عنه الكثيرون.
جهود الفرصة الأخيرة
ثم عقد اجتماع آخر في غياب البكر وصدام ترأس الجلسة المرحوم منيف الرزاز الأمين العام المساعد واخذ ينظر إلى الرفاق كعادته إذ هو طيب القلب وكثير المجاملة وطرح على الحاضرين وجهة نظر صدام وطلب منهم البحث عن صيغة كفيلة بوحدة القيادة لان هذه المرحلة هي منعطف كبير وخطير.
انقسم أعضاء القيادة إلى فريقين :
الأول برز فيه محمد عايش حيث طلب عقد اجتماع لمجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية للحزب يحضره الرئيس احمد حسن البكر ونائبه صدام حسين وجميع الأعضاء انطلاقا من انظمة الحزب وتُناقش المشكلة فيه من جميع جوانبها بغية الوصول إلى حل لها .
الفريق الثاني الاقل عددا كانت له وجهة نظر أخرى والغريب أنهم كانوا من اشد المناصرين للرئيس البكر وفي مقدمتهم طه ياسين رمضان الجزراوي وكان في الأساس (نائب ضابط) في الجيش العراقي وعمل في دار الرئيس البكر في زمن ما حيث تحمل مسؤولية البوابة الرئيسة إضافة الى عزت إبراهيم الدوري .. وكان رأيهم هو : (إذا كان الرئيس مصرا على الاستقالة فيجب العمل على إقناع نائبه صدام حسين بتولي الرئاسة مؤقتا لحين الانتهاء من الاحتفالات بذكرى الثورة المجيدة والدعوة إلى عقد مؤتمر قطري موسع كونه أعلى هيئة حزبية في العراق لحسم هذه المشكلة).
وكانت تفاصيل ما يجري في الاجتماع تصل إلى صدام حرفيا الذي أدرك خطورة طروحات الفريق الأول وعدّهم حجر عثرة في طريق طموحاته في نفس الوقت أدرك إن الفريق الثاني سيحقق طموحه الشخصي الأمر الذي دفعه الى اصدار سلسلة من الأوامر السرية بتتبع كل مناصر للفريق الأول بطريقة ( سري وعلى الفور).
وتحركت اجنحة المخابرات والامن تجمع المعلومات التي كانت ناقصة في أضابيرها السرية والجناح الاول هو جهاز المخابرات بقيادة برزان إبراهيم الحسن الاخ غير الشقيق لصدام حسين، والثاني وزارة الداخلية بقيادة سعدون شاكر .
ولم يجد منيف الرزاز غير طارق حنا عزيز وحسن علي العامري لتبني فكرة الحل الأخير أو الفرصة الأخيرة لإقناع الفريق الأول بتأييد الفريق الثاني . ولكن (كان إصرار الفريق الأول لا يتزحزح). وفشلت جهود الفرصة الأخيرة.
.. وبدأ الجد
وقبل الاجتماع الأول الحاسم كان سيل المعلومات العارم قد حدد كل شيء والزمن يمضي سريعا الى حسم خيار القائد الجديد للحزب والدولة لينذر بدمار آخر سيعصف بالعراق. لم ينتظر صدام حسين الفرصة ان تضيع منه وكل شيء كان بمتناول يده إذا لن تنفع المسرحية السلمية لايصال السلطة اليه فلابد من الالتجاء الى السيناريو الآخر الذي كان بالانتظار.
وكان الحرس الخاص عند الابواب ينتظر الاوامر المحددة سلفا والجميع يعرف دوره . وصدرت الاوامر . وحاول منيف الرزاز تلافي ما يحصل لكنه تعرض للضرب والاهانة الشديدة وارشد ياسين المرافق الشخصي للنائب استمر في مجالسه الخاصة يردد، وهو يضحك بسخرية، انه ضرب منيف الرزاز لكمة انسته كل تاريخ الحزب وطلب منه التوجه إلى منـزله وان لا يفتح فمه اطلاقا . كما هي العادة، توفي الامين المساعد بعد مدة زمنية قصيرة (؟) وقيل بسبب القهر.
وجاء دور الرئيس البكر الذي شعر بهزيمته وهو يرى القوات الخاصة في عصر السادس عشر من تموز تقتحم منـزله الواقع في منطقة (أُم العظام) المطلة على نهر دجلة بجانب الجسر المعلّق كرادة مريم : وحدات عسكرية من قوات المغاوير الخاصة يقودها برزان التكريتي (اخ غير شقيق لصدام حسين) والعميد الركن طارق حمد العبد الله المرافق الأقدم للرئيس للبكر وقيل بعد مدة انه كان يعاني من مرض نفسي كان السبب في انتحاره (؟).
أُجبر البكر على ارتداء ملابسه وقيل ان القوات التي هاجمت قصر الرئيس تدفقت عليه من الباب الرئيس القريب من بوابة القصر الجمهوري واقتيد الى مبنى المجلس الوطني حيث اصطحبه صدام وبرزان الى دار الاذاعة والتلفزيون في الصالحية التي كانت قد جرى تجهيزها لكي يعلن خطاب التنحي حسب المسرحية المرسومة. وظهر الرئيس البكر وهو زائغ النظرات يتلفت نحو اليمين واليسار ويحاول السيطرة على اعصابه ويغمره خوف شديد بالكاد تخرج الكلمات من فمه وتلعثم كثيرا في نطق الحروف حتى ملامح وجهه تغيرت واضطر اكثر من مرة الى بلع ريقه من الخوف إذ على الاغلب يعلم الطرق الثورية التي أنهت حياة الرفاق تنتظره ايضا إذ ان قواعد اللعبة لا ترحم احدا حتى حان وقت الكلام فقال :منذ مدة ليست بالقصيرة كنت احدث رفاقي في القيادة عن حالتي الصحية التي لم تعد تسمح لي بتحمل المسؤوليات).
ثم قال وهو في قمة الارتباك( وانني أهنئ الأخ والرفيق صدام على تحمله شرف المسؤولية في قيادة الحزب والثورة ) وغادر البكر مبنى التلفزيون بصحبة الاثنين ولم ينطق بحرف آخر .
ولاشك ان شعور النائب كان مزيجا من الراحة والترقب الحذر إذ كان عليه مراقبة ردود الافعال وفي حين أن الرئيس البكر كان في حالة يرثى لها يحمل غصته في قلبه من غدر النائب له وينتظر النهاية.....
التعديل الأخير تم بواسطة المهاجره رفحاء ; 20-05-2011 الساعة 09:56 PM.