ليست عبادة الإمام وارتباطه بالله من الأمور التي أستطيع وصفها، وقد اتصلت ـ قدر استطاعتي ـ بأصدقاء أبي، وسألت والدتي حول هذا الموضوع، فأجمعوا على أنّ الإمام كانت له علاقة خاصة بالله وأنه فانٍ في الله، ويتحدّث عن معشوقه (الله) بشكل يقف له شَعُر المرء، وأحياناً حين يأتيه المسؤولون أوقات المصائب والمشاكل يتكلَّم عن الله وكأنّه لا يرى أحداً غيره. إنّه يقول: (لا تخافوا فإن الله معنا)، وهو متيقّن من صحة قوله هذا، معتمداً على الله وشعاع نور الإيمان في قلوب الحاضرين، وليس من فضول القول أن يصفه أصدقاؤه بـ (العابد الزاهد)؛ فصلاته في جوف الليل ودعاؤه وبكاؤه وأنينه وقت السحر كلّها تُبكي المرء رغماً منه.
لقد بدأ الإمام أيام الحرب العالمية الأولى دراسة (منظومة السبزواري) واستغرق ذلك سنتين، ثم بدأ دراسة الأسفار، وبعد عدّة أيام وجد أنه يستطيع ـ لوحده ـ قراءتها وفهم مواضيعها، ولا يحتاج في ذلك إلى أستاذ، لذا شرع في دراسة الأسفار، وفي هذه الأثناء وفد المرحوم آية الله الشيخ الشاه آبادي إلى قم. ويقول الإمام بهذا الصدد:
«لقد التقيته (الشاه آبادي) في المدرسة الفيضيّة وسألته مسألة عرفانية، وعندما بدأ الحديث عرفت أنّه من أصحاب الخبرة في هذا المجال، فقلت له: أريد أن أدرس عندك. فقبل بذلك، بعد إصراري، ولكنه فهم أنّي أريد دراسة الفسلفة فقلت: لقد درست الفلسفة، وما أتيتك من أجل دراسة الفلسفة، بل أريد دراسة العرافان، فأبى ذلك، ولكن بعد إصراري وافق على تدريسي (شرح الفصوص).
فسألت الإمام: كم شخصاً كنتم؟ فأجابني:
«عندما كان يزداد عددنا كنّا ثلاثة، ولكن في أكثر الأوقات كنت أدرس العرفان لديه وحدي».
فسألته: وهل درست درساً آخر لدى الشيخ الشاه آبادي؟ فقال: «درست عنده في أيام العطل وأيام الخميس والجمعة (مفاتيح الغيب). وفي الوقت نفسه الذي كنت أدرس لديه شرح الفصوص ومفاتيح الغيب كتبت حاشية على مفاتيح الغيب».
فسألته: وأيّة كتب أخرى درست لدى الشيخ الشاه آبادي؟ فقال:
كتاب (منازل السالكين).
فقلت: وكم شخصاً كنتم؟ فأجاب:
«كنت لوحدي، وربما جاء شخص أو شخصان آخران أحياناً، ولكنهم كانوا يذهبون بعد حين».
سألت الإمام: كيف كان (الشيخ الشاه آبادي)؟ فأجاب:
«لقد سألته مرّة: إنّ دروسك التي تلقيها لا توجد في الكتب، فمن أين تأتي بها؟! فأجابني: هناك من يقولها. ـ يعني: أنها من عندي ـ».
ثم أضاف الإمام: «إنّ له حقاً كبيراً عليّ، وقد كانت له خبرة كاملة سواء في الفلسفة أو العرفان».
ولربّما ـ والكلام للسيد أحمد ـ لا يوجد عندنا اليوم من له إحاطة بعلم العرفان كالإمام.
ثم سألت الإمام: كم سنةً درست العرفان عنده؟ فأجاب:
«لا أتذكر بالضبط، ولكنّها استغرقت من خمس إلى ستّ سنوات، بيد أنّ الشيخ الشاه آبادي يختلف في تدريسه (شرح الفصوص) عن شرح فصوص القيصري، فقد كان يضيف عليه كثيراً من التعليق والشرح».
كانت هذه عبارات قالها الإمام وكتبتها بنفسي..
* مقتبس من حديث نجله المرحوم السيد أحمد *