كان إخفاق حرب لبنان الثانية الأكبر هو إخفاق ما بعد الحرب. أُديرت حرب 2006 إدارة سيئة، وكانت نتائجها شديدة الخطر. لكن السنين الخمس بعد الحرب كانت أشد خطراً من أيام الحرب الثلاثة والثلاثين نفسها. لا تزال إسرائيل سادرة في غيّها حتى بعد سماع صفير الإنذار وإضاءة مصابيح التحذير. فقد رفضت أن تستدخل معاني الحرب العميقة. فلم تجابه بشجاعة الإخفاقات الجهازية والقيمية التي كشفت عنها الحرب.
لم تستنتج إسرائيل استنتاجات ولم تستخلص دروسا ولم تُغير شكل إدارتها. إن الحرب التي نشبت كما نشبت في الثاني عشر من تموز 2006، لم توقظ إسرائيل من سباتها الذي تغرق فيه. كُشف في حرب لبنان الثانية عن إخفاق في القيادة، فقد قام ربابين الحرب أثناءها بأخطاء لا يقبلها العقل. ولم تكن تلك الأخطاء شخصية فقط. لم تنبع فقط من الضعف الشخصي لايهود اولمرت وعمير بيرتس ودان حلوتس، بل نبعت من مشكلة القيادة الإسرائيلية ونوعها وقيمها وشكل سلوكها، ومؤسسات التخطيط والإدارة والقيادة التي تخدمها.
لم تُعالج مشكلة القيادة منذ الحرب. لم يعد اولمرت وبيرتس وحلوتس موجودين هناك، لكن الداء لا يزال هناك. إن جدلاً شخصيا مُراً يتعلق بالمسؤولية الشخصية لقادة الحرب الفاشلة منع علاجا جذريا لمشكلة القيادة العامة. حدثت تغييرات هنا وهناك بعضها للأسوأ وبعضها للأحسن. لكن الجهاز السياسي والجهاز الإعلامي – بما فيه كاتب هذه السطور – يتحملان المسؤولية عن أن الانشغال بالشخصي غلب الانشغال بالرسمي.
كان اليوم الذي تلا الحرب يوم خصام لا يوم تقويم. ولا يزال سؤال من يقودنا والى أين يقودنا وكيف يقودنا مفتوحا بلا جواب.
كُشف في حرب لبنان الثانية عن فشل عسكري شديد. فقد عمل الجيش الإسرائيلي مثل جيش غير مركز وغير جاد وغير حكيم. جيش أفسدته سياسة داخلية فاسدة. بعد الحرب فورا جرى تنفيذ عمليتين ذواتي شأن: فقد نُصّب الفريق غابي اشكنازي وعُزل العميد غال هيرش، وكانت الرسالة بسيطة واضحة تقول إن جيش ما بعد الحرب سيكون مقاتلا جدا، وتجنيديا جدا، لكنه بلا بريق وبلا أصالة وبلا استقامة، وهذا ما كان.
كما بنى موتي غور بعد حرب "يوم الغفران" جيشا كبيرا غامض الروح، بنى اشكنازي بعد حرب لبنان جيشا مقاتلا عكر الروح. فمخازن الطوارئ مليئة والجنود يتدربون، لكن لا يوجد بريق كافٍ ولا إبداع كافٍ ولا شعور بالقيم لا هوادة فيه. لا يوجد غال هيرش ولا ما يمثله هيرش. لهذا بقي سؤال الجيش سؤالا مفتوحا. والتحسينات التي تم ادخالها في الجيش لا تلائم التحديات التي تواجهها اسرائيل. كُشف في حرب لبنان الثانية عن إخفاق للدولة. والشعور الصعب الذي خلفته الحرب هو أنه لا توجد دولة. لا يوجد من يُدبر أمور مدن الأشباح في الشمال. ولا يوجد من يعالج شؤون الهاربين من الشمال. ولا يوجد تكافل يربط الشمال بالجنوب والمركز.
تبين فجأة أن الروح العامة السياسية – الاستهلاكية التي طورناها لا تلائم الواقع التاريخي الذي نحيا فيه. ففي يوم الحسم لن يحمينا اقتصادنا المجيد ولن يُقيمنا مثل مجتمع واحد ودولة واحدة. فهو يمنحنا القوة في جانب واحد لكنه يجعلنا ضعافا قابلين للإصابة في جوانب أخرى.
في السنين الخمس التي مرت منذ نشبت الحرب لم تتم تسوية هذا التناقض الحاد بل زاد حدة. الاقتصاد مزهر لكن المجتمع في وضع صعب. والإنتاج الوطني الخام يرتفع لكن الحكومة لا تؤدي عملها. أنسينا أنفسنا صدمة صيف 2006 وعُدنا لنحيا وكأننا نحيا في جنوب كاليفورنيا.
وهكذا سنُفاجأ مرة أخرى في يوم الحسم التالي. وسنسأل في يوم الحسم التالي ماذا جرى لنا؟. لماذا احتفلنا خمس سنين فوق متن سفينة "تايتانيك" بدل أن نُقوي التايتانيك ونُعدها ونعدِل بها عن مسار هلاكها؟.