مناقشة الدكتور المحترم ( محمد بن عبدالغفار الشريف ) بخصوص استدلاله بحرمة سب الصحابة
بتاريخ : 16-07-2011 الساعة : 04:27 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسعد الله أيامنا وأيامكم بهذه المناسبة العطرة المباركة ، ونتوسّل إلى الله بحق هذه الليلة ومولودها أن يجعلنا من المتمسّكين بنهج أهل البيت عليهم السلام والذابين عنهم والمدافعين عنهم ، وأن يجعلنا ممن ينصرهم ويتبرأ من أعدائهم في السر والعلانية .
لا يقول هذا الكلام إلا غالٍ مبتدع، فالمذهب الشيعي مذهب من المذاهب الإسلامية، وفيه فرق غالية تؤله علياً -عليه السلام-، أما معظمهم فمسلمون، ولكنهم يخالفون أهل السنة في بعض المسائل العقدية والفقهية.
وعلينا اليوم أن نسعى إلى توحيد صفوف المسلمين، وتأليف كلمتهم، ولا يجوز أن نكون أعواناً للشيطان على إخواننا، فالمسلمون أمة واحدة كما أخبر رب العزة والجلال: ((وأن هذه أمتكم أمة واحدة ...))الآية.
وهم يتفقون في أصول الإيمان وأركان الإسلام وفي المحرمات المعلومة من الدين بالضرورة، فليتق الله من يلقي الأحكام بغير علم. انتهى جوابه
الشيعة فرقة من المسلمين ، لا يجوز تكفيرهم ، وارجع إلى الفتوى ذات الرقم 177 .
إلى غير ذلك من الفتاوى ( بهذا الخصوص ) الجيّدة والتي تبعث الأمل بوجود منصفين يحاولون إبعاد المسلمين عن الفتن وبيان جلالة قدر الشيعة مما يساعد عامة الناس على الإحتكاك بالشيعة أكثر وبالتالي التعرف على الحق والإعتقاد به وترك الباطل الذي هم عليه .
وإن كنا لا نحتاج إلى مثل هذه الفتاوى ، فمذهبنا هو الحق المطلق وغيرنا على الباطل ولا نشك بذلك ولو للحظة واحدة ، ولكن أردنا أن نبيّن وجود نماذج لا بأس بها في العالم الإسلامي تبعث الأمل في القلوب .
إلا أنه مع إنصافه ، فكثير من فتاواه تخلو من الضابطة الفقهية والأصولية وإن شئت عنون ذلك بـ ( خلوها من الضابطة العلمية ) ، وزلاته العلمية كبيرة وكثيرة ، ولا تخلو كثير من فتاواه ( إن في الفقه أو العقائد ) من هشاشة وركاكة ، ومن جملة ذلك ما قاله في مسألة ( سب الصحابة ) وإليك الإستدلال :
(( د - حكم سب الصحابة رضي الله عنهم .
وسب آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه وأصحابه وتنقُصهم حرام . قال النبي صلى الله عليه وسلم : الله الله في أصحابي لا تتخذونهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه . وقال السبكي والزركشي من الشافعية : وينبغي أن يكون الخلاف فيما إذا سبه لأمر خاص به . أما لو سبه لكونه صحابيا فيبنغي القطع بتفكيره ، لأن ذلك استخفاف بحق الصحبة ، وفيه تعريض بالنبي صلى الله عليه وسلم . وأختلفوا في كفر من سب الشيخين ومذهب الحنفية تكفير من سب الشيخين أو أحدهما ، ومذهب الجمهور على خلافه .
قال أبوزرعة الرازي : إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا حق ، والقرآن حق ، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح أولى بهم وهم زنادقة . ))
يقول كفاية الأصول :
ولنا عدّة ملاحظات علميّة على ما أفاده :
الأولى ـ أن الحديث الذي استدل به ليس له إسنادٌ صحيح ، وقد بسطَ الألبانيّ فيه الكلام ، في سلسلته الضعيفة فليُراجع .
الثانية ـ نفرض صحة الإسناد والصدور وننتقل للنقاش الدلالي فنقول :
إن الإطلاق غيرُ منعقدٍ هنا قطعاً ، وذلك لعدم توفّر مقدمات الحكمة أو إحداها كعدم القرينة المنفصلة أو المتصلة ، فالقرائن المنفصلة أشارت جزماً إلى وجود منافقين في أصحابه صلى الله عليه وآله فيستحيل أن يكون المُراد هو الإطلاق هاهنا .
ولا بأس ببسط الكلام في هذا فنقول:
إنه ثبت قرآنياً وروائياً نفاق جملة من الصحابة ، ولمّا كان الأمر كذلك عرفنا أنه يستحيل أن يدعو رسول الله صلى الله عليه وآله لمحبة المنافق وحرمة بغضه ، كيف وهو الذي جاء بالقرآن الكريم الذي ذمّ المنافقين وأمر بالبراءة منهم والأمر ظاهرٌ بالوجوب ! .
فالنتيجة حينئذ : أن المنافقين والمرتابين خارجون عن الحديث تخصيصاً ، فلا ينعقد الإطلاق ولا يصح التمسك به .
فإن قيل لنا : نحن نتمسّك بأصالة الإطلاق وهي دليلنا على ما ادّعيناه من الشمول لكل الصحابة !
قلنا : إنّ جريان أصالة الإطلاق إنما يكون حين انعدام القرينة ، وواضحٌ أن هذا ليسَ مُحرزاًَ في المقام ، بل المحرز خلافه !.
بل وحتى إن قيل : إن القرينة المنفصلة لا تقيد الإطلاق بل تمنع حجيته ، قلنا وهو المطلوب فالنتيجة واحدة ، ولا يصح لكم التمسّك بالإطلاق ( على فرض ثبوته وهو ليس كذلك كما عرفت ) بغير حجيّته .
الثالثة ـ لا يصح حمل الحكم الشرعي ( وهو حرمة سب الصحابي ) على جميع الصحابة ، وذلك لما عرفت من عدم انعقاد الإطلاق في هذا الحديث وفي غيره ( على فرض التسليم بصدور تلك الأحاديث ) بل يُحمل ذلك الحكم على خصوص الصحابي المؤمن الذي ثبت على الحق إلى أواخر حياته .
وكما هو معلومٌ ، فالشيعة لا يسبون الصحابة المؤمنين ، وأما سب غير المؤمن فجائز شرعاً ، بل الكلام في عدم جواز السب مطلقاً وأنه من القبائح كلامٌ لا يصدر إلا من الجاهل .
فسب المستحق جائز ، وقد اشتمل القرآن على جملة من هذا السب ( للمستحق ) كقوله تعالى : { كأنهم حمرٌ مستنفرة } وإلى غير ذلك من الآيات .
والروايات اشتملت على ذلك أيضاً ولسنا في مقام التفصيل في هذه الجزئية هاهنا .
اللهم صل على ولي أمرك واجعلنا من أنصاره يا مجيب الدعوات