شتهرت عن ابن تيميّة أقوال بالتجسيم, وإن حاول بعض المؤرخين التكتّم على ذلك: كـ إبن تغري بردي الذي قال: (( وكان سُجن بقلعة دمشق لأمور حكيناها في غير هذا المكان.)) (النجم الزاهرة السنة التاسعة عشر من سلطنة الملك ناصر محمد بن قلاوون الثالثة على مصر,9: 196).
قال الصفدي: (( طلب إلى مصر أيام ركن الدين بيبرس الجاشنكير وعقد له مجلس في مقالة قال بها)) (الوافي بالوفيات الترجمة619, العلامة تقي الدين ابن تيميّة,7: 14).
لكنّ ابن الوردي كشف النقاب عن ذلك بقوله: ((استدعى الشيخ تقي الدين أحمد بن تيميّة من دمشق إلى مصر, وعقد له مجلس, واعتقل بما نسب إليه من التجسيم )) ( تتمة المختصر سنة 7 5, 2: 363)
وقال الزرقاني في وصف عمامة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسبب جعله لها ذؤابة: ((وذكر ابن تيميّة أنه صلى الله عليه وآله وسلم لمّا رأى ربّه واضعاً يده بين كتفيه أكرم ذلك الموضع بالعذبة )) قال: ((لكن قال العراقي بعد أن ذكره: لم نجد لذلك أصلاً)) وقال: ((قال المكّي على شمائل: هذا من ضلال ابن القيّم و شيخه ابن تيميّة, إذ هو مبني على مذهبهما من إثبات الجهة و بنياه على التجسيم فلا...))(شرح المواهب الدنيّة 5/ 12).
وجاء عند ابن حجر الحافظ بترجمة: ((...فذكروا أنه ذكر حديث النزول فنزل عن المنبر درجتين فقال: كنزولي هذا. فنسب إلى التجسيم)) (الدرر الكامنة - الترجمة 4 9, أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام 1/154).
لكن ابن بطوطة يشرح لنا القصّة كما شاهدها, فيقول:
(( وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين ابن تيميّة, كبير الشام, يتكلّم في الفنون إلاّ أن في عقله شيئاً...وكنت إذ ذاك بدمشق, فحضرته يوم الجمعة - وهو يعظ الناس على المنبر الجامع ويذكرهم - فكان من جملة كلامه أن الله ينزل إلى السماء الدنيا كنزولي هذا, ونزل درجة من درج المنبر. فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء, وأنكر ما تكلّم به. فقامت العامّة إلى هذا لفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً, حتى سقطت عمامته وظهر على رأسه شاشية حرير, فأنكروا عليه لباسها, واحتملوه إلى دار عز الدين بن مسلم قاضي الحنابلة, فأمر بسجنه وعزّره بعد ذلك. فأنكر فقهاء المالكية والشافعيّة ما كان من تعزيره, ورفعوا الأمر إلى ملك الأمراء سيف الدين تنكيز, وكان من خيار الأمراء و صلحائهم, فكتب إلى الملك ناصر بذلك وكتب عقداً شرعياً على ابن تيميّة بأمور منكرة, منها: إن المطلّق بالثلاث في كلمة واحدة لا تلزمه الاّ طلقة واحدة.
ومنها المسافر الذي ينوي بسفره زيارة القبر الشريف - زاده الله طيباً - لا يقصّر الصلاة. وسوى ذلك ما يشبه. وبعث العقد إلى الملك ناصر, فأمر بسجن أبن تيميّة بالقلعة, فسجن بها حتى مات في السجن))( رحلة ابن بطوطة1/57- 58).