... [ فلن يكون أمر الله إلاّ ما جاء على لسان حبيبه المصطفى الأمين ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) .. وأمّا ما قمت به أنت يا عمر ، فهو من عند نفسك ، والتي ابتغت الحسد لبني هاشم على ما أتاهم الله من فضله ، فكرهت بأن تكون النبوة والخلافة فيهم .. رغم بيعتك له يوم غديرغمّ وكلماتك المأثورة .. بخ بخ لك يابن أبي طالب قد أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة ..[5] .
* من علامةُ اللؤم ، الغدر بالمواثيق :
وبعد هذه المناظرات والتي شاء الله لها أن تنجوَ من مصائد التحريف والحذف ، وطوامير الإبعاد والنسيان ، لتكون حجّة على كلّ المتخرّسين وملتمسِ الأعذار الواهية والحجج الباهتة .. فكلمات عمر ..: كرهت قريش .. أو قوله ولقد أراد أن يُصرّح باسمه ، فمنعتهُ من ذلك ..؟ ... فهذه الكلمات تنمُّ على مخطط مسبق من قبله وأصحابه ، للتصدّي لإرادة الله تعالى ورسوله الكريم (ص) حتى لا تتمّ بنصب الإمام عليّ (ع) كخليفة شرعي على الأمّة الإسلامية حين وفاة الرسول الخاتم (ص) ... فبعد تلكم الأقوال التي تناقلتها كتبهم المعتبرة وسيرتهم الموثّقة .. لم يعد لأعذارهم سندا ولا لحججهم موضعا .. كمنع عمر لرسول الله (ص) من كتاب وصيّته بحجّة الرأفة والرقّة المزعومة .. أو تخلفهم على جيش أسامة حتّى شملتهم لعنة الرسول الأعظم (ص) بدعوى انشغالهم على حالته (ص) وكرهوا أن يذهبوا وهو على تلك الحال حتّى لا يسألوا عنه الركبان .. أو أنّ رسول الله (ص) أمر أبا بكر بأن يُصلي بالنّاس دليلٌ على خلافته .. في حين أنّه كان خارج المدينة حين وفاة رسول الله (ص) .. فمتى كانت صلاته ..؟ أو دعواهم المجرّدة على الأنصار أنّ الخلفاء من قريش بعد أن أحتجوا بالشجر وأضاعوا الثمرة .. كما قال الإمام عليّ (ع) .. وكيف لعمر أن يتحسّر على فقدان سالم مولى أبي حذيفة بُغية أن يولّيه الخلافة من بعده .. وسالم ليس من قريش لا في العير ولا في النّفير ..؟ فهذه وغيرها كلهاّ وساوس شياطين الإنس أوحاها بعضهم لبعض . فلم يعد لها أي معنى في موازين القسط ، ولا في عقول أصحاب البصائر .. أمام مقولة عمر : (( كرهت قريش بأن تكون النبوة والخلافة في بني هاشم ..)) , من هنا يكون للحقّ جهةٌ واحدةٌ : فإمّا في ما اختار عمر لقريش . أو في ما أراده رسول الله (ص) ومنعه عمر منه ، بقوله : (( هجر رسول الله .. حسبكم كتاب الله ))[6] .
من هنا إمّا أن نكون مع ما قال عمر وعندها نكون من أنصار السقيفة والخلافة التي تأسّست على أنقاضها ، وإمّا أن نكون مع ما كرهت قريش وابتغاه الله ورسوله (ص) وهو عليّ وبنيه (عليهم السلام) ,
[ وكلّ على نفسه لبصيرة .. ]
... وحتّى نستجلي الحقيقة التي شاءوا لها أن تُتلفَ بين سراديب النسيان ، أو تضيع معانيها بين التأويل والتحريف وقلب الحقائق .. مرضاة لأهواء أو طمع في فتات زائل . وهذا البلاء قد مُني به التاريخ الإسلامي بعد ما سعوا جاهدين على أن يجعلوا من أفعال أوليائهم وأقوالهم الحقّ المستطاب والنّهج الصواب بعد أن زيّنوها بسبْخِ الإفتراء وأقلام الرّشا .. ورغم ذلك لم يزيدوها إلاّ قبحا وبشاعة في نظر أصحاب البصائر والضمائر ومن عرفوا ماهيّة الكمال والحكمة من مشيئة الله ، والعظمة والعصمة من خُلُق رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ..
ومن المؤسف حقّا ، أنّ في الأمّة من يدع لتلكم الضلالات ، ويُدافع عن مرتكبيها . دون علم نافع ولا برهان قاطع .. وليتنا نجد بينهم من يُعطينا الجواب الشافي ، والبرهان الجليّ لبعض من التساؤلات المصيريّة حتّى نتبيّن شروط الولاء والتبرّي .. دون الركون إلى الأحلام وصكوك التوبة المجانية ولا التأويلات الرخيصة .. بل نريد الدليل ، ولا شيء غير الدليل القطعي دون التعدّي لكتاب الله تعالى ، ولا النيل من حضرة رسوله الأعظم (ص) .
وحتّى لقاء السلام في البدء والختام
أبو مرتضى عليّ
الفهــــــــــــــــــرس:
[5] سرّ العالمين ص لأبي حامد الغزالي ص 21 و تاريخ بغداد ج 8 ص 290 تلريخ دمشق ج2 ص7
[6] راجع الجزء الأوّل من هذا البحث .