كيف السبيل إلى التمييز بين إبتسامة صادقة وإبتسامة مزيفة؟
يجيب هذا الموضوع على هذه الأسئلة وعلى الكثير غيرها إستناداً إلى أحدث الإكتشافات التي حققها علم النفس وعلم الأحياء اللذان يردان على تساؤلاتكم حول طريقة التواصل القائمة بين الرجال والنساء في المنزل أو في المكتب.
حين تضم ذراعيك على صدرك، هل تضع الذراع اليسرى على اليمنى أو العكس؟ من الصعب أن تجيب على هذا السؤال من دون أن تقوم بالحركة المطلوبة. ضمّ ذراعيك واقلب الوضعية فوراً. إنّ أوّل وضعية هي التي تبدو مريحة بالنسبة إليك وليس الثانية، ومن المرجح أن يكون الأمر عائداً إلى سمات وراثية لا تستطيع تغييرها، هذا لأن سبعة أشخاص من أصل عشرة يضعون الذراع اليسرى على الذراع اليمنى.
عديدة هي الأبحاث والدراسات التي اهتمت بأصول الإشارات غير الكلامية لمعرفة ما إذا كانت موروثة أو مكتسبة أو فطرية. وأجريت إختبارات على النطاق الدولي على فاقدي البصر منذ الولادة والذين لا يستطيعون إكتساب الحركات عبر تقليدها، وهذا في عدد من الثقافات المختلفة وكذلك أجريت إختبارات على القرود. وأظهرت نتائج هذه الدراسات وجود حركات تنتمي إلى الفئات الثلاث المذكورة. فقد وجد الباحث الألماني إيبل إيبسفلد أنّ الأطفال الصغار الذين ولدوا فاقدي البصر يبتسمون، من دون أن يكونوا قد تعلموا الإبتسام. وفي دراسة حول تعابير وجوه أشخاص من ثقافات بعيدة جدّاً، دافع إيكمان وفريسن وسورسن عن النظرية الدروينية القائلة بالحركات الفطرية عند إكتشاف حركات وجوه متشابهة للتعبير عن بعض الإنفعالات. وإذا كانت الإختلافات الثقافية عديدة، ولكن ثمة إشارات أساسية تنتمي إلى لغة الجسد وهي ذاتها في العالم أجمع.
ومع هذا يبقى العديد من الحركات التي نتساءل بصددها ما إذا كانت ثمرة العادة، أي ثقافية، أو الوراثة. فإذا كان الرجال يرتدون القميص من كمّه الأيمن أوّلاً، بينما تبدأ النساء بإرتداء الكم الأيسر، فهذا لأنّ الرجال يستخدمون النصف الأيسر من دماغهم بينما النساء يستخدمن النصف الأيمن. وحين يمرّ رجل بإمرأة في الشارع، يلتفت عامة نحوها، بينما جسد المرأة في الوضعية ذاتها يبتعد بشكل غريزي عنه. فهل ردة الفعل هذه موروثة عند المرأة أو أنها تأتي عبر تقليد غير واعي لموقف نساء آخريات؟
الإشارات البدائية الأساسية غالبية إشارات التواصل الأساسية هي ذاتها في العالم أجمع: يبتسم الناس حينما يكونون سعداء ويعقدون حاجبيهم أو يعبسون بتاثير من الغضب أو الحزن. هزّ الرأس من فوق إلى تحت هو إشارة على الموافقة أو التأكيد في كل الأمكنة تقريباً، لأنّه فطري على الأرجح ونجده عند فاقدي البصر. أمّا هز الرأس افقياً فهو للتعبير عن الرفض وهذه أيضاً حركة عالمية يبدو أنها مكتسبة من الطفولة. فحين يكون الطفل قد رضع بما فيه الكفاية، تراه يدير رأسه رافضاً ثدي أُمّه. وحين يكتفي الطفل الصغير من الطعام، تراه أيضاً يدير رأسه أو يهزه يمنة ويسرة ليمنع الملعقة من الدخول إلى فمه وسرعان ما يتعلم إستخدام هذه الحركة ليعبر بها عن رفضه في أمور أخرى.
ترجع أصول بعض حركاتنا إلى ماضينا الحيواني البدائي. الإبتسامة التي تكشف عن الأسنان هي مؤشر تهديد عند غالبية آكلي اللحوم، ولكنها تتصل عند الحيوانات الرأسية بحركات غير تهديدية تنم عن الخضوع. التكشير عن الأسنان وفتح المنخرين إشارة إعتداء موروثة عن الحيوانات الرأسية. فهي تستعمل هذا التعبير للقول إنها مستعدة لإستعمال أسنانها من أجل الهجوم أو الدفاع. نجد الحركة ذاتها عند البشر علماً انهم لا يستخدمون أسنانهم للهجوم على امثالهم.
رفع الكتفين يشكل هو أيضاً مثالاً جيِّداً على الحركات العالمية التي تعني أننا لا نعرف أو لا نفهم ما يقوله الآخر. هي وضعية معقدة تتضمن ثلاث حركات: فتح راحتي اليدين لندل على أننا لا نخبئ فيهما شيئاً، رفع الكتفين لحماية الرقبة من أي إعتداء ورفع الحاجبين كإشارة عالمية على الخضوع.
قواعد تفسير الإشارات في وضعية معيّنة، لا تعكس الكلمات كما الحركات بالضرورة الحالة النفسية لدى الشخص الذي يصدرها. لتفسيرها بشكل صائب ينبغي إحترام ثلاث قواعد رئيسية:
القاعدة الأولى: تفسير الوضعية الشاملة. واحد من الأخطاء الأكثر شيوعاً هو تفسير حركة ما من دون الأخذ بالإعتبار الحركات الأخرى أو السياق. فإذا حكّ أحدهم رأسه، تكون مروحة الإمكانيات واسعة: تعرّق، شك، قشرة رأس، قمل، مشكلة ذاكرة أو كذب. كل شيء يعتمد على الإشارات الأخرى التي يصدرها. فكما اللغة المحكية، تمتلك لغة الجسد قواعد وعلامات وقف ونحو خاصين بها. الحركة المعزولة لا قيمة لها أكثر من الكلمة المعزولة التي ترتدي معاني مختلفة حينما توضع في سياقها. لتجنب الخطأ، لا تراقب الوضعيات الجزئية إلا ضمن وضعية شاملة. فالحركة الأساسية للتقييم النقدي هو وضع الكف على الوجه مع رفع السبابة ووضع الإبهام تحت الذقن، أمّا الشواهد الإضافية فهي ضم الساقين ووضع الذراع بشكل أفقي على الجسم وخفض الذقن. إنها بمثابة "جميلة" جسدية كاملة تعني "أنا لا أحب ما تقول" أو "أنا غير متفق معك".
القاعدة الثانية: ابحث عن التناسق. دلت الأبحاث أنّ الإشارات الجسدية تحمل معاني خمس مرات أكثر من اللغة المحكية. وحين تتناقض اللغتان، يؤسس المحدث حكمه على الحركات أكثر منه على الكلام المقال. وعادة ما لا تعطي النساء أهمية للكلام المقال حينما لا يتطابق مع لغة الجسد. يروي سيجموند فرويد أن واحدة من مريضاته كانت تحكي له نجاح زواجها بينما هي تحرك خاتم زواجها ذهاباً وإياباً في اصبعها. ولم يدهش فرويد حينما حدثته هذه السيدة بعد فترة عن المشكلات التي تعتري حياتها الزوجية. إن ملاحظة مجموع الحركات والتناسق بين الكلمات والحركات يشكلان أوّل مفتاحين لفهم لغة الجسد.
القاعدة الثالثة: إقرأ الحركات في سياقها. إنّ ملاحظة الحركات الجسدية يجب أن تأخذ في الإعتبار الوضع الذي تظهر فيه. إذا رأيت في يوم شتاء قارص شخصاً جالساً على مقعد في محطة إنتظار الحافلة وهو يضم ذراعيه وساقيه ويدخل رأسه بين كتفيه، فهذا لا يعني أنّه في حالة دفاعية، بل هو يحاول بكل بساطة أن يحمي نفسه من البرد. بيد أنّ الحركة ذاتها عند شخص تحاول أن تبيع له شيئاً أو تقنعه بفكرة، يمكن أن تفسر على أنها رفض لإقتراحك.
ويمكن القول بشكل عام ان حركات الأطفال أسهل على التفسر من الكبار. فالوجه يرتخي مع العمر كما أن سرعة بعض الحركات ووضوحها يتضاءلان. إنّ الطفل الذي يبلغ الخامسة ويكذب، قد يغطي فوراً فمه بيد واحدة أو بكلتي يديه، وهذه إشارة يسهل تفسيرها من طرف الأهل. قد يلجأ المرء إلى هذه الحركة طيلة حياته. ولكنها ستكون أقل سرعة بشكل عام. فالمراهق الذي يكذب يستخدم حركة أقل وضوحاً، كأن يملس على شفته بأصبعه. فالحركة التي تقضي بتغطية الفم تتطور أكثر مع العمر. وحين يكذب البالغ، تسير الأمور كما لو أن دماغه يأمر يده بأن تغطي فمه في محاولة لصد الكلمات الكذابة التي ستخرج منه، كما كان يفعل حينما كان صغيراً. ولكن، في اللحظة الأخيرة، تتحول الحركة من الفم إلى الأنف. فنقول إنها نسخة أكثر نضجاً عن الحركة الطفولية. وكلما تقدمنا في العمر، صارت حركاتنا أكثر خفاءً، وصار تفسيرها أكثر صعوبة ابالمقارنة مع تفسير حركات الطفل