تمر الأيام والشهور علي الثورة السورية، والأيام حُبلي بالمواقف والمشاهد، ولكن أكثر ما يظهر من ثورات العرب بشكل عام هو تلك التغطية الإعلامية التي أصبحت هي العامل المؤثر في القرار السياسي لكثير من الدول ، وعليه كان من الضروري أن نبحث في ماهية تلك التغطية بعد مرور 10 أشهر علي اندلاع الإنتفاضة السورية ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
أوجه عناية القراء أنني ضد النظام السوري قلبا وقالبا، وأعتقد في ذات الوقت أن كل من يؤيد هذا النظام ضد مطالب الثورة الإًصلاحية فهو خاطئ تماما، نعلم أن هناك من يقف ضد الثورة ولكن ليس شرطا أن يكون من مؤيدي النظام وهؤلاء لديهم أفكار وتعليقات وانتقادات علي العمل الثوري العربي برمته، ومنهم من ينتقد العمل الثوري بُقطرية وانتقائية، أي أنه من الممكن أن يؤيد ثورة ويقف ضد أخري، ربما يكون موقفه ذلك تِبعا لمواقف سياسية أو مذهبية، ولكن في الشاهد أن من يهتف للنظام السوري ضد المطالب الإصلاحية فهو يهتف للدكتاتورية، وأن عصر الهتاف للفرد الحاكم قد ولي وانتهي.
ولكن في خضم تلك التقلبات السياسية أري أن المشهد الإعلامي الثوري ليس علي قدر المستوي من الأهلية والمهنية، سيقول قائل أنه ولابد من وجود أخطاء إعلامية وأن هذا شئ طبيعي، والرد علي هذا الإدعاء ان الخطأ سيكون خطأ ولكن فقط بعد تداركه والعمل علي معالجته ، أما الإصرار علي الخطأ دون الإعتراف به فهو خطأ متعمد، أما ما يحيرني في آداء الإعلام الثوري فيما يخص ثورة سوريا فلا أراه إلا خطأ متعمدا لهدف ما أو لتحصيل أمر لصالح جهة معينة، هذه ليست مؤامرة ولكن هي محاولة لفهم واقع إعلامي اتسم بالكذب والخداع معتبرا أن الجماهير العربية ليست إلا مجموعة من النِعاج المُساقة نحو مربطها في استغلال غير أخلاقي لسطوة الإعلام علي العقول والقلوب في هذا الزمان.
-أكثر ما يظهر من ثورة سوريا هو أننا امام خطاب إعلامي عربي ودولي يحكي عن قتل الأمن السوري للمتظاهرين السوريين السلميين أثناء التظاهر وقمعهم لهم بالرصاص الحي، وجميع الأخبار تحمل في مضمونها هذا المعني، ولكن هذا المشهد "الخيالي" أعترف أنني لم أراه رأي العين بعد، بل أري مشاهد مختلفة تماما عما سيق له في الإعلام ، وأستغرب كيف لهذا الأمر أن يمرعلي عقل المشاهد مرور الكرام.
أستثني هنا قمع مظاهرات درعا السلمية، فقد كان فيها مشاهد مؤثرة للغاية وتألمت منها ومن وحشية هذا القمع الدموي، ولكن أري أن هذا اسنثناءا لم يكشف بعد أي مشاهد قمع للمتظاهرين السلميين في أماكن أخري، أيضا فمشاهد مظاهرات درعا كانت في شهري مارس وإبريل الماضين أي قبل وجود أي تغطية إعلامية حية كالتي تجري الآن علي قدم وساق.. فهل يُعقل أن النظام السوري لم يقتل المتظاهرين منذ هذا التاريخ، إن وجود حالة درعا كاستثناء يؤكد تورط الإعلامين العربي والأجنبي في مهزلة أخلاقية طبقا لقاعدة الإستثناء يؤكد القاعدة..
ربما كان ذلك نتيجة طبيعية لمشاهد قمع المتظاهرين السلميين في مصر وتونس، وبما أن المصدر الإعلامي واحد فلا مجال للإنكار أو التشكيك..
في المشهد السوري تابعت كلا المشهدين الإعلاميين الموالي والمعارض ووقفت فيه علي عدة حقائق سأذكرها إجمالا.
1-النظام السوري يخوض حرب معنوية لقهر المعارضة وإلزامها بالصمت إما عن طريق الإعتقالات أو التهديد.
2-مسلحين سوريين وغير سوريين يعملون جنبا إلي جنب بجانب الثوار.
3-هؤلاء المسلحين ارتكبوا عدة جرائم ضد الجيش السوري.
4-النظام السوري ارتكب هو الآخرعدة جرائم ضد هؤلاء المسلحين.
5-نشر فيديوهات وكليبات مجهولة المصدر تعمل لصالح كلا الطرفين كجزء أصيل من الحرب الإعلامية والنفسية للطرفين.
6-الإعلام السوري يعرض المظاهرات السلمية المؤيدة للنظام دون المعارضة.
7-الإعلام الخليجي ممثلا في قناتي"الجزيرة والعربية" يعرضان المظاهرات السلمية المعارضة دون المؤيدة.
-السؤال هنا أين قمع المتظاهرين السلميين بالرصاص الحي من هذه الحقائق ؟؟!.......سؤال مهم لم أجد عليه أي إجابة لي كإنسان يفكر ولا يسلم عقله إلا لضميره..
-إن حقيقة ما يُنشر في الإعلام العربي والأجنبي هو عدة مشاهد لمتظاهرين سوريين سلميين يتظاهرون في عدة ساحات ويهتفون بسقوط النظام بكل أريحية!..ومؤخرا طالب هؤلاء المتظاهرون بالتدخل العسكري والأجنبي في بلادهم أيضا بكل أريحية.....
و في أثناء رؤيتي لهذه المشاهد سألت نفسي لماذا لا أري مشاهد الأمن السوري وهو يقمع المظاهرات السلمية بالرصاص الحي أبدا..الحاصل أن التظاهرات تمر بسلام ويتم تصويرها وإخراجها بإخراج غير عادي ثم تُنشر في الإعلام وفي المحصلة لم أر أي مشاهد لقمع هؤلاء المتظاهرين..
السؤال الأهم الذي يحيرني كيف للإعلام العربي والأجنبي أن يُسوق لرواية قمع النظام السوري للتظاهرات السلمية وقتله لهؤلاء المتظاهرين بالرصاص الحي في حين هو يعرض مشاهد لا تدل علي هذه المعطيات السابقة كنتيجة حتمية للقمع، بل تدل تلك المشاهد علي العكس تماما وهي أن النظام السوري يسمح بحرية التظاهر ولا يقمع أي تظاهرة سلمية لا برصاص حي كما يزعمون ولا حتي بقنابل مسيلة للدموع والدليل هو ما يعرضه الإعلام العربي والأجنبي نفسه..
-طبعا أنا لا أعتقد أن نظاما دكتاتوريا كالنظام السوري سيسمح بتظاهرات سلمية تطالب بإسقاطه دون التعرض لها أو قمعها ولو بقنابل الغاز أو حتي باعتقال المنظمين وحبسهم وهذا ما يحيرني، هناك معطيات علي الأرض لا تؤدي إلي نفس النتيجة الحتمية الطبيعية، وأكثر ما استنتجته من تلك المشاهد هو وجود خيط سياسي يستخدم الإعلام لغرض ما لم أتحقق من صدقيته بعد.