[فنون الليل]

الـــــــســــــــؤال
( كيف بدا التشيع في البحرين ؟ )

للجواب نقول:

لم تكن البحرين في التاريخ صحراء قاحلة تجوبها العواصف الرملية ، ولم يكن اهلها بدو رحل يتنقلون من منطقة او واحة الى اخرى ، كما لم تكن ارضها جدباء متصدعة بفعل الجفاف ، بل كانت جزيرة خضراء كثيرة العيون ، حتى كانت محط اطماع وصراعات ، فقد سكنها قبائل ( يزد ، واياد ثم استقلت بها عبد قيس التي شكلت غالبية قبيلة ربيعة ومنها ايضا بكر بن وائل ) .

استقرت هذه القبيلة في جزيرة البحرين ، وتطورت من مجتمع القبلية البدائي الى مجتمع متحضر سعى لتبني عقيدة موحدة ربما تمثلت في المسيحية التي وفدت من فلسطين على ايدي عدد من القساوسة الذين استوطنو الجزيرة العربية انتظارا للنبي الموعود في كتبهم .

كان اهل البحرين على موعد مع عهد جديد بعدما اطل فجر القرن الاول الهجري بنور الاسلام ، فقد توجه عمرو بن عبد قيس الى النبي (ص) في مكة المكرمة موفدا من الزعيم البحريني المنذر بن عائد الذي اشتهر بلقب ( الاشج ) وذالك للاطلاع عن كثب على الدين الجديد والتحقق من علاماته التي وردت في الكتب السماوية . ولكن الاشج لم يكن ليطمئن على الانعطاف الجديد لشعب الجزيرة حتى وقف بنفسه على حكومة النبي (ص ) في المدينة المنورة في السنة السابعة (هــ) ، فترأس وفدا مكونا من عشرين نفرا شقوا امواج البحر وسارو ا اياما في صحاري الجزيرة العربية حتى التمسوا لقاء الرسول الاكرم والذي استقبلهم بوحي النبوة قائلا ( مرحبا بوفد قوم لاخزايا ولا نادمين ) .

فقال الاشج ( جئنا سلما غير حرب ومطيعين غير عاصين ، فاكتب لنا كتابا يكون بين ايدينا ، فسالهم الرسول (ص) تبايعوني على انفسكم وقومكم ؟ فقالوا ..... نعم يارسول الله ، انك لن تزايل الرجل عن شيئ اشد عليه من دينه ، نبايعك على انفسنا وترسل معنا من يدعوهم ... فمن اتبع الاسلام كان منا ومن ابى قتلناه .
ثم امر النبي (ص) الانصار باكرامهم وحسن وفادتهم وانزلهم دار رملة بنت الحارث .

وبعد عشرة ايام من مرافقتهم للرسول (ص) والاطلاع على احكام الدين وتعاليمه ، قفلوا راجعين الى الجزية التي اطلق عليها في احيان كثيرة ( الجزيرة الخضراء ) وذلك لخضرتها واشجارها ونخيلها وعيونها .

وقيل ان الرسول (ص) كان على علم بطبيعة اهلها وارضها ، وقد جعلها احد خياراته للهجرة من مكة المكرمة لولا بعدها عن مكة والمياه الفاصلة بينها وبين اراضي الجزيرة العربية .

السنة الثامنة للهجرة كانت بداية لتحولات خطيرة رسمت المسار الامثل للمجتمع البحريني باتجاه العقيدة الموحدة والموقف السياسي السليم الذي نبا به الرسول الاكرم (ص) خلال مراحل حياته . فقد اوفد عبد القيس الشريف الجارود العبدي الذي عرف عنه بغضبه لعبادة الاصنام والاوثان على عهد الجاهلية على رأس اربعين نفراً كان من بينهم الحكيم ابن جبله العبدي الذي عاد مع الوفد الى البحرين بعد ذالك حاملاً معه مبدأ الولاية الثابته لامير المومنين علي ابن ابي طالب (ع) واهل بيته ( عليهم ) . وخلف الوفد وراءه الجارود العبدي في المدينة المنورة ليحيط احاطة تفصيلية بالايات القرانية وسنة الرسول (ص) وصحابته من الانصار والمهاجرين في المدينة ، ثم يعود الى الجزيرة واهلها مثقلا بفيض علم النبوة والامامة .

منذ ذالك العهد عرفت البحين بالاستقرار الديني والاجتماعي والسياسي ، وبدت خلايا علم الشريعة تنمو وتتوسع انطلاقا من المساجد التي عم بنيانها مناطق مختلفة من جزيرة البحرين والمناطق القريبة من سواحل الجزيرة كالقطيف والاحساء ، ولم يكن هذا العلم ليخلو من فضائل ال البيت (ع) والدور العظيم الذي سلكه الامام على (ع) بعطاءات الرسول (ص) الذي احسن اعداده لايام المحن والبلايا وما نبا القران الكريم من انقلاب بعد عهد الرسول الاكرم .

بعد وفاة الرسول الاكرم (ص) لم تعرف الجزيرة استقرارا بحكم المتغيرات السياسية التي عصفت بالجزيرة العربية فضلا عن ثبات اهل البحرين على مبدا الولاية للامام علي (ع) ودفاعهم دونها ، فغابت النعوت الايجابية التي تحمل حقيقة اهل البحرين وشدة الموقف المعادي لاهل البيت (ع) ومن بين تلك النعوت السلبية ( جزيرة الردة ) ( المدينة المتمردة ) وهي في طياتها تعكس شدت الموقف البحريني الموالي لاهل البيت (ع) وضعف اعداء تلك الجزيرة وعدم تمكنهم من فرض سيطرتهم عليها او تقويض ولاءاتها الثابتة .

في عهد الخليفة الثاني عمر ابن الخطاب ادى عدم الاستقرار السياسي في الجزيرة الى هجرة اعداد كبيرة من اهل البحرين الى العراق واستوطنوا المدن الحديثة كالبصرة والكوفة ، واوضح عدد من الباحثين الى ان سبب تزايد الشيعة في هاتين المدينتين الى دو البحرينيين الذي ظهر وجودهم بشكل جلي في اواخر عهد الخليفة عثمان بن عفان .

الاتجاه الاموي بشقيه السفياني والمرواني والاتجاه العباسي ، كان ينظر الى البحرين قلعة حصينة من قلاع امير المؤمنين علي (ع) واهل بيته ، لذلك كانت هدف الى هجماتهم المتعددة التي دمرو خلالها الجزيرة وقتلوا الوفا منها ، ولكن الموروث العلمي بقى ببقاء اهلها على ولائهم وتمسكهم باهل البيت (ع) وعطاءاتهم التشريعية .

وخلال فترتي خلافة الامامين على والحيسن (عليهم ) استرجعت جزر البحرين استقرارها السياسي والاجتماعي ، وتوسعت دور العلم وانتقل كثير منها خارج المساجد الى المناطق النائية ، حتى برز الكثير من العلماء والزعماء الكبار عرف من بينهم ( رشيد الهجري ، صعصعة ابن صوحان العبدي ، وزيد ابن صوحان العبدي ، وابنه سيجان العبدي ، والاصبع ابن نباته ، والاعور ابن بنان التميمي ، وجارية ابن قدامة وغيرهم ) .

وترك العديد من ابناء البحرين جزيرتهم متجهين لمشاركة الامام علي (ع) نهجه في تثبيت الاسلام الجذري والدفاع عنه امام المخلفات التي انتجها الارث السياسى السفياني واتباعه ، فالجارود العبدي مارس قدراته الخطابية وعلمه في الشريعة وتقدم بالنصح لمخالفي نهج الامام علي (ع) بالعودة وتجاوز الاثار السلبية التي خلفها عدم الاستقرار السياسي في الجزيرة بعد وفاةالنبي الاكرم ، بينما استشهد اكثر من 500 مقاتل بحريني في المعارك التي خاضها الامام علي (ع) اكثرهم من بني عبد قيس . فالحكيم بن جبلة العبدي استشهدفي معركة الجمل . و شارك الشهيد صعصعة بن صوحان العبدي الامام علي عليه السالم المعركة نفسها . فقد ارسله الامام عليه السلام للبصرة لمفاوضة السيدة عائشة و طلحة والزبير قبل بدء المعركة ، و قاتل قتال الابطال اثناء اشتداد اوارها.
و بقي الشهيد صعصعة مرافقاً للامام عليه السلام حتى مقتله على يد ابن ملجم المرادي ، و لما انتهى الامام الحسن عليه السلام و اصحابه من دفن الامام عليه السام ، وضع الشهيد صعصعة احدى يديه على قلبه واخذ بالاخرى بعض تراب القبر وضرب به رأسه ثم مدح الامام علي بابياتفي حضور ولديه الحسن و الحسين.

رغم الحصار الاموي على اهل البحرين لمنعهم من الالتحاق بحركة الامام الحسين عليه السلام في الكوفة بعد رسالة مسلم بن عقيل له ، استطاع الشهيد صعصعة بن صوحان العبدي على رأس من مقاتلي البحرين اختراق جيوش بني امية و انظموا بعد مقتل الامام الحسين عليه السام في كربلاء الى جيش المختار الثقفي في الكوفة ، و قاتلوا معه في معركة الجافليق حتى استشهدوا.
واما الشهيد رشيد الهجري ، فقد تلقى من علوم الامام علي عليه السلام الكثير حتى سماه الامام عليه السلام ب( رشيد البلايا) لما عرف عنه من علم بحوادث الرزايا و البلايا الى قيام الساعة .
و قال عنه عليه السلام : يا رشيد انت امعي في الدنيا و الاخرة .

واستقل زيد بن صوحان بالبحرين بعد صلح الامام الحسن عليه السلام ، لكن معاوية بن ابي سفيان خرق اتفاقه مع الامام الحسن عليه السلام الذي نص في بعض فقراته بعدم تعرض معاوية للموالين لاهل البيت عليهم السلام . فحاولت الدولة السفيانية مراراً السيطرةعلى البحرين بعد رفض اهل البحرين بقيادة زيد العبدي الخضوع للادارة السياسية لسلطات معاوية و دولته لكونها سلطة غير شرعية . لكن السفيانيين فشلوا في مبتغاهم حتى تحولت البحرين معقلاً للمعارضة ضد دولة بني امية ، و توافدت الاتتجاهات السياسية المعارضة والمختلفة من اقطار البلاد الاسلامية الى جزيرة البحرين الحصينة التي تحولت سواحلها الى قلاع و حصون شاهقة.
جاء المروانيون الامويون بعد مؤتمر الجابية وتولي عبد الملك ابن مروان الخلافة حيث اعد جيشا جرارا لاستعادة البحرين . ودخل معركة شرسة مع اهلها في عام ( 71 هـ ) حيث اباد المئات من اهلها ودمر العشرات من حصونها وقلاعها الساحلية ثم توغلت جيوشه الى قرى وسط الجزيرة وشمالها واتت على المساجد ودور العلم ودمرتها واحرقت الكثير من الكتب والمؤلفات في فضائل اهل البيت (ع) ودورهم التشريعي . وقد تقدم زيد ابن صوحان معركة الدفاع عن البحرين وقاتل حتى استشهد مع الكثير من علماء البحرين وقادتها .

توقفت دور العلم والمساجد عن ممارسة دورها في الريادة العلمية خلال فترة السيطرة المروانية ، ولكن توسعت انشطتها الاجتماعية العلنية في تضميد جراحات الحرب والتغلب على اثاره الماساوية .
لكن النهضة العلمية التي بدئها الامامان الباقر والصادق (ع) القت بظلالها على البحرين في وقت كان النشاط العلمي والتشريعي قد شرعا في ادوارهما بشكل محدود يغلبه الحذر والتقية حتى استطاع مسعود ابن ابي زينب العبدي وعلى ابن محمد طرد كل من الامويين والعباسيين على فترات متباعده واسترد النشاط العلمي عافيته وبلغ ذروته خلال القرن السادس الهجري .

وقد برز الكثير من الفقهاء في هذه الفترة عرف من بينهم ( الشيخ نصير البحراني ، الذي روى عن الصحابي جابر الانصاري ، وابنه نصر البحراني الذي ذكره الشيخ المفيد في كتابه ( الامالي ) والشيخ عبد الله بن ذهبه ، والشيخ علام البحراني صاحب كتاب ( الامامية ) و(المعجزات ) والفقيه ابن الشريف اكمل البحراني الذي روى عن المرتضى ، واللغوي المتكلم الكبير ناصر الدين البحراني ، وقوام الدين محمد البحراني الذان يرويان عن السيد فضل الله الروندي ، والشيخ المحقق الكبير كمال الدين ابن سعادة البحراني صاحب رسالة ( العلم ) التي شرحها نصير الدين الطوسي اثنا عليها كل من المحدث عبد الله السماهيجي والشيخ يوسف البحراني صاحب ( لؤلؤة البحرين ) والسيد الخونساري في موسوعته ( روضات الجنات ) والحكيم الشيخ كمال الدين ميثم البحراني صاحب ( القواعد في علم الكلام ) .

وبذلك شهدت جزيرة البحرين صياغة جديدة للحياة التشريعية التي تضمنت مناهج اجتماعية واقتصادية وسياسية مختلفة ومن خلال التفاعل مع عهد التشريع الاسلامي برزت قيادة دينية للباد قدرت على تحريك الراي العام المحلي من خلال المدارس العلمية والمنتديات الحرة المنتشرة في مختلف ارجاء الجزيرة . ولذالك قيل ان البحرين تعج بالقضاة وفقهاء الشريعة وتمخض عن ذالك نمط اداري لحكومة منسجمة مع المعطيات الدينية والثقافية الجديدة .

وتزعم هذه الحكومة اربعة قضات استمدوا سلطاتهم من مجلس للشورى مكون من 400 فقيه متبحر في علوم الشريعة وكان من ثمرت هذا اللون من النظام استقرار البحرين وازدهارها بحياة علمية وثقافية واجتماعية مميزة ، وكان العقل والاجماع وتكافؤ الفرص والاستشارة وتقليب وجوه الاراء وفق منهاج الشريعة هي الحاكمة ، خصوصا حين تبرز معالم لمنافسات تتعلق بالسلطات وامكاناتها .
كما تحدثنا بعض المؤلفات عن هذه الحقيقة التي كانت فيضا من معطيات التمدن القائم على نظام تشريعي لم تبلغه الا مدينة الرسول (ص) بعد فتح مكة .

وخلال عهد ال مذكور استرجعت المدارس الدينية بعض من ادوارها السياسية ولكن الموروث العلمي والاجتماعي في الوسط البحريني لم يتاثر سلبا بنتائج الاعتداءات الخارجية من بلاد الجزيرة العربية .
المدن البارزة في الادارة التشريعية ( البلاد القديم وجدحفص ) وعرف من بين قادتها كل من الشيخ احمد ال ماجد الجدحفصي والشيخ علي البلادي .

وبرزت مناطق خلال الفترة العلمية الغزيرة منها ( المنامة ، جدحفص ، سترة ، بوري ، مقابه ، الدراز، بلاد القديم ، توبلي ، دمستان ، سماهيج ، الماحوز ، كرزكان ، الشاخورة ، بني جمرة ، الغريفة ، القدم ، المصلة ، المقشاع ، المعامير ، جزيرة النبيه صالح الت نمت فيها مدرست داود الجزيري والتي دمرت على روس سبعين من خيرة علماء اهل البحرين )
وقد اتفق بان فاتحة اقيمت لبعض اشخاص البحرين في مسجدا المسمى بالمشهد ذي المنارتين ( مسجد الخميس ) واتفق حضور 300 اويزيدون من العلماء الافاضل في وقت من اغلاوقات فما بالك من لم يجمعهم ذالك المكان ومن لم يحضر ذالك الموضع من اهل القرى البعيدة او الذين لم يسمعوا ولم يحضروا ، فاين تلك العلماء ومصنفاتهم ؟ واين مدارسهم وتلاميذهم ؟ واين كتبهم ومؤلفاتهم ؟ واين تلك العلوم والطلال والرسوم .

للمزيد من التغطية المعلوماتية يمكن مراجعة الكتب التالية :
البحرين الاصالة ومضاهر التغيير السياسي للمؤلف كريم المحروس
مجالس المؤمنيين للمؤلف الشهيد نور الدين

منقول للامانه