أزمة الحداثة الغربية وإبداع الحداثة الإسلامية مراجعة لكتاب: روح الحداثة
بتاريخ : 04-03-2012 الساعة : 01:41 AM
أزمة الحداثة الغربية وإبداع الحداثة الإسلامية مراجعة لكتاب: روح الحداثة، تأليف: طه عبد الرحمن
قراءات ومراجعات :مسعود بودوخة
مقدمة:
يكتسب كتاب (روح الحداثة) لطه عبد الرحمن أهميته من كونه أول محاولة جادة في نقد الحداثة الغربية، وفق رؤية فكرية فلسفية، تستند إلى الغايات التي سعى إليها منظّرو هذه الحداثة، والحلم الجميل الذي كان يحدوهم، فتبدّت سرابيَّتُه في كثير من الجوانب وفي بدائل الحداثة الإسلامية التي قدّمها، مما يجعلها السبيل الذي يمكّن من درء الآفات الخلقية التي لصقت بالحداثة الغربية، من حيث إنَّ الحداثة الإسلامية تقوم على جعل الاعتبارات الأخلاقية في صلب العلاقات التي تؤسسها، وتربط الأشياء والإمكانات التقنية بالقيم الخلقية التي تنطوي عليها، والمقاصد والمآلات التي تنتهي إليها وتوجّهها.
وينطلق طه عبد الرحمن من التفريق بين واقع الحداثة الغربية، وروح الحداثة، التي يفترض أنَّ هذا الواقع الحداثي يسعى إلى تجسيد قيمها ومبادئها التي يجملها في: النقد والرشد والشمول. ولكن هذه القيم والمبادئ أسيء تمثّلها وتجسيدها في سياق الواقع الحداثي الغربي، فأتت بنتائج تضاد مقصود أصحابها المتفائل، وهذا هو سبب الأزمات المتلاحقة التي يعانيها البشر، وتهدد مستقبلهم.
وظاهرٌ أنَّ منشأ هذه الأزمات والآفات التي برزت في واقع الحداثة الغربية هو القصور والفقر الروحي والمعنوي، الذي طبع النسخة الغربية للحداثة، والنـزعة المادية الآلية التي طغت عليها، فضيَّقت أفقها، وأفقدت الإنسان الإحساس بالأمان والاطمئنان والمعنى، وولَّدت لديه الشعور بالخوف واليأس والتشرد واللاجدوى.
ومن أبرز مواضع القصور التي طبعت الحداثة في نسختها الغربية، وفي مظهرها العولمي بالذات، تغليب الجانب الاقتصادي والمنفعة المادية على كل اعتبار، وجعلهما مقياساً وحيداً لكل تنمية وتطور، فكان أن طغت التقنية والتجريب، وغابت الحكمة والمقصد عن كل نشاط علمي أو عملي، وغلبت الآلية والتراكمية والإعلانية على عمليات الاتصال التي جاءت بها هذه العولمة.
أما واقع المجتمعات الإسلامية فإنَّه -مع الأسف- يشهد بأنَّها أقرب إلى الحداثة المقلِّدة منها إلى الحداثة المبدعة. وكأنها اقتنعت بأنَّ التطبيق الغربي للحداثة واقع حتمي لا فكاك منه، وانطلت على كثير من مثقفيها -بله عامتها- تلك المسلَّمات والمغالطات التي صاحبت تطبيق الغرب لروح الحداثة.
والخلاصة التي ينتهي إليها طه عبد الرحمن هي أنه لا بديل عن التطبيق الإسلامي لقيم الحداثة، التي تشكل روحها. فهذا التطبيق هو القادر على تجنيب البشرية نكسة التطبيق الغربي للحداثة؛ لأنَّ زمن الحداثة الغربية هو الزمن الأخلاقي للإسلام، الغني بأبعاده الأخلاقية المعنوية على مستوى الفعل، وأبعاده الروحية على مستوى العقائد والتصورات، وأبعاده الإحسانية على مستوى المقاصد والنيَّات، وهو عين ما افتقدته وتفتقده حداثة الغرب.