هذا عمود ليس في مقام صحيفة، لكني مضطر لكتابته في صحيفة( المقال منشور في جريدة الأستقامة الألكترونية وعدة صحف أخرى) فربما تصل الرسالة إلى المقصود بشكل أيسر، وسأتناول أحجية الدين والطائفية...وكي نتخلص من الصداع الدائم في هذه الأحجية في علينا أن نفهم ونتفهم العلاقة بين الثلاثة: الدين والمذهب والطائفة..وسنكتشف كلما مضينا في التفكير قدما أن المذهب مفصولاً عن الدين لا مشروعية له، فالمذاهب هي التظهيرات العملية للدين، والطوائف هي المجموعة البشرية المتمذهبة بمذهب يستند على أساس ديني..أما الطائفية فإن تعريفها الأكثر وضوحاً وكثافة ودلالة هو: استخدام الدين لأغراض غير دينية، قد تكون سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو نفسية. وإذا توصلنا إلى هذه الحقيقة نجد أن الدين لا يزوّد الذين يريدون استغلاله لتحقيق مآرب غير دينية بنصوص خام وصريحة، ولذلك فإنّهم يلجئون إلى التأويل، وهو ساحة التجاذب الفعلية بين الأفهام والرجال والتيارات..وعند ذاك يصبح تفسير الدين حسب الهوى، وليس الدين ذاته، هو المصنّع الفعّال لكل الأفكار والمواقف الطائفية، وهي بدورها التي تنزع نحو مصادرة الدين، وعياً وقيماً وحضارة ونظام حياة.
وأعتقد أن هذه المقدمة لا يختلف عليها أحد، بل هي محور اتفاق، غير أنها ذاتها ما يكشف حجم التعسف الذي يمارسه من يتهمون الآخرين بالطائفية..!وبالحقيقة فإن من يتهم الآخرين بالطائفية هو الطائفي رقم واحد!..وإلا كيف تأتى له أن يتعرف على طائفيتهم المزعومة، إن لم يكن ثمة تناقض بين ما يراه صالحا له ولجماعته، وما بين ما يمارسه الآخرين..ولنأخذ مثلا واحدا لا غير حول هذا التعسف: فكل ساعة يتهم أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام، أو الشيعة بالعنوان المخصوص بأنهم طائفيون، ليس لأنهم يفسرون الدين حسب الهوى، بل لأنهم يمارسون طقوسا في أقل توصيف لا تمس المحرمات، يبكون مثلا على إمامهم الذي يقول آخرون أنهم يحترمونه، حسنا دعهم يبكون وهل في ذلك شنآن لك ولدينك!؟..بل لنتصور أنهم يضربون رؤوسهم بالجدار، فهل ضربوا جدار بيتك!؟.. لكننا كي نفهم مصدر التعسف علينا أن نستجلي المفارقات الحادّة بين الدين والطائفية ليس في السياسة فحسب، بل في كل المجالات. ولابد من التأكيد تبعاً لذلك على أن الإسلام هو تلك الدالات الثلاث: الدين والدنيا والدولة، ولا فصل بينها في إطار كونية الإسلام، وهو نفس الإطار الذي تحاول الطائفية اختراقه بصورة شاملة..فهي تتقمص دور الدين وتتزيّا بعباءته وتتمظهر فيه، من أجل تسويغ وجودها ونفي الوجودات الأخرى...وسنكتشف بلا تعب أن الذين يتهمون غيرهم بالطائفية يسعون إلى أخراج غيرهم من الدين نهائيا وهم طائفيين بامتياز..
وربما سأعود إلى توسعة في الموضوع كلما اتهمنا أحد بالطائفية..!
كلام قبل السلام: لا تجتمع الطائفية والدين في مجتمع واحد ومكان واحد، فإما أن يكون ديناً أو تكون طائفية...