تابعنا في كافة وسائل الإعلام أخبار الإنشقاقات المتوالية في صفوف الجيش السوري الحكومي على مدار 16 شهراً، تقريباً كل طلعة شمس نسمع ونشاهد من يعلن انشقاقه بالصوت والصورة، في الغالب ما تكون قناة الجزيرة الخليجية هي صاحبة الحظ الأوفر في تلك الإعلانات وهذا بالتأكيد له دلالات ربما نناقشها لاحقاً حول دور هذه القناه في الحرب الأهلية السورية ومدى صحة الإتهام الموجه لها بالتنسيق مع المعارضة المسلحة عبر صناعة الأخبار والإنشقاقات وما إلى ذلك من دور إعلامي انفردت به الجزيرة وبات مرئياً واضحاً للجميع إلى أن يتم تبنيه بشكل رسمي.
ولكن ما يهمنا في هذا المقام ليس الدور الإعلامي فله مجال آخر لا يقل أهمية، ولكن نشير إلى أنه لو ثَبُت صحة ما تدعيه هذه القنوات بانشقاق كل طلعة شمس فهذا يعني أنه على مدار 16 شهراً منذ بدء الأزمة يكون قد انشق الجيش السوري بأكمله وربما نضيف عليه الجيش اللبناني هو الآخر!! بالتأكيد هناك تضخيم في حجم الإنشقاقات صنعت فجوة عميقة بين الإنشقاق الحقيقي والمُعلن، هذا فضلاً عن الخِلاف حول ماهية الإنشقاق الحقيقي فعليه تُطرح التساؤلات ، خاصة وأن الإنشقاق بمعناه"الإستراتيجي العسكري" هو انشقاق وحدات عسكرية كاملة بسلاحها، وهذا لم يحدث أن أعلنت عنه المعارضة من قبل، بل تشير التقارير والصور إلى وجود مجموعات بشرية تعلن انشقاقها عبر آداء القسم فردياً أو جماعياً بمعزل عن سلاحها التي خدمت من خلاله في صفوف الجيش السوري الحكومي من قبل.
إذاً ومن خلال واقع الإنشقاق أعلاه فُيمكن أن نسميه .."استقالات".. وليست انشقاقات، لا كما يُطلق عليه الإعلام الحكومي خيانة أو فرار، ولكننا سنضع العصا في الوسط ولن نتحيز..إذاً هي .."استقالات".. عسكرية ولو لم تُقدّم بشكل رسمي، هذه الإستقالة العسكرية وبعيداً عن ما يُبررها فهي في حقيقتها تُمثل جزءاً هاما في تصدع الجيوش والأنظمة، فاستمرارها وديمومتها سيخلق شرخاً عسكريا على مستوى الأفراد مع مرور الوقت لا على مستوى السلاح، ولكن وجود هذا الشرخ وإمكانية توسعته أو الإجهاز عليه يعود إلى المالك المسيطر على الأرض، إذ أنه ويتوسيع رقعة الولاء الشعبي سيضمن تحجيم هذه العملية، فالعسكري المستقيل في هذه الظروف ينظر إلى الحالة الشعبية أو تكوين الرأي العام أكثر من الإغراءات التي تُقدم لديه، أما في حال تعرضه للتهديد تحت أي نوع فاستقالته شكلية وليست حقيقية، وفور توفر الظروف الملائمة للعودة سيعود ومعه كافة الأسرار.
مبحث آخر وهو الحالة النفسية للعسكري المستقيل أو ما سنسميها "الفسيولوجيا العسكرية"، كلنا يعلم حقيقة الذات العسكرية وأنها صُنعت على جدار السمع والطاعة، وأن وجود هذا الجدار في حقيقته سر بقاء الحياه العسكرية بعَرَضها العام في أذهان البشر، وبالتالي فلا حياه عسكرية حقيقية إلا بالسمع والطاعة وبدونها تُهزم الجيوش، كمثال ما حدث في معركة أُحد حين عصى الرُماه رسول الله وتركوا أمكنتهم من أجل جمع الغنائم فكانت الهزيمة العسكرية الأولى المؤثرة للمسلمين، والفرد القائم بنائه على السمع والطاعة يكسر عواطفه ورغباته في أكثر الأحيان ، ذلك أن بشرية الإنسان تنجذب نحو الإنطلاق، وكون ماهيته "عَجولة" كما قال الله في القرآن فهذا يعني أن العسكري المستقيل سينتقل من حياه السمع والطاعة إلى حياه أخرى سنبحث في ملامحها بإذن الله..