نشهد في هذا العصر حضارة كبرى لم يشهد لها التاريخ مثيلاً جعلت الإنسان
يعيش في راحة كبيرة ولكنها (اي تلك الحضارة ) قصرت خدمتها على الجانب
الجسدي و أهملت الجانب الروحي الذي يتميز به الإنسان عن غيره من الكائنات ،
وكان أحد إفرازات هذا القصور القلق الذي أدى بكثير من الناس خصوصاً في
الغرب الى الإنتحار، ولم يجدوا له حلاً غير تلك الحبوب المهد ئة.
وللأسف لقد وجدت أثار هذا القلق في بلاد المسلمين عندما قصر البعض منهم في أمور دينهم وعاشوا بعيداً عن ذكر الله تعالى وطاعته.
وأسباب القلق كثيرة ، لكن نذكر أهمها:
(1) ضعف الإيمان : فالمؤمن قوي الإيمان لايعرف القلق. قال الله تعالى(ومن
يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) ، ,ويقوى الإيمان بعمل
الطاعات وترك المعاصي وقراءة القرآن وحضور مجالس الصالحين وحبهم والتفكر في
خلق الله تعالى.
(2) الخوف على الحياة وعلى الرزق: فهناك من يخاف الموت فيقلق بسبب ذلك ،
ولو أيقن أن الآجال بيد الله ماحصل ذلك القلق. والبعض يخاف على الرزق
ويصيبه الأرق وكأنه ماقرأ قوله تعالى(إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين)
ولم يسمع قول الله عز وجل(وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ) ، حتى
النمل في جحره يرزقه الله تعالى ، ولايعني ذلك أن يجلس الإنسان في بيته
ينتظر أن تمطر السماء ذهباً ، بل يسعى وبفعل الأسباب امتثالاً لقوله
تعالى(فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه) ويتوكل على الله(ومن يتوكل على
الله فهو حسبه).
(3) المصائب: من موت قريب أو خسارة مالية أو مرض عضال أو حادث أو غير ذلك ،
لكن المؤمن شأنه كله خير إن اصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن اصابته
ضراء صبر فكان خيراً وجزاء الصبر أن الله يأجره ويعوضه خيراً مما أصابه.
فيجب أن يعلم أن ذلك بقدر الله وقضائه ، وما قدّر الله سيكون لا محالة لو
اجتمع أهل الأرض والسماء أن يردوه ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً. عندما ترسخ هذه
العقيدة في نفس الإنسان فإنه يرضى وتكون المصيبة عليه برداً وتكون المحنة
منحة ، ولقد شاهدنا أنه كم من مشكلة صارت بإنسان جعلت منه رجلاً قوياً
صامداً وعلمته التحمل بعد أن كان في نعمة ورغد لا يتحمل شيئاً وغيرت من
نظرته للحياة وأصبح سداً أمام المعضلات.
(4) المعاصي: وهي سبب كل بلاء في الدنيا والآخرة ، وهي سبب مباشر لحدوث
القلق والاكتئاب . قال الله تعالى(وماأصابك من سيئة فمن نفسك ) وقال (ظهر
الفساد في البر والبحر بما **بت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم
يرجعون ) ، والبعض يقول: نريد أن نُذهب القلق و(الطفش) فيفعل المعاصي ،
لكنه في الحقيقة يزيد الطين بلة وهو كالمستجير من الرمضاء بالنار.
(5) الغفلة عن الآخرة والتعلق بالدنيا : فمن يتفكر ويتصور نعيم الجنة بكل
أشكاله فإنه تهون عليه المشاكل وينشرح صدره وينبعث الأمل والتفاؤل عنده.
وأخيراً كيف نتخلص من القلق؟
قال الله تعالى (إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم) ، فالعلاج هو في كتاب ربنا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
فخذ هذه الوصفة النافعة ، وجرب وأنت الحكم.
( 1) الصلاة: قال الله تعالى(واستيعنوا بالصبر والصلاة ) وكان الرسول صلى
الله عليه وعلى اله وسلم إذا حز به أمر فزع إلى الصلاة ، ويقول لبلال (أرحنا بالصلاة
يابلال) ويقول -جُعلت فداه- (وجعلت قرة عيني في الصلاة ) فما من مسلم يقوم
فيصلي بخشوع وتدبر وحضور قلب والتجاء لله تعالى إلا ذهبت همومه وغمومه
أدراج الرياح كأن لم تكن ، فالصلاة على أسمها صلة بين العبد وربه.
(2) قراءة القرآن: العلاج لكل داء.قال عز وجل (وننزل من القرآن ما هو شفاء
ورحمة للمؤمنين) فلنقو صلتنا بهذا الكتاب العظيم ولنتدبر آياته ولا نكن ممن
يهجره فهو ربيع القلب ونور الصدر وجلاء الأحزان وذهاب الهموم والغموم.
(3) الدعاء: سلاح المؤمن الذي يتعبد الله به فمن كان له عند الله حاجة
فليفزع إلى دعاء من بيد ملكوت كل شئ ومجيب دعوة المضطرين وكاشف السوء الذي
تكفل بإجابة الداعي. قال تعالى(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة
الداعي إذا دعان) وليتخير ساعات الإجابة كالثلث الأخير من الليل ، بين
الآذان والإقامة.
(5) شغل الوقت بالعمل المباح: فإن الفراغ مفسدة ويجلب الأفكار الضارة والقلق وغير ذلك.
أسأله تعالى أن يرزقنا الإيمان الكامل والعمل الصالح ونسأله حياة السعداء وموت الشهداء ، إنه جواد كريم.
القلق والتوتر النفسي Anxiety & Stress disorders
الدكتور / محمد عبدالله شاووش - استشاري الطب النفسي - مدير مستشفى الصحة النفسية - جدة - المملكة العربية السعودية
يمثل القلق النفسي المرتبة الأولى في الانتشار بين الأمراض النفسية وهناك
فرق بين القلق الطبيعي المرغوب كالقلق مثلاً أيام الامتحانات وبين القلق
المرضي الذي يحتاج إلى تدخل الأطباء .
وتظهر الأعراض النفسية على شكلين
الشعور بالعصبية أو التحفز والخوف وعدم الإحساس بالراحة.
الأعراض الفسيولوجية الجسمية كخفقان القلب أو رعشة اليدين أو آلام الصدر
وبرودة الأطراف واضطرابات المعدة وغير ذلك . والقلق النفسي أيضا يؤثر على
التفكير والتركيز مما يكون له مردود سلبي على التحصيل الدراسي أو العملي .
ما مدى انتشار القلق النفسي المرضي؟
كل شخص بين أربعة أشخاص يعاني من القلق النفسي خلال فترة حياته .
17.7% في أي وقت في السنة يعانون من القلق .
وتزيد نسبة القلق النفسي في المجتمعات البسيطة والفقيرة .
ما هي أسباب القلق النفسي؟
أسباب ناتجة عن الأفكار المكبوتة والنزعات والغرائز مما يؤدي إلى القلق وهي ما يسمى بالعوامل الديناميكية .
العوامل السلوكية باعتباره سلوكاً مكتسباً مبنياً على ما يعرف بالتجاوب الشرطي .
عوامل حيوية بإثارة الجهاز العصبي الذاتي مما يؤدي إلى ظهور زمرة من
الأعراض الجسمية وذلك بتأثير مادة الابنفرين على الأجهزة المختلفة وقد وجد
ثلاثة نواقل في الجهاز العصبي تلعب دوراً هاماً في القلق النفسي هي
النورابنفرين (Norepinephrine) والسيروتونين (Serotonin) والقابا (GABA) .
العوامل الوراثية : أثبتت الدراسات وجود عوامل وراثية واضحة في القلق النفسي سيما في مرض الفزع Panic Disorder .
وعندما نتحدث عن القلق النفسي فإننا نتحدث عن مجموعة من الأمراض التي تندرج
تحت هذا المسمى وكل مرض يتميز ببعض الخصائص المميزة له . من هذه الأمراض :
الفزع والخوف البسيط Simple phobia
رهاب الخلاء Agora phobia
الخوف الاجتماعي Social phobia
الوسواس القهري Obsessive compulsive disorder
قلق الكوارث Post traumatic stress disorder
حالات القلق الحاد Acute stress
القلق العام Generalized anxiety disorder
القلق الناتج عن الأمراض العضوية Organic anxiety أو استخدام الأدوية Anxiety related to medicine
الفـزع Panic Disorder
الفزع عبارة عن نوبات من الخوف والقلق الشديد المصحوب بأعراض جسمية والتي
تحدث فجأة وتصل ذروتها في خلال عشرة دقائق ، ومن هذه الأعراض خفقان القلب
والعرق والرعشة وصعوبة التنفس والإحساس بالاختناق وألم الصدر والغثيان
واضطراب الهضم والإحساس بالدوخة والصداع والخوف من الموت حيث يعتقد المريض
أن تلك النوبة ليست إلا أعراض الموت . وكثيراً ما يكون مصاحباً لأمراض أخرى
كأمراض القلب أو أمراض الجهاز العصبي ورغم أنها تعرف بمفاجأتها للمريض إلا
أنها قد تحدث عقب إثارة شديدة أو مجهود عضلي أو جنسي أو مصحوبة بشرب كميات
من القهوة أو الخمرة .
الخوف الاجتماعي Social Phobia
وهو الخوف الشديد والمستمر في المواقف الاجتماعية التي لا تثير الخجل لدى
الآخرين ويحدث للمريض الارتباك والشعور بالإحراج من تلك المواقف التي تحدث
أمام الآخرين أو مقابلة شخص ذو مسئوليات أعلى أو الأكل والشرب أمام الآخرين
أو عند إمامة الصلاة أو إلقاء درس ، ويتركز الخوف في الشعور بمراقبة
الآخرين وتصل نسبة احتمال الإصابة بالخوف الاجتماعي إلى 13% من الناس ويؤدي
هذا الخوف إلى تعريض علاقات المريض الاجتماعية والعملية إلى التأثر
والتدهور . ويصحب الخوف أعراض جسمية كالخفقان وسرعة التنفس وجفاف الفم
ورعشة الأطراف .
الوسواس القهري Obsessive compulsive disorder
هو عبارة عن اضطراب في الأفكار أو الأفعال ويستغرق وقتاً طويلاً من المريض
وقد يعيق المريض عن أداء واجباته ومسئولياته ويظهر على شكلين:
وسواس الأفكار Obsessional thoughts
وهو عبارة عن أفكار ملحة ومستمرة أو شعور أو صورة غير سارة يعرف المريض
بسخافتها ولا يستطيع كبتها . وعادة ما تكون الأفكار حول الدين والطهارة أو
الجنس أو المرض . كالتفكير في الإصابة بمرض ما كالإيدز مثلاً أو مرض جنسي
أو مرض في القلب أو السرطان مثلاً ، وكثيراً ما يتجه المرضى إلى العيادات
غير النفسية للبحث عن مشاكلهم . يصحب الاكتئاب النفسي أكثر من 50% من
الحالات .
وسواس الأفعال Rituals
وهو تكرار أفعال معينة كتكرار الوضوء أو تكرار الصلاة أو أجزاء منها أو غسل اليدين أو الاستحمام وقد تستغرق وقتاً طويلاً .
القلق النفسي العام Generalized anxiety disorder
يعرف على أنه التوتر وانشغال البال لأحداث عديدة لأغلب اليوم ولمدة لا تقل
عن ستة اشهر ويكون مصحوباً بأعراض جسمية كآلام العضلات والشعور بعدم
الطمأنينة وعدم الاستقرار وبضعف التركيز واضطراب الذم والشعور بالإعياء
وهذه الأحاسيس كثيراً ما تؤثر على حياة المريض الأسرية والاجتماعية
والعملية وغالباً ما يصيب الأعمار الأولى من الشباب ولكنه يحدث لجميع
الأعمار ...
..... مما راق لي ..... تمنياتنا لمرضانا بالشفاء العاجل . وللمعنين بدوام التوفيق . اخوكم سيد علي الموسوي .