[محمد الشرع]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


السياسي كلاعب الشطرنج يختبر الممكن والمستحيل. ومن ثم يرسم طرق الوصول الى هدفه ، وبعض التحركات تكون اختبارا للسياسي سواء حضّر لها او اتت صدفة . ومنطقة الشرق الاوسط اكبر مختبر الان في الصراع السياسي والحضاري.


وهكذا فان الحرب في غزة مطلوبة عالميا لاختبار امور مجهولة لحد الساعة ، سواء صدرت بقصد الاختبار او أو انها لسبب ايقاف تقديم الفلسطينيين لمشروع اعلان فلسطين دولة مراقبة في الامم المتحدة ، أو ان بدء الحرب كان لسبب انتخابي اراد منها نتنياهو كسب الاصوات المتشددة الداعية الى الحرب ، وهذا الاحتمال هو الاقرب وبه قال اكثر المحللين ، وهو يكشف مستوى الجهل عند نتنياهو ومخابراته حيث لا يعرف عمق المأزق الذي وقع فيه حيث دخل في حرب كاشفة لقدرات اسرائيل المتواضعة في صد الهجمات. (وللطرفة فان تحليلات العوران من العربان تقول بان هذه الحرب كانت لطرد اهل غزة الى سيناء ولكن الصمود الاخواني المصري افشل المخطط ، وهناك بعض المأبونين يقول بان هذه موامرة ايرانية اسرائيلية من اجل التغطية على ما يجري في سوريا ، وبعضهم يقول بان هذه تمثيلية لنصرة بشار الاسد ، فقد خلت هذه القحوف من الادمغة واصبحت فخارا فارغا رنانا لا يعقل شيئا فلهذا تعتبر هذه العقول الفذة بان اسرائيل التي تدفعهم الى الحرب مع سوريا تريد ابقاء بشار الاسد ، وهكذا هم المخبولوين والمستضعفون عقليا ...) .


بصورة عامة اسرائيل تواجه مأزقا خانقا لا شك فيه ، حيث يوجد من هو مصمم على ازالة العدوان وازالة جسر الفساد في العالم الاسلامي. وهذا الفريق يمتلك مقومات جديرة بالتفكير .


اسرائيل هي جائزة التفوق المالي للكيان المصرفي المالي اليهودي . وهذه الجائزة الاجرامية معرضة الان بشكل جدي للمخاطر الحقيقية نتيجة اخطاء قاتلة في التأسيس والبقاء .


اصحاب رؤوس الاموال اليهود لا يقبولون تعرض هذه الجائزة للدمار . ولكنهم يدركون ان اخطاء الكيان الصهيوني باعتماده النصرة والدسائس من قبل العرب خلق له اعداء لم يكن له معه مشكلة حقيقية ، فقد خلقت اسرائيل الاعداء الحقيقيين بتهديدهم والتدخل في شؤونهم وهو سوء تصرف واضح ، وهو امر لا يصح البسط فيه الان.
فهذا جهل حقيقي وسوء تقدير للامور واستعداء في غير محله وكان ينبغي لاسرائيل ان تقبل بالنصرة العربية العظيمة وتعيش ساكنة بدون تحرشات وتدخل في شؤون المنطقة .
ومما زاد الطين بلة إن اسرائيل اعتمدت على المعلوماتية الامريكية ، ولم تعلم بان دوائر المعلومات في امريكا ضعيفة التحليل ولا تفهم خصائص المجتمعات الشرقية ولا الشرق اوسطية وهي تُضلل بسهولة نتيجة اختراق بسيط بسبب الشهوات والاموال وان مصدر معلوماتها في الشرق الاوسط هم انفسهم الذين يضللون اسرائيل كما ان اسرائيل نفسها هي مصدر هذه المعلومات ولهذا فهناك دور واضح لا يكاد يخرج منه هل الخطأ والخطل.


لقد اثبتت الاحداث خلال عشر سنوات على اقل تقدير بان المعلومات الامريكية قاصرة جدا وتحليلها ضعيف جدا وهي لا تميّز بين القوي والضعيف وبين المخلص والخائن ولا بين من يصح مصادقته ومن لا يصح مصادقته ، وهذا مصدر خطر كبير على كل قوة كبيرة تعتمد على القوة المجردة عن صواب التحليل والمعرفة. وهذا هو سر الانتكاسات الامريكية في منطقة الشرق الاوسط منذ ثلاثين سنة ، ولكنهم يبرون ذلك بان هناك عوامل خارجية تعرقل التحرك الامريكي وان المسيرة العامة في تقدم ، بينما العكس هو الصحيح ، وهذا دس للرأس في الرمال ، والحقيقة بمعزل عن هذا ، لأن الامريكان لم يفهموا حقيقة المنطقة الا من خلال قطاع طرق تحولوا الى حكام لا يفهمون شيئا في دين وحقائق المنطقة وطبيعة انسانها . ون كان هذا مصدر معلوماته فليس امامه الا الخسران وتضييع الهدف وعدم معرفة رأس الخيط.


اسرائيل حين علمت انها مهددة بالصواريخ والطائرات ، حاولت ان تقلد القبة الحديدية التي احدثها الاتحاد السوفيتي السابق لموسكو بفاعلية 100 في المائة ، ولكن الغرب لا يملك الا ثلاثة انظمة بدأت بكفاءة عشرة في المائة ، وتطورت خلال عشرين سنة الى درجات اعلى في الكفاءة ، واهمها نظام باتريوت غير الكفوء .


ادعى وزير دفاع اسرائيل بان اسرائيل تمتلك اعظم واهم واول قبة حديدية في العالم ، ولكن هذا كذب فموسكو منذ الثمانينات تمتلك هذه القبة وبكفاءة 100 في المائة ، بينما اسرائيل لا تزال تجرب قبتها غير المكتملة وغير الدقيقة .


بعد ثلاثين سنة من تكوين قبة موسكو باستخدام منظومة أس (S) ، تطورت بنية الصواريخ والطائرات باتجاه التخفي والفاعلية والتملص من المضادات ، مما يقلل من فاعلية القبة المضادة مما يعرض الاهداف المحمية للتدمير. وهنا لا يغفل اصحاب القبة في تطوير الرصد ودقة اصابة الصاروخ الذكي والمتفلت ، الا ان ذلك يبقى طي الكتمان . وحين تبدأ المعركة يتبين للناس قاصيهم ودانيهم مدى الفاعلية للدفاع وللهجوم .


ان اسرائيل تهدد بالقصف ايران التي تمتلك نسخة مطورة من قبة موسكو على اغلب مواقعها المهمة .
وايران تهدد بالقصف اسرائيل التي تمتلك اعظم وافضل واول قبة حديدية كما يقول وزير دفاعها .
فما واقع التهديدين ومن يستطيع ان ينفذ تهديده؟


الاحداث والوقائع طيلة عدة عقود اثبتت امورا مهمة في مجال الردع المتبادل :


اسرائيل مدعومة من قوة هائلة في مجال نقل الشحنات المتفجرة الى اهدافها ، وهذا الدعم لا يقتصر على البيع والهدايا العسكرية وانما يتعداه الى نقل اسرار التكنولوجيا الخطيرة التي تنطوي عليها المعدات الدقيقة.

وايران ناشئة في تطوير نواقلها وشحناتها (مع عدم نسيان الحصار والمحاربة والمنع من الحصول على تكنولوجيا الدفاع) .


وهنا الميزة لاسرائيل قطعا وفق هذه المعطيات .

اسرائيل تمتلك قبة حديدية تتحدث عن قدراتها دائما . وتصفها باوصاف ترعب من يفكر بها وفق اقوالهم وتحليلاتهم.


وايران تقول إن مواقعها تم حمايتها بمنظومة أس الروسية المصنعة ايرانيا . وهذا يضفي ظلالا من الشك على مدى فاعليتها حيث انها ليست النسخة الروسية الاصلية لان روسيا لم تسلمها لايران لحد الساعة بضغط من الغرب وقد قامت ايران بتحليل المنظومة وتقليدها .


فهنا الميزة لاسرائيل قطعا وفق هذه المعطيات .


وبعد سنة 2006 والهجوم الاسرائيلي على لبنان اصبح كل الحراك في غموض وخفاء نتيجة السعي التكنولوجي للتفوق بين الجانبيبن بسبب حدوث اهم ثلاث ثغرات في دفاع الكيان الصهيوني . اولها انكشاف هشاشة درع المشاة الاسرائيلي بواسطة صاروخ كيرميت الموجه ليزريا، والثاني عدم قدرة المضادات الاسرائلية على اعتراض الصواريخ الموجهة للمدن الشمالية ، والثالث وجود تهديد حقيقي على القطع البحرية الثمينة والرهيبة بضرب المدمرة المتفوقة عالميا (ساعير) التي تعتبر فخر الصناعة العالمية في الحرب البحرية . والاسرائيليون وحلفائهم يريدون سد هذه الثغرات ، وجبهة الممانعة تريد توسيع هذه الثغرات وفتح غيرها .

وهكذا سعت كل من اسرائيل وحلفائها الغربيين وكذا محور المقاومة لتغيير المعادلة بشكل اوسع ، وكل يدعي انه سد الثغرات التقنية في نظمه الدفاعية والهجومية ، ولم يستطع المحللون معرفة حقيقة الفاعلية الا من خلال مناورات عسكرية كل يدعي انها تمت بنجاح منقطع النظير .
فما هي الحقيقة ؟
وما هو ميزان الحقيقة .


لا احد يمتلك المعايير الحقيقية لكشف اسرار التسلح وكشف اسرار التقنيات المتقابلة لأن ذلك طي الكتمان ومن اختصاص العسكريين المباشرين وليس من اختصاص المثقفين بثقافة عامة كامثالنا ممن لا يعرف الاسرار .


ولكن حدثت امور قد تكون مؤشرات تبيّن حقيقة القوة في المنطقة .


فهناك طائرة تخفي امريكية استطاع الايرانيون رؤيتها وانزالها سليمة ، وهناك قمر صناعي تابع للسي أي أيه تم السيطرة عليه من قبل ايران مع تغيير مساره ، وهناك طائرة تجسس امريكية تم رصدها واطلاق النار عليها تحذيريا للدلالة على مراقبتها طيلة الفترة كما اعترف الامريكان ، وهناك المدفع الروسي المعروف بمجمع "بانتسير" قاتل الاسلحة الذكية الطائرة في شمال اللاذقية الذي اسقط طائرتين من طراز أف 16 تركية ، وهناك طائرة ايوب التي تخترق اسرائيل من دون كشفها من قبل اربعة اساطيل متواجدة تحتها (اسرائيل وامريكا وبريطانيا والمانيا وقيل بوجود قطع فرنسية وايطالية ولم يتأكد الخبر ) .
فبكل بساطة فان هذه المؤشرات تدل على ان التخفي الغربي مكشوف وان تخفي الممانعة غير مكشوف ، وان القدرة على الصد وتدمير الاهداف الهجومية عند الممانعة ثابت وسليم لحد هذه الساعة ، بينما هو عند اسرائيل وحلفائها لم يكن بهذا المستوى ولا يستطيع صد جميع الهجمات.


وبهذا فقد اصبح وصول المهاجم الى اسرائيل سهل ، بينما وصول المهاجم الى ايران صعب ، على اقل تقدير وابسط تعبير.


ولكن اسرائيل ادعت انها لم تظهر كل ما في جعبتها من القوة والقدرة على الصد والكشف ، وان كشفها اعظم بكثير مما يتصور الناس وانها تستطيع اسقاط حتى الطيور في السماء وقبتها لم تعمل لحد الان وفي التجربة سيندهش العالم من الحصانة العجيبة لهذه القبة .


والان جاء دور الحرب على غزة ، فتفاجأ العالم بان صواريخ فجر الايرانية تم نقلها ونقل تقنياتها الى غزة وكذا صواريخ بدر فقد اعلن عن اطلاق صاروخ (M75) وهو بهندسة صاروخ بدر الايراني في ضرب مسافة ابعد من 80 كيلو مترا ، وهذه عملية تقنية معقدة فان نقل صواريخ بهذا الحجم الى مناطق محاصرة كليا (برا وبحرا وجو) هي عملية تقنية خطيرة جدا تشبه اعمال الجن حيث ان منطقة محاطة باعداء ايران المتحسس منها بشكل لا يتصور ويمكن وصفه بجنون رهاب (ايران) فان اسم ايران في محيط غزة يجعل الانسان يتصرف بعصبية وانعدام المنطقية . فهل تم تسريب الصواريخ من تحت السفن الامريكية والاسرائيلية ؟ أم تقلتها طائرات مخفية ؟ أم سيارات اجتازت حدود دول عديدة لتوصلها الى هذا المكان المعزول حتى من الطعام والدواء؟ أسئلة محيرة جدا !! (استطرادا اذكر بان هذا التصرف من ايران غيّر لعبة السياسة في دعم حركات التحرر حيث كانت الدول الكبرى تزوّد حركات التحرر أو حركات المناهضة باسلحة خفيفة ادت الى نمو الجريمة في المجتمعات التحررية وتحوّلت حركات التحرير الى مجموعة مجرمين وقطاع طرق جامعي خاوات ، بينما قدمت ايران التقنية السرية لصناعة السلاح الثقيل المدمر مما ادى الى انضباط اجتماعي نسبي في كثير من الاحيان وهذا له شواهد كثيرة ليس تفصيلها هنا ) .


وتبين ان القبة الحديدية لا تستطيع صد الصواريخ اذا زادت عن صاروخين في ان واحد (اعلنت اسرائيل بانها قادرة عن صد ثلاثين صاروخا في آن واحد) بل ان صواريخ مفردة وصلت الى اهدافها في عاصمة دولة الكيان الصهيوني الغاصب . فقد وصل الصاروخ البسيط ذو التقنية القديمة المعتمدة على تقنية المانية من زمن الحرب العالمية الثانية الى هدفه واخترق القبة الحديدة بسهولة ملحوظة ، فثبت فشل هذه القبة المليارية التكلفة والتي ساهمت فيها عدة دول متقدمة تقنيا .


وبهذا فقد تبين ان حسابات القوة تقول انه لو كانت القبة الايرانية ضعيفة وليست بقدرة قبة موسكو فان قدرة ايران على الرد بالهجوم المعاكس مؤثرة جدا نتيجة ثبوت امكانية الوصول الى الاهداف داخل اسرائيل ، ولن تكون اسرائيل بمنأى عن الضرر الخطير الذي لا يمكن ان تتحمله اسرائيل قطعا ، فكيف والدعوى ان القبة الايرانية مطورة عن قبة موسكو وهي النسخة الثالثة او الرابعة عن تلك النسخة الهامة بل تتكلم ايران عن التطوير الى مستوى (S400) حيث التمكن من اسقاط الاهداف السريعة جدا 5000 متر \ الثانية والاهداف الواطئة الارتفاع اقل من 100 مترا والاهداف العالية جدا 27 كيلو مترا ارتفاعا ، والاهداف البالغة الصغر 2 انج مكعب ، والاهداف البعيدة 600 كيلو متر ، والاهداف الذكية والصواريخ المجنحة المناورة ، وهذا الادعاء لو صح فانه بمواصفات منظومة (S400) وليس بمواصفات منظومة (S300) التي قرأنا اعترافا روسيا بان ايران استطاعت ان تصنع هذه المنظومة بينما لم تستطع امريكا ان تصنعها رغم انها اشترت المنظومة واستلمتها وحللتها لمدة سنة ونصف وحين عجزت عن تقليدها اعتذرت عن اكمال الصفقة وارجعت الدفعة الاولى كما اعلنت روسيا وكما اعلن مصمم المنظومة في برنامج خاص في قناة روسيا اليوم .


فحرب غزة انهت الدروس من ثالث يوم وانتهى امرها ، وما بقي فهو مناورات فقط . فقد انتهى المنتظر من هذه الحرب عند المراقبين من ثالث يوم او حتى ثاني يوم ، والبقية هو لستر فضيحة اسرائيل والتعبير عن الحقد وممارسة شهوة القتل اكبر مدة ممكنة ، فقد انكشفت قدرات اسرائيل الفعلية وانكشفت كل سوءاتها وان كل تهديداتها ما هي الا خزعبلات تثبت سر الوثوق الايراني بتدمير اسرائيل اذا تحرشت بايران . ولهذا قبلت اسرائيل ولاول مرة فك الحصار عن غزة في اتفاقية انهاء المعركة اليوم فان هذا المطلب كان مرفوضا لمدة ثلاثة ايام ، وهذا يدل على ضعف خطير في الكيان الصهيوني الذي لا يفهم الا منطق القوة. وهذا بفضل مجازفة ايران بايصال الاسلحة الثقيلة المؤثرة في ميزان القوى في منطقة الشرق الاوسط وقد ادخل غزة في قلب المعادلة بشكل حقيقي . (وللطرفة رأيت مذيعا مائعا في قناة المستقبل يناقش بحقد حركات ايران وحزب الله فيصف صواريخ فجر5 بانها [اسطل خردة اي انبوب حديد صدء ] لا يؤثر بشيء ، ويطالب ايران وحزب الله بالدخول في القتال فورا بدون حسابات للارادة الدولية مدعيا ان العقيدة تحتم هذا ، ولكن هذا الاسطل الخردة قد جعل اسرائيل تقبل بما لم تقبله سابقا وهذا من السخرية العائدة الى صاحبها الذي لا يعرف الخجل) .


فقد اضافت هذه الحرب دليلا جديدا على هشاشة الموقف الاسرائيلي العسكري امام الاسود ، كما تبين حقيقة صلابة هذه القوة بشكل مهول امام النعاج . ولهذا فاننا اصبحنا مطمئنين انه لو تهورت اسرائيل فانها ستكون سائرة الى حتفها بتقديم المبررات لمقابلتها بضربة توسع المعركة بشكل كبير لا تستطيع اسرائيل ان تفوز بها في الاسلحة التقليدية ، فكل ما تحتاجه ايران هو المبرر الدولي لعملها التاريخي .


وقد يضاف الى كل الدروس الظاهرة من هذه المعركة ، ظهور حقيقة وهي ان ايران لها ارادة في الضرب والرد ، وهذا امر مهول في عالم السياسة لانه في عالم التوزانات الدولية تنعدم ارادة الدول غير المدعومة من الكتل القوية (الدول التابعة او الضعيفة) ، فليس من حق دولة عربية او عبرية ان تضرب من ارادتها فقط ، فهذه اسرائيل تتوسل بالغرب للسماح لها بتهور ودعمها من اجل تهديد ايران تهديد وجود ، ولكن لم يعطها احد ذلك الاذن ، بينما ايران هي من يعطي الاذن للرد والضرب ، وهذا جزء غير منظور في المعادلة عند عموم الناس ، وانما هو منظور عند الخاصة واهل الفكر واهل القرار فهو حالة فريدة الان في المنطقة ، بخلاف حال الدول العربية وتركيا وباكستان والدولة العبرية فانها جميعا لا تستطيع التحرك بدون اخذ اذن خاص بالتحرك.


قد يقول قائل ان اسرائيل لديها القنابل الذرية فهنا التوازن مختل ، ولكن نسي هذا القائل ان اسرائيل لا تستطيع ان تضرب بهذه القنابل ، فان ايران لديها ما يقتل الاسرائليين بالمواد الكيمياوية القاتلة التي تخلف ورائها الموت الرهيب بدون خسارة العمران . وهذا له مغزاه . وهذا السلاح يكفي لازال عدة قارات كما يعلم العسكريين عن المخزون الايراني ، ( بالمناسبة فانني اعتقد بان اسرائيل لا تمتلك سلاحا نوويا وانما هي من يسرب هذه المعلومات للتلويح والتخويف فقط ، فان امريكا لم تسمح لها بامتلاك قنبلة وانما اخبروهم بان القنبلة الامريكية هي للدفاع عن اسرائيل فلهذا فهي لا تمتلك قرار استعمال هذا السلاح وهذا الاعتقاد نتيجة تأمل في كثير من مجريات الامور) .


وقد يقول قائل بان اسرائيل سمح لها باستعمال قنبلة كهرومغناطيسية امريكية ستعطل كل النظم الالكترونية الايرانية ، ويقابلها ان ايران لن تترك الساحة بدون تخريب للاجزة الاسرائيلية وغيرها وهناك ما يشير الى استلامها او صنعها لهذه القنابل المعطلة للالكترونيات ، فيتعادل الطرفان ويعود الى حرب الارادات بادوات بدائية جدا وهو امر في غاية الخطورة على اسرائيل . كما ان تاثير هذه القنابل محدود المساحة كما ظهر من حرب الخليج ، مع متغير مهم هو ان اسرائيل ستدك من لبنان وليس من ايران فقط ولا تستطيع اسرائيل ان تستعمل هذا السلاح فهو سيدمر اجهزتها لقرب الجيشين شمال اسرائيل .


فالتوازن اذا لم يكن مختلا لصالح ايران ، فان التوازن موجود على اقل تقدير بينهما . فان ايران في العقد الاول والثاني من القرن الواحد العشرين غيرها تماما عن ايران ابان الحرب الايرانية العراقية في العقد الثامن من القرن العشرين .


وهذه معطيات تدعو السياسي العاقل الى التأمل وتبديل خططه واهدافه ودراسة واقع الحال بصورة جدية وصحيحة.


فهنا ليس امام العقلاء الا ترك دسائس النواصب الحاقدين ، وتغيير السياسة جذريا من اجل السلامة واستمرار الحياة ، لان النتائج كارثية بكل معنى الكلمة ، فالنتيجة اما قبول زوال اسرائيل وبلع الموس أو الدخول بحرب كونية ليس فيها منتصر والبقية لمن يبقيهم الله بفضله فقط. والتاريخ القدساني يحدثنا بمن يبقى وبمن يزول في الكارثة الكونية الشاملة وهي لصالحنا وليست لصالحهم بل في كتبهم ان زوالهم يكون في هذه الحرب الكونية وانتصارنا وبقائنا بها مع الفارق الكبير في الاسلحة والمعدات والعدد والعدة.


واول من يجب أن يعيد حساباته هو الولايات المتحدة الامريكية ، فانها المعنية لئلا تفقد المنطقة وتتحول الى العالم الثاني او الثالث ، كما حدث للاتحاد السوفيتي ، فان العقل يقتضيها أن تنتبه ممن كان له 16 مجرما من اصل 21 في احداث أيلول ، وان تعيد كل القراءة الكاذبة التي بنت عليها قراراتها من نفس المصادر التي قتلت ابنائها بدون سبب ، فلو بدلت من سياسيتها بالاتجاه الصحيح وتركت اهل الكذب والدجل والجرائم فان البقاء للقوة الامريكية في هذه المنطقة ممكن جدا بالتوافق مع المنطقة ، بينما بخلاف ذلك لا يوجد أي محلل يحترم نفسه يعطي اي ضمان في بقاء هذه القوة في منطقة الشرق الاوسط لتكون قادرة على تنفيذ ارادتها ، وهي القادرة الان على ادخال الحيّات في جحورها والنعاج في زرائبها ، وازالة بعض الكراسي المزعجة والابقاء على البعض في قوقعة الهدوء والسكينة لتكون منسية لئلا تثار حولها العواصف بدل اثارة الشغب العالمي حولها من اجل الظهور والتباهي والاعتداء والتطاول على من هم ارقى منهم حضارة وانسانية .


ان الولايات المتحدة مدعوة الى اعادة الحسابات ، وعليها ان تتعلب الحب والخير بدل القوة والدمار ، لان ارادة المناهضة متوفرة ووسائلها ميسرة ، ومصالحها في المنطقة لم تنتهي حتى لو انتهت من مشكلة الطاقة عندها، ولسببين اساسيين هما : الاول عدم ايجاد المبرر لتعاظم القوى الممانعة بعملقة مطردة مما سيؤدي بعد عقود الى الوصول الى ابواب القارة الامريكية ، والثاني من اجل تجنب المشاكل والسقوط المحتم نتيجة ارادة المنطقة . وقد يضاف اليها سبب ثالث غير منظور وهو البعد الاخلاقي في سوء اختيار طريق الاشرار والكذب والشهوات فان القيم الاخلاقية الرفيعة تدعو الولايات المتحدة ان تحيد اليها لا عليها ، كما هو المسلك حيث ترعى المشاريع القذرة منذ الحرب العالمية الثانية بدافع القوة والغرور ، وعلى الولايات المتحدة ان تعرف ان كل تحليلات مارتن اندك وامثاله من عرب وعجم من المرضى والكذابين حيث يقربون القدرة على الاحتواء فهو كذب وتزوير للحقائق ، ويعطي الادارة الامريكية دفعه قوية نحو الجهل وضعف التحليل وتضييع الهدف . فهذا العراق اثبت ضعف القدرة المعلوماتية للولايات الامريكية بسبب مصادر المعلومات التي لا تفارق الكذب والحقد والضغينة وحدث ما حدث من نزاع داخل الولايات المتحدة من مناكفات فكرية وصراع ارادات من اجل التعقل وقد ايد الشعب الامريكي نزعة الميل نحو التعقل باختياره من طرح اعادة الحسابات ، فعلى هذه الادارة ان تدرس القدرة والارادة المقابلة وان تقرر ايهما اقرب للاخلاق وايهما اقرب للانسانية وايهما اقرب للمصالح الامريكية .


قطعا نحن نتكلم في منتدى محصور غير موجه للعالم (غربيا او شرقيا) الا انه لا يمنع ان نعبر عن وجهة نظرنا أو التمني لحماية المنطقة من مآسي فضيعة وللشفقة على قوى ومبادئ تتهاوى كورق الخريف نتيجة سوء التصرف .


والله يوفق من وجد في قلبه الانسانية والطيبة التي يقابل بها الانسان خالقه وبقية المخلوقات.


وهنا يجب أن ننبه الاخوان المسلمين لما فيه خيرهم حيث ان ميلهم واصطفافهم للقوة المالية الوهابية المجسمة ولمجموعة الجواسيس وعملاء الغرب كدول الخليج وتركيا ، لهو خطأ فادح ، فيجب أن يعرفوا من هو معهم فعلا ؟ ومن هو خائن لهم يدل الاعداء على بيوتهم ، ان هذه المحنة التي مر بها بعض الاخوان المسلمين يجب ان تعيد التفكير في تعريف العدو والصديق الحقيقي من قبلهم ، فان ترديد مرسي وغيره قول الوهابية بان الشيعة اخطر من اليهود والنصارى ، اثبت فشله عمليا واثبت انه كذبة تاريخية سخيفة وان اكبر ناصر للمسلمين عموما هم الشيعة ، حتى من انغمس في العنف والمقاومة منهم ، فانهم لم يتجهوا بالاتجاه الطائفي وكره الاخر واعتباره اخطر من اليهود والنصارى ، مع علم الشيعة وقياداتهم بان بعض العرب والمسلمين هم من يدفع باليهود والنصارى لتدمير الاسلام وتمزيقه من الداخل وهم من يقوم بهذا العمل الاجرامي وانهم بالفعل لا يقلون عن اليهود في كرههم للاسلام كما اثبتته الايام الاخيرة من اصطفاف هؤلاء مع العدو الصهيوني ، ولكن لم يؤثر هذا على الشيعة ولم يعمموا بل يعرفون ان هؤلاء مدسوسين على الاسلام وما هم الا جواسيس اسرائيل والقوى الاستعمارية .


ان الهجمة البدائية على الشيعة من قبل جواسيس الكنيست في دول الخليج سوف لن تقف الا بالهجمة على اهل السنة من اشاعرة وصوفية ممن انبثقت من وسطهم حركة الاخوان المسلمين . فانهم ليسو بمعزل عن هجوم هذه الوحوش البشرية التي توجد معايير غير شرعية لقتل المسلمين وهذه المعايير نفسها التي سوف تقضي على حركة الاخوان قبل غيرها لانها الحركة التي يمكن ان توقف نمو الحركة الوهابية في اختراق الجسد السني ولهذا فهي العدو الحقيقي للحركة السلفية .
وليس صحيحا ان يقال ان اتحاد المذهب السني سوف يؤدي الى الوحدة الحقيقية ، فان الحركة الوهابية حركة منحرفة عن المذهب الحنبلي لا يرضى بها حتى الحنابلة ، بينما حركة الاخوان تضم الاحناف والشافعية الذين يعتبرون اعداء حقيقيين للحركة الوهابية المكفرة لهم والتي ترى وجوب قتلهم كلما حانت الفرصة السانحة. فان على هذه الحركة ترك الفكر الطائفي الذي انغمست فيه وترك الانجرار وراء الجواسيس حيث جرتهم في سوريا الى الوقوف مع المشروع الصهيوني وضد المشروع الاسلامي والعربي الذي يحقق كرامتهم ، وعليهم ان يفهموا انهم ضيعوا البوصلة نتيجة استماع وسوسة الشياطين ممن يدعي الرجوع الى السلف فهؤلاء ما هم الا اصوليين اوربيين يؤمنون بالقتل لتحقيق اهداف سرية لا يعرفها الا اصحاب القرار في اوربا وامريكا واسرائيل .
فان الحركة الاخوانية الان قد اتبعت بعض الاختراقات الغريبة عن جسدهم كما اخترق غول واردغان مجموعة المرحوم اربكان التي كانت نعم الحركة التوحيدية التي تهدف لرفع مستوى المسلمين بينما قد ضمن اردغان هيمنة اسرائيل على القرار الاخواني التركي ، وهكذا الحال لكثير من الاختراقات في الجسد الاخواني مثل مجموعة محمد قطب التي انشأت منظمة القاعدة باشراف وكالة المخابرات المركزية الامريكية . فعلى الاخوان ان يعملوا الان على تحديد المفاهيم الاساسية وتحديد الاخ والصديق مقابل العدو والخبيث الحقيقي ، وليس على اساس الصداقة التمويلية التي تقوم بها بعض القوى المالية المرتبطة بمجموعة المستر روتشيلد والتي تدير الاخوان بواسطة المساعدات وتوجيه الاوامر السرية وتغذية الحقد وتحويل بعض افراد الاخوان الى وحوش بشرية كما يحدث الان في سورية وفي بعض اجزاء لبنان حيث تحول الانسان الاخواني على يد هذه المجاميع المشبوهة الى وحوش تتغذى على لحوم البشر بشهية لا يوجد مثلها في السباع فان السباع لا تأكل اخوانها .
واخيرا نذكر حركة حماس ان الشيخ عز الدين القسام رجل دين شيعي ادرك خطورة ما يجري في فلسطين فتصدى بنفسه وروحه لانقاذ الاقصى من براثن اليهود ، وهذا تذكير بكذب الحركات الموالية لاسرائيل بالشغب والدفع نحو الطائفية ، وعلى حماس ان تعرف الاخ والصديق بدون هذا العداء الطائفي الدفين الذي يغذيكم به اتباع كوهين ومردخاي في جزيرة العرب .