الفتوى: هي بيان الحكم الشرعي في قضية يسأل عنها الفقيه. والمفتي هو الفقيه المتصدي لأسئلة المستفتين، الذي ينبغي أن يكون مستوفياً للشروط الواجبة في المفتي. على ما ذكرها العلماء.
قال ابن القيم: "ولما كان التبليغ عن الله سبحانه يعتمد العلم بما يُبَلَّغُ والصدق فيه لم تصلح مرتبة التبليغ والفُتيا إلا لمن اتصف بالعلم والصدق، فيكون عالماً بما يبلغ صادقاً فيه، ويكون مع ذلك حَسَن الطريقة مرْضي السيرة، عدلاً في أقواله وأفعاله، متشابه السر والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله، وإذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله، ولا يجهل قدره وهو من أعلى المراتب السنيات، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسموات، فحقيق بمن أقيم في هذا المنصب أن يعد له عدته، وأن يتأهب له أهبته، وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه ولا يكون في صدره حرج من قول الحق والصدع به، فإن الله ناصره وهاديه. كيف وهو المنصب الذي تولاه بنفسه رب الأرباب فقال تعالى: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ﴾(النساء/127)، وكفى بما تولاه الله بنفسه شرفاً وجلالة، إذ يقول: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ﴾(النساء/176). وليعلم المفتي عمن ينوب في فتواه، وليوقن أنه مسؤول غداً وموقوف بين يدي الله".
ولا بد للفتوى من مستند شرعي من كتاب أو سنة، ولا بد لها من مراعاة مقاصد الشريعة السامية التي جاءت لتحقيقها، فلا تفصل المسألة عن ظروفها وحيثياتها ولا يغفل عن آثارها وما ستتركه من نتائج، ولا بد للمفتي أن يكون كَّيساً فطناً مدركاً لحال طالب الفتوى ولظروفه، مستشرفاً لهدفه لاسيما عندما تكون الفتوى في شأن عام أو أمر يمس شرائح واسعة من المجتمع الإسلامي.
فقد ورد أن ابن عباس جاءه رجل يستفتيه، يقول: هل للقاتل من توبة؟ (وكان رضي الله عنه يرى أن للقاتل توبة) فاعمل بن عباس نظره في الرجل صعوداً وهبوطاً ثم قال للسائل: ليس للقاتل توبة. فعجب أصحابه من جوابه، وسألوه بعد مغادرة الرجل عن سر تغيير فتواه فقال: نظرت في وجه الرجل فوجدته مغضَباً، وغلب على ظني أنه يريد أن يقتل أحداً، فقلت له ما قلت حتى لا يقتل. وفي هذه الفتوى نرى كيف أن ابن عباس نظر في مقصد الشارع الحكيم فأفتى بما يحقق هذا المقصد.