أقر مجلس الوزراء اليوم برئاسة خادم الحرمين الشريفين أكبر ميزانية في تاريخ المملكة فقدرت الإيرادات بـ 829 مليار ريال ومصروفات تقديرية 820 مليار ريال وفائض بلغ 9 مليار ريال. وأظهرت البيانات تسجيل فائض في ميزانية عام 2012 بحوالي 386 مليار ريال. وبلغت الايرادات 1239 مليار ريال والمصروفات 853 مليار ريال. واعتمدت الميزانية لقطاع التعليم 204 مليار ريال…
مشايخ النفط في هذه السنوات يحققون أرباحا خرافية بسبب ارتفاع أسعار النفط عالميا، وأكثر من لديه فائض مالي هو شيخ قطر. نحن رأينا كيف أن شيخ قطر دفع 20 مليار دولار لمحمد مرسي لكي يشتري سياسته الخارجية. هذا مبلغ كبير وليس قليلا. ناهيك عن الأموال الطائلة التي أنفقها شيخ قطر لتدمير سورية، ولدعم الاقتصاد التركي، ولدعم اقتصاد دولة الحبشة، ولدعم الاقتصادات الأوروبية، ومؤخرا لدعم حماس مكافئة لها على خروجها من محور المقاومة.
أنا غير ملم بكل ما أنفقه شيخ قطر، ولكنني أعلم أنه تقريبا لا توجد دولة حليفة لأميركا في العالم إلا وحصلت على أموال من شيخ قطر. مثلا دولة الحبشة حصلت على مساعدات سخية من شيخ قطر بسبب دورها في الصومال ومحاربتها للإسلاميين هناك. هذه المساعدة هي في الحقيقة مساعدة أميركية ولكن شيخ قطر هو مجرد واجهة. أيضا الأموال التي يدفعها شيخ قطر للإخوان المسلمين هي كلها في الحقيقة أموال أميركية مستترة في زي قطري.
أظن أيضا أن شيخ قطر ينفق أموالا في جنوب شرق آسيا لدعم حلفاء أميركا هناك. من الصعب إحصاء كل الأموال التي يوزعها شيخ قطر يمنة ويسرة. هذه الأموال تتوزع على كل الإمبراطورية الأميركية بلا استثناء.
دولة قطر هي ليست أكثر من مستعمرة أميركية، وشيخ قطر هو مجرد موظف لدى أميركا. هذه هي الحقيقة. صحيح أن الزمن الآن تغير وصارت هناك مظاهر خادعة، ولكن جوهر الأمور ما زال كما هو. نحن ما زلنا نعيش في عصر الإمبراطوريات الاستعمارية، ولكن الفرق بين الإمبراطورية الأميركية والإمبراطوريات السابقة لها (كالإمبرطورية البريطانية وغيرها) هو أن الإمبراطورية الأميركية تحرص كثيرا على التمويه والتضليل الإعلامي. هي إمبراطورية مستترة تحاول دائما أن تبقي نفسها في الخفاء والكواليس.
لاحظوا في الحرب على سورية مثلا مدى حرص أميركا على إبقاء نفسها في المؤخرة. هي تدفع بأتباعها الأقزام كشيخ قطر إلى الواجهة، ولكن الحقيقة هي أن كل ما تقوم به قطر وفرنسا وتركيا هو بإيعاز أميركي مباشر. كل العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على سورية كانت بإيعاز أميركي، وكل ما قامت به الجامعة العربية تجاه سورية كان بإيعاز أميركي.
حاليا نحن لدينا وضع متناقض:
أميركا تعاني من أزمة مالية حادة
المستعمرات الأميركية في الخليج تحقق فوائض مالية عالية
أميركا (السيد) مأزوم ماليا، ومشايخ الخليج (الأتباع) يملكون فوائض مالية. من الطبيعي والحال كذلك أن يسعى السيد لامتصاص أكبر قدر ممكن من المال من أتباعه.
ما هو أفضل مبرر إعلامي حاليا لامتصاص المال من مشايخ الخليج؟
أفضل مبرر هو موضوع “الديمقراطية” والربيع العربي. مشايخ الخليج لا يريدون ترك السلطة ولا إجراء إصلاحات، وقضية الديمقراطية هي أفضل قضية لابتزازهم وسحب المال منهم.
مشايخ الخليج مذعورون من أن تضغط عليهم أميركا لتطبيق إصلاحات “ديمقراطية”، ولهذا السبب هم جاهزون لكي يقدموا لأميركا كل ما تريده من المال مقابل أن تسكت عنهم.
شيخ قطر تطوع لتمويل الإمبراطورية الأميركية بالنيابة عن أميركا. أميركا الآن هي في وضع مأزوم ولا تستطيع إنفاق الكثير من المال على إمبراطوريتها مترامية الأطراف. هي بحاجة للأموال في عقر دارها ولا تملك الكثير من المال للإنفاق على مشاريعها الاستعمارية في الشرق الأوسط والقرن الأفريقي إلخ. شيخ قطر تطوع لصيانة الإمبراطورية الأميركية لا بل وتوسيعها. هو ربح بذلك تقدير أميركا الكبير له ولنظامه، وبالتي صار يشعر بالحرية إلى درجة أنه حكم على شاعر بالسجن مدى الحياة بسبب قصيدة. هو لم يصدر هذا الحكم على الشاعر إلا لعلمه أن ما أنفقه من أموال طائلة على الإمبراطورية الأميركية سيوفر له الحصانة.
نفس الأمر ينطبق على طغاة آل سعود الذين وصل الأمر بهم إلى احتلال البحرين بالغطاء الأميركي. هم لم يفعلوا هذا وغيره إلا لقاء ما قدموه من أموال طائلة لأميركا تحت عناوين صفقات السلاح وغيرها.
تدمير سورية لا يخرج عن إطار هذه الصفقة بين أميركا ومشايخ الخليج. إعمار سورية هو أمر مكلف وبحاجة لعشرات مليارات الدولارات. من أين ستأتي هذه الأموال؟ الغرب مفلس ولن يدفع شيئا. المصدر الوحيد للمال هو مشايخ الخليج، وهم سبق أن أعلنوا استعدادهم لتمويل إعادة إعمار سورية.
من الذي سيعيد إعمار سورية؟ هل هي الشركات الخليجية؟ لا طبعا. من سيعيد إعمار سورية هي أساسا الشركات الغربية. هذه الشركات ستحصل على عقود بعشرات مليارات الدولارات من المال الخليجي.
تدمير سورية وإعادة إعمارها هو مجرد مبرر جديد لسحب المال من مشايخ الخليج بهدف دعم الاقتصادات الغربية. مشايخ الخليج يربحون من هذه الصفقة تثبيت أنظمتهم، والغرب يربح عقودا بعشرات مليارات الدولارات.
بعد تدمير سورية ستأتي الشركات الغربية لكي تقبض المال الخليجي المنهوب، وشيوخ الخليج سيستمرون في أصدار أحكام الإعدام والسجن المؤبد على كل من يفتح فمه ضدهم من شعوبهم، أي أن الخاسر الأكبر في كل ما يجري هي الشعوب الخليجية التي ستخسر من ناحيتين: من ناحية هم يخسرون عائدات النفط (التي تعود ملكيتها نظريا لهم) ومن ناحية ثانية هم يخسرون أي أمل بالإصلاح والتغيير في بلدانهم، أي أن مصيبتهم مضاعفة وهي أكبر من مصيبة أي شعب آخر في العالم. هم ابتلوا بطغيان مزدوج من شيوخهم الفاسدين ومن المستعمر الأميركي اللص.