الإرهاب الفكري والمواقع الطائفية
قال الله تعالى "إنهم فتية آمنوا بربهم فزدناهم هدى"، توضح الآية حقيقة أولئك الشباب الذين تمردوا على الواقع الفاسد المرِّ وعلى الانحراف الفكري والعقدي والثقافي والاقتصادي والسياسي ففروا من تلك البوتقة الفاسدة إلى نور ربهم، فكان هذا التمرد فراراً من الظلم ومن عبادة غير الله ومن الفكر البشري المنحرف إلى فكر إلهي منير، فاعتزلوا الأمة والعالم من أجل الله، فلما رأى الله تعالى فيهم الإيمان والتقوى وحقيقة الإخلاص في الانتماء إليه صارت نتيجة المعادلة قوله تعالى: "فزدناهم هدى" ففي الرواية من تقرب إلى الله شبراً تقرب الله إليه ذراعاً، ومن تقرب إليه ذراعاً تقرب إليه باعاً، ومن تقرب إليه باعاً تقرب إليه ميلاً، وهذا كناية عن مضاعفة القرب الإلهي أي كلما خطا الإنسان خطوة نحو الله تقرب الله تعالى إليه خطوات.
ان هذه إيديولوجية خالصة مخلصة لله تعالى تشكل وبكل فخر واقتدار واعتزاز وقوة النموذج الملتزم الرسالي وتاريخ المسيرة الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية في زحمة الأنماط المختلفة إيديولوجياً وثقافياً وأخلاقياً واجتماعياً وسياسياً، وتؤكد بكل وضوح أن هذا النموذج الذي ضربه القرآن وأمثاله في خط الإسلام هو الأقدر والأصدق في التعاطي مع هموم الأمة ومشاكلها وقضاياها المصيرية.
ان تلك الصياغات كانت تشكل جزءاً من المشروع المناهض لخط الأصالة والانتماء إلى الإسلام والقرآن ونبي الرحمة ولازالت تمثل أزمة المشروع النهضوي الحضاري للأمة إما لأنها منحرفة إيديولوجياً وفكرياً وثقافياً وعقائدياً، أو لا دينية مثل الضائعين أخلاقياً أو الذين غاصوا في أوحال هذه الدنيا أو صياغات مستلبة مسخت هويتها تماماً أو جيل أراد أولئك صياغته صياغة استهلاكية ترفيهية ليسهل لهم السيطرة عليه، لذا تراها تثير الفتنة هنا ثم تنتقل إلى منطقة أخرى.
أما الصياغة الإسلامية هي التي الصياغة التي تؤسس لهذا المشروع النهضوي الحضاري الذي ينهض بالأمة في كل جوانبها ويرقى بها إلى مدارج الكمال والرقي والسمو لا أن يرجعها إلى درجات الانحطاط والانخفاض والابتعاد عن الله تعالى.
هناك مشروعان لا ثالث لهما في الساحة الفكرية والسياسية المعاصرة، وهما:
- العودة إلى الأصالة والهوية الإسلامية.
- الاستلاب والمصادرة لهذه الأصالة والهوية والمبادئ والقيم.
عند الوقوف بين مشروع تطلعات الشعوب لتحقيق العدالة على جميع المستويات ومشروع استلاب العدالة والحقوق من الشعوب تعدَّدت الهويات بدل أن تكون هوية إسلامية، والمفروض أن الجامع المشترك هو حظيرة الإسلام ومبادئه وفكره وقيمه، وهي التي من المفترض أن تكون حاكمة ومسيطرة.
لذا كان لزاماً على الأمة أن تملك الوعي والبصيرة في فهم منطلقات ورؤى وبرامج ورموز وشخصيات كلا المشروعين، وأن تعرف هذا المشروع الإسلامي الأصيل الذي يحمل الأمة على ظهر النهضة الحضارية على جميع المستويات ويريد أن يرسي العدل والعدالة، وينفي الفتنة والظلم والجور والفساد وتعرف رموزه وإلا فقد ترتطم وتتخبط في متاهات الحياة.
فلو تنزّلنا وقلنا أن علي بن أبي طالب ع هو الخليفة الرابع، ويقرّ الجميع بأن الخارج على إمام زمانه باغي، فإذا كان كذلك كيف عدّ معاوية كاتب للوحي وأمير للمؤمنين وهو خرج على إمام زمانه علي بن أبي طالب ع ؟! وصار يزيد أفضل من الإمام الحسين ع الذي يقول الرسول الأكرم ص عنه وعن أخيه الإمام الحسن ع: " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة "، و: " الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا"؟! فلابد من معرفة رموز الخط الإسلامي الأصيل، ورموز الخط المنحرف الفاسد المناهض للإسلام.
يجب على الأمة أن تحدد موقفها بوضوح في زمن المشروع الذي يحاول أن يصادر هويتها الإسلامية وأصالتها الإيمانية، ونقول أن الإسلام هو هويتنا وهو مشروع الأمة المنتمية للإسلام والمشروع الديني والثقافي والأخلاقي والاجتماعي والسياسي ولن نقبل بديلاً عن هذا المشروع.
لابد أن ينطلق تقييمنا للتيارات والاتجاهات من الإسلام لا من فكر آخر، وهنا نرى ضرورة التزاوج بين العقل العلمائي المتخصص من جهة والعقل الأكاديمي الملتزم إسلامياً وبتعبير آخر كما يقول الإمام الخميني "قده" التواصل بين الحوزة والجامعة، ولابد أن يكون هناك نوع من التلاقح الفكري والعقدي والتقارب بين الجامعة والحوزة وبين المعاهد الإسلامية والأكاديميين والجامعيين والدكاترة.
من هنا يجب علينا:
- بيان شمولية الإسلام للواقع المعاصر: فالدين عنده نظرة شمولية في الناحية السياسة وتكوين الدولة والاقتصادية - أي النظرة الاقتصادية، والغرب الآن مَدِين للنظرة الإسلامية كما بيَّنها بشكل جلي، وتدرَّس في أكبر الجامعات في العالم في أمريكا وأوروبا والمأخوذة من كتاب اقتصادنا للشهيد السعيد "قده"، البنك اللا ربوي كيف يمكن أن تكون البنوك الإسلامية لا ربوية - السياسية والاجتماعية، ولكل أبعاد الحياة ولابد من تبيان ذلك، من هنا نحتاج إلى تلاقح الفكر الحوزوي والأكاديمي "الحوزة والجامعة" حسب تعبير الإمام الخميني"قده".
- الإحاطة بالأحداث والتغيرات العالمية: وهذا أمر ضروري لابد للإنسان المؤمن أن يحاول بقدر الإمكان أن تكون له إحاطة بالتغيرات والأحداث العالمية: " العالم بأهل زمانه لا تهجم عليه اللوابس " فلا تغيِّر الفتن والمقولات والزخارف من واقعه شيء أبداً لأن فكره ناصع ومبادئه وقيمه واضحة وهو محيط بالجانب الفكري والثقافي.
لذا نحن نهيب بالمؤمنين شباباً وشابات كباراً وصغاراً ونقول لهم: " من واجباتكم الدينية أن تتثقفوا وتعيشوا الوعي بكل أوجِّه على أكبر مستوياته لكي لا تهجم عليكم اللوابس".
فحينما قتل جيش معاوية عمار بن ياسر كان هناك خداع وتضليل إعلامي ضد الإمام علي بن أبي طالب ع ، وعندما علم الجيش بقتله تذكَّر كلام الرسول الأكرم ص في حقه: " يا عمار تقتلك الفئة الباغية "، عندها سوَّل عمرو بن العاص لأصحابه قائلاً أن الذي قتل عمار هو الذي أخرجه من بيته..، وكذا الحال الآن فمن أخرج الناس في مصر وغيرها هو من قتلهم، وأخرج للدفاع عن حياض الإسلام في لبنان وليس العدو الإسرائيلي، وغيرها ولا يصدق هذا الكلام إلا من لا يحمل وعياً ولا نضجاً.
وهنا قد يحصل الالتباس للمؤمن، فيجب على الصغير والكبير أن يعرف هذه الحقيقة وهذا الواقع المرّ، ويفرق بين الذي يريد وأد الفتنة ويقول أننا في وطن واحد أخوة متحابين في الله لنا مالكم وعلينا ما عليكم والذي يثير الفتنة الممنهجة ويعقد الندوات حول الشيعة في الرياض وينشر ذلك في الإذاعات والمواقع الالكترونية.
لابد أن نعرف ذلك لا أن نعيش الازدواجية الثقافية والفكرية والسياسية، لابد أن نعيش الوضوح والفكر الأصيل وأصالة الفكر وفكر الأصالة وثقافة الأصالة وأصالة الثقافة.
- إيضاح دعائم ومرتكزات الفكر الإسلامي الأصيل: أي أن علينا أن نوضح أسس الفكر الإسلامي والرؤى العالمية للإسلام ومرتكزات النظام الإسلامي وإيضاح القواعد والخطوط الأساسية للنهضة الإسلامية يعني هذا الانتقال من نمط إلى نمط آخر، فقد خرجت النهضة الإسلامية من مكة المكرمة بقيادة الرسول الأكرملتأسيس نظام إسلامي وإرساء قواعد العدل والعدالة والقسط في الأمة الإسلامية وحتى في التعامل مع أعداء الإسلام والمساواة بين أفراد الأمة الإسلامية والعلاقات الفردية والاجتماعية والبعد الثقافي والأخلاقي ومكانة العلم والعلماء ومكانة الإسلام في روح وواقع الأمة.
- وانطلاقاً من هذا كله بيَّنَ فضيلته عدة أمور:
"أعطى العالم الإسلامي حريات من ضمنها الحرية الفكرية لإبداء الرأي والرأي الآخر، وعلَّمنا ثقافة الحوار كما كان القرآن الكريم يتعامل حتى مع أهل الكتاب، فإذا كان كذلك فمن باب أولى أن نطبّق ذلك بيننا كمسلمين مع اختلاف مذاهبنا وأن يحترم كل منا فكر الآخر، قكلٌّ له مبادئه وقيمه قد تكون هناك اختلافات لكن هناك مشتركات كثيرة جداً لابد أن ننظر إليها "
ان ما يحصل من تدمير للمواقع والشبكات مثلاً لأنها شبكات شيعية يعد إرهاباً فكريَّاً وثقافياّ وأتحدى أي شخص كان يقول بالنسبة لشبكة فجر مثلاً أنها تكلمت بنبرة طائفية، وأن هناك من يثير الفكر الطائفي في هذا الموقع، أو أنه يسئ إلى الفكر الآخر، بينما هناك مواقع أخرى تثير الفتن لتشيع الكراهية والبغضاء بين أفراد الوطن الواحد، بل بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم سنة وشيعة وزيدية وإسماعيلية و.... وتثير الحنق والحقد في النفوس بين أبناء الوطن، وتصوُّر لهم أنَّ أبناء القطيف رعاع أو قطيع غنم أو ذئاب أو وحوش، بينما لو تدخل في واقعهم لا ترى إلا الوداعة والخلق والنبل والإيمان والحب والمودة والعطاء، وأما في كل مجتمع من المجتمعات يوجد مع اختلاف المستويات من تهجم عليه اللوابس أحياناً وقد ينزلق يميناً ويساراً، فعندما نتحدث عن مجتمع لابد أن نكون منصفين، كم تعرض المواقع والشبكات للتدمير من أجل إخماد هذا الصوت وتبيَّن حقيقة وواقع للأمة، وحقيقة الحراك الفكري والثقافي، والحراك السلمي الذي يطالب بحقوقه لإرساء دعائم العدالة للجميع، وهذا الخروج إلى الشارع إنما لجأ إليه من لجأوا لأنهم لم يلاقوا من يستمع ويصغي إلى نداءاتهم ولم يعطوا حقوقهم وهذا آخر حل وهو سلمي فلم ترفع أسلحة ولا سيوف، فهو شعب أعزل خرج للمطالبة بالحقوق وهذا حق مشروع دولياً وإسلامياً وأخلاقياً وعقلياً، بل المفروض أن يطالب بشتى أنواع المطالبة كما خرجت الزهراء ع خلف القوم مطالبة بحقها حين جرُّوا الإمام علي ع بنجادة والحبل في رقبته، وأرادوا قتله، وفعلوا ما فعلوا بالسيدة فاطمة ع وتحملت ع ذلك من أجل الدفاع عن الإسلام ومبادئه، وخرجت وهي في هذه الحالة تدافع عن علي بن أبي طالب ع لأنه يمثل الولي الأعظم والخليفة بحق للرسول الأكرم ص وبينت في تلك الخطبة - التي ضجَّ بها الحاضرون من مهاجرين وأنصار - التوحيد والشرك والنُّبوة وحقيقتها وحقيقة علي بن أبي طالب ع وأخوُّته للرسول الأكرم ص وحقيقة الإمامة ثم بدأت في فلسفة الأحكام الإلهية من صلاة وزكاة وحج وغيرها.
وهذا أحد ميادين المرأة وهكذا ينبغي لميادين الرجال أيضاً أن تكون فخرجوا، وإذا بالمواقع تدمر وتعتقل الإعلاميين والشخصيات الأكاديمية والثقافية التي لها دورها الاجتماعي".
ان اعتقال الشاب والكهل من الطريق وترك ابنته ولا يُدرى أين يذهب به؟!
هذا واقع معناه أن هذا يمكن أن يحدث لأي شخص آخر معتبراً أن هذا التصرف يزيد الوضع تأزُّماً والاحتقان احتقاناً!!
إذا أُريد التهدئة - وهذا ما ينبغي أن يكون لا أن تسقط الدماء وتنتهك الأعراض وتضرب النساء والشبان ويفصل الشباب بحجة مشاركتهم في الحراك السلمي - بالهدوء والتعقل في مثل هذه الأمور أكثر فأكثر وإلا يمكن أن تؤزَّم أكثر وربما تنفجر وتخرج عن السيطرة، ولا يمكن لأحد أن يسيطر عليها من كبار أو صغار أو وجهاء أو علماء، ولا أيضاً من أكاديميين أو دكاترة أو مسئولين أو أمن، فيفلت زمام الأمور.
ولذا ندعو الجهات المسئولة لضبط النفس والابتعاد عن التأزيم والاعتقال الممنهج والطائفية الممنهجة وضرب المواقع والشبكات التي لا تدعو إلا الخير للأمة، بل ندعو إلى تدمير الشبكات التي تثير الفتنة، وإلى ترك المحاضرات والندوات والإعلانات عليها بشكل واضح وعلني في الطرقات، أننا نريد أن يعيش السلم والسلام والأمن والأمان، وأيضاً الرَّفاه والعطاء والحب المتبادل بين أفراده..