السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اتصل بي احد الاخوة من المثقفين المتدينين قبل ايام , و ونبهني الى ان هناك بحث كتبه الشيخ الفياض حول الحكومة الاسلامية ..
و طبعا طلب مني ان ندرج هذا الامر على جدول الجلسة الثقافية التي نعقدها يومين في الاسبوع لمناقشة ما طرحه سماحة المرجع مناقشة مستفيضة و مقارنة ما طرحه مع ما طرح سابقا عن الحكومة الاسلامية
و لان ذلك يعد سابقة لم يكتب عنها في السابق مرجع من مدرسة السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه , لذا فاني ساطرح نصوص البحث هنا , و بعد ذلك نتباحث فيما طرحه سماحة الشيخ ,
و اود ان يتداخل في الموضوع من يملك معلومات مستفيضة حول الامر ..
الموضوع فكري , و لذا فاتمنى الفائدة للجميع ..
(1) تمايز الحكومة الإسلامية عن الحكومة غير الإسلامية
الحكومة الإسلامية الشرعية هي الحكومة القائمة على أساس مبدأ الحاكمية لله وحده لا شريك له، والسلطة الحاكمة فيها تتمثل في ولي أمر المسلمين وهو منصوب من قبل الله تعالى في زمن الحضور والغيبة معاً.
أما في زمن الحضور فأنه منصوب بالتنصيص بالاسم والشخص والصفات.
وأما في زمن الغيبة فإنه منصوب بالتنصيص بالصفات فقط كصفة الفقاهة التي هي متمثلة بالفقيه الجامع للشرائط منها الأعلمية.
ثم أن ثبوت الولاية والزعامة الدينية للنبي الأكرم (ص) والأئمة الأطهار (ع) واضح ولا كلام ولا إشكال فيه لأن القدر المتيقن من قوله تعالى في الآية المباركة: (( وأولي الأمر منكم )) هو الأئمة الأطهار (ع) هذا مضافاً إلى الروايات الدالة على ذلك.
وإنما الكلام والإشكال في ثبوت الولاية والزعامة الدينية للفقيه الجامع للشرائط ولا يمكن إثبات هذه الولاية بالنص لأن الروايات التي استدل بها على ثبوت الولاية للفقيه باجمعها ضعيفة من ناحية السند فلا يمكن الاعتماد عليها ومن هنا فالمشهور بين الفقهاء عدم ثبوت الولاية للفقيه هذا .
ولكن الصحيح ثبوت هذه الولاية له وهو لا يحتاج إلى دليل خارجي لأن امتداد الشريعة المقدسة وخلودها يتطلب امتداد الولاية والزعامة الدينية المتمثلة في زمن الحضور برسالة الرسول الأكرم (ص) وبعده بإمامة الأئمة الأطهار (ع) ، وفي زمن الغيبة بفقاهة الفقيه الجامع للشرائط منها الاعلمية إذ لا يمكن افتراض امتداد الشريعة وخلودها بدون افتراض امتداد الولاية والزعامة الدينية ، ضرورة أن الشريعة في كل عصر بحاجة إلى التطبيق و التنفيذ وإجراء الحدود والحفاظ على الحقوق والاهتمام بمبدأ العدالة والتوازن بين طبقات الأمة ، فإذن بطبيعة الحال ما هو ثابت للنبي الأكرم (ص) والأئمة الأطهار (ع) في زمن الحضور في الدين الإسلامي فهو ثابت للفقيه الجامع للشرائط في عصر الغيبة فإذا فرضنا أن الفقيه كان مبسوط اليد ولم تكن هناك عوائق وموانع عن تشكيل الدولة الإسلامية على أساس مبدأ حاكمية الدين فيجب عليه أن يقوم بتشكيل الدولة كذلك ومن الواضح أن تشكيل الدولة الإسلامية بتمام أركانها ومكوناتها لا يمكن بدون ثبوت الولاية والصلاحية الواسعة للفقيه في سن القانون والتشريع حسب متطلبات الظروف وحاجة الوقت ومصالح الناس العامة في حدود منطقة الفراغ لأن ترك الإسلام هذه المنطقة بدون تشريع لزومي بعنوان أولي يدل على أنه تعالى جعل صلاحية التشريع في هذه المنطقة لولي الأمر بعنوان ثانوي حسب متطلبات الوقت وحاجة البلد في كل عصر كما سوف نشير إليه .
إلى هنا قد وصلنا إلى هذه النتيجة وهي أن ثبوت الولاية والزعامة الدينية للفقيه الجامع للشرائط لا تحتاج إلى أي دليل خاص خارجي لأنه مقتضى القاعدة حيث أن امتداد الشريعة وخلودها يقتضي امتداد الولاية والزعامة الدينية عليها .
ومما ذكرناه فقد ظهر الفرق بين السلطة الحاكمة في الحكومة الشرعية حيث هي متعينة من قبل الله تعالى في زمن الحضور والغيبة معاً وبين السلطة الحاكمة في الحكومات غير الشرعية حيث هي متعينة بالانتخابات الحرة أو بالقوة والانقلاب .
ثم إن للسلطة الحاكمة في الحكومة الشرعية صلاحية واسعة في تنفيذ الدستور الإلهي من جهة ، والتشريع وسن القانون في أجهزة الدولة كافة : الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية والحقوقية والإدارية وجهاز الأمن والمخابرات والشرطة والجيش وغيرها حسب الظروف ومتطلبات حاجة الوقت ومصالح البلد العامة في حدود منطقة الفراغ من جهة أخرى ، والهدف من وراء كل ذلك هو تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية والتوازن بين طبقات الأمة والاستقرار والأمن هذا من جانب .
ومن جانب آخر إن الفرق بين الحكومة الشرعية والحكومة غير الشرعية إنما هو على أساس مذهب الشيعة الإمامية لأن الحكومة على ضوء هذا المذهب إنما تكون شرعية إذا كانت قائمة على أساس مبدأ حاكمية الدين بأن يكون تعيين السلطة الحاكمة من قبل الله عز وجل سواء أكان في زمن الحضور أم في زمن الغيبة ، إذ كما أن ولاية الرسول الأكرم (ص) والأئمة الأطهار (ع) تكون من قبل الله تعالى كذلك ولاية الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة.
فالنتيجة إن الولاية والخلافة على أساس مذهب الشيعة الإمامية مجعولة من قبل الله عز وجل سواء أكانت في زمن الحضور أم في زمن الغيبة وأما على أساس مذهب أهل السنة فالمجعول من قبل الله تعالى إنما هو ولاية الرسول الأكرم (ص) فحسب وأما خلافة الخلفاء وولايتهم فإنما هي ثابتة عندهم بالإجماع وآراء الناس لا بنص من الله تعالى .
وعلى هذا فكل حاكم في البلاد الإسلامية إذا ثبتت حكومته على الناس بالانتخابات الحرة النزيهة يعني بآراء الناس فهو ولي أمر المسلمين وحكمه نافذ وحكومته حكومة إسلامية شرعية عند أهل السنة هذا هو الفرق بين مذهب الشيعة الإثنى عشرية ومذهب أهل السنة .
ثم إن الحكومة الإسلامية القائمة على أساس مبدأ الدين قد شكلت في عصر النبي الأكرم (ص) بيده المباركة وبكافة أجهزتها وقد ظهرت في الساحة ونجحت في هذا التطبيق ، أي تطبيق الحكومة الإسلامية على الساحة نجاحاً باهراً رغم قصر عمرها .
وأما نظام المحاسبة في الإسلام فليس نظاماً محدوداً ومدروساً فيه ضمن نص تشريعي من الكتاب أو السنة لأنه بيد السلطة الحاكمة في الحكومة الإسلامية الشرعية باعتبار أنها مأمورة بتطبيق هذا النظام في كل مجال من المجالات الاقتصادية أو التعليمية أو غيرهما حتى تكون ناجحة .
أما في زمن الحضور فمن الواضح أن النبي الأكرم (ص) إذا وضع خطة اقتصادية أو تعليمية أو غيرهما فلا محالة يكون قد وضعها بعد دراستها بشكل موسع ودقيق وجمع المعلومات حولها والظروف المحيطة بها بحيث أنه (ص) كان يعلم بنجاح هذه الخطة .
وأما في زمن الغيبة فعلى السلطة الحاكمة إذا أرادت وضع خطة اقتصادية أو تعليمية أو غيرهما أو إنشاء مشروع فلا بد أولاً من دراسة هذه الخطة أو المشروع بواسطة جماعة من العلماء والمفكرين وأهل الصلاح والخبرة بالموضوع بشكل دقيق وموضوعي من جميع جوانبها الإيجابية والسلبية ودراسة مفرداتها وجمع المعلومات حولها والحوادث المرتبطة بها وبعد هذه الدراسة إذا أطمئنت بنجاح الخطة أو المشروع تقوم بإنشائها وسوف نشير إلى تفصيل ذلك .