كشف وقائع بيع المصريات للشيوخ والمرضى والمعاقين والعاجزين فى السعودية
بتاريخ : 28-04-2013 الساعة : 08:29 PM
«الوطن» تكشف وقائع بيع المصريات للشيوخ والمرضى والمعاقين والعاجزين فى السعودية
مكاتبات من القنصلية المصرية فى الرياض إلى «الخارجية» تطالبها بالتدخل لوقف إهانة بنات مصر
كتب : بهاءالدين محمد
الأحد 28-04-2013
«تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها»، لكن أهالى المواطنة الحرة، وسماسرة تجارة الرقيق الأبيض، لا يجدون غضاضة فى أن يأكلوا هم من بيع ثدى الحرة وجسدها وروحها لمن يدفع أكثر، وهل هناك من يدفع أكثر من رجال النفط فى دول الخليج، خاصة السعودية؟
قبل أسابيع انفردت «الوطن» بوقائع عن عودة تجارة تسفير المصريات إلى السعودية للعمل فى مهن أقرب إلى الخادمات، واليوم تنشر «الوطن» وثائق رسمية صادرة من السفارة المصرية بالسعودية، تكشف عن وقائع مثيرة فى عالم تجارة الرقيق الأبيض، يجرى خلالها تسفير مصريات ومعظمهن قاصرات ومراهقات للزواج من سعوديين، بعضهم طاعن فى السن وبعضهم مريض نفسى وآخرون مصابون بالعجز الجنسى أو من ذوى الاحتياجات الخاصة أو الأمراض العقلية، وتتعرض الضحايا لرحلات عذاب ومعاناة للتخلص من تلك الزيجات.
الوثائق التى حصلت عليها «الوطن» حديثة، وبعضها لم تمر عليه سوى أيام معدودة، وصادرة عن السفارة المصرية بالسعودية، توثق لحالات تصفها بـ«الكثيرة» لزواج القاصرات، تلك الزيجات التى غالباً ما تنتهى بالطلاق أو الخلع، لكن بعد أن تنتهك كرامة المصريات، بين تعذيب وهروب ونوم بالشوارع وبين قاعات المحاكم وجلسات الصلح وحالات اغتصاب المحارم، تضيع حقوق المصرية بعد أن تغتصب جسدياً بطريقة «شرعية»، ثم لا تجد فى النهاية طريقاً أمامها سوى إجبارها على التنازل عن كل حقوقها لتعود ممزقة إلى وطنها غير قادرة على رد حقها أو محاكمة الأطراف التى قامت ببيعها أو بانتهاك جسدها وحريتها وحقوقها.
الوثيقة الأولى:
تكشف تلك الوثيقة عن واحدة من الحالات الشاذة الكثيرة لتجارة الرقيق الأبيض التى تجرى تحت ستار الزواج، والحكاية باختصار أن «فاطمة ياسر رمضان أبوالعلا» تزوجت برجل سعودى، من خلال أوراق تتضمن معلومات مزورة عن اسمها وسنها، حيث ذكرت الوثيقة الصادرة من القنصلية العامة المصرية بالرياض بتاريخ 6 / 4 / 2013 والموجهة إلى وزارة الخارجية أن «عمرها الحقيقى 14 سنة، وصدر لها جواز سفر مزور مثبت فيه أن عمرها 20 سنة، كما أنها تحمل اسمين مزورين، وهما فاطمة ياسر على عبدالحميد، وخلود على رمضان، فى حين أن اسمها الحقيقى هو فاطمة ياسر رمضان أبوالعلا».
«خلود» أو «فاطمة» قدمت عدة شكاوى للقنصلية المصرية تتهم فيها زوجها بإهانتها وتعذيبها، لكن القنصلية توضح فى الوثيقة أنه بعد «أن تم إصلاح ذات البين بين الزوجين، حضرت المواطنة المذكورة مرة أخرى لتذكر أن زوجها مستمر فى إهانتها، كما أنه يود معاشرتها بطريقة مخالفة للشرع».. وتتابع الوثيقة سرد ما وصفته بتفاصيل قضيتها «المذهلة»، موضحة أنه بالإضافة إلى زواجها رغم أنها قاصر فى سن 14 سنة وسفرها بجواز سفر مزور، فإن ما يثير الصدمة أن «سمسارة هذا الزواج هى زوجة خالها، واسمها الحقيقى سوسن محمد عبدالغنى وليس هند على عبدالحميد، كما ذكرت المواطنة أيضاً من قبل، وعنوان زوجة خالها بلوك 96 أرض عزيز عزت، إمبابة الجيزة».. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الاسم المنسوبة إليه فى جواز السفر ليس والدها، وإنما خالها الذى كشفت مصادر بالجالية المصرية بالسعودية لـ«الوطن» عن أنه اعتاد أن يعمل وزوجته كوسطاء لهذه الزيجات.
وأوضحت البرقية السرية أن القنصلية نجحت فى استدعاء الزوج وإقناعه بالحسنى بتطليقها وإصدار تأشيرة خروج نهائى لها، على أن تتكفل القنصلية بمصروفات عودتها إلى أرض الوطن، وأضافت: «وقد لجأت القنصلية إلى إغرائه، أى الزوج للموافقة على هذا الحل، بادعاء أن القنصلية ستبحث له عن زوجة أخرى بدلاً منها»، ومن ثم تم الطلاق وإصدار تأشيرة الخروج النهائى للمواطنة المذكورة، على أن تسافر على رحلة مصر للطيران يوم 6 أبريل 2013 رقم 652 الرياض - القاهرة.
وتوضح القنصلية أنه كان لا بد من الحصول على موافقة الزوج قبل سفرها حتى إن لم تكن على ذمته، لأنه «وفقاً للقانون السعودى، فإن للزوج ولاية كاملة على زوجته، كما أنه بحكم كونه كفيلها فخروجها من السعودية مرتبط برغبة الزوج أيضاً، وبموافقته على إصدار تأشيرة خروج نهائى».
ويوضح السفير فى كتابه للوزارة مدى عجز السفارة عن حماية حقوق المصريات قائلاً إن «ما حدث فى هذه المشكلة، ومشكلات أخرى متعددة سابقة، تم إبلاغه فى حينه، من إقناع القنصلية للزوج السعودى بتطليق زوجته وإصدار تأشيرة خروج نهائى لها، لا يمكن تطبيقه على كل المشكلات المماثلة، خاصة إذا كان الزوج السعودى واعياً بحقوقه القانونية، فيكون جل ما نستطيعه هو أخذ تعهد عليه بحسن معاملة زوجته».
وشدد السفير على أن «القنصلية تكرر ما ذكرته من قبل بشأن ضرورة مواجهة هذه الظاهرة بشدة ومعاقبة مرتكبيها، بصورة تؤدى إلى وقف ما يحدث من ممارسات وتزوير وتعريض بنات الوطن للإهانة المستمرة استغلالاً لاحتياجهن المادى».
الوثيقة الثانية:
تقول البرقية السرية، الموقعة باسم القنصل العام بالرياض السفير حسام عيسى، والمرسلة بتاريخ 17 مارس 2013 إلى مكتب وزير الخارجية والسفير مساعد وزير الخارجية للشئون القنصلية، إن مشكلة «سمية محمد حسين» مع زوجها السعودى تعد «واحدة فقط على سبيل المثال لا الحصر من المشاكل الناجمة عن ظاهرة بيع الفتيات المصريات إلى رجال سعوديين مقابل مبالغ من المال والمنتشرة فى ريف مصر حالياً، وتأتى كثرة المشاكل من حقيقة أن أى مواطن أو مواطنة سعودية لا بد أن يحصل على موافقة دولته قبل الزواج بأجنبية، ويتم إعطاء هذه الموافقة بسرعة فى حالة النماذج التى لا تستطيع الزواج من أبناء المملكة من السعوديات والسعوديين، كالمتخلفين عقلياً، أو الطاعنين فى السن، أو الذين سبق لهم الزواج وثبت عجزهم الجنسى، والمضطربين نفسياً بصورة واضحة كما فى حالة المواطن السعودى عبدالعزيز عبدالله محمد الحماد زوج المواطنة سمية».
وتبدأ قضية «سمية» مع القنصلية المصرية عندما تلقى القنصل العام حسام عيسى اتصالا هاتفياً من مدير قسم شرطة الشفا يوم 17 مارس الماضى، يفيد بأن المواطنة غادرت منزلها بعد اعتداء زوجها عليها، وأنها اتصلت بمدير الشرطة هاتفياً وغير معلوم مكانها، فقرر القنصل تكليف المستشار وصفى الحبشى الذى كان يتابع مشكلة المواطنة بالاتصال بها، وتم تحديد موعد مع زوجها وبحضورها وحضور المستشار وصفى ومدير قسم شرطة الشفا لإنهاء الموضوع، وتم الاتفاق على أن يقوم زوجها بتطليقها وإصدار تأشيرة خروجها إلى مصر مقابل تنازلها عن أى حقوق وعن الدعوى المقامة منها ضد زوجها بالمحكمة العامة بالرياض، وأرفق بالبرقية صورة من التنازل الذى تم التصديق عليه من القنصلية، وتقول البرقية إن التنازل جاء بناء على طلب المواطنة نفسها.
وفى هذا التنازل تقول «سمية» فى محضر رسمى بشرطة الرياض مركز شرطة الشفا، ومكتوب بخط يدها به العديد من الأخطاء الإملائية، وموقّع باسم المستشار وصفى الحبشى كشاهد على المحضر: «أقر وأنا بكامل «كواى» العقلية وبحضور مندوب السفارة الأستاذ وصفى الحبشى بأنى متنازلة عن حقوقى لزوجى.. متنازلة له بتربية الأولاد مقابل طلاقى منه ومتنازل عن قضيته عن الدعوى المقامة ضدى منه بالمحكمة العامة بالرياض، وليس لى حق المطالبة نحوه بما ذكر فى السعودية أو فى مصر».
الوثيقة الثالثة:
يقول وصفى الحبشى، المستشار بالقنصلية المصرية بالرياض، لـ«الوطن»، إن هذه القصة تبدأ عندما أرسلت أسرة سعودية أحد أبنائها لاختيار زوجة مصرية من أبناء محافظة الجيزة لشقيقه المعاق والعاجز جنسياً، حيث عرض عليه سماسرة «بيع المصريات» 21 فتاة تتراوح أعمارهن بين 15 و23 سنة، فاختار من بينهن فايزة بسيونى مواليد 14 نوفمبر 1991 لتكون زوجة لأخيه المعاق الذى يخشى السفر عبر الطائرة، ما اضطر أسرة الفتاة للسفر معها لعرض ابنتهم على الزوج السعودى، ثم عادت إلى مصر لإنهاء إجراءات السفر والزواج بمفردها، وبالفعل تمت الزيجة التى استمرت لشهور دون أن يتمكن الزوج العاجز جنسيا من ممارسة العلاقة الزوجية معها، وتعرضت خلال تلك الفترة لمحاولات اغتصاب عديدة من شقيق الزوج الذى اختارها بنفسه قبل مجيئها للسعودية.
ومرت فايزة بشهور من الإهانة والتعذيب نتيجة اتهام أسرة الزوج لها بأنها هى غير القادرة على إشباعه وإثارته جنسياً، ومن ثم تقدمت «فايزة» بالشكوى للقنصلية المصرية التى تابعت القضية لحين طلاقها الذى لم يتم بسهولة نتيجة عدم سلامة القوى العقلية للزوج. وهكذا تعرضت الفتاة لعملية ابتزاز من أسرة الزوج السعودى الذين حاولوا إرجاع مبلغ 45 ألف جنيه كانت قد حصلت عليه أسرة «فايزة» مقابل الزواج، ولكن المستشار وصفى الحبشى ضغط على الأسرة السعودية من أجل التصديق على صك الطلاق ومنحها «تأشيرة الخروج النهائى» وثمن تذكرة سفرها إلى مصر، بعد استخراج تقرير طبى يفيد عذريتها.
وتشير هذه البرقية المرسلة من القنصل العام بالرياض للسفير نائب مساعد وزير الخارجية لشئون المواطنين، إلى أن المواطنة فايزة حسين بسيونى المتزوجة من المواطن السعودى مفرح شيبان سعيد المهدى (من ذوى الاحتياجات الخاصة)، اضطرت للانتظار قبل عودتها إلى مصر رغم طلاقها من زوجها المعاق، حتى حصلت على صك إثبات طلاق من محكمة الأحوال الشخصية بالرياض، حيث قام ذوو الزوج -نتيجة عجزه- بإتمام تأشيرة الخروج النهائية للمذكورة، وتولت القنصلية العامة من جانبها اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستخراج تذكرة سفرها، على متن رحلة مصر للطيران التى غادرت يوم الاثنين الموافق 18 فبراير 2013.
جدير بالذكر أن فى هذه الحالات، كما فى قضية «فايزة»، تظل الزوجة المصرية مشردة ومجهولة المصير لحين حصولها على «صك الطلاق» وموافقة الزوج على إتمام تأشيرة الخروج النهائى، وتكون عرضة لتدخل ذوى الزوج ومماطلتهم ومساوماتهم وابتزازهم لها، خاصة عندما يكون الزوج من ذوى الاحتياجات الخاصة أو من المرضى النفسيين والمعاقين ذهنياً.
الوثيقة الرابعة:
لا تقتصر جهود القنصلية المصرية بالرياض على حل مشكلة الزوجات المصريات وعودتهن لمصر، ففى بعض الحالات يتطلب الأمر تتبع المطلقة العائدة إلى مصر لمعرفة المتورطين فى تسفيرها، لا سيما عندما تجد السفارة أن مواطنة مصرية لا تريد العودة إلى وطنها وتبحث عن فرصة أخرى للزواج من سعودى آخر للبقاء بالمملكة، حيث كشف عادل حنفى، الناشط الحقوقى بالجالية المصرية بالسعودية، لـ«الوطن»، عن أن بعض المصريات المطلقات من أزواج سعوديين يعدن مرة أخرى للمملكة على ذمة زوج سعودى آخر، ما يدل على احترافهن الزواج من العرب عدة مرات، سواء لمدد قصيرة مع بقائهن فى مصر، أو عبر حصولهن على الطلاق أو الخلع من زوج سعودى ثم الزواج بآخر وهكذا.
وفى هذه البرقية السرية المرسلة من القنصل المصرى بالرياض إلى السفير ماهر العدوى نائب مساعد وزير الخارجية للشئون القنصلية للمواطنين، يطالب القنصل الجهات الأمنية المعنية فى مصر بالتحقيق مع المواطنة سيدة سيد محمد (رقم قومى 27911248800504)، التى طلقت من المواطن السعودى فهد ناجم خالد الحربى عقب حصولها على الخلع، وذلك من أجل الوصول للسماسرة والمشاركين فى عملية «بيع الزوجات المصريات للسعوديين»، وأوضحت البرقية أن القنصلية تمكنت من حصول سيدة على الخلع بمساعدة من أحمد حسن، رئيس الجالية المصرية فى القصيم، الذى أكد لـ«الوطن» أن «سيدة» تزوجت من رجل سعودى عاجز جنسياً وغير قادر على الزواج، وأنها رغم ذلك ظلت على ذمته 7 أشهر ثم طلبت الخلع وحصلت عليه، لكنها أصرت على البقاء فى السعودية فى محاولة للحصول على مستحقاتها وحقوقها من طليقها، وعلى أمل أن تتزوج بآخر، ما اضطر بعض فاعلى الخير من رجال أعمال مصريين وسعوديين إلى تجميع مبلغ 20 ألف ريال وإعطائه إياها.
ويطالب المنشغلون بالقضية فى السعودية وعلى رأسهم المستشار وصفى الحبشى والناشط الحقوقى عادل حنفى، بضرورة التصدى للظاهرة من خلال التشديد على إجراءات زواج المصريات وسفرهن، عن طريق التأكد من سن المواطنة التى تتزوج من سعودى أو أى شخص أجنبى، وضرورة الحصول على شهادة صحية تثبت صلاحية الأجنبى للزواج خاصة قدرته الجنسية وسلامته النفسية والعقلية، كما يطالبون بتجفيف منابع توريد القاصرات من ريف مصر خاصة فى بعض قرى الجيزة المشهورة بهذه الظاهرة، وكذلك ضرورة منع المصرية التى سبق زواجها من أجنبى من الزواج من أجانب آخرين، لا سيما عندما يثبت أنها تزوجت أكثر من مرة من غير المصريين بهدف الحصول على المال، وتتبع السلطات الأمنية للمصريات المطلقات من سعوديين لمعرفة السماسرة المسئولين عن «بيع شرف المصريات»، وضرورة محاكمتهم ومعاقبتهم بطريقة رادعة، لوقف انتشار هذه الظاهرة التى تسىء لسمعة مصر وكرامة المصريين والمصريات.