العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية المنتدى العقائدي

المنتدى العقائدي المنتدى مخصص للحوارات العقائدية

 
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next

عاشق أبا الأحرار
عضو جديد
رقم العضوية : 78260
الإنتساب : May 2013
المشاركات : 46
بمعدل : 0.01 يوميا

عاشق أبا الأحرار غير متصل

 عرض البوم صور عاشق أبا الأحرار

  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : المنتدى العقائدي
افتراضي التفسير الدقيق على آية الولايه من حيث شأن هذه الآيه والأشكالات والأعتراضات والنقاشات
قديم بتاريخ : 15-05-2013 الساعة : 03:45 PM


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ولعنة الله علىٰ أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.

قال الله تعالىٰ : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (1).
هذه الآية المباركة تسمّىٰ في الكتب ب‍ « آية الولاية » ، استدلّ بها الإماميّة علىٰ إمامة أمير المؤمنين سلام الله عليه ، وكما ذكرنا من قبل ، لا بدّ من الرجوع إلىٰ السنّة لتعيين مَن نزلت فيه الآية المباركة ، وبعبارة أُخرىٰ لمعرفة شأن نزول الآية.
ثمّ بعد معرفة شأن نزول الآية المباركة ، لا بدّ من بيان وجه الإستدلال بها على إمامة أمير المؤمنين ، ثمّ يأتي دور الإشكالات والإعتراضات والمناقشات التي نجدها في كتب الكلام والعقائد من قبل علماء السنّة في الإستدلال.
فالبحث إذن يكون في جهات :
الجهة الأُولىٰ : في شأن نزول هذه الآية المباركة
أجمعت الطائفة الإماميّة ، ورواياتهم بهذا الأمر متواترة ، بأنّ الآية المباركة نزلت عندما تصدّق أمير المؤمنين سلام الله عليه بخاتمه على السائل ، وهو في أثناء الصلاة وفي حال الركوع.
فالأمر مفروغ منه من جهة الشيعة الإماميّة.
إلاّ أنّ هذا المقدار لا يكفي للاستدلال علىٰ الطرف المقابل ، كما ذكرنا من قبل ، فله أن يطالب برواة هذا الخبر من أهل السنّة ، من المحدّثين والمفسّرين ، وله أيضاً أن يطالب بصحّة سند هذا الخبر في كتب السنّة ، ليكون حجّة عليه.
ونحن على طبق هذه القاعدة المقرّرة في أُصول البحث والمناظرة ، نذكر في الجهة الاُولىٰ أسماء بعض من روىٰ هذه القضيّة ، ونزول هذه الآية المباركة في أمير المؤمنين ، في خصوص تصدّقه في حال الركوع بخاتمه علىٰ الفقير ، علىٰ السائل ، لتتمّ الحجّة حينئذ علىٰ من يرىٰ حجيّة كتبه ، علىٰ من يرىٰ اعتبار رواياته ، علىٰ من يلتزم بلوازم مذهبه ، فحينئذ تتمّ الجهة الأُولىٰ ، ويتعيّن مَن نزلت فيه الآية المباركة ، ويكون الخبر متّفقاً عليه بين الطرفين ، ومقبولاً بين الخصمين أو المتخاصمين.
قول المفسّرين :
1 ـ يعترف القاضي الإيجي في كتابه المواقف في علم الكلام وهو من أهم متون أهل السنّة في علم الكلام وأصول الدين ، فالقاضي الإيجي المتوفّىٰ سنة 756 ه‍ يعترف بإجماع المفسّرين علىٰ نزول الآية المباركة في هذه القضيّة الخاصّة المتعلّقة بأمير المؤمنين عليه‌ السلام (2).
2 ـ وأيضاً يعترف بهذا الإجماع : الشريف الجرجاني المتوفّىٰ سنة 816 ه‍ ، في كتابه شرح المواقف في علم الكلام ، وهذا الكتاب متناً وشرحاً مطبوع وموجود الآن بين أيدينا (3).
3 ـ وممّن يعترف بإجماع المفسّرين علىٰ نزول الآية المباركة في شأن علي عليه‌ السلام : سعد الدين التفتازاني المتوفّىٰ سنة 793 ه‍ ، في كتابه شرح المقاصد (4) ، وشرح المقاصد أيضاً من أهم كتب القوم في علم الكلام ، ومن شاء فليرجع إلىٰ كتاب كشف الظنون ليجد أهميّة هذا الكتاب بين القوم ، وفي أوساطهم العلميّة ، حيث كان هذا الكتاب من جملة كتبهم التي يتدارسونها في حوزاتهم العلميّة ، لذلك كثر منهم الشرح والتعليق علىٰ هذا الكتاب.
4 ـ وممّن يعترف بإجماع المفسّرين من أهل السنّة علىٰ نزول الآية المباركة في أمير المؤمنين ، في هذه القضيّة الخاصّة : علاء الدين القوشجي السمرقندي في كتابه شرح التجريد ، وهذا الكتاب أيضاً مطبوع وموجود بين أيدينا (5).
فعلماء الكلام الذين يبحثون عن أدلة الإمامة ، وعمّا يقول الطرفان في مقام الإستدلال ، وعمّا يحتجّ به كلّ من الطرفين علىٰ مدّعاه ، يقولون بنزول الآية المباركة في هذه القضيّة الخاصّة.
إذن ، فالمفسّرون من أهل السنّة مجمعون علىٰ نزول الآية المباركة في هذه القضيّة ، والمعترِف بهذا الإجماع كبار علماء القوم في علم الكلام ، الذين يرجع إليهم ويعتمد علىٰ أقوالهم ويستند إلىٰ كتبهم.
قول المحدّثين :
فقد رأيت من رواة هذا الحديث في كتبهم :
1 ـ الحافظ عبد الرزّاق الصنعاني ، صاحب كتاب المصنّف ، وهو شيخ البخاري صاحب الصحيح.
2 ـ الحافظ عبد بن حميد ، صاحب كتاب المسند.
3 ـ الحافظ رزين بن معاوية العبدري الأندلسي ، صاحب الجمع بين الصحاح الستّة.
4 ـ الحافظ النسائي ، صاحب الصحيح ، روىٰ هذا الحديث في صحيحه.
5 ـ الحافظ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري ، صاحب التاريخ المعروف والتفسير المعروف المشهور.
6 ـ ابن أبي حاتم الحافظ الرازي المحدّث المفسّر المشهور ، الذي يعتقد ابن تيميّة في منهاج السنّة بأنّ تفسير ابن أبي حاتم خال من الموضوعات.
7 ـ الحافظ أبو الشيخ الإصفهاني.
8 ـ الحافظ ابن عساكر الدمشقي.
9 ـ الحافظ أبو بكر ابن مردويه الإصفهاني.
10 ـ الحافظ أبو القاسم الطبراني.
11 ـ الحافظ الخطيب البغدادي.
12 ـ الحافظ أبو بكر الهيثمي.
13 ـ الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي.
14 ـ الحافظ المحبّ الطبري شيخ الحرم المكّي.
15 ـ الحافظ جلال الدين السيوطي ، المجدّد في القرن العاشر عند أهل السنّة.
16 ـ الحافظ الشيخ علي المتّقي الهندي ، صاحب كتاب كنز العمّال.
هؤلاء جماعة من أعلام الأئمّة في القرون المختلفة ، يروون هذا الحديث في كتبهم.
يقول الآلوسي صاحب التفسير المسمّىٰ بروح المعاني : غالب الأخباريين علىٰ أنّ هذه الآية نزلت في علي كرّم الله وجهه (6).
فالقضيّة بين المفسّرين مجمع عليها ، وغالب المحدّثين والأخباريين ينصّون علىٰ هذا ، ويقولون بنزول الآية في علي ويروون هذا الحديث. وذكرت لكم أسماء جماعة من أعلامهم ، منذ زمن البخاري إلىٰ القرن الحادي عشر.
ولو أنّك تراجع تفسير ابن كثير في ذيل هذه الآية المباركة (7) ، تجده يعترف بصحّة بعض أسانيد هذه الاخبار ، واعتراف ابن كثير بصحّة بعض هذه الأسانيد يمكن أن يكون لنا حجة على الخصوم ، لأنّ اعتراف مثل ابن كثير بصحّة هذه الروايات ، وهو ممّن لا نرتضيه نحن ونراه رجلاً متعصّباً في تفسيره وتاريخه ، هذا الإعتراف له قيمته العلميّة.
وأنا شخصيّاً راجعت عدّة من أسانيد هذه الرواية ، ولاحظت كلمات علماء الجرح والتعديل من كبار علمائهم في رجال هذه الروايات والأسانيد ، ورأيت تلك الأسانيد صحيحة علىٰ ضوء كلمات علمائهم.

منها هذا الحديث الذي أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (8) ، فإنّه يرويه عن أبي سعيد الاشج ، عن الفضل بن دكين ، عن موسىٰ بن قيس الحضرمي ، عن سلمة بن كهيل قال : تصدّق علي بخاتمه وهو راكع فنزلت الآية : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) إلىٰ آخرها.
فإذن ، هذا الخبر مجمع عليه بين المفسّرين ، وعليه غالب المحدّثين باعتراف الآلوسي ، وذكرت لكم أسامي عدّة من رواته من الأعلام ، وذكرت لكم اعتراف ابن كثير بصحّة بعض أسانيده ، كما أنّي شخصيّاً حقّقت بعض الأسانيد علىٰ ضوء كلمات علمائهم وصحّحتها على طبق قواعدهم.
وقد اشتهر هذا الخبر وثبت ، بحيث يروىٰ أنّ حسّان بن ثابت الشاعر الأنصاري الصحابي المعروف ، قد نظم هذه المنقبة وهذه القضيّة في شعر له ، ـ ومن الناقلين لهذا الشعر هو الآلوسي البغدادي صاحب روح المعاني (9) ـ يقول في شعر له :
فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً * زكاةً فدتـك النفس يا خيرَ راكعِ
فــأنــــزل فيـك الله خــيــرَ ولايــة * وأثبتهــا أثنــىٰ كتــاب الشرايع
إذن ، هذه القضيّة لا يمكن المناقشة في سندها بشكل من الأشكال ، ولا مجال لأن تكذّب هذه القضيّة. أو تضعّف روايات هذه القضيّة.
مع ابن تيمية :
وإذا بلغ الأمر إلىٰ هذه المرحلة ، فلا بأس لو أقرأ لكم عبارة ابن تيميّة حول هذا الحديث وهذا الإستدلال ، نصّ عبارته هكذا ، يقول هذا الرجل :
قد وضع بعض الكذّابين حديثاً مفترى أنّ هذه الآية نزلت في علي لمّا تصدّق بخاتمه في الصلاة ، وهذا كذب بإجماع أهل العلم بالنقل ، وكذبه بيّن.
ويضيف هذا الرجل : وأجمع أهل العلم بالنقل علىٰ أنّها لم تنزل في علي بخصوصه ، وأنّ عليّاً لم يتصدّق بخاتمه في الصلاة ، وأجمع أهل العلم بالحديث علىٰ أنّ القصّة المروية في ذلك من الكذب الموضوع ، وأنّ جمهور الأُمّة لم تسمع هذا الخبر (10).
فليسمع المقلّدون لابن تيميّة في بحوثهم العلميّة ، ولينتبه أُولئك الذين يأخذون من مثل هذا الرجل عقائدهم وأحكامهم وسننهم وآدابهم.
فالقاضي الإيجي والشريف الجرجاني وكبار علماء الكلام ـ وهذه كتبهم موجودة ـ ينصّون علىٰ إجماع المفسّرين بنزول الآية المباركة في علي في القصّة الخاصّة هذه ، ويقول هذا الرجل : إنّ بعض الكذّابين قد وضع هذا الخبر المفترىٰ ، وعلي لم يتصدّق بخاتمه ، وأجمع أهل العلم في الحديث !!
أتصوّر أنّه يقصد من أهل العلم حيث يدّعي الإجماع يقصد نفسه فقط أو مع بعض الملتفّين حوله ، فإذا رأىٰ نفسه هذا الرأي ، ورأىٰ اثنين أو ثلاثة من الأشخاص يقولون برأيه ، فيدّعي إجماع أهل الحديث وأهل النقل وإجماع الاُمّة كلّهم علىٰ ما يراه هو ، وكأنّ الإجماع في كيسه ، متىٰ ما أراد أن يخرجه من كيسه أخرجه وصرفه إلى الناس ، وعلىٰ الناس أن يقبلوا منه ما يدّعي.
وعلىٰ كلّ حال ، فهذه القضيّة واردة في كتبهم وكتبنا ، في تفاسيرهم وتفاسيرنا ، في كتبهم في الحديث وكتبنا.
مثلاً : لو أنّكم تراجعون من التفاسير : تفسير الثعلبي وهو مخطوط ، تفسير الطبري ، وأسباب النزول للواحدي ، وتفسير الفخر الرازي ، وتفسير البغوي ، وتفسير النسفي ، وتفسير القرطبي ، وتفسير أبي السعود ، وتفسير الشوكاني ، وتفسير ابن كثير ، وتفسير الآلوسي ، والدر المنثور للسيوطي.
لرأيتم كلّهم ينقلون هذا الخبر ، بعضهم يروي بالسند ، وبعضهم يرسل الخبر (11) ، وكأنّ هؤلاء كلّهم ليسوا من هذه الأُمّة.
وعلىٰ كلّ حال ، فالقضيّة لا تقبل أيّ شك وأيّ مناقشة من جهة السند ، ومن ناحية شأن النزول ، وحينئذ ينتهي بحثنا عن الجهة الاُولىٰ ، أي جهة شأن نزول الآية المباركة وقضيّة أمير المؤمنين وتصدّقه بخاتمه وهو راكع.
الجهة الثانية : وجه الإستدلال بالآية المباركة علىٰ الإمامة
وجه الإستدلال يتوقّف علىٰ بيان مفردات الآية المباركة ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ).
فكلمة ( إِنَّمَا ) تدلّ علىٰ الحصر ، لم ينكر أحد منهم دلالة إنّما علىٰ الحصر.
( وَلِيُّكُمُ ) هذه الولاية بأيّ معنىٰ ؟ سنبحث عن معنىٰ الولاية في حديث الغدير بالتفصيل ، وأيضاً في حديث الولاية ، عندنا آية الولاية وهي هذه الآية التي هي موضوع بحثنا في هذه الليلة ، وعندنا حديث الولاية وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « علي منّي وأنا من علي وهو وليّكم من بعدي » ، فكلمة « الولاية » موجودة في هذه الآية المباركة بعنوان « وليّكم » ، وأيضاً في ذلك الحديث بعنوان « وليّكم ».
معنىٰ الولاية :
الولاية : مشترك ، إمّا مشترك معنوي ، وإمّا مشترك لفظي ، نحن نعتقد بالدرجة الاُولىٰ أن تكون الولاية مشتركاً معنويّاً ، فمعنىٰ الولاية إذا قيل : فلان وليّ فلان ، أي فلان هو القائم بأمر فلان ، فلان ولي هذه الصغيرة ، أي القائم بشؤون هذه الصغيرة ، فلان وليّ الأمر أي القائم بشؤون هذا الأمر ، ولذا يقال للسلطان ولي ، هذا المعنىٰ هو واقع معنىٰ الولاية.
ونجد هذا المعنىٰ في كلّ مورد ذكر مورداً للولاية مثلاً : الصديق وليّ ، الجار وليّ ، الحليف وليّ ، الأب وليّ ، الله وليّ ، ورسوله وليّ ، وهكذا في الموارد الأُخرىٰ من الأولياء.
هذا المعنىٰ موجود في جميع هذه الموارد ، وهو القيام بالأمر ، هذا هو معنىٰ الولاية علىٰ ضوء كلمات علماء اللغة ، فلو تراجعون كتب اللغة تجدون أنّ هذه الكلمة يذكرون لها هذا المعنىٰ الأساسي ، وهذا المعنىٰ موجود في جميع تلك الموارد المتعددة مثلاً : الجار له الولاية أي الجار له الأولويّة في أن يقوم بأمور جاره ، يعني لو أنّ مشكلة حدثت لشخص فأقرب الناس في مساعدته في تلك المشكلة والقيام بشؤون هذا الشخص يكون جاره ، هذا حقّ الجوار ، مثلاً الحليف كذلك ، مثلاً الناصر أو الاخ ، هذه كلّها ولايات ، لكن المعنىٰ الوحداني الموجود في جميع هذه الموارد هو القيام بالأمر.
هذا بناء علىٰ أن تكون الولاية مشتركاً معنويّاً.
وأمّا إذا جعلنا الولاية مشتركاً لفظيّاً ، فمعنىٰ ذلك أن يكون هناك مصاديق متعدّدة ومعاني متعدّدة للّفظ الواحد ، مثل كلمة العين ، كلمة العين مشترك لفظي ، ويشترك في هذا : العين الجارية ، والعين الباصرة ، وعين الشمس ، وغير ذلك كما قرأتم في الكتب الأُصوليّة.
فالاشتراك ينقسم إلىٰ اشتراك معنوي واشتراك لفظي ، في الدرجة الأُولىٰ نستظهر أن تكون الولاية مشتركاً معنويّاً ، وعلىٰ فرض كون المراد من الولاية المعنىٰ المشترك بالاشتراك اللفظي ، فيكون من معاني لفظ الولاية : الأحقية بالأمر ، الأولويّة بالأمر ، فهذا يكون من جملة معاني لفظ الولاية ، وحينئذ لتعيين هذا المعنىٰ نحتاج إلىٰ قرينة معيّنة ، كسائر الألفاظ المشتركة بالاشتراك اللفظي.
وحينئذ لو رجعنا إلىٰ القرائن الموجودة في مثل هذا المورد ، لرأينا أنّ القرائن الحاليّة والقرائن اللفظيّة ، وبعبارة أُخرىٰ القرائن المقاميّة والقرائن اللفظيّة كلّها تدلّ علىٰ أنّ المراد من الولاية في هذه الآية المعنىٰ الذي تقصده الإماميّة ، وهو الأولويّة والأحقيّة بالأمر.
ومن جملة القرائن اللفظيّة نفس الروايات الواردة في هذا المورد.
يقول الفضل ابن روزبهان في ردّه (12) على العلاّمة الحلّي رحمة الله عليه : إنّ القرائن تدلّ علىٰ أنّ المراد من الولاية هنا النصرة ، ف‍ ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) ، أي إنّما ناصركم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة إلىٰ آخر الآية المباركة.
فابن روزبهان يجعل الولاية بمعنىٰ النصرة ، والنصرة أحد معاني لفظ الولاية كما في الكتب اللغويّة ، لكن الروايات أنفسها ونفس الروايات الواردة في القضيّة تنفي أن يكون المراد من الولاية هنا النصرة.
مثلاً هذه الرواية ـ وهي موجودة في تفسير الفخر الرازي ، موجودة في تفسير الثعلبي ، موجودة في كتب أُخرىٰ (13) ـ : أنّ النبيّ صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم لمّا علم بأنّ عليّاً تصدّق بخاتمه للسائل ، تضرّع إلى الله وقال : « اللهمّ إنّ أخي موسىٰ سألك قال : ( رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا ) فأوحيت إليه : ( قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ ) (14) ، اللهمّ وإنّي عبدك ونبيّك فاشرح لي صدري ويسّر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي عليّاً أُشدد به ظهري ... » قال أبو ذر : فوالله ما استتمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكلمة حتّىٰ هبط عليه الأمين جبرائيل بهذه الآية : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) إلىٰ آخر الآية.
فهل يعقل وهل يرتضي عاقل فاهم له أدنىٰ إلمام بالقضايا ، وباللغة ، وبأُسلوب القرآن ، وبالقضايا الواردة عن رسول الله ، هل يعقل حمل الولاية في هذه الآية مع هذه القرائن على النصرة ؟ بأن يكون رسول الله يطلب من الله سبحانه وتعالىٰ أن يعلن إلىٰ الملأ ، إلىٰ الناس ، بأنّ عليّاً ناصركم ، فيتضرّع رسول الله بهذا التضرّع إلىٰ الله سبحانه وتعالىٰ في هذا المورد ، فيطلب من الله نزول آية تفيد
بأنّ عليّاً ناصر المؤمنين ؟ وهل كان من شك في كون عليّاً ناصراً للمؤمنين حتّىٰ يتضرّع رسول الله في مثل هذا المورد ، مع هذه القرائن ، وبهذا الشكل من التضرّع إلىٰ الله سبحانه وتعالىٰ ، وقبل أن يستتمّ رسول الله كلامه تنزل الآية من قبل الله ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) أي إنّما ناصركم الله ورسوله والذين آمنوا إلىٰ آخر الآية ؟ هل يعقل أن يكون المراد من ( وَلِيُّكُمُ ) أي ناصركم في هذه الآية مع هذه القرائن ؟

إذن ، لو أصبحت « الولاية » مشتركاً لفظيّاً ، وكنّا نحتاج إلىٰ القرائن المعيّنة للمعنىٰ المراد ، فالقرائن الحاليّة والقرائن اللفظيّة كلّها تعيّن المعنىٰ ، وتكون كلمة « الولاية » بمعنىٰ : الأولويّة ، فالأولويّة الثابتة لله وللرسول ثابتة للذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون.
إذن ، عرفنا معنىٰ « إنّما » ومعنىٰ « الولاية » في هذه الآية.
ثمّ الواو في ( وَالَّذِينَ آمَنُوا ) هذه الواو عاطفة ، وأمّا الواو التي تأتي قبل ( وَهُمْ رَاكِعُونَ ) هذه الواو الحاليّة ـ وهم راكعون ـ أي في حال الركوع.
حينئذ يتمّ الإستدلال ، إنّما وليّكم أي إنّما الأولىٰ بكم : الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة في حال الركوع ، والروايات قد عيّنت المراد من الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون.
فهذا وجه الإستدلال بهذه الآية وإلىٰ هذه المرحلة وصلنا.
إذن تمّ بيان شأن نزول الآية المباركة ، وتمّ بيان وجه الإستدلال بالآية المباركة بالنظر إلىٰ مفرداتها واحدة واحدة.
الجهة الثالثة : الاعتراضات والمناقشات
وحينئذ ، يأتي دور الإعتراضات :
أمّا اعتراض شيخ الإسلام ابن تيميّة ، فقد عرفتم أنّه ليس باعتراض وإنّما هو افتراء ، لا علىٰ الإماميّة فقط ، وإنّما افتراء علىٰ عموم المفسّرين والمحدّثين من أهل السنّة أيضاً ، افتراء علىٰ المتكلّمين من كبار علماء طائفته ، وهذا ديدن هذا الرجل في كتابه ، وقد تتبّعت كتابه من أوّله إلىٰ آخره ، واستخرجت منه النقاط التي لو اطّلعتم عليها لأيّدتم من قال بكفر هذا الرجل ، لا بكفره بل بكفر من سمّاه بشيخ الإسلام.
تبقىٰ الإعتراضات الأُخرىٰ :
الاعتراض الأوّل :
هو الاعتراض في معنىٰ الولاية ، وقد ذكرناه.
وذكرنا أنّ قائله هو الفضل ابن روزبهان الذي ردّ على العلاّمة الحلّي بكتابه إبطال الباطل ، وردّ عليه السيّد القاضي نور الله التستري بكتاب إحقاق الحق ، وأيضاً ردّ عليه الشيخ المظفر في كتاب دلائل الصدق.
الاعتراض الثاني :
احتمال أن تكون الواو في ( وَهُمْ رَاكِعُونَ ) واو عاطفة لا واو حاليّة ، وحينئذ يسقط الإستدلال ، لأنّا ـ نحن الطلبة ـ نقول : إذا جاء الإحتمال بطل الإستدلال ، الإستدلال يتوقّف علىٰ أن تكون الواو هذه حاليّة ، فالذي أعطىٰ الخاتم ، إعطاؤه كان حال كونه راكعاً ، وهو علي عليه‌السلام ، أمّا لو كانت الواو عاطفة يكون المعنىٰ ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) أي هم يركعون ، يؤتون الزكاة ويصلّون ويركعون ، إذن لا علاقة للآية المباركة بالقضيّة ، فهذا الإحتمال إنْ تمّ سقط الإستدلال.
لكنّ هذا الإحتمال يندفع بمجرّد نظرة سريعة إلىٰ الروايات الواردة في القضيّة ، تلك الروايات التي تجدونها بأقل تقدير لو ترجعون إلىٰ الدر المنثور ، لوجدتم الروايات هناك ، وهي صريحة في كون الواو هذه حاليّة ...
ففي هذا الكتاب وغيره من المصادر عدّة روايات وردت تقول : تصدّق علي وهو راكع (15) ، حتّىٰ في رواية تجدونها في الدر المنثور أيضاً هذه الرواية هكذا : إنّ النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم سأل السائل ، سأل ذلك المسكين الذي أعطاه الامام خاتمه ، سأله قائلاً : « علىٰ أيّ حال أعطاكه » ـ أي الخاتم ـ ؟ قال : أعطاني وهو راكع (16).
فالرسول نفسه يسأله : علىٰ أيّ حال أعطاكه ؟ يقول : أعطاني وهو راكع ، فالواو حاليّة ، ولا مجال لهذا الإشكال.
الاعتراض الثالث :
هذا الإعتراض فيه أُمور :
الأمر الأوّل : من أين كان لعلي ذلك الخاتم ؟ من أين حصل عليه ؟
الأمر الثاني : ما قيمة هذا الخاتم وبأيّ ثمن كان يسوىٰ في ذلك الوقت ؟ ولا يستحقّ شيء من هذا القبيل من الإعتراض أن ينظر إليه ويبحث عنه.
نعم يبقىٰ :
الأمر الثالث : وله وجه ما ، وهو أنّه يفترض أن يكون علي عليه‌السلام في حال الصلاة منشغلاً بالله سبحانه وتعالىٰ ، منصرفاً عن هذا العالم ، ولذا عندنا في بعض الروايات أنّه لمّا أُصيب في بعض الحروب بسهم في رجله وأُريد إخراج ذلك السهم من رجله ، قيل انتظروا ليقف إلىٰ الصلاة ، وأخرجوا السهم من رجله وهو في حال الصلاة ، لأنه حينئذ لا يشعر بالالم ، المفترض أن يكون أمير المؤمنين هكذا ، ففي أثناء الصلاة وهو مشغول بالله سبحانه وتعالىٰ كيف يسمع صوت السائل ؟ وكيف يلتفت إلىٰ السائل ؟ وكيف يشير إليه ويومي بالتقدم نحوه ، ثمّ يرسل يده ليخرج الخاتم من أصبعه ؟ وهذا كلّه انشغال بأُمور دنيويّة ، عدول عن التكلّم مع الله سبحانه وتعالىٰ ، والإشتغال بذلك العالم.
هذا الإشكال قد يسمّىٰ بإشكال عرفاني ، لأن الإشكال السابق مثلاً حيث أرادوا جعل الواو عاطفة لا حاليّة إشكال نحوي ، وليكن الإشكال السابق عليه في الولاية إشكالاً لغوياً ، فلنسمّ هذا الإشكال بالإشكال العرفاني ، فالله سبحانه وتعالىٰ عندما يخاطب أمير المؤمنين في الصلاة وعلي يخاطبه ، وهما يتخاطبان ، وهو منشغل بالله سبحانه وتعالىٰ ، كيف يلتفت إلىٰ هذا العالم ؟
والجواب :
أوّلاً : لقد عُدّت هذه القضيّة عند الله ورسوله وسائر المؤمنين من مناقب أمير المؤمنين ، فلو كان لهذا الإشكال أدنىٰ مجال لمّا عدّ فعله من مناقبه.
وثانياً : هذا الإلتفات لم يكن من أمير المؤمنين إلىٰ أمر دنيوي ، وإنّما كانت عبادة في ضمن عبادة.
ولعلّ الأفضل والأولىٰ أنْ نرجع إلىٰ أهل السنّة أنفسهم ، الذين لهم ذوق عرفاني ، في نفس الوقت الذي هم من أهل السنّة ، ومن كبار أهل السنّة :
يقول الآلوسي (17) : قد سئل ابن الجوزي (18) هذا السؤال ، فأجاب بشعر ، وقد سجّلت الشعر ، والجواب أيضاً جواب عرفاني في نفس ذلك العالم ، يقول :
يسقي ويشربُ لا تلهيه سكرتــهُ * عن النديم ولا يلهو عن الناسِ
أطاعَهُ سُكــرُهُ حتّىٰ تمكّـن مــن * فعلِ الصحاةِ فهذا واحــدُ الناسِ
هذا شعر ابن الجوزي الحنبلي ، الذي نعتقد بأنّه متعصّب ، لأنّه في كثير من الموارد نرىٰ أمثال ابن تيميّة والفضل ابن روزبهان وأمثالهما يعتمدون علىٰ كتب هذا الشخص في ردّ فضائل أمير المؤمنين ومناقبه ، أمّا في مثل هذا المورد يجيب عن السؤال بالشعر المذكور.
أمير المؤمنين عليه‌السلام جمع في صفاته الاضداد ، هذا موجود في حال أمير المؤمنين ، وإلاّ لم يكن واحد الناس ، وإلاّ لم يكن متفرّداً بفضائله ومناقبه ، وإلاّ لم يكن وصيّاً لرسول الله ، وإلاّ لم يكن كفواً للزهراء البتول بضعة رسول الله ، وإلىٰ آخره.
فحينئذ هذا الاشكال أيضاً ممّا لا يرتضيه أحدٌ في حقّ أمير المؤمنين ، بأن يقال : إنّ عليّاً انصرف في أثناء صلاته إلىٰ الدنيا ، انصرف إلىٰ أمر دنيوي.
نعم وجدت في كتب أصحابنا ـ ولم أجد حتّىٰ الآن هذه الرواية في كتب غير أصحابنا ـ : عن عمر بن الخطّاب أنّه قال : تصدّقت بخاتمي أربعين مرّة ولم تنزل في حقّي آية.
إذن هذا الاعتراض أيضاً لا مجال له.
الاعتراض الرابع :
وهو الإعتراض المهم الذي له وجه علميّ ، قالوا : بأنّ عليّاً مفرد ، ولماذا جاءت الألفاظ بصيغة الجمع : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ).
هذا الإشكال له وجه ، ولا يختصّ هذا الإشكال والاعتراض بهذه الآية ، عندنا آيات أُخرىٰ أيضاً ، وآية المباهلة نفسها التي قرأناها أيضاً بصيغة الجمع ، إلاّ أنّ رسول الله جاء بعلي ، مع أنّ اللفظ لفظ جمع ( وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ) وجاء بفاطمة والحال أنّ اللفظ لفظ جمع « النساء » ، هذا الإعتراض يأتي في كثير من الموارد التي تقع مورد الإستدلال ، وفي سائر البحوث العلمية المختلفة لا في بحث الإمامة فقط.
الزمخشري الذي هو من كبار علماء العامّة ، وليس من أصحابنا الإماميّة ، صاحب الكشّاف وغير الكشّاف من الكتب الكثيرة في العلوم المختلفة ، يجيب عن هذا الإشكال ، وتعلمون أنّ الزمخشري تفسيره تفسير للقرآن من الناحيّة الأدبيّة والبلاغيّة ، هذه ميزة تفسير الكشّاف للزمخشري ، وهذا شيء معروف عن تفسير الزمخشري ، وأهل الخبرة يعلمون بهذا.
يجيب الزمخشري عن هذا ما ملخّصه : بأنّ الفائدة في مجيء اللفظ بصيغة الجمع في مثل هذه الموارد هو ترغيب الناس في مثل فعل أمير المؤمنين ، لينبّه أنّ سجيّة المؤمنين يجب أن تكون علىٰ هذا الحد من الحرص علىٰ الإحسان إلىٰ الفقراء والمساكين ، يكونون حريصين علىٰ مساعدة الفقراء وإعانة المساكين ، حتّىٰ في أثناء الصلاة ، وهذا شيء مطلوب من عموم المؤمنين ، ولذا جاءت الآية بصيغة الجمع. هذا جواب الزمخشري (19).
فإذن ، لا يوافق الزمخشري علىٰ هذا الاعتراض ، بل يجيب عنه بوجه يرتضيه هو ويرتضيه كثير من العلماء الآخرين.

ولكن لو لم نرتض هذا الوجه ولم نوافق عليه ، فقد وجدنا في القرآن الكريم وفي السنّة النبويّة الثابتة الصحيحة ، وفي الاستعمالات العربيّة الصحيحة الفصيحة : أنّ اللفظ يأتي بصيغة الجمع والمقصود شخص واحد ، كثير من هذا الإستعمال موجود في القرآن وفي السنّة وفي الموارد الأُخرىٰ ، وهذا شيء موجود.
مضافاً إلىٰ جواب يجيب به بعض علمائنا وعلمائهم : أنّه في مثل هذا المورد أراد الله سبحانه وتعالىٰ أن يعظّم هذه الفضيلة أو هذا الفعل من علي ، وجاء بلفظ الجمع إكراماً لعلي ولما فعله في هذه القضيّة.
وتبقىٰ نظرية أُخرىٰ ، أتذكّر أنّ السيّد شرف الدين رحمة الله عليه يذكر هذه النظرية وهذا الجواب ويقول : لو أنّ الآية جاءت بصيغة المفرد ، لبادر أعداء أمير المؤمنين من المنافقين إلىٰ التصرّف في القرآن الكريم وتحريف آياته المباركات عداءً لأمير المؤمنين ، إذ ليست هذه الآية وحدها بل هناك آيات أُخرىٰ أيضاً جاءت بصيغة الجمع ، والمراد فيها علي فقط ، فلو أنّه جاء بصيغة المفرد لبادر أُولئك وانبروا إلىٰ التصرّف في القرآن الكريم.
إنّه في مثل هذه الحالة يكون الكناية ، صيغة الجمع ، أبلغ من التصريح ـ بأن يأتي اللفظ بصيغة المفرد ، والذي آمن وصلّىٰ وتصدّق بخاتمه في الصلاة في الركوع أو آتىٰ الزكاة وهو راكع ـ والروايات تقول هو علي ، فيكون اللفظ وإن لم يكن صريحاً باسمه إلاّ أنّه أدل علىٰ التصريح ، أدل علىٰ المطلب من التصريح ، من باب الكناية أبلغ من التصريح. يختار السيد شرف الدين هذا الوجه (20).
ويؤيّد هذا الوجه رواية واردة عن إمامنا الصادق عليه‌السلام بسند معتبر ، يقول الراوي للإمام : لماذا لم يأت اسم علي في القرآن بصراحة بتعبيري أنا ، لماذا لم يصرّح الله سبحانه وتعالىٰ باسم علي في القرآن الكريم ؟ فأجاب الإمام عليه‌السلام : لو جاء اسمه بصراحة وبكلّ وضوح في القرآن الكريم لحذف المنافقون اسمه ووقع التصرّف في القرآن ، وقد شاء الله سبحانه وتعالىٰ أن يحفظ القرآن ( وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ).
وهذه وجوه تذكر جواباً عن السؤال : لماذا جاءت الكلمة أو الكلمات بصيغة الجمع ؟
ولعلّ أوفق الوجوه في أنظار عموم الناس وأقربها إلىٰ الفهم : أنّ هذا الإستعمال له نظائر كثيرة في القرآن الكريم ، وفي السنّة النبويّة ، وفي الإستعمالات الصحيحة الفصيحة ، ثم إن الروايات المعتبرة المتّفق عليها دلّت علىٰ أنّ المراد هنا خصوص علي عليه‌السلام.
إذن ، مجيء اللفظ بصيغة الجمع لا بدّ وأن يكون لنكتة ، تلك النكتة ذكرها الزمخشري بشكل ، والطبرسي بنحو آخر ، والسيد شرف الدين بنحو ثالث ، وهكذا.
وإذا راجعتم كتاب الغدير لوجدتم الشيخ الأميني رحمة الله عليه يذكر قسماً من الايات التي جاءت بصيغة الجمع وأُريد منها الشخص الواحد ، ويذكر الروايات والمصادر التي يُستند إليها في شأن نزول تلك الآيات الواردة بصيغة الجمع والمراد منها المفرد.
فإذن ، لا غرابة في هذه الجهة.
هذه عمدة الاعتراضات المطروحة حول هذه الآية المباركة.
إذن ، بيّنّا شأن نزول الآية ، وبيّنّا وجه الإستدلال بالآية ، وتعرّضنا لعمدة المناقشات في هذا الاستدلال ، وحينئذ لا يبقىٰ شيء آخر نحتاج إلىٰ ذكره.
نعم ، هناك بعض الأحاديث أيضاً ـ كما أشرت من قبل ـ هي مؤيّدة لإستدلالنا بهذه الآية المباركة علىٰ إمامة أمير المؤمنين ، منها حديث الغدير ، ومنها حديث الولاية الذي أشرت إليه من قبل.
فحينئذ ، لا أظنّ أنّ الباحث الحر المنصف يبقىٰ متردّداً في قبول استدلال أصحابنا بهذه الآية المباركة علىٰ إمامة أمير المؤمنين ، فتكون الآية من جملة أدلّة إمامته عن طريق ثبوت الأولويّة له ، تلك الأولويّة الثابتة لله ولرسوله ، فيكون علي وليّاً للمؤمنين ، كما أنّ النبي وليّ المؤمنين ، وهذه المنقبة والفضيلة لم تثبت لغير علي ، وقد ذكرنا منذ اليوم الأوّل أنّ طرف النزاع أبو بكر ، وليس لأبي بكر مثل هذه المنقبة والمنزلة عند الله ورسوله.
وصلّىٰ الله علىٰ محمّد وآله الطاهرين.
الهوامش
(1) سورة المائدة : 55.
(2) المواقف في علم الكلام : 405.
(3) شرح المواقف 8 / 360.
(4) شرح المقاصد 5 / 170.
(5) شرح التجريد للقوشجي : 368.
(6) روح المعاني 6 / 168.
(7) تفسير ابن كثير 2 / 64.
(8) تفسير ابن أبي حاتم 4 / 1162.
(9) روح المعاني 6 / 168.
(10) منهاج السنّة 2 / 30.
(11) تفسير ابن أبي حاتم 4 / 1162، تفسير الطبري 6 / 186، تفسير السمعاني 2 / 47، أسباب النزول : 113 ، تفسير العز الدمشقي 1 / 393 ، تفسير ابن كثير 2 / 64 ، الكشاف 1 / 649 ، الدرّ المنثور 3 / 105. وراجع من كتب الحديث مثلاً : جامع الاصول 9 / 478 ، المعجم الاوسط 7 / 129 ، تاريخ دمشق 42 / 356.
(12) إحقاق الحقّ 2 / 408.
(13) تفسير الرازي11 / 25 ، تفسير الثعلبي ـ مخطوط.
(14) سورة طه : 25 ـ 36.
(15) تفسير ابن أبي حاتم 4 / 1162.
(16) الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور 3 / 105.
(17) روح المعاني 6 / 169.
(18) ابن الجوزي هذا جدّ سبط ابن الجوزي ، وإنّما نبّهنا على هذا ، لأنّه قد يقع اشتباه بين ابن الجوزي وسبط ابن الجوزي ، فالمراد هنا : أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي الحافظ ، صاحب المؤلّفات الكثيرة ، المتوفى سنة 597 هـ‍.
(19) تفسير الكشّاف 1 / 649.
(20) المراجعات : 263.


والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .


من مواضيع : عاشق أبا الأحرار 0 ما الأسباب التي جعلت الرسول لم يقتص من خالد بن الوليد عندما قتل بني جذيمة
0 شبهات أسئلة المخالفين حول عائشه (لا تعليق قبل الأطلاع وقراءة الأجوبة)
0 إثبات الإرادة التكوينه في آية التطهير
0 التفسير الدقيق على آية الولايه من حيث شأن هذه الآيه والأشكالات والأعتراضات والنقاشات
0 أقوى رد شبهه على سكوت أمير المؤمنين عن الهجوم على الدار
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 06:58 AM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية