البكاء على الماضي، والغرور بالحاضر.. كلاهما اشتباه! والدليل قوله تعالى لكيلا تأسَوا على ما فاتَكُم، ولا تفرحوا بما آتاكم .
الحزن على ما فات، لا طائل تحته.. لأنه مضى ولن يعود.
والفرح بالحاضر نوع من الغرور لا جدوى فيه.
إنّ الإنسان المتوازن إنّما ينظر إلى الغَد.. إلى المستقبل. والغد ـ بمعناه الواسع ـ
هو ما بقي من حياتك، وما أعددتَ لنفسك بعد مماتك، تجد ذلك مكنوناً في قوله سبحانه: ولْتَنظُرْ نفسٌ ما قَدّمت لغد.. .
وبنظرةٍ بسيطة.. ندرك أن هذه الحياة قطرة واحدة بالنسبة إلى بحر الحياة الآخرة.
هَب أنك ستعيش هنا مئةَ عام. إنها لا شيء بالقياس إلى ملايين السنين التي ستحياها هناك. وإنها لَمُفارَقة مُحزِنة أن يُخطِّط الإنسان لحياته القصيرة،
ولا يُخطّط لحياته الأبدية. ومن هنا يضيع اكثر الناس وهم لا يشعرون!
وذلك إنّما يكون بسبب طول الأمل، أي بسبب الوهم. كل انسان لا يصدّق أنه سوف يموت فجأة. إننا لا ندري لعلّنا بعد لحظة نكون من أهل الآخرة، ولكنّ أحداً لا يصدّق ذلك.
أمّا العارفون فهم يوقنون بهذه الحقيقة: وبالآخرةِ هم يوقنون .
أمّا الكثرة الغالبة، فهم يندفعون في تيّار الحياة.. لا التفات لهم إلى سواه! وهذا عجيب من أمرنا جميعاً!
وكتاب الله يحذّر أشدّ التحذير من هذه الغفلة، ويبصّرنا أن هذه الحياة الدنيا متاع الغرور، أي متاع الوهم.
* * *
حزنُ الناس.. على ما فاتهم من الدنيا. وفرحهم.. بما أُوتوا منها. أمّا الآخرة...!
من هنا كان نداء القرآن العجيب: يا أيها الذين آمَنوا.. آمِنوا . أي: أفيقوا ممّا أنتم فيه، وراجعوا أنفسكم قبل فوات الفرصة.
إنّ أنجح الناس هو من يتأكد عنه دائماً أنه قد يرحل الآن، قد ينتقل من هذه الحياة إلى الحياة الآخرة فوراً.
وهذا الاحساس عاصمٌ من الغفلة والانحراف. وأجرأ الناس على المعصية من نسي الموت وركن إلى الدنيا.