في المصطلح : الإسلام المقاوم بديلاً عن الإسلام السياسي
بتاريخ : 25-10-2013 الساعة : 12:04 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الفيلسوف والعلامة أبو علي ابن سينا "السعادة لا تتم إلا بالإجتماع، والمجتمع يتكون من خلال تفاوت الكفاءات بين الأفراد،
ويضيف بأن هناك ثلاثة أنواع من المدن، المدينة الضالة والمدينة المخالفة والمدينة العادلة"
ونتذكر اليوم هذا القول ونحن نراقب ما يجري من حولنا في كل الأمصار العربية والإسلامية من تطورات دراماتيكية مذهلة وفوضى بناءة استغلت عطش أمتنا للتحرر والتطور والإنعتاق من نير الإستبداد،
وهي فوضى لو أجرينا قراءة مبسطة وسطحية لها ولأبعادها ولحجمها وتأثيرها، لخلصنا الى نتيجة مفادها بأن ما يجري "ثورة" شعبية محركها الأساس شباب الأمة وقواها الاعتراضية الذين سعوا لعقود للقضاء على الطغمات الحاكمة المرتبطة عضوياً بأعداء الأمة.
اما اذا تكبدنا عناء البحث وتعمقنا قليلاً ساعين خلف الحقيقة سنلحظ بأن ما يجري هو تحريك وإدارة لمجموعة من مراكز الإعلام والدراسات التابعة لدول "التخريب" وبالتحديد لعواصم القرار فيها "تل ابيب" و"واشنطن" اللتين استطاعوا تتبع ما يجري و صناعة الرأي العام واحتواء الاحداث و من ثم توجيهها بما يتماشى مع أهدافهم و مصالحهم عبر وكلائهم التاريخيين و المرحليين. كما لم يعد خافياً على احد ان الحركات السياسية التي تروج انها ذات طابع اسلامي قد تمكنت من فرض سيطرتها على مجريات الأمور لخبرتها التنظيمية الطويلة وإمكانياتها العريضة وقدرتها على التجييش مستخدمة "الله" وسيلة للوصول إلى كرسي السلطة مستغلة قداسة الدين و رجال الدين في المخيال العربي والاسلامي وموظفة شبكة علاقاتها الاقليمية وتقاطعاتها مع بعض القوى العالمية، فاستطاعت جماعة الإخوان المسلمين على سبيل المثال في مصر وتونس التماهي مع الأنظمة السابقة التي ورثتها والتي صادرت ونهبت قدرات الشعب وموارده على مدار عشرات السنين، فتطابقت نظرتها للأمور مع نظرة النظام العالمي الراهن الذي يستند على الدوام إلى قمع الشعوب واستغلالها ويناهض تحرير الأرض والإرادة من تبعية مذلة لهيمنة الوحش الأمريكي الذي ساهم بتعويم هذه الحركات على انها تمثل "الإسلام السياسي".
وبالمستوى ذاته لم يعد ممكناً الفصل بين الإسلام الدين والعقيدة والنهج، والحركات الإسلامية والتي عمل بعضها كحصان طروادة لعودة الحكم الإستبدادي من الخارج، فباتوا يسخرون أطرهم لخدمة المشاريع "الإستخرابية" التي تعمل على إنهاك المجتمعات بالحروب الداخلية و الهائها عن معاركها الحقيقية وأدوات تحررها ونضالها المفترضة وإفقار الشعوب وهدر القدرات وتطويع الناس بالجوع وتركيعها لصندوق النقد الدولي. لذلك وفي ظل كل هذه المتغيرات يجب استحضار العقل وتكريسه عبر تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود لأن بعض الحركات الإسلامية تسيء للدين والعقيدة الإسلامية خاصة انها تعيش حالة انفصام في الشخصية بسبب مكيافليتها المفرطة وتنكرها لوعودها وعدم التزامها بخطابها السياسي فتقول ما لا تفعل، كما انها استخدمت خطاباً عدائياً يكرس عقلية الإنتقام والكراهية في حين ان العكس هو المطلوب، كما ان منهج تكفير كل من اختلف معها اسلامياً كان او قومياً او ليبرالياً والدعوة الى القتال في سبيل الحكم كبديل للقتال من أجل التحرر من الاستعمار سلخ عنها صبغة السلمية في داخل مجتمعاتها وأساء للمشروع الإسلامي كمشروع حكم، لذا على هذه الحركات مراجعة هذا الخطاب والتشبه بالحركات الإسلامية المقاومة المسلحة في وجه العدو الخارجي و المسالمة في وجه خصوم الداخل التي يشهد لها في العديد من الأزمات التي مرت بها مجتمعاتها بأقصى درجات العقلانية في التعامل مع الأزمات الداخلية.
فحزب الله كحركة مقاومة اسلامية في لبنان شكلت سلوكياته واخلاق قادته وعناصره مثالاً يحتذى به في العديد من المواقف، الحزب الذي عمل منذ تأسيسه على نبذ العنف والحروب الداخلية في سبيل إعلاء كلمة المقاومة وتوحيد البندقية في وجه العدو الصهيوني وصفحه عن العملاء وترك أمر معاقبتهم وحسابهم للدولة بعد انجاز التحرير في العام 2000 في سبيل توطيد اللحمة الوطنية والنأي بالمجتمع عن الدخول في حالة اقتتال داخلي، كما ان تسامحه بعد حرب 2006 الصهيونية وتعالي الاًصوات اللبنانية الشاذة المنادية بالقضاء عليه والداعية لنزع سلاحه الموجه أصلا للعدو في الخارج لا الى الخصم في الداخل والتي توازي بالمفهوم العام نزع روحه فلزم الأطر السياسية وسعى عبرها لتعميم الفكر المقاوم فكانت الإتفاقية المشهورة بين السيد حسن نصرالله والعماد ميشال عون والتي تعتبر تفاهماً بين مسلمي المشرق ومسيحييه لما للرجلين من قيمة سياسية ومعنوية في المنطقة ككل.
كما بالإمكان التطرق إلى تجربة حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين والتي أسسها الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي لمواجهة العدو الصهيوني من داخل فلسطين المحتلة وفي الشتات، ومرت الحركة بالعديد من التجارب التي واجهتها بالحكمة والحنكة فلوحق قادتها العسكريين والسياسيين و أعدم بعضهم في الميادين الشهيد القائد رائد جندية مثالاً، وسرقت منها عمليات استشهادية وجهادية عديدة وتم اغلاق مقارها لمرات عدة ومنعت من تشييع شهدائها بل وصل الأمر الى محاولة منعها من دك أوكار العدو بالصواريخ حفاظاً على هدنة مزعومة وكان الرد واضحاً دائماً يتلخص بعبارة اشتهرت فيها الجهاد الإسلامي "ان خيارنا الوحيد هو مقاومة العدو المركزي للأمة الا وهو العدو الصهيوني ومن يقف خلفه، وان بوصلة سلاحنا الشريف والعفيف لن تغير وجهتها، لسنا جبناء لكننا ضعفاء امام الدم الفلسطيني"، هذه العبارة التي شكلت مدرسة لكل المتناحرين على كرسي "أوسلو" الفارغ والواهي لكنهم لا يفقهون. وإذا كان المضمون السياسي لتعبير "الإسلام السياسي" يحتاج إلى تأمل عميق ودراسة جيدة، فإن المطلوب أن نتأمل وبتأنٍ في خطاب وممارسات واليات "حركات الإسلام المقاوم" الذي نجح في إسقاط دول الإستكبار العالمي في العديد من المواجهات السياسية والعسكرية من حيث القدرة على الخطاب المباشر والمستجيب مع تطلعات الأمة والصمود بوجه الحملات العالمية لكسر مشروع المقاومة الذي نجح أصحابه مرات عديدة في إلحاق الهزيمة بأعدائه مستفيدين من ثورة قدروا استخلاص عبرها من اٌيات القران الكريم وأحاديث رسوله"ص" وإذ بهم يطوعونها لتصبح جسوراً تجمع الأمة على كلمة سواء للانقضاض على عدوهم للتخلص منه والقضاء عليه فيما بعد. لقد انخرطت شعوبنا من جديد في ركب الأمم بفضل بنادق الأحرار الذين عرفوا كيف يسخروا عقائدهم في سبيل "إسلام مقاوم" يكون جامعة تقرب ولا تفرق فتجدني أختم مستنجداً بقول الإمام الغزالي رحمه الله "جور السلطان مائة عام أفضل من جور الرعية على بعضها البعض سنة واحدة".