عند قراءة النصوص القرآنية والروائية يتضح ويظهر نحوين من التنزل الاول التنزل الرحماني والثاني التنزل الشيطاني .
ان اضافة صفة الرحماني الى الاول جاء من التقريب التالي :
ان الله سبحانه قد كتب على نفسه الرحمة وجعلها واسعة تسع كل شيء وارسل الانبياء والرسل مبشرين ومنذرين ورحمة للعالمين وجعل لهم اوصياء هداة مهديين وانزل الكتاب والفرقان فيه تبيان كل شيء وهدى ورحمة للعالمين فمنهم من اوحى له وحيا تشريعيا وتكوينيا ومنهم المحدثون من الاوصياء وعباده الصالحين من غير الانبياء والمرسلين , وحيث ان النبوة اتمام الحجة على الخلق
( رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (النساء:165)
وان التنزيل للوحي التشريعي فضلا عن التنزل الاعم للملائكة والروح من كل امر انما هو من ملازمات بعث الرسل والانبياء ، فما ثبت من رحمة في ارسال الرسل والانبياء يثبت لعملية التنزل والانزال فيكون رحماني .
هذا التنزل مقابل (ضد ) التنزل الشيطاني المتحقق من تنزل الشياطين على اتباعهم والذي يتضمن الاكاذيب والمعلومات الفاسدة والاساليب والخطط الشيطانية . وسنتناول كلا الموضوعين .
التنزل الرحماني :
لقد ذكر القرآن الحكيم تنزيلات مختلفة ولو استعرضنا يايجاز متعلقات عملية التنزيل فاننا نحصي التالي :
1- تنزيل الملائكة والروح بالوحي التشريعي والتكويني
2- تنزيل الملائكة والروح لتأييد المؤمنين والقتال في صفوفهم
3- تنزيل الكتب السماوية والقران الحكيم وهو فرع نزول الملائكة والروح (افردناه لاهميته )
4- تنزيل السكينة على المؤمنين
5- تنزيل مائدة من السماء والمن والسلوى والحديد وامنة ونعاسا
تنزل الملائكة والروح :
ان هذا التنزل تارة من اجل تبليغ الوحي التشريعي للانبياء والمرسلين او وحيا تكوينيا لأوصياء الله الذين اختارهم وما شاء الله من عباده الصالحين كالخضر عليه السلام وام موسى ومريم عليهن السلام فهم المحدثون وهو مستمر على مستوى الوحي التكويني والتعليمات والتقريرات .
وتارة اخرى من اجل تأييد المؤمنين والقتال في صفوفهم والى جانبهم كما جاء في الاية المباركة ((ذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدّكُمْ رَبّكُمْ بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ * بَلَىَ إِن تَصْبِرُواْ وَتَتّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مّن فَوْرِهِمْ هَـَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلآفٍ مّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاّ بُشْرَىَ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النّصْرُ إِلاّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * لِيَقْطَعَ طَرَفاً مّنَ الّذِينَ كَفَرُوَاْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ * لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ فَإِنّهُمْ ظَالِمُونَ * وَللّهِ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذّبُ مَن يَشَآءُ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ )) 125آل عمران.
ولم يقم دليل على توقف هذا النحو من التأييد والتسديد او اقتصاره على زمن النبي صلى الله عليه وآله بل مستمر قال سبحانه و تعالى :
﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )(22) (سورة المجادلة)
بعد هذا التقديم نقول ان تنزل الملائكة والروح الذي هو خلق عظيم (اعظم من جبرائييل وميكائيل واسرافيل وعزرائيل كما ورد في بعض الروايات ) على النحوين المتقدمين انما يأتي ضمن الخطة الالهية التمهيدية والمرحلية للمشروع الأعظم وهو خلافة الأرض ووراثتها من قبل المؤمنين وعباده الصالحين وبسط نفوذهم ودينهم الذي ارتضى لهم ورفع سيطرة الكفار والمشركين والمنافقين على زمام ومقاليد الأمور منذ بداية الصراع والعداوة الذي انطلق بين الانسان وابليس بعد هبوطهما الى الارض من الجنة .
لقد اصبح ابليس من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم ومنذ ذلك الوقت بدا يخطط لافشال المشروع الالهي في خلافة الارض من قبل الانسان وتعميرها وجعلها نموذجا مشابها للجنة التي فقدها فيما لو استطاع بني ادم ان يتجنبوا حيل وخدع وفتن الشيطان كما اخرج ابويهم من الجنة ، كما بدأ يوسع نفوذه وسلطته ويراقب تحركات بني ادم يقول الله تعالى(( يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُمِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ)) (27)/الاعراف.
من هذا التحليل نستطيع فهم تنزل الشياطين على اوليائهم وهو التنزل الشيطاني .
التنزل الشيطاني
كما ذكرنا ان السياسات الشيطانية المعارضة للمشروع الالهي انطلقت منذ عصيان ابليس لعنة الله عليه السجود للمخلوق الجديد امتثالا لامر الله سبحانه واحتجاجا على اختياره لخلافة الارض بناءا على القياس بين الطين والنار فاستكبر فكان من الصاغرين واخرج من الجنة مذموما مدحورا ثم وسوس لهما واكلا من الشجرة فخسرا اول اختبار الا انه كان ضروريا لتأصيل وترسيح مفاهيم الندم والتوبة واثر الخسارة من اجل بناء النفس اللوامة .
وبعد هبوط المتخاصميَن والعدويَن الى الارض الوطن الثاني السفلي بدا الصراع يأخذا اشكالا وابعادا جديدة ومتنوعة بتكاثر الطرفين وتطور المجتمعات البشرية وتطورت السياسات العدوانية ووسائل تنفيذها حيث انتقلت من مرحلة المباشرة والتمثيل والتجسد الشيطاني بشخصيات معروفة كما تخبرنا الاية الشريفة ((وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ )) انتقلت الى مرحلة الادارة غير المباشرة من خلال توسيع الكوادر والاتباع من الانس والجن ((وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا )) .
ان الشيطان جند مجموعة كبيرة من الشياطين التي تسترق وتتنصت السماء للحصول على الانباء فهي بمثابة الجهاز الاستخباري الذي يحضر المعطيات والمعلومات ويعيد صياغتها لرسم الخطط التنفيذية الميدانية وتطبيقها من خلال تنزل الشياطين على اوليائهم من كل افاك اثيم من اتباعهم .
ان الشيطان واتباعه يحاولون عرقلة المشروع الالهي بقيادة الامام المهدي عليه السلام من خلال اساليب مختلفة تركز على اضعاف الفهم والوعي الايماني والوازع الديني وتنوع الاساليب واستثمار كل الامكانيات المادية والبشرية المتاحة من اجل تطوير السياسة العدوانية لتيار الاصلاح والتمهيد ، فانتقلت الستراتيجية الشيطانية الى ايجاد مجاميع ومجتمعات كالصهيونية واليهودية العالمية والوهابية ومنظمات وجهات سرية كعبدة الشيطان والماسونية وغيرها من المنظمات السرية التي لها نظامها ومعتقدها وطقوسها المستمدة من الشيطان وقد استطاعت هذه الستراتيجية من تسخير دول عظمى وتجعلها واجهة لتحقيق اهدافها كالشيطان الاكبر اميركا ودول الاستكبار العالمي الذي يشكل حلفا مقابل حلف ولي الله الاعظم وخليفته وبقيته الباقية الذي سوف يملا الارض قسطا وعدلا مثلما ملئت ظلما وجورا.
من هنا نستكشف جانبا مهما وفهما عميقا لعملية التنزل للملائكة والروح على الامام سلام الله عليه التي تشكل آلية وطريقة فعالة وضرورية لادارة الصراع مع حزب الشيطان .