بانوراما الشرق الاوسط - السبت , 14 كانون اول / ديسمبر 2013
أحمد الشرقاوي
مـن حيــث المبــدأ القانونــي
في القانون الخاص، المدني والتجاري، كما في القانون الدولي، يعتبر شرط “حسن النية” روح كل إلتزام، ويترتب الإخلال به من قبل أحد الأطراف سببا موجبا لبطلانه، ما يُحوّله بحكم الواقع وقوة القانون إلى وثيقة لاغية وغير ذي جدوى (Nul et non avenu).
طبيعــة القــرار الأمريكــي..
بعد ثلاث أسابيع من توقيع الإتفاق النووي بين إيران والسداسية الدولية في جنيف، قررت إدارة ‘أوباما’ من خلال وزارتا الخزانة والخارجية الأمريكيتان فرض عقوبات جديدة، الخميس 12 دسمبر/كانون الأول، على 19 شركة وفردا يشتبه في أنهم ساعدوا إيران في برنامجها النووي، هذا في الوقت الذي كان الكونجرس الأمريكي قد علق التصويت على عقوبات جديدة ضد إيران بطلب من الرئيس ‘أوباما’ لإفساح المجال أمام فرصة الستة أشهر لإختبار نجاح الإتفاق.
وعلّلتا الإدارتان الأمريكيتان قرارهما بالقول: “إن وضع الشركات والأفراد على القائمة السوداء يُظهر أن اتفاق جنيف لا يتعارض ولن يتعارض مع جهودنا المتواصلة لكشف وتحييد من يدعمون البرنامج النووي الايراني او يحاولون التهرب من عقوباتنا”.
وتجذر الإشارة أن العقوبات التي تتخذها الإدارة الأمريكية بصفة أحادية لا تكتسي الصبغة القانونية الدولية لعدم طرحها ومناقشتها واعتمادها بقرار صادر عن مجلس الأمن، وبالتالي، تعتبر عقوبات غير ملزمة بالنسبة للدول الأعضاء. أما الإلتزام بها من قبل الحلفاء، فيدخل في إطار المجارات من باب المحاباة والمداهنة ليس إلا.
فــي الوقائــــــع
إلى غاية مساء يوم الخميس الماضي، كانت كل التصريحات الدبلوماسية وتقارير الوكالة الدولية لحظر الإنتشار النووي، تؤكد أن الأمور تسير بشكل جيد دون عقبات تذكر، وأن إيران تتعاون مع الوكالة الدولية بإيجابية.
وخلال المحادثات التقنية التي بدأت على مستوى الخبراء هذا الأسبوع في ‘فيينا’ في الفترة من 9 إلى 12 ديسمبر/ كانون الأول، كانت المحادثات تجري في جو من التفاهم الإيجابي والتعاون البناء، ولم تطرح فوق الطاولة أية مشكلة من شأنها إعاقة المحادثات.. لكن فجأة، وفي وقت متأخر من مساء الخميس، أعلن الوفد الإيراني أنه سيعود إلى طهران للتشاور.
ووفق ما صرح به دبلوماسي في الإتحاد الأوروبي لوكالات الأنباء، فإن الوفد الإيراني قال إنه تلقى تعليمات من طهران بوقف المحادثات فورا والعودة إلى طهران دون إعطاء توضيحات.. وتابع: “هذا لم يكن متوقعا بالمرة”.. مؤكدا أنه لا يعتقد أن للقرار صلة بالموضوعات التقنية التي كان يجري بحثها.
مصادر مقربة من المفاوضين الأوروبيين قالت أن إنسحاب الوفد الإيراني كان في حقيقة الأمر “رد فعل” مفاجأ على التحركات في الولايات المتحدة بشأن العقوبات.. وأضافت ذات المصادر أن “الإيرانيين كانوا ملتزمين بإنجاز العمل ولم نكن منزعجين من شيىء”.
وتبين بعد ذلك أن القرار الإيراني بالإنسحاب من المفاوضات له علاقة بالعقوبات الجديدة التي اتخذتها الإدارة الأمريكية دون مبرر قانوني، وبشكل أحادي ومفاجأ، في الوقت الذي كان الوفد الإيراني مجتمعا في فيينا مع الخبراء الممثلين للسداسية الدولية.
الموقــف الإيرانــي مـن العقوبــات
بالنسبة لإيران، الأمر واضح ولا يحتاز كثير تفسير، لأن العقوبات الجديدة التي أتخذتها الإدارة الأمريكية ضد الشركات والأفراد بزعم أنها لن تأثر في الإتفاق مع إيران، إعتبرتها هذه الأخيرة تتعارض مع “روح اتفاق” جنيف القائم على “حسن النية”، ما يجعله لاغيا وغير دي جدوى من الناحية القانونية، وإن كان لم يصدر بعد تصريح إيراني رسمي يعلن تعليق الإتفاق أو إلغائه.
ويعتقد أن إيران بسحب وفدها التقني من اجتماعات فيينا، تكون قد بعثت برسالة مشفرة إلى الإدارة الأمريكية مفادها، أن الإتفاق النووي أصبح الآن في مهب الريح، وأن أمام الإدارة الأمريكية خياران: إما التراجع عن قرارها الأخير أو اعتبار الإتفاق لاغيا وكأنه لم يكن، خصوصا وأنه يتعارض مع قرار الكونجرس الأمريكي الأخير بتعليق مناقشة عقوبات جديدة على إيران في فترة إختبار النوايا.
أما رئيس البرلمان الإيراني ‘لارجاني’ الذي كان يتحسّس أن الإدارة الأمريكية بصدد التحضير لشيىء من هذا القبيل لإختبار مدى قوة أو ضعف الموقف الإيراني، فقد قال بداية الأسبوع: “أتحدى الجانب الأمريكي أن يصدر عقوبات جديدة ضد إيران، وليجرب إن استطاع”. هذا معناه، أن إدارة ‘أوباما’ بإتخاذها قرار العقوبات الأخير، تكون قد سقطت في فخ التحدي، ولن تستطيع الخروج منه إلا مهزومة بإعلان تراجعها عن العقوبات الأخيرة، أو ستدخل المنطقة في الفوضى إن ركبت الإدارة الأمريكية رأسها وأخذتها العزة بالإثم.
‘لاريجاني’ في حوار تلفزيوني الخميس، أشار إلى ان الوثيقة التي تم التوقيع عليها في جنيف تتضمن أربعة مراحل، المرحلة الاولى تمتد الى ستة أشهر وهي أشبه ما تكون بشهر العسل ولكنها أقل حلاوة. وفي هذه المرحلة لاينبغي للأميركان فرض حظر جديد أو التنصل عن رفع التجميد عن بعض الأموال الايرانية، وإن فعلوا ذلك فإنهم انتهكوا الاتفاق.
وأوضح ‘لاريجاني’ أن حق إيران في تخصيب اليورانيوم أمر مفروغ منه، وأن ما يقوله الأميركان بشأن ضرورة التوصل إلى اتفاق بشأن تخصيب اليورانيوم غير صحيح.
ومن النقاط الايجابية لهذه الوثيقة هي اعتراف اميركا بحق ايران في تخصيب اليورانيوم. فكل العالم يعلم بأن أميركا تنازلت، ولذا، فإن جميع مزاعم أميركا حول هذا الموضوع مرفوضة من قبل إيران. وعلى هذا الاساس فإن الأميركيين ارتكبوا لحد الآن عشرة الى خمسة عشر مخالفة وانتهاكا لاتفاق جنيف، وهذا يعني، أن الوثيقة ذهبت في “مهب الريح” في أقل من ستة أشهر، حسب التعبير الذي استعمله رئيس البرلمان الإيراني.
الموقــف الروســي مـن العقوبــات
روسيا بدورها اعتبرت الخطوة الأمريكية الجديدة إنتهاكا لـ”روح الإتفاق”، وقالت ‘ماريا زاخاروفا’ المتحدثة باسم الخارجية الروسية: “قرار الادارة الامريكية يتعارض مع روح هذه الوثيقة” في اشارة الى الاتفاق بين إيران والقوى الست. وهو ما دفع بوزير الخارجية الأمريكية للقول: إن “المفاوضات ستستأنف قريبا، وأنه لا يجب إعتبار أن الإتفاق الذي وقع مع إيران منذ 3 أسابيع يواجه اليوم مشكلة خطيرة”.. وهي محاولة فاشلة لتبسيط لأمور تنم عن جهل فظيع بالعقلية الإيرانية واستخفاف بالشريك الروسي.
كما انتقد الجمعة، نائب وزير خارجية روسيا قرار واشنطن إضافة مؤسسات إيرانية لقائمة العقوبات معتبرا إياه غير مقبول بالنسبة لروسيا.
وشكك وزير الخارجية الروسي ‘سيرغي لافروف’ في مقابلة أجرتها معه قناة ‘روسيا اليوم’ في نوايا البلدان الأوروبية، حيث أعرب عن تصوره بوجود اشارات بأن البلدان الاوروبية لن تستطيع تأييد حزمة المقترحات الموضوعة على الطاولة للنقاش، وفي هذه الحالة، فإن مهلة الاشهر الستة المقررة لتنفيذ الاتفاق بين ايران و 5+1 ستنقضي بينما لم تبدأ عملية تنفيذ الاتفاق من قبل الاتحاد الاوروبي، وفق قوله.
عــادت حليمــة لعادتهــا القديمـــة
مشكلة ‘أوباما’ هذه المرة لا تكمن في تأثير اللوبيات الصهيونية (اليهودية والمسيحية) على قراره المثير للجدل، لأن مجال تأثير هذه القوى هو الكونجرس لا المؤسسات التنفيذية، ومعلوم أن الكونجرس وافق هذا الأسبوع على تعليق مناقشة العقوبات الجديدة على إيران لفسح المجال أمام فرصة إختبار النوايا كما سبقت الإشارة.
هذا معناه، أن القرار اتخذ على مستوى الجهاز التنفيذي لا التشريعي، وبالتالي، ما كان له أن يُتّخذ من دون موافقة رسمية من ‘أوباما’ شخصيا، وذلك بناء على ما اعتادت الإدارة الأمريكية اللجوء إليه من تأويل لبنود الإتفاقات والمعاهدات من خلال التلاعب بالألفاض للقول أن العقوبات لا تمس إيران الدولة بل شركات اعتبارية وأشخاص ذاتيين، وعليه، فأمريكا، وفق هذه القراءة، لم تُقوّض الإتفاق من الناحية القانونية حسب زعمها.
لكن مثل هذه القراءة “التأويلية” تعتبرها إيران محاولة “إحتيالية” تسعى من ورائها للضغط عليها بشكل غير مباشر في السياسة، على طريقة الحروب غير المباشرة التي تخوضها بالوكالة ضد إيران وسورية ولبنان واليمن. وهو أمر غير مفيد، لأن الأمور بالنسبة لإيران واضحة وتتعلق برفض كل ما يمس برنامجها النووي من إجراءات مباشرة أو غير مباشرة.. هذا واضح ليس بالنسبة لإيران فحسب، بل بالنسبة لروسيا كذلك.
أوبامــا يسقــط مجــددا فـي الفـــخ
الموقف الأمريكي حساس جدا، خصوصا وأن الجانب الأوروبي سارع لإعطاء إيران شهادة حسن سيرة وسلوك، ما يجعل الرأي العام الغربي متوجسا من سوء نية إدارة ‘أوباما’، وأي قرار تصعيدي جديد لن يجد تأييدا له من قبل الرأي العام الأمريكي الذي ملّ من كذب إدارته ومراوغاتها وسوء نيتها وخضوعها لضغوط اللوبيات التي أوصلتها إلى حافة الهاوية.
الهــدف الأمريكــي مـن العقوبـــات
الخطوة الأمريكية الجديدة لا علاقة لها بترضية المتضررين من الإتفاق (السعودية و إسرائيل)، وإن كانت بعض أقلام الزيت ستحاول تفسيرها في هذا الإتجاه من باب التعمية وإيهام الرأي العام الوهابي خصوصا، بأن ضغوط مملكة الزيت وإسرائيل نجحت في مساعيها التخريبية لتعطيل الإتفاق.. هذا وهم بعيد عن الواقع.
حقيقة الأمر أن إيران وجّهت ضربة قاضية لإدارة ‘أوباما’ بداية الأسبوع من خلال توقيعها لإتفاق أمني مع رئيس أفغانستان ‘كرزاي’، والذي رفض علنا توقيع إتفاقية أمنية مع أمريكا تمهيدا لإنسحابها من بلاده نهاية العام المقبل 2014. معلّلا رفضه بأن الدستور لا يسمح له بتوقيع مثل هذه الإتفاقية مع قوة محتلة تقتل المدنيين الأبرياء بطائرات من دون طيار، ومحذرا من ممارسة ضغوط عليه في هذا الباب حيث قال لشبكة “ان دي تي في” التلفزيونية الهندية في طريق عودته إلى بلاده من إيران: “لن يجدي أي خطاب عدواني .. لسنا أمة معروفة برضوخها للترهيب”.
ما فعلته إيران بتوقيعها للإتفاقية الأمنية الإستراتيجية مع أفغانستان، هو أنها أمسكت ‘أوباما’ من رقبته ووضعته تحت رحمة شروطها، لأن إنسحاب 75 ألف حندي وضابط من الجيش الأمريكي، وملايين الأطنان من المعدات والآليات العسكرية من أفغانستان، لا يمكن أن يتم إلا بموافقة إيران وحمايتها.. لكن ذلك لن يكون دون ثمن تدفعه أمريكا يرضي طهران.. وهنا يختبأ الذئب.
بمعنى، أننا أمام نفس سيناريو العراق، حيث بالرغم من تعاون إيران في ضمان الإنسحاب الأمريكي من هذا البلد العربي، إلا أن الإدارة الأمريكية تنكرت لتعهداتها بعد الإنسحاب، ما دفع بإيران لتغيير قواعد اللعبة السياسية في هذا البلد وضمه لمحورها من دون أن تطلق رصاصة واحدة، فأوعزت أمريكا للسعودية بإشعال فتنة مذهبية تتحول إلى حرب أهلية، لكن الفتنة فشلت فاستعاضت عنها مملكة الشر الوهابية بعمليات إرهابية وحشية غير مسبوقة أمام صمت الإدارة الأمريكية والغرب.
خيــاران أمــام ‘أوبامــا’.. أحلاهمــا مــر
الآن أمام الرئيس ‘أوباما’ خياران لا ثالث لهما، إما التراجع عن العقوبات الأخيرة التي اتخذتها إدارته ضد المؤسسات والأفراد الذين يتعاملون مع البرنامج النووي الإيراني لإنقاذ الإتفاق النووي المبدئي وعودة الوفد الإيراني لطاولة المفاوضات، دون الخوض في ملفات أخرى غير النووي حصريا حتى تنال إيران كامل حقوقها بضمانات دولية. وفي هذه الحالة ستسجل إيران إنتصارا كبيرا على أمريكا، ما سيظهر هذه الأخيرة ضعيفة أما العالم، وسيعطي إيران قوة دفع معنوية واحتراما لائقا بمكانتها كقوة إقليمية ودولية عقلانية صاعدة.
أو، أن يصعد “القرد” مرة أخرى إلى الشجرة ويرفض التراجع عن العقوبات.. وفي حال فعلها هذه المرة، فلن يجد من يضع له سلما لينزل به من عليائه، وما عليه سوى القفز على رأسه، بما يعني ذلك من بداية لعبة الفوضى في المنطقة، لكن بأوراق القوة التي تمتلكها إيران وحلفائها بالإضافة إلى روسيا وشركائها الأسيويين.. ومن المتوقع في هذه الحالة أن تُصعّد إيران بزيادة نسبة التخصيب إلى مستويات أعلى من السابق، ورفض التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة النووية، والتحضير لأسوأ السيناريوهات التي تجنبتها المنطقة حتى الآن، وكلنا يذكر أن إيران كما الولايات المتحدة كما حزب الله سبق وأن أكدوا أن البديل عن الإتفاق مع إيران هو الحرب.
أما من يعتقد في الإدارة الأمريكية وفي المنطقة بأن إيران أنهكتها العقوبات، وأنها مجبرة للعودة إلى طاولة المفاوضات مع السداسية لإنقاذ وضعها الداخلي المتردي، برغم قرار الإدارة الأمريكية الأخير… فنقول له، أنه واهم، ولا يعرف كيف تشتغل العقلية الإيرانية ولا كيف يفكر أصحاب القرار في طهران.
كما أن هناك حسابات خاطئة في الغرب، تفترض أن فشل الإتفاقية سيدفع بالشعب الإيراني، وخصوصا الشباب، إلى التمرد على الجناح المحافظ الذي يرفض التحلي بالليونة لإخراج البلد من عنق الزجاجة التي يوجد فيها حاليا، وهو ما سيعطي للرئيس ‘حسن روحاني’، الذي ترى فيه الإدارة الأمريكية ‘غورباتشوف’ إيران، الفرصة لتحديث الدولة وفق الرؤية النيوليبرالية الغربية حسب إعتقادهم.. هناك إحتمال قوي بأن تكون الإدارة الأمريكية تخطط لمثل هذا السيناريو، لكنه لا يعدو أن يكون وهما مبنيّا على حسابات لا علاقة لها بالواقع الإيراني، حيث الشعب متمسك بعقيدته ومبادىء ثورته المجيدة، كما أن أصحاب هذا التقدير يتجاهلون قدرة طهران على إجتراح المعجزات من خلال التعاون مع حلفائها الأقوياء والأوفياء، وتجربة العقود الثلاثة الماضية دليل على ذلك، وبالتالي، فعلى الواهمين القلق من قدرة إيران على تغيير الكثير من المعادلات في الشرق الأوسط وآسيا.. لأن النتائج ستكون بعكس كل التوقعات.
وحيث أنه من السابق لأوانه الحديث عن السيناريوهات المقبلة قبل معرفة الموقف الإيراني النهائي في حال اصرت واشنطن على قرار العقوبات الأخير، فلننتظر الأسبوع القادم لتنجلي الصورة بشكل أوضح، مع إعتقادنا أن عدم ثقة الإمام ‘خامنائي’ في ‘الشيطان الأكبر’ وتوقعاته بأن تكون أمريكا تمارس لعبة خداع جديدة، قد تكون في محلها، نظرا لطبيعة أمريكا الإنتهازية وسوابقها في التعامل اللا أخلاقي مع الدول بمن فيها الحليفة لها فأحرى القوى الصاعدة المنافسة.
مؤشـــرات مقلقـــــة
لكن المقلق في كل هذا، هو الخوف من أن تكون أمريكا التي كانت تعتقد أن إيران هي من سترتكب الخطأ لإفشال الإتفاق النووي، وبالتالي، تستطيع الإدارة الأمريكية حينها تحميلها المسؤولية وإتهامها بسوء النية، ما سيمكنا من جلب تعاطف الرأي العام الغربي ودعم المجتمع الدولي للوقوف وراء ضربة محتملة تقوم بها إسرائيل لمنشآتها النووية عبر الأراضي السعودية وبتعاون كامل من طرف مملكة الرمال والدماء والزيت، وإن كانت عديد التقارير تستبعد إمكانية قيام الكيان الصهيوني بمثل هذه المغامرة الإنتحارية، لعدم إمتلاك إسرائيل القدرة على تدمير مفاعلات إيران النووية من دون ضوء أخضر أمريكي، نظرا لخطورة رد الفعل الإيراني المدمر الذي لا يعرف بالضبط حجمه ومداه.
وقد أشار موقع “ستراتفور” الاستخباراتي الاميركي اليوم السبت إلى أن “إسرائيل” كانت تعتمد على الدعم اللا محدود من الشعب والكونغرس الأميركي، وقد قل هذا الدعم خلال السنوات الاخيرة، وإن لم ينقطع تماما. وما خسرته “إسرائيل” لحد الآن هو شيئان: أولا، فقدت السيطرة على الاستراتيجية الأميركية في المنطقة. وثانيا، فقدت سيطرتها على العملية السياسية الأميركية.
وقال الموقع، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ‘بنيامين نتنياهو’، يكره المحادثات الأميركية الإيرانية ليس بسبب السلاح النووي، بل بسبب التحول الاستراتيجي في السياسة الاميركية. وأن هناك إعادة تقييم ودراسة ردود الافعال على السياسة الأمريكية الجديدة في واشنطن، خصوصا بعد أن تبيّن أن تأثير “إسرائيل” على الولايات المتحدة انخفض بشكل كبير مقارنة بالماضي. ونستطيع الجزم من جهتنا، أن ما يصدق عن إسرائيل ينطبق كذلك على السعودية التي أشد ما تخشاه، هو ضمور نفوذها العربي وتراجع هيمنتها على العالم السني، وليس النووي الإيراني، وهذا هو مبعث كرهها لإيران.
لكن “إيران’ التي لا تثق في الولايات المتحدة وتتحسب لأية حماقة صهيونية، خرج قائد دفاعها الجوي الايراني العميد ‘اسماعيلي’ ليعقد مؤتمرا صحفيا اليوم السبت، أعلن فيه، أنه تم تزويد جميع المراكز الحساسة والنووية والحدودية للبلاد بعدد كاف ولافت من منظومة الرصد “راصد 32″، بأمر من قائد الثورة الإمام علي خامنئي، كاشفا الستار عن أن سماء إيران أصبحت الآن مغلقة بالكامل، وأن عدد من الإجراءات الدفاعية تم اتخاذها من خلال نشر العديد من الرادارات الحساسة ومظومات الصواريخ المتطورة لمواجهة كل هجوم محتمل سواء بالطائرات أو صواريخ كروز المجنحة، وقال أن لإيران وسائل ردع قوية من شأنها إحباط أية مغامرة تستهدفها، بما في ذلك طائرات من دون طيار فائقة السرعة ومحملة بصواريخ موجهة بالكامل.
قد يكون مثل هذا السيناريو مستبعدا “نظريا” في المرحلة الحالية، لكن متغيرات دولية جديدة دخلت لتخلط أوراق اللعبة من جديد وتْلبّد جو التعاون والتفاهم الذي كان سائدا بين الأمريكي والروسي قبل اليوم، ونقصد بذلك إصرار الإتحاد الأوروبي بإيعاز واضح من أمريكا على إشعال الإضرابات في أوكرانيا التي رفض رئيسها توقيع إتفاقية الشراكة مع أوروبا، مفضلا الإنضمام إلى جمهوريات الإتحاد السوفييتي السابق من بوابة الإتفاق الجمركي.
ويشار في هذا الصدد، أن روسيا سارعت أول أمس إلى اتهام أعضاء من الإتحاد الأوروبي بالتظاهر والتحريض على الإضطرابات في هذا البلد المجاور لروسيا. كما أن الرئيس ‘بوتين’ خرج عن صمته واتهم الرئيس ‘أوباما’ بالسعي لتعويض ما خسره في سورية من خلال محاولة ضم أوكرانيا إلى الإتحاد الأوروبي، وأن ما تقوم به أوروبا في هذا البلد هو بتحريض من أمريكا.
هذا بالإضافة إلى أن أمريكا لا تزال تصر على إقامة الدرع الصاروخي في أوروبا من دون إشراك روسيا، ما يؤكد أن المزاعم القائلة بأنها ستكون في مواجهة الصواريخ الإيرانية ليست صحيحة، وأن المقصود بها هي روسيا تحديدا، وهذا ما أكده الرئيس ‘بوتين’ حين ذهب حد القول، أن روسيا ستطور منظومة جديدة لمواجهة هذا الخطر الداهم على الأمن القومي الروسي، بالإضافة إلى أن زرع مثل هذه الدرع بمقربة من الحدود الروسية يقوض إتفاقية تقليص الترسانة النووية الموقعة بين البلدين.
عــودة شبــح سيناريــو الكارثـــة
فهل نحن أمام مقدمات لعودة شبح الحرب إلى المنطقة من البوابة الإيرانية هذه المرة؟..
هذا هو السؤال الذي يفرض نفسه في سياق هذا التحليل، لأنه بالإضافة للمؤشرات السالفة الذكر، علينا إستحضار ما أشار إليه سماحة السيد في إطلالته الإخيرة على قناة (OTV) اللبنانية حول موضوع الحرب، حيث قال ما مفاده، إن الحرب لم تْستبعد بشكل نهائي وإنما أجلت بسبب الإتفاق النووي الإيراني.
لكن هناك مؤشر آخر جديد طفى على سطح الأحداث هذا الأسبوع، ويتعلق الأمر بمغادرة عديد الأمراء والشخصيات المتنفذة في السعودية إلى الخارج مع عائلاتهم للإقامة في منازل وقصور يملكونها في دول اوروبية وفي المغرب، وهؤلاء حسب مصادر مقربة من القصر السعودي سربت الخبر لوسائل الإعلام، هم على خلاف مع الجناح المتنفذ في المملكة (بندر والفيصل و ولي العهد).
الأخبار تتحدث عن سيناريوهين: الأول، أن تكون الخشية من الوقيعة بهم من قبل جناح بندر والفيصل مع قرب رحيل الملك هي من دفعهم إلى المغادرة، وهذا احتمال ضعيف. والثاني، أن يكون الخوف من اشتعال المنطقة بسبب التحالف السعودي الإسرائيلي والمخطط التي تم إعداده لتقوم إسرائيل بضرب المفاعلات النووية الإيرانية من خلال الأراضي السعودية هو من جعلهم يسارعون لمغادرة المملكة.
وإذا أخذنا بالإعتبار التصريحات المكثفة والمتواصلة للقيادة العسكرية الصهيونية عن قرب إندلاع حرب حاسمة مع حزب الله، يْعتقد أنها ستنطلق بشكل مفاجأ ودون سابق إنذار، إضافة إلى القرار السعودي بتفجير لبنان، وإنهاء الجيش الحر في سورية بعد هروب العميل ‘إدريس’ إلى قطر وتسليمه مخزون السلاح إلى المتطرفين في الجبهة الإسلامية التي أصبحت الجيش البديل عن كل المجموعات المقاتلة الأخرى، بأوامر سرية مباشرة من واشنطنن وفق معلومات مؤكدة، في أفق حل إئتلاف “الجربا”، وضخ مزيد من السلاح والإرهابيين إلى سورية، حيث تتحدث آخر التقديرات عن وجود 70 ألف إرهابي لإعادة التوازن على الأرض.. فنحن حتما أما سيناريو الكارثة.. وهذا هو موضوع المقال المقبل بحول الله.
وإذا كان الأمر كذلك، فسيكون اللأوان قد آن لتدفع الإدارة الأمريكية والسعودية وإسرائيل ثمن الخراب الذي زرعوه في العراق وسورية ولبنان واليمن.
نتمنى أن نكون مخطئين، وأن تسود العقلانية كل الأطراف، وأن يكون قول ‘لاريجاني’ بأن الإتفاق النووي الإيراني أصبح اليوم “في مهب الريح”، هو مجرد ورقة ضغط لإجبار الإدارة الأمريكية على التراجع عن خيار العقوبات.